وثّقت الأعمال الفنية والأدبية الإبداعية جوانب عديدة من الثورة السورية، كانت من بينها هتافات المتظاهرين التي وثّقت تدرُّج الانتفاضة الشعبية منذ الصيحة الأولى، إذ امتلك كل هتاف خصوصية ورمزية مرتبطتَين بسياق الأحداث آنذاك وتصاعدها، وكان لكل هتاف أيضًا قصة ورسالة ولحن ترنّمت به الحشود في وجه نظام لم يعرف سوى القمع والوحشية.
كانت الهتافات في بدايتها عفوية كعفوية الانطلاقة، ووطنية تنبع من مشاعر الحب لسوريا، وصلبة كصلابة مبادئها ومطالبها، فمع كل رصاصة أطلقها النظام السوري كان الهتاف يعلو ويمتد إلى مختلف المدن السورية، فمَن مِن السوريين ينسى القاشوش وأمسياته، والساروت بلبل الثورة، ورائد الحامض منشد الثورة؟ أصوات وهتافات ما زال يرددها السوريون في كل ذكرى للثورة السورية.
أجتهدُ في هذا المقال، المفعم بعواطف ابن من أبناء الثورة، في سرد أبرز الهتافات الأولى للثورة السورية وسياقها، والرسائل التي حملتها لنظام الأسد.
هتاف ما قبل الثورة.. “الشعب السوري ما بينذل”
قبل شهر من تفجر الانتفاضة الشعبية في سوريا، وبالتزامن مع انتشار احتجاجات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، اعتدى رجال الشرطة على ابن من أبناء التجار الدمشقيين في سوق الحريقة الشهير، وتجمهر الناس وقتها ليشكّلوا احتجاجًا نادرًا ردًّا على اعتداءات الشرطة، في بلد تحكمه سلطة الرعب والخوف.
وحينها أتى وزير الداخلية، سعيد سمور، ليخبر مئات المتجمهرين الكلمة المشهورة: “عيب يا شباب، هاي اسمها مظاهرة”، لكن الناس استمروا في الهتاف “الشعب السوري ما بينذل”، وبقيَ هذا الهتاف خالدًا في كل مظاهرات السوريين بعد انتفاضة مارس/ آذار حتى يومنا هذا.
“حرية حرية”
رغم بساطة الكلمة وانسيابية الهتاف، فإنه كان عظيم الوقع كبير المعنى، حيث انهارت بهذه الكلمة إمبراطورية الخوف، فلم يكن أحد يجرؤ على ذكر هذه الكلمة في مملكة الأسد، لكن خلال الثورة السورية دخلت كلمة “الحرية” إلى جميع الشعارات والهتافات والأغاني والأرجوزات، تأكيدًا على كونها المطلب الأول والأوحد الذي اجتمع عليه السوريون بهتافهم: “حرية للأبد غصبًا عنك يا أسد”، وذلك مقابل من مجّدوا العبودية بقولهم: “شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد”.
“الله.. سوريا.. حرية وبس”
شاع هتاف “الله، سوريا، بشار وبس” بين بعض السوريين الذين كانوا يُساقون إلى المسيرات المؤيدة لبشار الأسد في سنوات ما قبل الثورة، تأكيدًا على أن سوريا هي سوريا الأسد وعائلته، لكن هتافات الثورة عكست الآية، وهتفت بالحقيقة التي يؤمن بها الشارع السوري، بقولها: “الله، سوريا، حرية وبس”.
منذ 15 مارس/ آذار 2011، ردّد السوريون هذا الهتاف في مختلف ميادين الثورة، محاولين تغيير القوالب التي حاول نظام الأسد تدشينها وغرسها في عقول السوريين على مدار عقود من الزمن.
“الموت ولا المذلة”
بلهجة حورانية، بات الشعب السوري منذ يوم 18 مارس/ آذار 2011، يسمع هتاف “الموت ولا المذلة” حين انتفضت درعا، معلنة بداية مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد.
انطلق الهتاف ردًّا على قمع النظام للمتظاهرين الذين خرجوا، بعدما تعرّض تلاميذ صغار من المدينة للتعذيب في أقبية المخابرات، بسبب كتابتهم شعارات تطالب بالحرية على جدران المدارس.
كان هذا الهتاف امتدادًا لهتاف “الشعب السوري ما بينذل”، ورفضًا لمحاولات النظام السوري في إذلال أهل المدينة وترهيبهم.
“نحنا معاكي للموت”
بدأ جيش النظام وشبيحته منذ الشهر الأول للثورة بحصار المدن وقصفها وقتل المدنيين، لكن السوريين في طول البلاد وعرضها ملأوا ساحات التظاهر والاحتجاج، فكان هتاف المدن التي يقتحمها العسكر وينكل بأهلها “نحنا معاكي للموت”، وذلك بداية من درعا وصولًا إلى بانياس ونهاية بحمص.
كان هذا الهتاف أشبه بمؤازرة بين أهالي المدن التي تتعرض للترهيب والقمع.
“الشعب السوري واحد”
خرجت بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام بشار الأسد، بعد انطلاقة الثورة السورية بأيام، لتقول إن هناك “مشروع فتنة طائفية يستهدف سوريا”، مستخدمة ورقة الطائفية ضد الاحتجاجات والتهديد بها.
ردًّا على تصريحها، خرج السوريون يهتفون: “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”، تأكيدًا على أن الثورة ليست طائفية، وهدفها الأساسي والوحيد هو التحرر من قمع النظام.
“الشعب السوري مو جوعان”
ألمحت بثينة شعبان مجددًا في أحد مؤتمراتها الصحفية، إلى أن النظام سيحسّن من الحالة المعيشية للسوريين، لكن كان ذلك بعد أن اجتاحت الثورة كل سوريا، فخرج السوريون هاتفين: “يا بثينة يا شعبان الشعب السوري مو جوعان”، للتأكيد على أن مطالب السوريين ليست متعلقة بوضع اقتصادي متدهور أو متردٍّ، بقدر ما هي مطالب متعلقة بالحرية والعيش بكرامة في دولة يستطيع فيها اختيار ممثليه بنزاهة.
“يا الله مالنا غيرك يا الله”
لم يحرك العالم ساكنًا من أجل نصرة السوريين الذين طالت ثورتهم وزاد معها قمع النظام، إذ اقتصرت تحركاتهم على المؤتمرات والتنديدات، خاصة في السنة الأولى من الثورة، ما دفع المتظاهرين إلى الهتاف: “يا الله مالنا غيرك يا الله”، للدلالة على وقوف الشعب وحيدًا أمام آلة القتل الوحشية، كما كان الهتاف أيضًا حالة من الرجاء والدعاء لله بأن ينصر الثورة.
“بدنا نشيلك يا مخلوف”
نالت عائلة مخلوف نصيبها من هتافات السوريين، فهذه العائلة المتنفذة في الاقتصاد السوري أحالت اقتصاد البلاد إلى لعبة بين أيديها، بمساعدة بشار الأسد الذي كان محمد مخلوف خاله، وابنه رامي مخلوف كان أحد الشخصيات المعروفة بفسادها، فنادت الثورة بهتاف: “بعد اليوم ما في خوف بدنا نشيلك يا مخلوف”.
تحولت بعض هذه الهتافات العفوية، بكل ما تحمله من ألم وخذلان وإصرار وشجاعة في الوقت نفسه، إلى أغانٍ يحفظها السوريون ويرددونها كلما حلّت ذكرى الثورة السورية، وكلما شكّك أحد بمبادئها وجدوتها.