خلية نحل نشطة تقودها فرق تطوعية ومنظمات مجتمع مدني سورية مختلفة، ومبادرات جماعية وفردية متكاتفة، في سبيل تغطية احتياجات العائلات المحتاجة والفقيرة ضمن المدن والبلدات، والتجمعات السكنية والمخيمات التي يقطنها النازحون شمالي غربي سوريا، خلال شهر رمضان المبارك.
تشكّل المبادرات النشطة عمودًا رئيسيًّا يهدف إلى تأمين وجبات إفطار للصائمين بطرق مختلفة، ما يعزز المبادرات الاجتماعية، ويظهر مدى تكاتف السوريين في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تجتاح البلاد، وسط انعدام الحيلة أمام أرباب الأسر، وعجزهم عن توفير متطلبات منازلهم، وانخفاض مستوى المساعدات الإنسانية الأممية.
إفطاريات رمضانية
تنفّذ فرق تطوعية ومنظمات مجتمع مدني حملات إفطار متنوعة، تهدف إلى مساعدة العائلات الفقيرة والمحتاجة والمتعفّفة في المخيمات والتجمعات السكنية المخصّصة للنازحين، إضافةً إلى العائلات المقيمة في المدن والبلدات، في مناطق شمالي غربي سوريا.
تتنوع طرق المساعدة التي تقدمها الفرق التطوعية من خلال حملاتها الرمضانية، فبعضها يكون عبارة عن وجبات يومية مطهية تصل إلى العائلات قبيل موعد الإفطار بساعة، بينما أخرى توزَّع قبل الظهيرة عبر سلال غذائية طازجة تتكون من اللحوم والخضروات والفاكهة، يمكن أن تكفي العائلة ليوم أو يومَين.
في خطوة جديدة، ابتكر فريق ملهم التطوعي طريقة لمساعدة العائلات في الحصول على احتياجاتها، من الخضروات والفاكهة واللحوم والمواد الغذائية الأساسية، من خلال افتتاح عدد من البازارات في مناطق متفرقة تسكنها عائلات فقيرة محتاجة شمالي سوريا.
تمنح طريقة حصول العائلات على احتياجاتها من البازارات بشكل مجاني، القدرة على اختيار وتحديد وجبة الطعام وطريقة طهيها، فضلًا عن تعزيز شعور مخالطة الناس والتسوق ضمن البازارات، ما يخفّف عجزهم عن توفير احتياجاتهم في ظل الضائقة المعيشية حسب عبد الله الخطيب، مسؤول قسم الإعلام وجمع التبرعات في فريق ملهم التطوعي.
قال الخطيب: “افتتح فريق ملهم بازارات في أعزاز شمالي حلب، وخربة الجوز في ريف اللاذقية، وتجمعات المخيمات في ريف إدلب الشمالي، لمدة يومَين من كل أسبوع، على أن تستمر طيلة شهر رمضان”، وأضاف: “توفر البازارات الخضروات والفاكهة الطازجة واللحوم، والمواد الغذائية (زيت نباتي، سمنة نباتية، سكّر، أرز، بيض..) بشكل مجاني”.
وتابع أنهم ينفذون حملات أخرى، من بينها مطابخ رمضانية في المخيمات، وإقامة حملات إفطار جماعية للعائلات، وتوزيع سلل تحتوي على مواد غذائية، وسلل غذائية رمضانية طازجة تبلغ كلفتها 15 دولارًا أمريكيًّا، وتوفر طهي طعام للعائلة لمدة يومَين، في مناطق شمالي غربي سوريا.
وفي السياق، تنظم مجموعة “هذه حياتي” التطوعية حملات رمضانية تهدف إلى مساعدة العائلات المحتاجة والمتعفّفة شمالي غربي سوريا، من بينها تأمين وجبة إفطار عائلية مطهية، ووجبة إفطار مكونة من خضروات ولحوم، وسلة سحور، وسلل غذائية أساسية.
وأعلنت المجموعة أن الكلفة المالية لوجبة الإفطار المطهية للعائلة يوميًّا تبلغ نحو 9 دولارات، بينما وجبة الإفطار الطازجة تبلغ نحو 12 دولارًا، أما سلّة السحور لعائلة كاملة خلال شهر رمضان فتبلغ نحو 30 دولارًا، بينما السلة الغذائية (تتكون من أرز، عدس، برغل، سكّر، زيت، سمنة، زعتر، معلبات..) تصل كلفتها المالية نحو 50 دولارًا.
من جانبها، أطلقت الاستجابة الطارئة (جمعية خيرية إنسانية مرخّصة في تركيا) حملة “رمضان الخير” لجمع التبرعات، بهدف تأمين وجبات الإفطار، وسلل غذائية للعائلات المهجّرة والنازحة في مخيمات الشمال السوري، كما افتتحت مطبخًا لطهي الطعام حيث يغطي مئات العائلات يوميًّا ضمن المخيمات على الحدود السورية-التركية، بوجبات مكونة من طعام طازج وفواكه وخضروات ومشروبات.
تسعى عشرات الفرق التطوعية ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات خيرية إلى تأمين وجبات إفطار للصائمين، من خلال إعلانها عن جمع التبرعات من اللاجئين السوريين المغتربين، وغير السوريين من جنسيات عربية وأجنبية، حيث تساهم التبرعات في تغطية جزء كبير من الاحتياجات التي تفتقدها العائلات السورية في مناطق شمالي غربي سوريا.
