تأهل منتخب مصر إلى نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، احتفلت الجماهير في الشوارع حتى الثمالة، رقص عمرو أديب على الشاشة كما لم يفعل من قبل، لميس أيضًا شاركتنا فرحتها التي لا قيمة لها، مجدي عبد الغني توارى عن الأنظار لكن الكاميرات قامت باصطياده في صدفة مرتبة، الكل سعيد في البقعة الحزينة، حتى أنا كنت سعيد كنت سعيد للغاية واكتشفت أن كل كلامي عن غضبي ومقتي على هذه البلاد ما هو إلا جعجعة فارغة وأنني ما زلت أنتمي إلى هذه البلاد، لكن شيئًا ظهر في خلدي فجأة ونغّص علي فرحتي؛ هيكتور كوبر ما زال على رأس القيادة الفنية للمنتخب، كوبر سيكون مدربنا في المونديال الذي غبنا عنه لمدة 28 عامًا، أي حظ هذا!
في قادم السطور سأحاول تلخيص أغلب الأسباب التي تجعلني مصرًا على رحيل الأرجنتيني كوبر الآن وليس بعد قليل.
طوال الوقت كان مؤيدو كوبر يقولون “نوصل الأول بعد كده يحلها ربنا” ، والحقيقة أنني متفهم لنقطة التعطش للوصول إلى المونديال الغائب منذ قرابة الثلاثين عامًا وأننا مستعدون لفعل أي شيء واحتمال أسوأ وأكثر المباريات مللًا من أجل عيون المونديال
نبدأ بالبديهيات، نحن كمشجعين كرة قدم لا نربح ماديًا تمامًا من الكرة بل على العكس في الزمن الحديث. نحن كمشجعين لكرة القدم ندفع من أموالنا الخاصة كي نشاهد المباريات سواء في المدرجات أو من خلال شاشات التلفاز. الأمر الوحيد أو القيمة الوحيدة التي نحصدها من كرة القدم هي المتعة وفي الزمن الحالي صارت عملة نادرة. المتعة وتسلية النفس ونسيان الحياة الصعبة لمدة تسعين دقيقة، هي الأشياء التي يتحصل عليها كل مشاهدين الكرة في العالم.
بالطبع هنالك في قيم ثانوية تختلف من مشاهد لآخر مثل الفخر بالفريق وانتصاراته وهجاء مشجعين الفريق المنافس، أو “الحط عليهم” بالبلدي على هامش اللعبة، لكنها ليست جزء أصيل من اللعبة. ما علاقة كل هذا بهيكتور كوبر؟ علاقته أن هيكتور كوبر وعلى مدار تاريخه لم يلعب الكرة من أجل المتعة ولم يلعب كرة قدم جميلة تجعله رمزًا للأندية التي تولى تدريبها. وكان طوال الوقت يعامل مهنة المدير وكأنها وظيفة رتيبة ومملة في أرشيف مجمع التحرير، المشكلة تكمن أن كوبر رغم كل هذه الخبرات والعمر الطويل في الملاعب لم يفهم كرة القدم ولذلك كانت تعاقبه كرة القدم على الدوام و بالطريقة القاسية، خسارة دوري في الجولة الأخيرة، خسارة نهائي دوري أبطال أوروبا بركلات الترجيح وأخيرًا خسارة بطولة أمم أفريقيا في الدقيقة 90. ربما يكون كوبر مجتهدًا ومخلص لعمله ويتحمل الضغوط لكن المؤكد أنه ضل طريقه إلى كرة القدم.
فيما يخص نقطة الوصول إلى كأس العالم نفسه، فطوال الوقت كان مؤيدو كوبر يقولون “نوصل الاول بعد كده يحلها ربنا”، والحقيقة أنني متفهم لنقطة التعطش للوصول إلى المونديال الغائب منذ قرابة الثلاثين عامًا، وأننا مستعدون لفعل أي شيء واحتمال أسوأ وأكثر المباريات مللًا من أجل عيون المونديال. لكن الآن انتفت العلة فلقد وصلنا بالفعل لكأس العالم ولم نعد مضطرين إلى مشاهدة 90 دقيقة من الخراء الكروي والتمتع بلاعبين ضلّوا طريقهم من المصارعة الرومانية إلى كرة القدم.
والوصول لكأس العالم إلى جانب كونه هدف أولي إلا أنه في النهاية وسيلة نقول من خلالها للعالم أجمع أن مصر بلد تلعب كرة قدم جميلة، وها نحن هنا فشاهدونا كما شاهدتم الجزائر وهي تقاتل وتستبسل وتهاجم وكانت قاب قوسين أو أدنى من إخراج ألمانيا في دور الـ16 في كأس عالم الأخير، لدرجة أن يواكيم لوف مدرب ألمانيا صرح بعد نهاية كأس العالم قائلًا، إن مباراتهم أمام الجزائر كانت أصعب مباراة بعد مباراة النهائي أمام الأرجنتين وأنها أحد أصعب مباريات حياته. وأتذكر ويتذكر الجميع كيف لعبت الجزائر مباراة للتاريخ من كافة النواحي جعلت العالم كله يقف مشدوهًا فاتحًا فاه من سحر محاربو الصحراء والفضل كل الفضل يعود إلى خليلوزيتش مدرب الجزائر آنذاك. أما الآن مجرد تخيل مواجهة طرفيها مصر وألمانيا في كأس العالم القادم يعد بمثابة كابوس يؤرقني.
