على ضوء تطورات ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، وما جرى التوصل له من اتفاق جديد بين حركتي “فتح” و”حماس” بعد 10 سنوات من الانقسام الكبير، تسعى جمهورية مصر العربية إلى تعزيز دورها ومكانتها في الساحة الفلسطينية عبر رعاية أعقد وأصعب الملفات.
الدور المصري في رعاية المصالحة الفلسطينية لم يتوقف عند توقيع حركتي “فتح” و”حماس” الخميس الماضي على اتفاق المصالحة الذي جاء بعد اجتماعات مكثفة بقيادة جهاز المخابرات المصرية في القاهرة، بل أكثر من ذلك حين قررت مصر أن تحيط بهذا الملف سياج قوية من كل جانب خوفاً من الفشل مرة أخرى.
وقبل أسبوع وقعت حركتا “فتح” و”حماس” اتفاق المصالحة الفلسطينية، في محاولات لإنهاء صفحة الانقسام الذي استمر لأكثر من 10 سنوات متتالية، واتفقت الحركتان، خلال مؤتمر توقيع المصالحة في القاهرة، على تمكين حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمدالله، من ممارسة مهامها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة بالتوازي مع الضفة المحتلة، بحد أقصى مطلع ديسمبر المقبل، وإزالة المشاكل التي خلّفها الانقسام.
دور جديد
وهنا، قد علمنا مؤخرًا من مصادر خاصة في وزارة الخارجية المصرية، أن مصر سترسل خلال أسابيع قليلة وفداً أمنياً رفيع المستوى إلى قطاع غزة، لمتابعة تنفيذ اتفاق المصالحة على الأرض دون أي عقبات.
وقال المسؤول المصري الذي رفض الكشف عن اسمه، إنه “خلال أسابيع قليلة سيتوجه وفد من جهاز المخابرات المصرية إلى غزة، عبر معبر رفح البري، وعقد لقاءات مع قيادات في حركتي “فتح” و”حماس” بغزة، لمتابعة خطوات تنفيذ المصالحة على أرض الواقع”.
مصر ستتولى كل الأمور المتعلقة بالأمن في القطاع وتوزيع المهام بين الحركتين ومراقبة العمليات العسكرية وأي خروقات أمنية وإطلاق صواريخ من غزة
وأضاف المصدر: “مصر وخلال السنوات الماضية فشلت في الكثير من الأحيان بإحداث اختراقه جوهرية ونوعية في ملف المصالحة الفلسطينية الشائك والعالق، ولكن ما جرى خلال الأيام الأخيرة قطعاً شوطاً كبيراً نحو تحقيق الوحدة الفلسطينية لأول مرة منذ سنوات”.
وذكر المسئول المصري، أن مصر تسعى الآن إلى إنجاح جهودها في المصالحة الفلسطينية وعدم العودة لمربع الانقسام والاتهامات الأول، لذلك ووافقت على أن يقيم الوفد الأمني المصري في قطاع غزة بشكل دائم، لمراقبة تنفيذ الاتفاق عن قرب ومحاولة تجاوز أي عقبة تعترض طريق تحقيق الوحدة الفلسطينية”.
وفي ذات السياق، كشف المسئول المصري، أن الملف الأمني في قطاع غزة ستتم إدارته بشكل كامل عبر تشكيل لجنة أمنية ثلاثية مشتركة، وخاصة بين “مصر-فتح-حماس”، وستتولى كل الأمور المتعلقة بالأمن في القطاع وتوزيع المهام بين الحركتين ومراقبة العمليات العسكرية وأي خروقات أمنية وإطلاق صواريخ من غزة.
وأوضح أن هناك اتفاقاً مبدئياً تم التوصل له في لقاء القاهرة الأخير، على أن يكون لمصر دور في توزيع المهام والإشراف الأمني على القطاع من خلال تلك اللجنة المشتركة، التي سيوجد بها ممثل أمني مصري دائم من جهاز المخابرات للمتابعة والإشراف.
تصرّ حركة “حماس” على ضرورة دمج جميع موظفيها في الجهازين المدني والعسكري، وفق رتبهم الحالية، الأمر الذي ترفضه “فتح”
وتوقع أن يبدأ بتطبيق الخطة الأمنية الجديدة في قطاع غزة وتفعيل اللجنة الثلاثية المشتركة، مطلع العام المقبل على أبعد تقدير، بعد التفاهم بين حركتي “فتح” و”حماس” على كل نقاطها وخطة عملها.
