يحل شهر رمضان المبارك هذا العام في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي مجموعة من التحديات والأزمات المستعصية، تتنوع بين النزاعات المستمرة والأوضاع الاقتصادية الصعبة. من فلسطين إلى سوريا، ومن اليمن إلى ليبيا، تمتزج الحروب بالفقر، وتعلو أصوات التحديات الاقتصادية، لتتفاقم الأوضاع التي يعيشها سكان هذه المناطق المنكوبة.
هذه الصعوبات الحياتية المعقدة، التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، جاءت نتيجة النزاعات المستمرة، وارتفاع معدلات التضخم، والصراعات الاقتصادية التي تعترض طريق الاستقرار.
وفي ظل الظروف الراهنة يتطلع المسلمون خلال الشهر الكريم، إلى تجاوز هذه التحديات من خلال بناء جسور السلام وتعزيز التضامن الدولي، وتكثيف التعاون بين الدول الإسلامية لتخفيف وطأة هذه الأزمات عن كاهل شعوب الدول المضطربة.
حروب وصراعات
تزامنًا مع دخول الشهر الفضيل، يبقى الصراع الدائر في فلسطين والسودان وسوريا واليمن، وغيرها، جرحًا عميقًا ينزف في قلوب المسلمين، إذ تعاني تلك المناطق من صراع دموي، وتواجه تحديات هائلة في الحفاظ على السلام والاستقرار.
يواجه أهالي قطاع غزة ظروفًا استثنائية في ظل الحرب المستمرة على القطاع منذ أكثر من 5 أشهر، فتجاوز عدد النازحين 1.7 مليون شخص وفق إحصاءات رسمية، يشكّلون 75% من مجمل السكّان، البالغ عددهم 2.3 مليون، فضلًا عن فقدان حياة أكثر من 31 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال.
تصف المنظمات الدولية الحياة في غزة بأنها “مروّعة” مع بلوغ خطر المجاعة مستويات كارثية خاصة في مناطق شمال القطاع، ما أدى إلى وفاة الكثيرين بسبب الجوع.
وتشير التقارير إلى أن قطاع غزة استقبل الشهر الفضيل بلا تحضيرات أو ممارسات اعتادها السكان خلال السنوات الماضية، وسط تشرّد العوائل، وفقدان الغذاء والماء والدواء وأبسط مقومات الحياة.
وفي السودان تصاعدت المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليستقبل السودانيون شهر رمضان، في معسكرات النزوح وخطوط الاشتباكات، وتأثيرات الوضع الاقتصادي المتدهور.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الأسر السودانية لم تستطع توفير أبسط السلع الخاصة بالشهر الفضيل، ولا يحصل معظم النازحين على وجبتي السحور والفطور.
ومع التحذيرات التي أطلقها برنامج الأغذية العالمي من أن الحرب الدائرة في السودان قد تخلف أكبر أزمة جوع في العالم، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مع بداية رمضان نداءً جديدًا “لوقف الأعمال العدائية في السودان”.
كما تعاني سوريا واليمن وليبيا وأفغانستان، من استمرار الأزمة الإنسانية المزمنة والصراعات المعقدة، وتداعياتها الإنسانية الكارثية، وسط تحولات سياسية تتسارع، لتعيد تشكيل البنية الاجتماعية وتؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.
فقر وغلاء
رغم حلول شهر الخير والعطاء ما زال الفقر والغلاء يلقيان بظلالهما الثقيلة على الطبقة المتوسطة وما دونها في العالم الإسلامي، حيث يعاني الكثيرون من ضائقة مالية تجعل الحياة بحاجة إلى مزيد من الصبر والتكاتف.
تأثرت معظم الدول الإسلامية بموجة التضخم التي يشهدها العالم بسبب الصراعات الدولية التي أدت إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية، ما يجعل تجربة الصيام أكثر تحديًا للعديد من الأسر، ويبرز الحاجة إلى التضامن والتعاون في هذه الأوقات العصيبة.
