يشكل قطاع الرعاية الصحية أحد أهم الركائز في دول العالم المختلفة، والتي تعتمد عليه لإبراز نموها الاقتصادي ومدى حرصها على تقديم خدمات ذات معايير عالية لمواطنيها أو للوافدين، كما تختلف طرق الاهتمام الذي تمنحه هذه الدول للقطاع، ويأتي هذا الدعم على صورة بناء مستشفيات أو مراكز طبية متخصصة، وتزويدها بالأجهزة والمعدات اللازمة، إضافة إلى تشجيعها على تطوير وسائل العلاج ومهارات العاملين في هذه المؤسسات، لرفع مستوى الجودة في الخدمات.
حجم الإنفاق على القطاع الصحي
أشار تقرير مشترك بين منظمة الصحة العالمية ومجموعة البنك الدولي، إلى وجود أكثر من 400 مليون شخص في العالم لا يحصلون على الخدمات الصحية الأساسية، وأن 6% من سكان الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تعاني من الفقر المدقع، يعيشون على 1.25 دولار باليوم، بسبب اضطرارهم إلى دفع تكاليف ونفقات الرعاية الصحية، خاصة أن هذه الخدمات لا تقدم مجانًا بالوطن العربي، بل يكون المواطن بحاجة إلى تسديد فواتير الفحص والعمليات والجراحات والأدوية من ماله الخاص بنسبة 60 إلى 80%.
كما يذكر التقرير أنه عندما ارتفع مقياس الفقر إلى دولارين في اليوم، ارتفعت نسبة الفقراء الذين يعانون من الفقر بسبب النفقات الصحية إلى 17%.
أيضًا أوضحت بيانات البنك الدولي لعام 2014 أن حجم الإنفاق على الرعاية الصحية يعد مرتفعًا نسبيًا، مع وجود تفاوت كبير بين الدول العربية النفطية والدول العربية الأخرى، إذ يصل نصيب الفرد في قطر نحو 2.106 دولار أمريكي، وفي الإمارات العربية المتحدة 1610 دولار أمريكي والكويت 1385 دولار أمريكي والبحرين 1242 دولار أمريكي والمملكة العربية السعودية 1147 دولار أمريكي وعمان 675 دولار أمريكي ولبنان 568.7 دولار أمريكي وليبيا 371 دولار أمريكي والجزائر 361 دولار أمريكي والأردن 358.9 دولار أمريكي وتونس 305.3 دولار أمريكي والعراق 292 دولار أمريكي وجيبوتي 190.8 دولار أمريكي والمغرب 190.1 دولار أمريكي ومصر 177.8 دولار أمريكي واليمن 79.9 دولار أمريكي وسوريا 66.5 دولار أمريكي وموريتانيا 48.8 دولار أمريكي.
أما دوليًا، فحلت سويسرا بالمرتبة الأولى في الإنفاق على المواطنين بقيمة مالية بلغت 9.673 دولار أمريكي للفرد الواحد، وتليها النرويج ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية وموناكو.
الإنفاق على الرعاية الصحية يعد مؤشرًا إيجابيًا لسمعة الدولة في المجتمع الدولي، ولذا يتطلب من الدول العربية توجيه الاستثمارات إلى القطاع الصحي والاستفادة منه لخدمة المواطن
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي، باسم جميل أنطوان في تصربحاته لموقع العربي الجديد، إن التفاوت في حجم الإنفاق الصحي في الدول العربية، خاصة بين دول الخليج وباقي الدولة العربية، يعود بالدرجة الأولى إلى الإنفاق الحكومي على هذا القطاع، حيث تصل ميزانية وزارة الصحة في الدول الخليجية خاصة في قطر والسعودية إلى مليارات، والسبب في ذلك هو العائدات المالية التي تتمتع بها هذه الدول مقارنة مع دول أخرى مثل سوريا ولبنان واليمن، ويضيف أنطوان أن العراق يحتاج إلى رفع نصيب فرده من الإنفاق الصحي الذي لا يتعدى 400 دولار، وذلك لارتفاع الأمراض في المنطقة والتي تحتاج إلى طاقم طبي ذي خبرة مهنية عالية.
وفي حوار للخبير الأردني، محمد الربضي، مع العربي الجديد يقول “الإنفاق على الرعاية الصحية يعد مؤشرًا إيجابيًا لسمعة الدولة في المجتمع الدولي، ولذا يتطلب من الدول العربية توجيه الاستثمارات إلى القطاع الصحي والاستفادة منه لخدمة المواطن”.
وفي حديث آخر نقله موقع عربي 21، للأمين العام المساعد في اتحاد الأطباء العرب، عماد الحوت، والذي يقول “كلما زادت الدولة من حجم الإنفاق على الرعاية الصحية، كان أفضل”، وأشار إلى أن استقرار السلطة يلعب دورًا كبيرًا، فالأنظمة غير المستقرة تنفق على السلاح مثلًا أكثر مما تنفقه على الرعاية الصحية.
مستقبل القطاع الصحي
بالنسبة إلى التوقعات المستقبلية بشأن قطاع الصحة، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مضاعفة حجم سوق العناية الصحية في دولها الأعضاء بحلول عام 2035، وبلوغه 4 أضعاف حتى عام 2060، إذ تهدف المنظمة إلى زيادة حجم الإنفاق على القطاع الصحي بنسبة 10% لعام 2030 من الناتج المحلي الإجمالي.
وهذا ما أشار إليه عبد العزيز المخلافي، الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية، أهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في الوطن العربي في تحسن الخدمات الطبية وتطويرها.
