تتجه الحكومة التونسية إلى فرض ضرائب جديدة مع رفع نسب الضرائب الحالية، مطلع السنة المقبلة، في ظل سعيها لتعزيز الإيرادات المالية للدولة، أمام تفاقم عجز الميزان التجاري والتراجع المستمر للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، متجنبة بذلك خفض دعم المواد الغذائية والوقود والنقل وخفض نسبة الأجور، سعيًا منها لتفادي أي توتر اجتماعي أو احتجاجات محتملة.
إجراءات قاسية
دفعت الضغوط الاجتماعية، الحكومة التونسية إلى العدول عن نية تقليص ميزانيتي الدعم والأجور، والتركيز على تعديل النظام الضريبي لزيادة الإيرادات العامة للدولة، ويقترح مشروع الموازنة العامة لسنة 2018 زيادة في الضرائب، ويشمل ذلك ضريبة القيمة المضافة، والضرائب على الأجور والدخل، إلى جانب إقرار مساهمة اجتماعية عامة توظف على الدخل.
وبحسب وثيقة مشروع قانون الموازنة التي أعلنتها الحكومة التونسية، بداية الأسبوع الحالي، سيتم زيادة ضريبة القيمة المضافة بنقطة مئوية عند 7% على أنشطة تتعلق بقطاعات التعليم والتدريب الخدمات الصحية والأدوية المصنعة محليًا وأنشطة النقل والسياحة، علاوة على المطاعم والمقاهي وأنشطة وسلع أخرى تتعلق بالبيئة والطاقة، والتجهيزات الموردة التي ليس لها مثيل مصنع محليًا.
يتضمن مشروع قانون الموازنة رفع النسبة العامة للضريبة المفروضة على المنتجات والخدمات غير الخاضعة للشريحتين السابقتين من 18% إلى 19%
وستزيد الضريبة أيضًا على خدمات المهن الحرة على غرار المحاسبين والمهندسين وبعض المنتجات البترولية وبعض أنماط الطاقة الكهربائية وبعض السيارات السياحية من 12% إلى 13%، ومن الإجراءات الأخرى المقترحة ضمن مشروع الموازنة العامة، إحداث مساهمة عامة اجتماعية بنسبة 1% على الدخل الخاضع للضريبة، وسيقع توظيف هذه المساهمة على أساس سد العجز في الصناديق الاجتماعية التي تشكو عجزًا ماليًا فاق 1.9 مليار دينار (791 مليون دولار)، وفق البيانات الرسمية.
كما يتضمن مشروع قانون الموازنة رفع النسبة العامة للضريبة المفروضة على المنتجات والخدمات غير الخاضعة للشريحتين السابقتين من 18% إلى 19%، كما ستزيد تونس ضرائب الاتصالات (لتصبح 0.140 دينار عن كل دينار أو جزء من الدينار مفوترًا أو مستخلصًا بدلاً من 0.100 دينار)، وترفع مصروفات التسجيل من 20 إلى 25 دينارًا عن كل عقد أو صفحة.
بعض الضرائب الجديدة تستهدف المواد الموردة
وتقترح الحكومة التونسية أيضًا في مشروع قانون موازنتها العامة، رفع الرسوم الجمركية على بعض المنتجات منها المنتجات الزراعية، وكذلك المنتجات الصناعية النهائية على غرار الملابس الجاهزة والأحذية والتجهيزات الكهرومنزلية وبعض المنتجات الصناعية الأخرى، إلى جانب التوقف عن تقدير الضرائب على المؤسسات الفردية الصغيرة في القطاعات الصناعية والتجارية، التي لا يتجاوز حجم معاملاتها السنوية 150 ألف دينار في مجال الخدمات و200 ألف دينار في الأنشطة الأخرى، وإرساء نظام ضريبي خاص بها.
فضلاً عن ذلك، ستتم زيادة الرسوم على استهلاك السيارات السياحية واليخوت والعطور ومواد التجميل، بجانب بعض المشروبات الكحولية والرخام، وفرض رسوم بقيمة 3 دينارات عن كل ليلة يقضيها السائح في البلاد، إذا كان عمره يتجاوز الـ12 عامًا، هذا واستحدثت الحكومة ضمن مشروع قانون الميزانية العامة للبلاد رسومًا تفرض خلال عامي 2018 و2019 على البنوك والمؤسسات المالية، باستثناء مؤسسات الدفع، وعلى شركات التأمين وإعادة التأمين، وسنت أيضًا تعديلات ستعمل على التقريب بين النظام الضريبي على دخول رأس المال ودخول العمال.
شرطة جبائية
إلى جانب ذلك، ستعمل تونس على تطبيق هذه الإجراءات عبر وسائل جديدة لملاحقة المتهربين من الضرائب، من خلال تكثيف تتبع الشركات والمؤسسات المتهربة عبر جهاز خاص تم استحداثه بقانون جديد صدر أخيرًا، تحت اسم فرقة الأبحاث ومكافحة التهرب الجبائي، أو ما اصطلح على تسميته بجهاز “الشرطة الجبائية”، ويتولى الجهاز الجديد المقرر بدء العمل به في يناير/كانون الثاني المقبل، ضمن المهام المسندة إليه القيام بالأبحاث الضريبية وتوفير المعلومة لهياكل المراقبة بوزارة المالية عبر فرق مشتركة بين إدارات الجباية التابعة للوزارة وإدارات الجمارك، إلى جانب الكشف عن المخالفات الجبائية ومعاينتها والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للمحاكم.
