توجد قناعة ما بأن المبادرة التي قام بها محمد دحلان للجلوس مع حركة حماس مع سلسلة من الوعود التي تتعلق بتخفيف الحصار والمعاناة التي يتعرض لها قطاع غزة، كانت سببًا مهمًا في تحريك المياه الراكدة وتوجيه الأمور من جديد لجلسات المصالحة الأخيرة التي عقدت في القاهرة والتي تم إعلان التوافق عليها برعاية مصرية الأسبوع الماضي.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء نجد أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحرك في أعقاب جلوس حماس مع دحلان ومن هذه التحركات زيارته لتركيا مطلع سبتمبر، ومن قبلها زيارة مسؤولين آخرين كجبريل الرجوب تركيا، وقد نقل عن الرجوب قوله “إننا نعول على أن تكون القمة بين عباس وأردوغان عاملاً إيجابيًا في إنهاء الانقسام،” وأشار إلى أنه اجتمع مع أحد كبار مستشاري أردوغان ووجد حرصًا من تركيا على تحقيق المصالحة الفلسطينية ولعلاقتها الطيبة مع حركة حماس.
وقد تم تفسير هذه التحركات بأنها في إطار طلب رسمي من تركيا بالتدخل في موضوع المصالحة الذي بدا أن أطرافًا إقليمية تشجع على مبادرة دحلان نحو حماس بشكل كبير أو ما سميت بعد دخولها حيز التنفيذ “تفاهمات دحلان” والتي لم تنجح في تحقيق إنجاز ملموس سوى تحريك الأمور داخل كل المربعات حتى في مربع حماس الداخلي. وجدير بالذكر أن المطالب الثلاث التي نفذتها حماس قبل التوجه لجلسات القاهرة كانت نفسها التي ذكرها الرجوب في تعليقه على زيارة عباس إلى أنقرة وهي حل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق من ممارسة مسؤولياتها في غزة والقبول بإجراء انتخابات خلال مدة محددة.
بالنسبة لتركيا ورغم قربها من حركة حماس فإنه لم يذكر أن قامت برعاية أي من جلسات المصالحة السابقة التي وقعت في مكة وصنعاء والدوحة والقاهرة أكثر من مرة، ولهذا ربما لم يكن وفق هذا التسلسل النمطي والذي من حيث المبدأ تؤيد فيه تركيا المصالحة هناك رغبة في المضي بخطوات أكبر في هذا الملف
وبالتأكيد تركيا لا تنظر بإيجابية إلى دحلان وخاصة مع سمعته في المنطقة وعلاقته بدولة الإمارات التي تعتبر صاحبة خط معاد للربيع العربي الذي أيدته تركيا والشبهات التي أثيرت عن دعم الإمارات للمحاولة الانقلابية في تركيا في 15 من تموز 2016، ولهذا كان طبيعيًا أن تظهر تركيا دعمها للمصالحة الفلسطينية بين عباس وحماس، فهي لديها أفضل من تفاهمات دحلان – حماس، كما أن تركيا واحدة من الدول المتعاطفة مع المعاناة الإنسانية في غزة والراغبة بانتهائها في أقرب وقت.
وبالنسبة لتركيا ورغم قربها من حركة حماس فإنه لم يذكر أن قامت برعاية أي من جلسات المصالحة السابقة التي وقعت في مكة وصنعاء والدوحة والقاهرة أكثر من مرة، ولهذا ربما لم يكن وفق هذا التسلسل النمطي والذي من حيث المبدأ تؤيد فيه تركيا المصالحة هناك رغبة في المضي بخطوات أكبر في هذا الملف تصل إلى مستوى الرعاية الفردية وذلك لعدة أسباب منها أن بعض الدول مثل مصر قد ترى في الرعاية التركية لهذا الملف استفزازًا لها. ومن هذا المنطلق فإن التساؤل الأساسي هو أي مستقبل سيكون لهذه المصالحة التي قد تراها مصر استفزازًا أو حتى يمكن أن يتعدى الأمر مربع الاستفزاز إلى رؤيتها لعب في الحارة الخلفية أو أكثر من ذلك؟ وهذا أيضًا أمر تدركه الفصائل الفلسطينية والتي تذوقت طعم القيود التي تفرضها الجغرافيا حتى أصبحت خبيرة بها.
يُقرأ من الترحيب التركي الذي جاء عبر 3 بيانات أن الموقف التركي داعم للمصالحة التي ترعاها مصر بين عباس وحماس كعادة الموقف التركي المعلن دائمًا، ولكن هذه المرة إلى تحسن في العلاقات المصرية التركية أيضًا
لكن هذا لم يمنع تركيا في ظل انشغالاها بمسائل مباشرة من قبيل الوضع في شمال سوريا وشمال العراق من أن تؤكد حضورها ومتابعتها وهي التي كانت حاضرة بشكل جيد وخاصة في موضوع حصار غزة ومعلوم للجميع أحداث سفينة مافي مرمرة وما تبعها من تداعيات أبقت الموقف التركي في تماس واضح مع المشهد الفلسطيني. وبالإشارة مرة أخرى إلى العلاقة مع مصر وفي هذه النقطة تحديدًا ربما نتوقف عند الموقف التركي من حادثة الأزمة التي عاشها المسجد الأقصى في يوليو 2017 والتي أدت فيها تركيا دورًا دبلوماسيًا كبيرًا، والشاهد هنا أنه جرى اتصال بين وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو ووزير الخارجية المصري سامح شكري للتنسيق بشأن الجهود لحل الأزمة في القدس، وقد فُسر هذا الاتصال برغبة تركية في التنسيق مع الجميع في ملف كبير يخص الدول العربية والإسلامية كافة، خاصة أن تركيا ترأس دورة منظمة التعاون الإسلامي، ولهذا رغم التوتر الثنائي بينهما لم تقطع تركيا العلاقة مع مصر وتحديدًا لإدراكها تاريخ الموقف المصري من القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق بدا أن تركيا راضية عن الموقف الذي ترعاه مصر، حيث أصدرت الخارجية التركية عدة بيانات أكدت فيها متابعتها للموقف ودعمها للمصالحة، ومن هذه البيانات بيان الترحيب بإعلان حركة حماس حلّ اللجنة الإدارية في قطاع غزة، داعية جميع الأطراف المعنية لاقتناص الفرصة الحالية وتحقيق الوحدة في فلسطين، وبيان الترحيب بانعقاد اجتماع حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية في 3 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، بقطاع غزة، وبالتطورات الرامية لتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، وكذلك بيان الترحيب باتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقع بالعاصمة المصرية القاهرة ،مؤكدة أنه ضروري من أجل التقدم بنجاح في مسيرة المصالحة الوطنية التي تراها تركيا ضرورة من أجل سلام واستقرار المنطقة.
ويُقرأ من الترحيب التركي الذي جاء عبر 3 بيانات أن الموقف التركي داعم للمصالحة التي ترعاها مصر بين عباس وحماس كعادة الموقف التركي المعلن دائمًا، ولكن هذه المرة إلى تحسن في العلاقات المصرية التركية أيضًا، وقد دلل على ذلك حديث وزير الخارجية المصري سامح شكري عن تحسن العلاقات أكثر من مرة خلال الأسبوعين الماضيين كما تحدث عن إمكانية زيارته لتركيا. ربما تساعد هذه التطورات في دعم المصالحة التي ما زال كثيرون متشاءمين بشأنها وبسبب أسباب بنيوية وليست ظرفية.