ذكرت دراسة جديدة أن التلوث بأنواعه جميعها – الهوائي والبيئي والغذائي – يساهم في وفاة 9 ملايين شخص سنويًا، أي واحد من كل ستة أشخاص، وبشكل أكثر دقة فإن حالات الوفاة المتصلة بالتلوث تزيد بنصف عدد الأشخاص الذين قتلوا بسبب التدخين، أي ثلاثة أضعاف عدد المصابين بالإيدز والسل والملاريا مجتمعة، وأكثر من ستة أضعاف عدد القتلى في حوادث الطرق، و15 ضعف عدد القتلى في الحروب أو قضايا العنف.
ومن أكثر البلدان معاناة من ظاهرة التلوث، الهند والصين وأمريكا الجنوبية وجنوب إفريقيا، والتي تكون عادة ناتجة عن عمليات التعدين والصهر، أو الانبعاثات الصادرة من السيارات والمصانع أو المواد الكيميائية المستخدمة.
مع العلم أن أكثر من 80% من سكان المناطق الحضرية يتعرضون لتلوث الهواء بمستويات تتجاوز الحدود القصوى التي حددتها منظمة الصحة العالمية، بالأخص السكان الذين يعيشون في المدن المنخفضة الدخل.
وجد باحثون أن التلوث المائي يتسبب بإصابة 1.8 مليون شخص بالأمراض المعوية والتي تقضي على حياته
حجم الضرر الذي يسببه التلوث لصحة الإنسان
عمل فريق من الباحثين في أكثر من 130 بلدًا على مشروع استمر لمدة عامين، لدراسة أسباب المرض والوفيات المبكرة التي ارتبطت بالتلوث في السنوات الأخيرة، والنتيجة أن 6.5 مليون حالة وفاة في عام 2015 كانت بسبب أمراض القلب والسكتات الدماغية وسرطان الرئة ومشاكل أخرى في جهاز التنفس.
كما يذكر الفريق الباحث أن أشد الناس معاناة في العالم وتضررًا من التلوث هم سكان البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وذلك بنسبة 92%.
أما الدول المتقدمة، فتهتم بالنظام البيئي كأولوية، وتوقف الصناعات القائمة على المواد المضرة وتستبدلها بالتقنيات التكنولوجية الحديثة، والسبب أن هذه الدول تهتم في تنمية اقتصاد قوي ومجتمع منتج.
إضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن التلوث المائي يتسبب بإصابة 1.8 مليون شخص بالأمراض المعوية والتي تقضي على حياتهم، أما غالبية الذين يعملون في مناجم الفحم ومعامل الصباغة فقد أصيبوا بالتهاب الرئة، والذي يتسبب في وفاة 800 ألف شخص سنويًا.
وبحسب موقع تلغراف، فإن غالبية حالات الوفيات الناجمة عن التلوث تحدث في الهند بنحو 2.5 مليون شخص، والصين بما يقارب 1.8 مليون حالة وفاة في السنة.
عربيًا، تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر تلوثًا في العالم، واحتلت لبنان المرتبة الثانية، ويليهما الأردن، هذا بحسب موقع نمبيو والذي قاس حجم التلوث في 99 دولة من مختلف قارات العالم، بينهم 11 دولة عربية.
الخسائر الاقتصادية
بالنسبة إلى الجانب الاقتصادي، فإن الدول التي تواجه مستويات عالية من التلوث تنفق الكثير على الرعاية الصحية لعلاج الأمراض المتعلقة بهذه المشكلة، والحد من حجم الأمراض والعدوى التي يسببها التلوث.
إذ نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا يشير إلى التكلفة المالية الناجمة عن الوفيات المرتبطة بالتلوث، فلقد سبب التلوث خسارة نحو 4.6 تريليون دولار من الخسائر السنوية – أو نحو 6.2% من الاقتصاد العالمي.
كذلك قدر حجم الوفيات الناتجة عن التلوث بـ16% من الوفيات في جميع أنحاء العالم، لذلك حذرت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، مارغريت تشان من هذه المشكلة، قائلة: “إذا لم تتخذ الدول إجراءات لجعل البيئة مكان أفضل وأكثر نظافة للعيش، فإن الملايين من الناس سيظلون مرضى وسيموتون في سن مبكرة”.
