اختتمت مساء السبت، في العاصمة التونسية، فعاليات الجولة الثانية من الحوار الليبي تحت إشراف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، دون نتائج إيجابية تذكر، وهو ما أعطى انطباعًا بأنّ الليبيين اتفقوا على ألّا يتفقوا، رغم بصيص الأمل الذي أشار إليه سلامة، الذي أكد أنّ المؤتمر العام سينعقد رغم الخلافات الجوهرية بين الفرقاء الليبيين.
وأكد الدكتور غسان سلامة، في مؤتمر صحافي، تواصل النقاط الخلافية بين وفدي الجولة الثانية من الحوار في مختلف النقاط العالقة والمتداولة من طرف لجنة الصياغة المشتركة، وأساسًا بشأن المادة الثامنة، مشيرًا إلى أنّ الوفدين سيعودان إلى ليبيا للتشاور، قبل العودة مجددًا إلى تونس.
وكان سلامة قد عقد اجتماعات منفصلة بلجنتي الحوار عن مجلسي النواب والبرلمان قبل انطلاق الحوار بهدف التمهيد لاستفتاء على الدستور الليبي الجديد الذي يؤدي إلى انتخابات، وفق خريطة الطريق التي قدمها المبعوث الأممي، سبتمبر الماضي، إلى الأمم المتحدة.
شدّد حفتر على أنّ المادة الثامنة في اتفاق الصخيرات ولدت ميتة وتهدف لتدمير الجيش ولا يمكن تطبيقها
المادة الثامنة.. جوهر الخلاف
تنص المادة الـ(8) التي وردت في الأحكام الإضافية ضمن الاتفاق السياسي الذي أبرم بين الفرقاء الليبيين في الصخيرات المغربية، كانون الأول 2015، على “تنتقل جميع صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنیة العلیا المنصوص علیھا في القوانین والتشریعات اللیبیة النافذة إلى مجلس رئاسة الوزراء فور توقیع ھذا الاتفاق، ویتعیّن قیام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي ھذه المناصب خلال مدة لا تتجاوز الـ(20) یومًا، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال ھذه المدة، یقوم المجلس باتخاذ قرارات بتعیینات جدیدة خلال مدة لا تتجاوز (30) یومًا، مع مراعاة التشریعات اللیبیة النافذة”.
هذه المادة، اعتبرها مجلس النواب، في حينه، عائقًا أمام منح الثقة لحكومة الوفاق، بينما اعتبرها حفتر حجر عثرة أمام تسليح الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، شدّد على أنّ المادة الثامنة في اتفاق الصخيرات ولدت ميتة وتهدف لتدمير الجيش ولا يمكن تطبيقها.
معلّى: “هل خليفة حفتر سيكون تحت إمرة السلطة السياسية، أي أنّ القيادة العليا للجيش تكون تحت سلطة المجلس الرئاسي، أم أنّ قيادة الجيش تكون تحت سلطة عسكرية بحتة؟”
وأوضح الخبير في الشأن الليبي غازي معلّى أنّ الاتفاق السياسي المبرم بين الليبيين في ديسمبر/كانون الأول 2015 أنتج ثلاثة أجسام جديدة للسلطة الليبية: مجلس النواب وهو الجسم التشريعي المعترف به في طبرق شرق ليبيا، ومجلس رئاسي يمثل السلطة التنفيذية في العاصمة الليبية طرابلس، ومجلس الدولة ومقره طرابلس.
وأشار معلّى إلى أنّ المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات عقّدت الاتفاق بين الليبيين، وتتمثل أساسًا في القيادة العامة للجيش، وتؤكد أنّ المجلس الرئاسي هو الذي يملك الصلاحيات لتعيين قيادات الجيش الليبي، وهذا يمنح الصلاحية لفائز السراج ومساعديه لتعيين خليفة حفتر أو إبعاده أو إلغاء المنصب الذي يحتله على رأس الجيش الليبي، مشيرًا إلى أنّ هذه الصلاحيات كانت وراء التململ الحاصل في المنطقة الشرقية التي ترى أنّ خليفة حفتر هو القائد الأعلى للجيش، ويستمد ذلك من تعيين من طرف مجلس النواب المعترف به دوليًا.
وقال معلّى في مقابلة بقناة “نسمة” الخاصة: “إلى غاية هذه الساعة، ما زالت المادة الثامنة تمثل الإشكال الأكبر بين الفرقاء الليبيين”، مؤكدًا وجود أطراف من المشاركين في هذه الجولة من الحوار، في بقاء حفتر على رأس الجيش الليبي، رغم أنّ المفاوضين بدأوا يقتنعون بأن يكون لخليفة حفتر دور في المجال السياسي في ليبيا المستقبل”.
