ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن أزمة كركوك قد شارفت على الانتهاء، حيث استعاد العراق جل المناطق التي فقدها أو تخلى عنها في سنة 2014، خلافا لبعض المناطق. في المقابل، حافظت حكومة إقليم كردستان على نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها بموجب الدستور العراقي.
بغض النظر عن كل الدعاية الكاذبة والشائعات والمعلومات المضللة التي طغت خلال الأسبوع الماضي، هناك حقيقة واضحة تتمثل في أن مسعود برزاني قد نجح في تجاوز الوضع. على الرغم من أن برزاني قد قبل بجملة من التسويات، لكنه تمكن من حشد جميع الأصوات لصالحه بفضل حسه القومي والجهود المكثفة التي بذلها بهدف صرف الانتباه عن المشاكل السياسية والاقتصادية التي خلقتها سياسته الديكتاتورية.
من جانب آخر، أقحم برزاني إقليم كردستان في مواجهة، إجراء الاستفتاء، كان مصيرها الفشل. وعلى الرغم من التنازلات التي قدمها، إلا أن ذلك لم يحل دون فقدان الأكراد للسيطرة على المناطق المتنازع عليها في ديالى ونينوى وكركوك. في الأثناء، تقع مسؤولية كل ذلك على عاتق برزاني، برزاني فقط. في الوقت ذاته، ليس هناك أي أثر للخيانة من قبل واشنطن على غرار ما حدث في سنة 1975. فقد كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزاء ما يحدث واضحا للغاية.
على ضوء هذه المعطيات، لسائل أن يسأل، ما هي السياسة التي ستتبناها واشنطن تجاه الأكراد؟ في الواقع، يجب أن تكون الأطراف التي ستشرف على تحديد سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد مدركة لمدى تعقيد الوضع في المنطقة. ففي حين يمكن من السهل التعاطف مع رواية الأكراد للأحداث، إلا أنه من الضروري التعمق في الحقائق بشأن المشاركين في الحملات الدعائية لحكومة إقليم كردستان، الذين باتوا يتصنعون الجهل بشأن ما يرويه الأكراد والأقليات في المنطقة عقب تحررهم من رقابة الميليشيات الكردية والاستخبارات.
مدفعية الجيش العراقي على إحدى الطرقات جنوب غرب كركوك في 17 من تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2017. سيطرت القوات العراقية على أكبر حقلين لإنتاج النفط في المنطقة الشمالية من محافظة كركوك، المتنازع عليها وهدمت الآمال الكردية في إقامة دولة مستقلة.
في الحقيقة، يعتبر برزاني زعيما غير شرعي نظرا لأن فترة ولايته انتهت منذ أكثر من عامين بموجب القانون الكردي. وبالتالي، اتضح أن وزارة الخارجية الأمريكية والمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، بريت ماكغورك، قد ارتكبا خطأ عند إشراك برزاني في بلورة خطوط السياسة الأمريكية تجاه الأكراد. ففي الحقيقة، يبدو أن وزارة الخارجية الأمريكية وماكغورك قد ظنا أن تشريك ديكتاتور ضمن مخططاتهم أسهل بكثير من التعامل مع المشهد السياسي الكردستاني المعقد للغاية.
من جهة أخرى، ينص القانون على وجوب اعتراف واشنطن برئيس البرلمان، يوسف محمد صادق، على اعتباره رئيسا مؤقتا لكردستان العراق إلى غاية تنظيم الانتخابات في وقت لاحق. وفي الأثناء، ينبغي أن تشرف لجنة مستقلة على تنظيم هذه الانتخابات، في ظل مراقبة من قبل منظمات دولية ذات مصداقية على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومركز كارتر الرئاسي، فضلا عن المعهد الديمقراطي الوطني، وغيرها من المنظمات.
قبل استفتاء 25 من سبتمبر / أيلول الماضي، دعت حكومة إقليم كردستان، فضلا عن وكلائها في واشنطن ولندن، المسؤولين السابقين وخلايا التفكير والأكاديميين إلى لعب دور “المراقبين” لسير الاستفتاء. وقد تعهدت حكومة إقليم كردستان بتحمل جميع نفقات الاستفتاء. في المقابل، اعترضت كل الأطراف التي تمت دعوتها وفضلت البقاء في في منازلها.
على العموم، لقد كانوا محقين بشأن عزوفهم عن المشاركة في مراقبة سير الاستفتاء. فقد لاحظت من خلال اطلاعي على الدعوات والبرنامج المحدد للمراقبين، أنهم ملزمون بالحضور إلى مراكز اقتراع محددة مسبقا وبعناية وتتبع الأمر لمدة لا تتجاوز ساعتين. وفي الأثناء، كانت من المفترض أن تعج تلك المراكز بالكثير من الشخصيات البارزة من الحزب الديمقراطي الكردستاني في حين يتخللها أجواء من الترفيه. عموما، تجرد هذه المظاهر عملية مراقبة التصويت من شرعيتها. كما أن هذه الممارسات لا ترسخ لنظام ديمقراطي، بل تحيل إلى أن النظام القائم ديكتاتوري بامتياز.
من المثير للاهتمام أن حكومة إقليم كردستان قد فرطت منذ زمن طويل في مجمع قمة جبل سررش، الذي كان في السابق منتجعا سياحيا، قبل أن يصادره الرئيس العراقي السابق صدام حسين. و منذ سنة 1991، استولت عائلة برزاني عليه
عندما يحين وقت إجراء انتخابات جديدة، سيكون القادة الأكراد مطالبين بمعالجة قضية تم تهميشها منذ 25 سنة. ففي الواقع، هناك سؤال يتطلب إجابة فعلية: إلى من تعود ملكية الأراضي التي يعيش عليها المسؤولون الأكراد الأفراد أم الأحزاب أم الحكومة؟ لنأمل أن تكون تابعة للحكومة.
