في خطوة غير معتادة، نشرت نساء وفتيات عربيات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر قصصًا للمرة الأولى عن حالات التحرّش والاعتداء الجنسيّ التي تعرضنَ لها، ويعود الكثير منها لسنوات عديدة.
الحملة التي جاءت أساسًا بدعوة من الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو التي دعت نساء العالم لاستخدام هاشتاغ “MeToo” أو “أنا أيضًا”، بعد الفضيحة الكبيرة للمنتج السينمائي هارفي واينستين الذي يواجه اتهامات عديدة بالاعتداء والتحرش.
ولاقت الحملة تضامنًا كبيرًا ودعمًا قويًّا على تلك الصفحات، سواء من النساء أو الرجال، الذين تحدثوا عن حوادث تحرّش سمعوا بها، أو كانوا جزءًا من قصصها، لكنهم آثروا الصمت عنها، في ظلّ مجتمعاتنا التي تحكمها ثقافة العيب والخوف وتغيب عنها القوانين والقواعد التي تجرّم التحرش وتحمي ضحاياه وتأخذ بحقوقهم.
يُعرّف التحرّش الجنسيّ بأنه أي فعل أو سلوك ذي طابع جنسيّ غير مرغوب أو مرحّب به، بدءًا من التلفظ بتلميحات أو ملاحظات غير لائقة أو إباحية، أو اللمس غير المرغوب فيه، أو النشاط الجنسيّ الفعليّ.
ولأنّ التحرش الجنسي يمكن أن يتخذ عددًا من الأشكال المختلفة، فإنه يكون من الصعب أحيانًا تحديده أو فهمه، أو قد يتمّ النظر إليه بطريقةٍ مخالفة، ما قد يؤدي لتبعيات مكلفة لاحقًا.
كان يُنظر للمرأة على أنها المسؤولة عن منع وتجنّب إثارة الرجال، وأنّ أيّ محاولة من الرجل للتحرش بها أو اغتصابها فهي المسؤولة عنها تمامً
إشباع جنسيّ أم فرض سيطرة؟
في السابق، هيمن التفسير المرَضي للاعتداء أو التحرّش الجنسيّ على باقي التفسيرات، إذ كان يُنظر للمغتصبين أو المتحرّشين على أنهم مصابون بأمراض عقلية أو غير متوازنين كيميائيًا لأنهم لم يتمكنوا من السيطرة على دوافعهم الجنسية.
واستنادًا للرأي القائل بأنّ الاغتصاب كان نتاجًا للمرض، فإنّ نموذج العلاج المعتمَد كان موجهًا طبيًّا ويتضمن أساليب مثل الإخصاء، والعلاج النفسي، والصدمات الكهربائية، وحقن الهرمونات.
أما في سبعينات القرن الماضي فقد بدأت العديد من الحركات النسوية وغيرها بالدعوة إلى زيادة الوعي بقضايا الاعتداء الجنسي، وتحدي الفكرة القائلة بأن المغتصبين هم مريضين عقليًا أو غير متوازنين كيميائيًا.
وعلى الرغم من بدء اختفاء التفسير المرَضي للتحرش والاغتصاب، إلّا أنّ الاعتقاد بأنّهما نتيجةً لدوافع جنسية لا تقاوم، والذي يركّز على أنّ الرجال يقومون بتلك الأفعال لأنهم لا يستطيعون السيطرة على رغباتهم الجنسية، ظلّ مسيطرًا وسائدًا فترةً طويلة من الزمن. وبناءً عليه، كان يُنظر للمرأة على أنها المسؤولة عن منع وتجنّب إثارة الرجال، وأنّ أيّ محاولة من الرجل للتحرش بها أو اغتصابها فهي المسؤولة عنها تمامًا، إذ لم تقم بأي خطوات لمنع ذلك.