وتساءل معلّى: “هل خليفة حفتر سيكون تحت إمرة السلطة السياسية، أي أنّ القيادة العليا للجيش تكون تحت سلطة المجلس الرئاسي، أم أنّ قيادة الجيش تكون تحت سلطة عسكرية بحتة؟”.
وأكد أنّ السلطة العسكرية في ليبيا ما زالت تلعب دورًا كبيرًا في ظل تفكك الدولة الليبية والفوضى التي تميز الحياة العامة في أغلب المناطق الليبية، خاصة في ظل انتشار مجموعات مسلحة على التراب الليبي، مشيرًا إلى أنّ المشير خليفة حفتر بعث نواة للجيش في المنطقة الشرقية، كما أنّ فائز السراج، هو الآخر، بدأ يكون نواة للجيش في المنطقة الغربية، ولكن ليست نويات للجيش المتعارف عليه.
الدستور شأن ليبي
في أول ردّ فعل على الجولة الثانية من الحوار الليبي الليبي في تونس، أكد عضو مجلس النواب الليبي نصر الدين مهنّا، وجود جدل قانوني وإداري بشأن مشروع صادر عن هيئة الدستور، يقابله رفض شعبي كبير، مضيفًا: “مجلس النواب لا علاقة له بمحتوى المشروع لأنه شأن خاص لهيئة صياغة الدستور وعليه فقط أن يصدر قانون للاستفتاء”.
وأوضح مهنّا في تقرير لموقع “المرصد” الليبي أنّ “الاتفاق السياسي تضمّن مواد تسمح لمجلسي النواب والدولة بالتدخل وتشكيل لجان في حالة انتهاء الفترة الزمنية التي يفترض أن تكتمل فيها مسوّدة الدستور مع احترام رأي القضاء”، مؤكدًا أنّ “الاتفاق على توزيع الوظائف المهمة بين أعضاء لجنتي الحوار ممن لم يشتركوا في الحوار والصياغة أتى لتسهيل الأمور مع مجلس الدولة ولتسريع إيجاد الحلول لأمور من قبيل توسيع مجلس الدولة والسلطة التنفيذية والمادة الثامنة”.
من جانبه، قال حسين بن عطية عميد بلدية تاجوراء، في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “نواب يريدون العودة لحكم العسكر المتخلف، باتفاق سياسي يشرف عليه العالم الديمقراطي المتمدن”.
وشدّد رفضه إشراف الأمم المتحدة على إعداد الدستور الليبي، قائلًا: “الدستور يصوت عليه الشعب الليبي فقط، ولا علاقة للأمم المتحدة به، وعلى كل الليبيين رفض التدخل في شكل ومضمون الدستور المقترح”.
وأكد بن عطية أنّ مجلس النواب في اجتماعات تونس مرة يقول يستمد شرعيته من انتخابات أغسطس 2014، ومرة من الاتفاق السياسي ديسمبر 2015، لو كانت الأولى، معناها، “يوجد حكم محكمة ببطلانك” ولو كانت الثانية، معناها، “مثلك مثل مجلس الدولة فيما يحدّده الاتفاق من صلاحيات”.
وأكد المبعوث الأممي، أنّ المؤتمر العام الذي يندرج ضمن الخطة الجديدة لحلّ الأزمة الليبية، سيعقد بقطع النظر عن جوهر الخلافات الموجودة بين الأطراف السياسية الليبية.
وأضاف سلامة أنّ “خلافات بسيطة شكلية ما زالت قائمة بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة سيقع معالجتها مستقبلًا”، مشيرًا إلى أنّ البعثة ستعمل على تنفيذ خطتها في ليبيا، مؤكدًا أنها ستتوّج بانتخابات تنهي الصراعات في ليبيا.
وأسفرت أولى جولات الحوار بين الوفدين، في ختامها مطلع الشهر الحاليّ في تونس، عن اتفاق مبدئي بإعادة هيكلة الرئاسي من رئيس ونائبين، ضمن خطوة تعديل اتفاق الصخيرات في أولى مراحل خريطة الطريق التي أعلنها غسان سلامة في الـ20 من سبتمبر الماضي.
وشهدت مدينة الصخيرات المغربية توقيع اتفاق بين الفرقاء الليبيين بحضور مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر ووزراء خارجية عرب وأوربيين وممثلين عن هيئات دبلوماسية ودولية، إضافة إلى أعضاء في مجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام الليبيين في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2015.