لذلك تنوه المنظمة إلى ضرورة التخلص من هذه المشكلة، لتحسين صحة المواطنين وبالتالي جني الكثير من المنافع الاقتصادية، والذي يمكن أن يتحقق من خلال تقديم المساعدة للدول النامية وإقناع المؤسسات الدولية بخطورة التلوث وآثاره، والتعامل مع الشأن البيئي بأولوية عالمية.
فالأشخاص الذين يموتون أو يصابون بالأمراض لا يساهمون بتنمية الاقتصاد بل بالعكس، هم بحاجة إلى من يعتني بهم، وهذه العناية اللازمة تتطلب الكثير من النفقات والتكاليف، وفي المقابل تفقد القدرة على الإنتاج.
يصف العلماء التلوث الهوائي بالقاتل الخفي بسبب ما يستنشقه الناس من انبعاثات المصانع وعوادم السيارات، بما أنه ثالث أكبر عامل مسبب للوفاة في العالم
وتأكيدًا على هذا، قال أرنستو سانشيز رئيس قسم البيئة في البنك الدولي: “لا يمكن تجاهل العلاقة بين التلوث والفقر، فالسيطرة على التلوث ستساعد على معالجة العديد من المشاكل المتعلقة بصحة العالم والإنتاج الاقتصادي العالمي بشكل عام”.
وبهذا الخصوص يقول عالم الأوبئة فيليب لاندريجان: “هناك الكثير من الدراسات عن التلوث، لكنها لا تتلقى أي مستوى من الاهتمام، وهذا على الرغم من خطورة هذه المشكلة، لكن العالم لا يراها لأنه لا يستطيع تخيل السم المتناثر في الجو والذي نتنفسه بشكل يومي”.
إذ يصف العلماء التلوث الهوائي بالقاتل الخفي بسبب ما يستنشقه الناس من انبعاثات المصانع وعوادم السيارات، بما أنه ثالث أكبر عامل مسبب للوفاة في العالم.
هذا وقد نشرت صحيفة الموندو الإسبانية تقريرًت حول التلوث و علاقته المباشرة بالعديد من حالات الوفاة في العالم. أشار التقرير إلى أن ملايين البشر يموتون سنويًا جراء التلوث بأنواعه. وأن نسبة الوفيات بسبب التلوث البيئي بلغت الـ 16 بالمائة و أغلبها بالبلدان الفقيرة والنائية. فتلوث الهواء والماء والتربة تتسبب في العديد من الأمراض الخطيرة كأمراض القلب والسرطان والجهاز العصبي وتنتهي بموت مبكر. وأضاف التقرير أنه حتى في البلدان المتقدمة تبقى دائما الطبقة الفقيرة هي الأكثر عرضة لمخاطر التلوث.
الحد من التلوث
اتخذت الهند بعض الإجراءات للتخلص من التلوث ومشاكله، مثل التشديد على قوانين منع الانبعاثات الخارجة من السيارات والمصانع، وتقليل عدد السيارات على الطرق وخاصة في مدينة نيو دلهي، وتجنب حرق النفايات واستخدام مصادر الطاقة غير المتجددة.
فلقد نجحت أكثر من نصف المدن المعرضة للتلوث في البلدان مرتفعة الدخل في التقليل من مستويات تلوث الهواء بنسبة تزيد على 5% في خمس سنوات، كما تنطبق هذه النسبة على ثلث المدن منخفضة ومتوسطة الدخل، والتي اتبعت بشكل أساسي استراتيجيات متعددة للحد من التلوث من خلال التقليل من انبعاثات المداخن الصناعية وإعطاء الأولوية لشبكات النقل السريع والسير وركوب الدراجات، إلى جانب الجهود المكثفة من مؤسسات حماية البيئة لإجبار الدول على الالتزام بإرشادات منظمة الصحة العالمية ومعايير الاتحاد الأوروبي لتحسين نوعية الهواء.
وفي النهاية، دعت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التحرك والعمل على الحد من هذه الظاهرة القاتلة، إلى جانب نشر الوعي بالشأن البيئي على أوسع نطاق، لتلافي الخسائر البشرية والمادية التي تعرض الدول ومواطنيها للكثير من الأزمات.