ما الهدف أو المغزى إذن من إبقاء مدرب يلعب كرة قدم بلا ملامح ومملة وتافهة وعقيمة بهذا الشكل؟
بديهيات مرة أخرى، طبيعي جدًا ولا يمثل ثمة إنجاز حقيقي في أن يفوز المنتخب المصري على المنتخب الكونغولي أمام 100 ألف مشجع في الإسكندرية، ودولة بأسرها تقدم الدعم، وفريق أكثر من نصفه من المحترفين، وفي النهاية إنها الكونغو وليست البرازيل، غير الطبيعي هو أن يكون الفوز عليهم مهمة شاقة للحد الذي يجعل الفوز يتأجل حتى الدقيقة 94 ومن ضربة جزاء.
نأتي الآن للجانب الفني، الحجة الشهيرة جدًا التي يتداولها محبي كوبر وهي ‘‘ ده القماشة اللي معاه ‘‘. أولًا أي مدرب عندما يتولى مسؤولية نادٍ ما يبدأ بتقييم اللاعبين المتواجدين ومن ثم يبدأ يستبعد بعض اللاعبين سواء عشان لأسباب فنية أو سلوكية أو أي سبب آخر ومن ثم يضع طريقة اللعب التي تتناسب مع إمكانيات لاعبيه ومن ثم يحدد المراكز التي تحتاج إلى تدعيم أو تحتاج إلى لاعبين بجودة أعلى ومن ثم يبدأ يشتري ويجرب ويفشل ويجرب حتى يجد ضالته أما في حالة المنتخبات فالموضوع أفضل من الأندية طبعًا لأنك كمدرب لست مقيدًا بإمكانات النادي المادية وإنما بفاكس واحد تستدعي أي لاعب يحمل جنسية البلد.
لا أحد يجرؤ أن يقول أننا نلعب كرة دفاعية لأن كل الفرق التي واجهتها مصر سواء خلال أمم أفريقيا أو التصفيات المؤهلة لكأس العالم وصلت إلى مرمى المنتخب وبسهولة بالغة
لو ألقينا نظرة على هيكتور كوبر من نفس المنظار لا يجرب ولا يغير ولا تأتيه الجرأة لا من بين يديه ولا من خلفه حتى تقع الفأس في الرأس تمامًا وتحل المصيبة ويكون هذا بعد خراب مالطة. 4-2-3-1 وكأنها قرآن لا تمس، هل تمتلك إمكانيات هذه الخطة؟ أولًا الاثنين الباكات أعمارهم تجاوزت الثلاثين، لا تمتلك ارتكاز بوكس تو بوكس قادر على آداء مهامه على أكمل وجه “يوجد في مصر طبعًا لكن لا يتم استدعاؤه أو لا يتم إشراكه مثل كلًا من هشام محمد وصالح جمعة”، لا تمتلك لاعب قاطع كرات وممرر على مستوى عال وقادر على الاحتفاظ بالكرة تحت ” يوجد حسام عاشور أفضل لاعب في المركز ده في مصر حسب إحصاءات موقع “كورة ستاتس” واختيارات الاتحاد الافريقي لقائمة جولات دوري أبطال أفريقيا. سأقول أن كل مدرب وله قناعاته الخاصة باللاعبين وليس من حق أحد فرض أي لاعب على المدير الفني الذي يتحمل الخسارة وحده لكن لماذا الاصرار على خطة ونهج تكتيكي لا تمتلك الأدوات اللازمة لهما ؟ أين 4-1-4-1 أو 3-4-3 أو 4-4-1-11 أو أي خطة تناسب القائمة التي تقوم باختيارها؟
المشكلة أيضًا، أن لا أحد يجرؤ أن يقول أننا نلعب كرة دفاعية لأن كل الفرق التي واجهتها مصر سواء خلال أمم أفريقيا أو التصفيات المؤهلة لكأس العالم وصلت إلى مرمى المنتخب وبسهولة بالغة. مثال صغير: هدف الكونغو في المباراة الأخيرة، آخر هدف تلقته مصر في التصفيات هو نسخة طبق الأصل من هدف الكونغو الأول في أول مباراة في التصفيات، المباراتين كان بينهما حوالي سنة كاملة!
مشكلة منتخب مصر في رأيي تتمثل في أمر بسيط وهو أنك عندما ترى لاعبي منتخب مصر في أرض الميدان يهتف صوت بداخلك ويقول: “ماذا قيل لهؤلاء اللاعبين قبل المباراة في المحاضرة؟ هل قيل لهم شيء يذكر أكثر من الكليشيهات المحفوظة مثل “نلعب لعبنا يا رجالة ونباصي من رجل لرجل” ؟ لا أظن.