وعرف مردود الضرائب تحسنًا في سنة 2017، على مستوى مجموع المبالغ المستوجبة أو المبالغ التي تم دفعها للخزينة ليبلغ حتى أغسطس/آب الماضي نحو 1.160 مليار دينار، أي ما يعادل 483 مليون دولار، في حين وصل هذا المردود خلال الفترة نفسها من سنة 2016، إلى نحو 950 مليون دينار، أي زهاء 400 مليون دولار، مقابل إيرادات 1.535 مليار دينار، أي نحو 639 مليون دولار لكامل 2016، حسب التقارير الرسمية.
تعارض مع مطالب صندوق النقد الدولي
في مقابل هذه الضرائب الجديدة والزيادات في النسب الحالية، تسعى تونس لتجنب خفض دعم المواد الغذائية والوقود والنقل مع مواصلة رفع الأجور، سعيًا منها لتفادي أي توتر اجتماعي أو احتجاجات محتملة، رغم أن ذلك سيضعها في مواجهة مع المقرضين الدوليين، مما يعرض البلاد لضغوط قوية، لا سيما من صندوق النقد الدولي.
وذكر وزير المالية التونسي رضا شلغوم في مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، أن المبالغ المرصودة لصندوق الدعم ستسجل ارتفاعًا طفيفًا لتبلغ العام المقبل 3.520 مليار دينار (1.4 مليار دولار)، مقارنة مع 3.500 مليار دينار العام الحالي.
لقاء الرئيس التونسي بالمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد
وتهدف سياسة دعم المواد الغذائية في تونس إلى إعادة توزيع الدخل الوطني والمحافظة على المقدرة الشرائية للفئات أصحاب الدخل الضعيف، إذ يتولى الصندوق العام للتعويض ضبط كلفة بعض المواد بهدف الضغط على أسعارها وجعلها في مستويات مقبولة، وتُعدل أسعار البيع للعموم لتغطية ارتفاع تكاليف إنتاج المواد المدعمة جزئيًا مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل ومراعاة الإمكانات التي يمكن تعبئتها لتغطية كلفة الدعم.
وبحسب بيانات رسمية فقد تجاوزت ميزانية الصندوق العام للتعويض (صندوق الدعم) قرابة الضعف في الفترة بين 2011 و2017، حيث قفزت من 730 مليون دينار (300 مليون دولار) إلى نحو 1.6 مليار دينار (640 مليون دولار) مقابل حصول الطبقات الضعيفة على 12% فقط من هذه الميزانية، فيما يذهب الباقي إلى الطبقات الغنية والفنادق والمطاعم، وتمثل ميزانية صندوق الدعم 1.7% من الناتج الداخلي الخام للبلاد و5% من ميزانية الدولة ونحو 26% من نفقات الاستثمار، وهو ما أثر سلبًا على التوازنات المالية العامة للدولة.
تتعارض التوجهات التونسية الأخيرة مع مطالب صندوق النقد الدولي، الذي حث السلطات التونسية على ترشيد الدعم وخفض كتلة الأجور
وأضاف الوزير التونسي، أن كتلة الأجور سترتفع بنحو 500 مليون دينار العام المقبل، لتصل إلى 14.750 مليار دينار، في إطار احترام الحكومة لتعهداتها واتفاقياتها لزيادة الأجور في الوظيفة العمومية مثلما تم الاتفاق عليه سابقًا مع الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، ويبلغ عدد موظفي القطاع العام في تونس قرابة 660 ألفًا، تشكل فاتورة أجورهم السنوية أكثر من 40% من إجمالي الموازنة العامة للدولة البالغة نحو 14 مليار دولار.
وتتعارض التوجهات التونسية الأخيرة مع مطالب صندوق النقد الدولي، الذي حث السلطات التونسية على ترشيد الدعم وخفض كتلة الأجور التي وصلت إلى 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى المعدلات في العالم، مما يمكن أن يمثّل عائقًا أمام إفراج صندوق النقد الدولي عن أقساط جديدة من قرض ائتماني بقيمة 2.8 مليار دولار مخصص لتونس.
لا مفرّ من الأزمة
لئن كان الهدف من هذه الإجراءات الجديدة تعزيز الإيرادات المالية للدولة، أمام تفاقم عجز الميزان التجاري والتراجع المستمر للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، فإن العديد من الخبراء الاقتصاديين يتوقعزن عكس ذلك، مؤكدين حتمية تأثير حزمة الضرائب الجديدة بشكل غير مسبوق على مناحي حياة المواطنين التونسيين كافة خاصة محدودي الدخل، ويرى خبراء اقتصاد أن حزمة الضرائب التي تضمنها مشروع قانون الموازنة العامة للسنة القادمة ستكون الأقسى على الإطلاق، إذ إنها ستزيد من استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين بشكل أكبر.
قلق لدى الشارع التونسي عقب الإجراءات الأخيرة
وتعد الضرائب الجديدة والزيادة على الضرائب الحالية، منفرة للاستثمارات الحالية والجديدة، مما يضع الاقتصاد المحلي أمام أزمة جذب الاستثمارات، وهو ما يفاقم من ضبابية مستقبل اقتصاد البلاد، وتستهدف تونس بلوغ عجز الموازنة في العام المقبل نسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل منخفض مقارنة بتوقعات عجز العام الحالي عند 6%، ووفق إحصائيات رسمية، بلغ معدل نمو الاقتصادي التونسي 1.9% نهاية النصف الأول من العام الحالي، وسط توقعات ببلوغه 2.5% على مدار العام بأكمله.