كشف مصدر أمني بوزارة الداخلية المصرية مقتل 58 ضابطًا ومجندًا خلال الاشتباكات التي وقعت أمس الجمعة 20 من أكتوبر 2017 عقب مداهمة قوات الأمن لأماكن تمركز بعض العناصر المسلحة عند الكيلو 135 طريق الواحات بالصحراء الغربية جنوب غرب القاهرة.
المواجهات بين الطرفين والتي استمرت من بعد ظهر أمس وحتى الساعات الأولى من الليل أودت – بحسب المصادر – بحياة طاقم المأمورية الأمنية الذي خرج لمواجهة العناصر المسحلة “بالكامل” والمكون من 23 ضابطًا (7 أمن وطني، و16 أمن مركزي وعمليات خاصة) إضافة إلى 35 مجندًا، وذلك قبل أن يتم تعزيزه بفرق من المدرعات والطائرات الحربية فيما بعد.
كمين للشرطة
“تعود بداية المواجهات إلى ورود معلومات لقطاع الأمن الوطني تفيد باتخاذ بعض هذه العناصر الإرهابية للمنطقة المتاخمة للكيلو 135 بطريق الواحات بعمق الصحراء مكانًا لاختبائها، ومساء 20 من أكتوبر الحاليّ أُعدت مأمورية لمداهمة تلك العناصر وحال اقتراب القوات واستشعار تلك العناصر بها أطلقت الأعيرة النارية تجاهها، بادلتها القوات إطلاق النيران، مما أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من رجال الشرطة ومصرع عدد من هذه العناصر، وقامت القوات بتمشيط المناطق المتاخمة لمحل الواقعة وجار الإفادة بما يستجد من معلوما”، هكذا قالت وزارة الداخلية في بيانها.
وبحسب مصادر الداخلية فإن القوة المكلفة بهذه العملية كانت عبارة عن عشرات من الضباط والجنود التابعين لعدة أجهزة مختلفة منها العمليات الخاضة والأمن الوطني، إضافة إلى 3 مدرعات وعدد من سيارات الدفع الرباعي، حيث وقعت الاشتباكات عند مسافة (30 – 40) كيلومترًا في عمق المنطقة الجبلية المتاخمة للكيلو 135 بطريق الواحات بالصحراء الغربية.
المرشد الذي دل القوات أعطى معلومات كافية بينها وصول “محشي” لهذه العناصر من القليوبية منذ 3 أيام
وقبيل وصول قوات الأمن المصرية إلى مقر المداهمة فوجئوا بـ”كمين” نصب لهم عن طريق العناصر المسلحة باستخدام الأسلحة الثقيلة وهو ما كان مفاجأة بالنسبة لعناصر الأمن المصرية ليسقط منهم في أول مراحل الاشتباك 14 ضابطًا وفرد شرطة، مما دفع أحد الضباط المشاركين لمحاولة الاتصال بالقيادة المركزية لطلب معونات وإرسال دعم بري وجوي لمحاصرة تلك العناصر إلا أن ضعف شبكات الاتصال حال دون التواصل بينهما وهو ما تسبب في تضاعف عدد القتلى في ظل تأخر الدعم والتعزيز، وفق مصادر أمنية.
ومع قرب انتهاء الاشتباكات وتوارد الأنباء عن سقوط قتلى من جانب قوات الأمن المصرية تم الدفع بطائرات هليكوبتر و30 سيارة دفع رباعي و20 مدرعة، لتمشيط المنطقة بالكامل وتأمين نقل المصابين من قبل قوات الشرطة وملاحقة المسلحين، كما تم رفع درجة الاستعداد القصوى في مختلف أماكن الواحات، خاصة بالمناطق الصحراوية المتاخمة لمنطقة الأحداث، وزيادة أعمال التفتيش والتتبع للمناطق الحدودية.
أما عن الطبيعة الجغرافية لمسرح الحادث، قال اللواء محمد صادق مساعد وزير الداخلية الأسبق، خلال استضافته في برنامج “كلام تاني”، المذاع على قناة “دريم”: “الحادث وقع في وادٍ منخفض للغاية، حيث قامت العناصر الإرهابية بركوب أعلى منطقة في الجبل، وأطلقوا النيران على رجال الشرطة”، مؤكدًا أن العناصر المسلحة استخدمت الآر بي جي والهاون لاستهداف قوات الأمن.
مساعد وزير الداخلية الأسبق، كشف أن عناصر مدفوعة من ليبيا من جناح تابع لتنظيم داعش يلقب نفسه بأنصار الشريعة تسللوا من الحدود الغربية وأنها من قامت بالعملية، مشيرًا أن أحد هذه العناصر قد أرشد عنهم ورافق القوة الأمنية التي ذهبت لمداهمة أوكار التنظيم في وادي الحيتان الذي يقع في ضهر وادي الريان بعمق 35 كيلومترًا داخل الجبل عند الكليو 135 على طريق الواحات.