وكان الملف الأمني أبرز إشكاليات المصالحة، خاصة أن الحكومة ستتسلم القطاع وبه منظومة أمنية متكاملة، تقودها قيادات وعناصر محسوبة على حركة “حماس”، بعقيدة أمنية قد لا تتفق مع عقيدة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
واعتبرت “حماس” تصريحات عدد من المسئولين في السلطة “غير مبشّرة”، وقال موسى أبو مرزوق، الثلاثاء 17 أكتوبر 2017، في تغريده له على موقع “تويتر”، إن تصريحات عدد من مسؤولي السلطة بشأن ملفات المصالحة المختلفة “لا تبشّر بالخير”. وتصرّ حركة “حماس” على ضرورة دمج جميع موظفيها في الجهازين المدني والعسكري، وفق رتبهم الحالية، الأمر الذي ترفضه “فتح”.
خط أحمر
وهنا شدد أحمد يوسف، القيادي البارز في حركة “حماس”، بالضفة الغربية المحتلة، أن حركته لن تسمح لأحد بالمساس بالمقاومة الفلسطينية، قائلاً:” المقاومة خط أحمر لن نسمح لأحد بتجاوزه مهما كانت الظروف والتحديات الداخلية والخارجية”.
وأكد يوسف، لـ”نون بوست”، أن الملف الأمني في قطاع غزة معقد وهام للغاية، وأن نقطة خلاف في تنفيذ ما جرى التواصل له قد يعيدنا لمربع الانقسام من جديد، لذلك يجب أن يتم التعامل معها بحذر شديد وتوافق بين كافة الفصائل بما فيهم حركة “حماس”.
ولفت القيادي في حركة “حماس”، إلى أن أي لجان يتم تشكيلها لمراقبة ومتابعة الملف الأمني في قطاع غزة، يجب أن تضع أن فلسطين تحت احتلال إسرائيلي غاشم ومجرم، لذلك ملف سلاح المقاومة سيكون بعيداً تماماً عن طاولة النقاش بين الفصائل والقوى.
من جانبه رأى المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني هاني المصري، أن ما يهم مصر في المقام الأول هو أمنها، لذلك ركزت على تسلّم السلطة الفلسطينية الأمن والحدود والمعابر في قطاع غزة، ضمن لقاءات المصالحة التي جرت على أراضيها.
وذكر أن مصر كذلك تسعى من خلال المصالحة الفلسطينية لاستعادة دورها الإقليمي، لذلك ستكون حريصة أكثر على تنفيذ الملف الأمني بما يتوافق مع أمنها أولاً وأخيراً، ووجدت في السلطة وأجهزتها الأمنية الحل لذلك، وليس في سيطرة “حماس” على أمن وحدود غزة.
حكومة الوفاق الوطني تسلمت مهامها رسمياً في قطاع غزة الاثنين من الأسبوع الماضي، وطُلب منها تأجيل رفع الإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس محمود عباس، لحين معرفة النتائج التي توصلت إليها حوارات القاهرة
هذا ويسعى الرئيس الفلسطيني وزعيم حركة فتح، محمود عباس، لاستعادة نفوذه في غزة كما سيخفف من قبضة حماس، وذلك بعد انضمام ثلاثة آلاف من أفراد الأمن التابعين لحركته إلى قوة الشرطة في القطاع على مدى عام، بموجب اتفاق وحدة توسطت فيه مصر عام 2011.
لكن الجانبين يأملان أن يشجع اقتراح نشر أفراد أمن من السلطة الفلسطينية التي تقودها فتح على حدود غزة، بموجب الاتفاق، مصر وإسرائيل على تخفيف القيود على المعابر الحدودية، وهي خطوة مطلوبة بشدة لمساعدة غزة في إنعاش اقتصادها، وتحسين مستويات المعيشة لسكانها وعددهم مليونا نسمة.
يذكر أن حكومة الوفاق الوطني تسلمت مهامها رسمياً في قطاع غزة الاثنين من الأسبوع الماضي، وطُلب منها تأجيل رفع الإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس محمود عباس، لحين معرفة النتائج التي توصلت إليها حوارات القاهرة.