وسيلةً لإثبات الذات وتعويض النقص
يُعدّ الاغتصاب والتحرش الجنسيّ وسيلة لتعويض المشاعر الكامنة وراء ضعف المغتصِب أو عدم كفاءته وقدرته، وطريقةً يسعى من خلالها لسدّ ثغراته ونقاط ضعفه وملء احتياجاته في التمكّن، والسيطرة، والهيمنة، والقوة، والتخويف، والقدرة.
المجتمعات تميل إلى إلقاء اللوم على الضحايا، الإناث على وجه الخصوص، لما يحدث لهم أو يمرّون به، وليسَ صعبًا توقع أنّ المجتمعات الغربية لا تختلف عن مجتمعاتنا العربية في هذا بشيء
يملك المغتصِب تخيّلًا خاصًا أو فانتازيا عن التحرش والاغتصاب، ويميل إلى الاعتقاد أنّ الضحية ستسلّم نفسها في نهاية المطاف مستمعةً وطائعةً، حتى وإنْ أبدت الكثير من المقاومة في البداية، أو أوحت بالغضب والرفض.
ونظرًا لأنّ هذا لا يتعدّى بكونه خيالًا أو فانتازيا، فإنّ المغتصب لا يشعر بالرضا عن ذاته وأدائه فترة طويلة، ويقنع نفسه أنّ استجابة الضحية لم تكن حقيقية أو صحيحة، لذلك يبدأ في البحث عن ضحيةٍ أخرى، مقتنعًا أنّ اعتقاده هذه المرة سيكون صحيحًا وحقيقيًّا. وبالتالي، قد تتكرر جرائمه وتتعدد خلال فترة قصيرة من الزمن، لدرجة أنها قد تتحوّل لنوعٍ من الاضطراب القهري، وهو اضطراب نفسي يشعر فيه المصاب أنّ فكرة معيّنة تلازمه دائمًا وتحتلّ جزءًا من وعيه وشعوره بحيث لا يستطيع التخلّص أو الانفكاك منها.
لماذا تتردّد الضحية في الإفصاح عن حالات التحرش؟
في الواقع، هناك العديد من الأسباب التي تجعل ضحايا الاعتداء والتحرّش الجنسي يترددون في التحدث فورًا والإخبار عن الحادث.
قد يكون السبب الرئيسيّ أنّ المجتمعات تميل إلى إلقاء اللوم على الضحايا، الإناث على وجه الخصوص، لما يحدث لهم أو يمرّون به، وليسَ صعبًا توقع أنّ المجتمعات الغربية لا تختلف عن مجتمعاتنا العربية في هذا بشيء، فجميعنا رأينا كيف أنّ خبر تحرّش المنتج السينمائي هارفي واينستين بعدة نساء قد تفجّر بعد سنوات عديدة.
عدا عن أنّ الفكرة الثقافية والمجتمعية التي تقتضي بأنّ النساء والفتيات “الصالحات” لا يتعرضنَ للاغتصاب ما تزال تسود على نطاق واسع بين الناس، والتي بدورها قد تجعل ضحايا التحرّش والاعتداء الجنسي يعتقدون أنفسهم مخطئون أو يتحمّلون مسؤولية جزءٍ مما حدث معهم، فسؤال بسيط مثل “لماذا ذهبتِ إلى ذلك المكان؟”، أو “لماذا وافقتِ على لقاء ذلك الرجل؟”، يمكن لها بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ أن توجه اللوم للضحية بدلًا من الجاني.
بالإضافة إلى أنّ المتحرّش أو المعتدي قد يكون شخصية معروفة أو ذات سلطة عليا، مما يجعل الضحية تخاف من الإفصاح والشكوى، خشية أنْ يتحول الأمر ضدها.
نقطة أخرى مهمة وهي أنّ كثير من حالات التحرش يرتكبها شخص يعرفه الضحية، سواء كان صديقًا أو قريبًا أو زميل عمل، الأمر الذى قد يجعل التحدث من الصعوبة بمكان عند الضحية.