مبادرات رمضانية محلية
توازيًا مع حملات الإفطار السابقة، أطلقت مجموعة من الأهالي في مدينة مارع شمالي حلب، بسطة مجانية وسط سوق المدينة بإمكانات بسيطة، تهدف إلى تأمين بعض المستلزمات الرمضانية للمحتاجين والفقراء الذين لا يقدرون على شراء مستلزمات بيتهم من الأسواق، نظرًا إلى عدم امتلاكهم المال.
بدأت فكرة البسطة الرمضانية من جمع تبرعات مالية تبدأ من 30 ليرة تركية (قرابة دولار أمريكي)، من قبل مجموعة أشخاص من أهالي المدينة، على أن يستمرَّ عملها طيلة شهر رمضان، حسب ما أوضح منير ناصر، ناشط من مارع.
وقال ناصر: “إن البسطة قائمة على صندوق يومي يمكن الاشتراك فيه وتقديم أي مبلغ مالي، ووفقًا للمبلغ المتوفر في الصندوق يشتري القائمون على البسطة الخضروات والحلويات والمأكولات الرمضانية، ويعرضونها يوميًّا”.
وأضاف: “لاقت البسطة قبولًا وتفاعلًا كبيرًا من الأهالي، وسط ازدياد أعداد المشتركين فيها، ما يعزز البوادر الاجتماعية في مساعدة المحتاجين، والوقوف إلى جانبهم في ظل الضائقة المعيشية التي يعيشها سكان مناطق شمالي غربي سوريا”.
إلى مدينة أعزاز شمالي حلب، أطلق صاحب محل تجاري مبادرة خيرية فردية، تهدف إلى توزيع المواد الغذائية على المحتاجين بشكل مجاني خلال شهر رمضان، بينما يسعى الأهالي في مناطق مختلفة توزيع المياه والتمور، مع اقتراب توقيت أذان المغرب، على المارّة في الطرقات الواصلة بين المدن والبلدات.
تساهم المبادرات الجماعية والفردية التي يقوم بها الأهالي في الشمال السوري في تعزيز العلاقات الاجتماعية، ومساعدة المحتاجين وإكرام المتعفّفين، وسط ظروف معيشية قاسية، تحكمها عوامل انعدام استقرار على كافة الأصعدة.
تكاليف معيشية مرهقة
يحلُّ رمضان على أهالي مناطق شمالي غربي سوريا، وسط ظروف اقتصادية ومعيشية مرهقة، ناتجة عن ارتفاع في أسعار السلع الأساسية، والمواد الغذائية والخضروات واللحوم، ما تسبّب في حرمان العائلات من تأمين وجبة إفطار ليوم واحد، تزامنًا مع انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، التي تحدد بها أجور العاملين في مختلف القطاعات.
يبلغ متوسط الأجور للعاملين في القطاع العام 2000 ليرة تركية (ما يعادل 60 دولارًا أمريكيًّا)، وهذا المبلغ لا يغطّي احتياج أسبوع واحد من الشهر، في حين لا تجد آلاف العوائل إمكانية الحصول على دخل مماثل، في ظل غياب فرص العمل واتّساع رقعة البطالة، وبروز دفاتر الدين في مختلف المعاملات المعيشية.
حول أوضاع المعيشة ميدانيًّا شمالي غربي سوريا، يؤكد عبد الله الخطيب، خلال حديثه لـ”نون بوست”، “أن الظروف المعيشية والاقتصادية لدى الأهالي في تدهور مستمر، إذ لا قدرة لدى العائلات على توفير وجبة إفطار صحية، لا يتجاوز ثمنها 10 دولارات”.
وقال: “إن دخل العامل، سواء من الموظفين في القطاع العام وحتى العاملين المياومين، لا يتجاوز حدود الـ 100 ليرة تركية (ما يعادل 3 دولارات أمريكية) في أحسن الأحوال، وهذا المبلغ لا يغطي مصروفًا لفرد، فكيف لعائلات يفوق عدد أفرادها الـ 8 على أقل تقدير؟”.
وأضاف: “إن الاعتماد الكلي للأهالي في تعاملاتهم اليومية على دفاتر الدين، التي تجدها منتشرة في البقالة والصيدلية ومحل المحروقات، وفي المحلات التي توفر أدنى الاحتياجات التي تحتاجها الأسرة”.
وارتفعت حدود الفقر والجوع شمالي غرب سوريا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق لتسجّل مستويات قياسية، حيث ارتفع حدّ الفقر إلى قيمة 10 آلاف و843 ليرة تركية (ما يعادل 328 دولارًا أمريكيًّا)، بينما حدّ الفقر المدقع ارتفع إلى 8 آلاف و933 ليرة تركية (ما يعادل 270 دولارًا أمريكيًّا).
كما انخفض مستوى المساعدات الإنسانية الأممية التي تدخل شمال غربي سوريا من معبر باب الهوى في إدلب، ومعبرَي باب السلامة والراعي شمالي حلب، إلى نسبة 91% عن العام الماضي، حيث بلغ عدد المساعدات التي دخلت خلال فبراير/ شباط 2023 من المعابر الثلاثة نحو 456، بينما لم تتجاوز 41 شاحنة خلال فبراير/ شباط 2024، حسب مؤشرات “منسقو استجابة سوريا”.
تخفّف التبرعات الرمضانية وحملات الإفطار التي تنظمها منظمات مجتمع مدني، وفرق تطوعية بمختلف مسمياتها، والمبادرات الاجتماعية الجماعية والفردية في مناطق شمالي غربي سوريا، عبئًا عن العائلات التي لا تستطيع توفير احتياجاتها خلال شهر رمضان.