المسؤول الأمني أضاف أن المرشد الذي دل القوات أعطى معلومات كافية بينها وصول “محشي” لهذه العناصر من القليوبية منذ 3 أيام، مؤكدًا أنه لا يستطيع الحكم عن سبب نزول القوات لهذا الوادي المنخفض رغم نتيجة الاستطلاع السلبية للطائرات قبله بأيام، مرجحًا أن تكون القوات قد توهمت أنه من الممكن أن تجد أدلة أو أسلحة أو وسائل إعاشة تستدل منها على المعلومات، مؤكدًا أن هذا من واقع خبرته وتحليله للموقف.
المواجهات بين الطرفين والتي استمرت من بعد ظهر أمس وحتى الساعات الأولى من الليل أودت – بحسب بيان الوزارة – بحياة طاقم المأمورية الأمنية الذي خرج لمواجهة العناصر المسحلة “بالكامل”
ووفق رواية مساعد وزير الداخلية الأسبق، فإن التحرك جاء بناء على معلومات جمعها جهاز الأمن الوطني استنادًا إلى شهادة أحد عناصر التنظيم المسلح، والتي على أساسها تم التحرك فورًا تجاه المنطقة محل الاشتباك، إلا أن تنصيب “كمين” لقوات الشرطة بهذا الشكل ووقوعهم في هذا الفخ يضع العديد من التساؤلات عن معرفة التنظيم المسلح بخط سير الشرطة والاستعداد له بهذه الكيفية، فمن أين جاءوا بمعلوماتهم؟ ومن سربها لهم؟ خاصة أنها تبدو كافية وشاملة ومن ثم كان الاستعداد على قدر قياسهم وتقييمهم لقوة الفرقة الأمنية، سؤال قدمه محللون دون إجابة حتى الآن في ظل غياب المعلومات الواردة عن وزارة الداخلية.
لمن تشير أصابع الاتهام؟
رغم عدم تبني أي جهة مسؤوليتها حتى الآن عن عملية الواحات، فإن عددًا من الخبراء الأمنيين والمحللين وجهوا أصابع الاتهام لعدد من الجماعات المسلحة التي قامت بمثل هذه العمليات في الآونة الأخيرة، على رأسها تنظيم “المرابطين” بقيادة، هشام عشماوي ضابط الصاعقة المصري السابق، والملقب بـ”أبي عمر المهاجر”، والذي ينضوي تحت لواء لـ”القاعدة” بعد انشقاقه عن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وقد تردد اسم عشماوي في أكثر من عملية مسلحة سابقة، إذ كان أبرز المتهمين الرئيسين في قضية اغتيال النائب العام المصري هشام بركات بعد استهداف موكبه في يونيو 2015، كذلك محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم وقضية عرب شركس التي أُعدمت على خلفيتها الخلية التي تم القبض عليها، كما اتهم بأنه المخطط الأول والمشارك في تنفيذ مذبحة كمين الفرافرة، في شهر يوليو 2014، وهي العملية التي قتل فيها 22 مجندًا بالجيش، واتهم أيضًا بالمشاركة في استهداف الكتيبة 101 في شهر 2015 من هذا العام بعد اقتحامها.
كذلك من التنظيمات التي توجه لها أصابع الاتهام أيضًا في هذه الحادثة، مجموعة عمرو سعد المسؤول الرئيسي والأول عن تفجيرات الكنيسة البطرسية ومار جرجس ومار مرقس بالإسكندرية وطنطا، المنتمية لـ”داعش”.
تعود بداية المواجهات إلى ورود معلومات لقطاع الأمن الوطني تفيد باتخاذ بعض هذه العناصر الإرهابية للمنطقة المتاخمة للكيلو 135 بطريق الواحات بعمق الصحراء مكانًا لاختبائها
ويعود اتهام تلك المجموعة إلى أوجه الشبه بين حادثة الواحات وعدد من الحوادث الأخرى التي وقعت في منطقة الصحراء الغربية خلال الآونة الأخيرة، وهو ما أشار إليه أحمد كامل بحيري الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية صاحب الدراسة الأخيرة الذي كشفت عن وقوع 1662 عملية مسلحة في مصر خلال الأعوام (2014/2015/2016).
بحيري في لقاء تليفزيوني له مساء أمس تعليقًا على كمين الواحات لفت إلى أن مجموعة “عمرو سعد” تتمركز في الطرق الصحرواية، مرجحًا أن تكون من يقف وراء حادثة الأمس، خاصة أنها قامت بعدة حوادث من هذا القبيل في أسيوط وقنا والمنيا.