في هذه الحالة، سيكون برزاني مطالبا بالتخلي عن قصره والمجمع الذي يملكه في قمة الجبل في “سررش” فور تنحيه عن منصبه. وبالتالي، قد يضطر لشراء منزل في أربيل، ولكن ماذا لو كان لا يرغب في العيش مع عامة الشعب من الأكراد؟ سيجبر حينها على العودة إلى قريته أو الهجرة إلى الخارج أسوة بوالده الذي هرب في السابق إلى موسكو. لكن برزاني قد يفضل الذهاب إلى تركيا أو دبي. ومن المثير للاهتمام أن حكومة إقليم كردستان قد فرطت منذ زمن طويل في مجمع قمة جبل سررش، الذي كان في السابق منتجعا سياحيا، قبل أن يصادره الرئيس العراقي السابق صدام حسين. و منذ سنة 1991، استولت عائلة برزاني عليه.
في الواقع، لعبت الولايات المتحدة أو على الأرجح العديد من الأمريكيين دورا بارزا في استفحال أزمة إقليم كردستان. فقبيل الاستفتاء، تحدثت مع عدد من المواطنين الأكراد الذين أكدوا لي أنه وعلى الرغم من التصريحات الرسمية من قبل واشنطن، إلا أن العديد من المسؤولين الأمريكيين قد بادروا بطمأنتهم. فقد شددوا على أن الولايات المتحدة ستقبل بهذا الاستفتاء.
بناء على ذلك، ينبغي علينا أن نبحث عن هوية الأشخاص الذين قدموا للأكراد وعودا واهية. في هذه الحالة، على الأكراد أن يفصحوا عن الحقيقة. فهل من الممكن أنهم قد أساؤوا فهم بعض من تصريحات أعضاء الكونغرس؟ أم أنهم صدقوا المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين استغلوا نفوذهم في المنطقة لإبرام صفقات ما؟ في هذا الصدد، يبدو أن بعض السفراء السابقين يحاولون استغلال ألقابهم لتعزيز نفوذهم حتى بعد انتهاء فترة ولايتهم. وفي الغالب، قد ينعكس ذلك سلبا على الكفاءة السياسية الأمريكية في العراق وفي دول أخرى.
يجب على الولايات المتحدة أن تضمن اعتبار كردستان السورية (منطقة الإدارة الذاتية في شمال سوريا كما يطلق عليها الأكراد) من قبل جميع الأطراف على أنها “منطقة اتحادية” ضمن سوريا
بالإضافة إلى ذلك، لقد آن الأوان للولايات المتحدة أن توضح موقفها بشأن أكراد سوريا. ففي أوائل سنة 2014، أي قبل وقت طويل من شروع المسؤولين الحكوميين الأميركيين في التعامل مع الأكراد في سوريا، قمت بزيارة الأراضي التي سيطر عليها الأكراد بغير حق في خضم معاركهم ضد تنظيم الدولة في سوريا. لقد كان ذلك أمرا مثيرا للإعجاب. في الواقع، لم أكن أدرك أنها كانت البداية فقط. لقد أثبتت وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، أنها القوات الأكثر كفاءة وجدارة في مواجهة التنظيمات المتطرفة. حقيقة، تستحق أن يقع مكافأتها مقابل جهودها.
من جانب آخر، حان الوقت للتفاوض بشأن إمكانية إلغاء تصنيف حزب العمال الكردستاني على اعتباره منظمة إرهابية. فمنذ فترة طويلة، أصبح من الواضح أنه يميل إلى كونه كيانا متمردا وليس جماعة إرهابية. في الأثناء، ينبغي على تركيا، التي ما فتئت وزارة الخارجية تذعن لرغباتها، عدم التذمر في هذا الصدد، نظرا لأن الرئيس التركي، رجب الطيب أردوغان، كانت له الأفضلية في مواجهة هذه الجماعة منذ فترة طويلة، فضلا عن احتضان بلده لحركة حماس.
بعبارة أخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تضمن اعتبار كردستان السورية (منطقة الإدارة الذاتية في شمال سوريا كما يطلق عليها الأكراد) من قبل جميع الأطراف على أنها “منطقة اتحادية” ضمن سوريا. بالإضافة إلى ذلك، لا يجب أن يقع خيانة أكراد سوريا، حيث لن يساهم ذلك في ردع العدوان التركي المحتمل فحسب، بل يعني أيضا التعامل مع قادة كردستان السورية حتى يقوموا بالتخلي عن مكتسباتهم الخاصة التي تقطع مع شعائر أبناء عمومتهم، أي أكراد العراق.
يمكن القول إن الأكراد في كل من كردستان السورية وكردستان العراق قادرون على تكريس أسس الديمقراطية. وبالتالي، تصبح الديمقراطية قائمة على مبدأ المساءلة بعيدا عن الصفقات السرية التي تهدف إلى تقسيم المنطقة وفق أهواء زعماء الأحزاب. وفي الغالب، تحْتكم هذه المساءلة إلى سيادة القانون بغض النظر عن اسم العائلة. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن يكون بمقدور أحد أن يقتل صحافيا دون أن يعاقب، كما لا يجب أن يكون أي شخص قادر على استغلال نفوذه السياسي لزيادة ثروات أسرته. و في ظل تزايد الصعوبات المالية، آن الأوان أن يطالب الأكراد بالإضافة إلى ميليشيات البيشمركة، التي قاتلت حقا في الصفوف الأمامية، بإعادة الأصول المسروقة.
المصدر: صحيفة نيوز ويك