وسجّلت معظم الدول العربية والإسلامية تراجع مظاهر الاحتفاء بشهر رمضان بسبب الغلاء، وارتفاع مستوى الفقر في الكثير من تلك الدول التي اعتادت تزيين الشوارع والساحات العامة بالزينة والأنوار، فضلًا عن شراء المستلزمات الخاصة بهذا الشهر.
وتشهد العديد من الدول ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية خلال شهر رمضان مع تزايد الطلب على السلع الغذائية والاستهلاكية المرتبطة بشهر الصيام، وسط تحركات حكومية مستمرة للسيطرة على الأسعار المتصاعدة.
رجّح الممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، عبد الحكيم الواعر، أن تؤدي اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر إلى رفع أسعار الغذاء، ليس فقط على مستوى المنطقة، ولكن على الصعيد العالمي.
وأوضح الواعر، في تصريحات إعلامية في 12 مارس/آذار الحاليّ، أن إيقاف إمدادات الغذاء بشكل سلس، خصوصًا عبر قناة السويس والبحر الأحمر، لمدة طويلة سيؤثر على أسعار الغذاء عالميًا، بسبب ارتفاع تكاليف النقل وزيادة الطلب خلال الفترة القادمة نتيجة اختلاف مواسم الحصاد بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.
وأشارت هيئة قناة السويس، إلى تضاعف رسوم الشحن للسفن المتجهة إلى موانئ البحر الأحمر لتصل إلى قرابة 7 آلاف دولار للحاوية الواحدة، مقارنة بنحو 750 دولارًا للحاوية قبل الأزمة.
وعلى صعيد متصل، حذر تقرير أممي من أنّ الصومال بات على شفا مجاعة جديدة قد تودي بحياة مئات آلاف الأشخاص بسبب تفاقم أزمة الجفاف، حيث بات 7 ملايين شخص يمثلون نصف سكان الصومال يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
يأتي ذلك وسط تحذيرات أممية من حصول أزمة غذاء عالمية بسبب استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وأزمة البحر الأحمر وتأثر إمدادات الأغذية، فقد انضمت كل من اليمن وسوريا ولبنان والسودان وموريتانيا ودول إفريقية أخرى إلى لائحة البؤر الساخنة للجوع، فضلًا عن 20 دولة تواجه خطر المجاعة خلال 3 أشهر القادمة.
أهمية التضامن
تتجسّد في رمضان أهمية تفعيل التضامن بين الدول الإسلامية، بما يتناغم مع المعاني السامية لهذا الشهر الفضيل، باعتباره فرصة لتعزيز روح التكافل، وتقديم الدعم لأولئك الذين يواجهون التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
يؤكد المختصون أن التضامن الحقيقي والفاعل بين الدول هو السلاح الأقوى في مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه العالم الإسلامي في الوقت الراهن.
وشدد رئيس الشؤون الدينية في تركيا علي أرباش على أهمية التضامن الإسلامي خاصة خلال رمضان، وأضاف خلال تصريحه في 12 مارس/آذار الحاليّ، أنه “يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف الظلم، من خلال إرسال المساعدات ومواصلة المقاطعة وعدم إغفال الدعاء لغزة وفلسطين. يجب علينا أن نلفت انتباه العالم بأسره إلى هذا الظلم”.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية حماس، في 7 مارس/آذار الحاليّ: “شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركة والإحسان، شهر التضامن والتكاتف والتعاضد بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، وفي القلب منها أرض فلسطين”.
وسط هذه الظروف عقد المجلس الدائم لصندوق التضامن الإسلامي في 14 فبراير/شباط الماضي، دورته السابعة والستين في مقر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة.
وجدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، تأكيده على أن قرار إنشاء صندوق التضامن الإسلامي كجهاز متفرع من منظمة التعاون الإسلامي، بمثابة خطوة عملية لترسيخ مفهوم التضامن الإسلامي بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.