كما تعد حركة حسم التي تصنفها السلطات المصرية أنها الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين – رغم نفي الأخيرة لذلك -، أحد المتهمين في هذه العملية، خاصة أنها قامت بعدة عمليات مسلحة ضد عناصر من الجيش والشرطة آخرها استهداف 3 مجندين في الجيزة وتفجير عبوة ناسفة بمحيط سفارة ميانمار بالقاهرة.
إلا أن البعض استبعد تورط حسم في هذه العملية نظرًا لتواضع إمكاناتها وقدراتها التسليحية، مقارنة بما ظهرت عليه تفاصيل حادثة الأمس والتي تظهر حجم الإمكانيات المتطورة لعناصر الجماعة التي قامت بها وهو ما تجسده أرقام القتلى في صفوف قوات الأمن المصرية، حسبما أشار الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية.
فريق ثالث يرى أن تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم الدولة، صاحب اليد العليا في هذا الحادث، معززًا رأيه بأن التضييق الأمني ضد عناصر هذا التنظيم في سيناء خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد المصالحة بين القاهرة وحركة حماس كان دافعًا رئيسيا للتنظيم من أجل أن يوصل رسالة لقوات الأمن المصرية تفيد بحضوره واستمرار أنشطته تفنيدًا لما قالته القاهرة قبل ذلك بأنها أحكمت سيطرتها على الوضع بصورة نهائية، بل تجاوز ذلك إلى التمدد خارج سيناء ليصل إلى الصحراء الشرقية، مما يعد نقلة نوعية في تفكير التنظيم بحسب خبراء.
القوات توهمت أنه من الممكن أن تجد أدلة أو أسلحة أو وسائل إعاشة تستدل منها على المعلومات
حادثة استهداف حافلة أقباط بالمنيا مايو الماضي
من سيناء إلى الصحراء الشرقية
تطور نوعي في خارطة العمليات المسلحة في مصر خلال العامين الأخيرين على وجه الخصوص، فبعد ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف تقريبًا منذ إعلان قوات الأمن المصرية الحرب ضد التنظيمات المسلحة في سيناء، وما تخللها من زيادة في العمليات التي تقوم بها تلك التنظيمات بحسب الدراسة التي تم الإشارة لها سابقًا، انتقلت المواجهات أو تمددت بحسب ما يفضل للبعض أن يسميها من هذا النطاق الضيق في سيناء، شمالها كان أو جنوبها، إلى القاهرة ومحافظات الدلتا، وصولاً إلى الصحراء الغربية.
حادثة الواحات ليست الأولى في هذه المنطقة الممتدة بطول الصحراء الغربية الملاصقة للشريط الحدودي مع ليبيا، ففي أغسطس 2015 أعلن الجيش المصري مقتل 4 من عناصر القوات الجوية إثر تحطم طائرتهم في أثناء مطاردة مسلحين بالقرب من واحة سيوة في الصحراء الغربية، وبعدها بأقل من شهر وفي سبتمبر تعرض فوج سياحي مكسيكي لقصف جوي مصري، قتل على إثره 12 سائحًا وطاقم مساعدة مصري، وقد بررت السلطات الأمر حينها أن الفوج لم يبلغ الجيش نيته في التوغل داخل الصحراء علمًا بأنها منطقة محظورة تشهد نشاطًا للمسلحين.
وفي سبتمبر 2016 وقعت اشتباكات بين قوات الشرطة والجيش وبعض العناصر المسلحة في الصحراء غرب أسيوط أسفرت عن سقوط 20 قتيلاً بين الجانبين، وفي يناير من هذا العام سقط 8 قتلى من صفوف الأمن في استهداف كمين النقب بالوادي الجديد.
وفي الـ26 من مايو الماضي اُستهدف أتوبيس للأقباط في الطريق الصحراوي الغربي بمركز مغاغة محافظة المنيا، مما أودى بحياة 28 قبطيًا وإصابة 24 على الأقل، هذا بخلاف سقوط عدد من القتلى والمصابين في الاشتباكات التي وقعت بين قوات الأمن وبعض المسلحين في جبال قنا أغسطس الماضي.
وفي 5 يوليو الماضي، قالت تقارير صحفية، إن القوات الجوية المصرية قتلت بالخطأ 3 أشخاص “مهندس طرق وعاملين” بعدما قصفت سيارتهم، جوار بئر مياه في منطقة الواحات البحرية.
تأتي عملية الواحات بعد أيام قليلة من إعلان حالة الطوارئ مجددًا عقب انتهاء مدتها الأولى التي بدأت في الـ10 من أبريل 2016، إثر استهداف كنيستي طنطا والإسكندرية، واستمرت لمدة 6 أشهر، لتضع الكثير من التساؤلات عن جدواها الحقيقية في ظل التمسك بنفس الاستراتيجيات الأمنية، هذا بخلاف العمليات المسلحة التي تقع في سيناء يوميًا رغم دخول حالة الطوارئ بها عامها الرابع.