تحسن قدرات الأفراد والمؤسسات في الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية في الظروف كافة سيساعد على تطور القوانين والتشريعات المتعلقة بالرعاية الصحية وسياسات التأمين الصحي الإلزامي
وبحسب موقع الحياة، فقد نشرت شركة المزايا القابضة تقريرًا يوضح أن الحصة الأكبر من التركيز الاستثماري المتخصص خلال الفترة الماضية كان للقطاع السياحي وقطاع الرعاية الصحية، لتتجاوز مراحل تلبية الطلب المحلي إلى مرحلة تقديم خدمات طبية وسياحية عالمية قادرة على جذب الطلب إقليميًا وعالميًا، وأضاف أن تحسن قدرات الأفراد والمؤسسات في الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية في الظروف كافة سيساعد على تطور القوانين والتشريعات المتعلقة بالرعاية الصحية وسياسات التأمين الصحي الإلزامي.
ولفت التقرير إلى تعاظم الاستثمارات المتجهة نحو قطاع الخدمات الطبية، ففي دولة الإمارات تشير المؤشرات الرئيسية إلى أن متوسط النمو السكاني تجاوز 7%، وبناء على هذا، فمن المتوقع أن تسجل الدولة أعلى نسبة نمو في الطلب على المستشفيات بحلول عام 2025.
القيمة المالية الإجمالية للمشاريع التي تقام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبلغ نحو 55.2 مليار دولار تقريبًا، إذ يجري حاليًا تنفيذ 37 مشروعًا ضخمًا لبناء المستشفيات في دول الخليج والتي تبلغ قيمتها نحو 28.2 مليار دولار أمريكي
كما يذكر التقرير أن الاهتمام بالقطاع الصحي ظهر واضحًا في دولتي السعودية وقطر بالتحديد، فشهدت مدينتي جدة والرياض مشروع بكلفة 6.8 مليار دولار، أما قطر فأسست مجمع سدرة للطب والبحوث بكلفة 2.3 مليار دولار، إلى جانب دولة الإمارات التي تتجه في نفس الاتجاه في قطاع الرعاية الصحية والتي تجري مجموعة من المشاريع في مختلف إماراتها، مثل مستشفى العين بكلفة 900 مليون دولار ومستشفى المفرق بكلفة 600 مليون دولار.
وإجمالًا تشهد دول الخليج ارتفاعًا كبيرًا في عدد السكان، إذ بلغت النسبة نحو 20% ما بين عامي 2008 و2013، مما أدى إلى رفع الطلب على خدمات الرعاية الصحية.
كشف تقرير لـ”ألبن كابيتال للرعاية الصحية” أن القيمة المالية الإجمالية للمشاريع التي تقام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبلغ نحو 55.2 مليار دولار تقريبًا، إذ يجري حاليًا تنفيذ 37 مشروعًا ضخمًا لبناء المستشفيات في دول الخليج والتي تبلغ قيمتها نحو 28.2 مليار دولار أمريكي، هذا بحسب موقع العربي الجديد.
اقتصاد المستشفيات
وفي الوقت الحالي، نلاحظ انتشار مستشفيات متنوعة ومتخصصة بأمراض معينة مثل العيون أو الأسنان، إضافة إلى المستشفيات السياحية التي تكون أشبه بالمنتجعات السياحية أو الفنادق الفاخرة، والتي غيرت من مفهوم القطاع الصحي العلاجي التقليدي إلى مركز للاسترخاء والعناية الكاملة بصحة ونفسية المريض، إذ يعتبر هذا النوع من المستشفيات عمودًا رئيسيًا في اقتصاديات الكثير من الدول، لتملكها حصة من الأسهم في سوق البورصة العالمية.
ومثال على الثقل الاقتصادي الذي تكتسبه الدول المتقدمة من قطاع الصحة، في عام 2016 عندما ارتفع مؤشر “إم إس سي آي” العالمي للبلدان الصناعية نحو 8%، ارتفعت طردًا معه قيمة أسهم قطاع الرعاية الصحية بنسبة 17% مع زيادة في عدد المساهمين فيها.
يعتبر قطاع الصحة اليوم واحدًا من أكثر وأسرع القطاعات نموًا في المستقبل، لأسباب ليس أقلها التغيير الديموغرافي وتطور الاكتشافات الطبية بكل فروعها وتطور النظم الصحية في الدول النامية وزيادة أمراض العصر
وبهذا الخصوص، يقول الخبير في سوق المال في ألمانيا، غابريال هيبالا، لـ صحيفة الشرق الأوسط “قطاع الصحة يعتبر اليوم واحدًا من أكثر وأسرع القطاعات نموًا في المستقبل، لأسباب ليس أقلها التغيير الديموغرافي وتطور الاكتشافات الطبية بكل فروعها، وتطور النظم الصحية في الدول النامية، وزيادة أمراض العصر”.
ويضيف “لا يتضمن قطاع الصحة تطوير العقاقير ووسائل العلاجات أو التكنولوجيا الحيوية فقط، بل أيضًا شركات الأجهزة الطبيعية والأدوية والشركات المصنعة لكل المعدات الطبية والأجهزة، ومنها الأطراف الاصطناعية التي تماشي التطور التقني الحالي”.
الخلاصة أن الفطاع الصحي عاملًا مهمًا في تطور الدولة، بسبب دوره في الاهتمام بصحة أفراد المجتمع، الذين بدورهم سيعملون على زيادة الإنتاج والتقدم من أجل تحسين الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي الزيادة من ارتفاع النمو الاقتصادي.