ترجمة حفصة جودة
لقد مر الكثير منا بتجربة الحرمان من النوم وآثارها مثل الشعور بالتعب والقلق وصعوبة التركيز في أي شيء، يعتبر النوم أمرًا ضروريًا للدماغ أكثر مما نعتقد، فرغم أن الأمر يبدو عند سقوطنا للنوم وكأننا ضغظنا على زر “إيقاف”، فإن الدماغ تكون أبعد ما يمكن عن عدم النشاط، ففي دراسة لأنماط النشاط الكهربائي للدماغ ما يحدث في أثناء النوم أن الدماغ يمر بدورتين رئيسيتين: نوم “REM” (حركة العين السريعة) والنوم العميق.
عادة ما يحدث النوم العميق في أول الليل ويتصف بنشاط كهربائي بطئ الإيقاع في عدد كبير من خلايا المخ (يحدث مرة إلى 4 مرات كل ثانية)، ومع تقدم الليل، نصل أكثر فأكثر إلى نوم “حركة العين السريعة”، في تلك الفترة من النوم عادة ما نرى الأحلام، كما أن أدمغتنا تُظهر نشاطًا مشابهًا لنشاطها عندما نكون مستيقظين.
ما الذي تفعله عقولنا في أثناء النوم؟
يقوم النوم بالعديد من الوظائف، أحدها مساعدتنا على تذكر التجارب التي مررنا بها خلال اليوم، حيث يُعتقد أن نوم “حركة العين السريعة” ضروري من أجل ذاكرتنا العاطفية (مثل تذكر مشاعر الخوف) أو الذاكرة الإجرائية (مثل تعلم ركوب الدراجة)، من ناحية أخرى، يخزن النوم العميق ما يُسمى بالذاكرة “البيانية” والتي تقوم بالتسجيل الواعي للتجارب وكل ما نعرفه (مثل ما تناولته في وجبة الإفطار).
يسمح النوم للدماغ بغربلة الذكريات ونسيان أشياء معينة حتى يتمكن من تذكر الأحداث المهمة
جميعنا يعلم أيضًا أن التجارب يتم تكرارها في الدماغ في أثناء النوم –ذكريات هذه التجارب تكون مثل قطعة من فيلم والتي من الممكن إعادتها وتشغيلها مرة أخرى -، يحدث هذا التكرار في الخلايا العصبية في “الحصين” –منطقة في الدماغ تتعلق بالذاكرة – وقد تمت دراستها في الفئران من خلال تعليمها اجتياز المتاهة.
بعد انتهاء التدريب على اجتياز المتاهة وعندما تحصل الفئران على قسط من الراحة، تكرر أدمغة الفئران الطريق الذي مرت به خلال المتاهة، هذا التكرار يساعد على تقوية وتعزيز الروابط بين خلايا المخ، هذا الأمر ضروري لدعم وتقوية الذاكرة.
لكن هل من الضروري أن تتذكر ماذا تناولت على الإفطار؟ بالطبع لا، لهذا السبب يجب أن يكون الدماغ انتقائيًا فيما يتذكره، يسمح النوم للدماغ بغربلة الذكريات ونسيان أشياء معينة حتى يتمكن من تذكر الأحداث المهمة، ومن طرق القيام بذلك “تقليص” حجم الاتصالات غير المرغوب بها في الدماغ.
إحدى النظريات المهمة في وظيفة النوم “فرضية اتزان التشابك” تقول إن في أثناء النوم يكون هناك ضعف عام في الاتصالات خلال الدماغ (في نقاط الاشتباك العصبي)، من المعتقد أن ذلك يؤدي إلى توازن قوى التواصل التي تحدث في أثناء التعلم خلال اليوم بشكل عام، وعند طريق تقليص الاتصالات الزائدة فإن النوم ينظف السجل بشكل فعال حتى نتمكن من التعلم مرة أخرى في اليوم التالي.
مع تقدم العمر تنخفض عدد ساعات النوم
عندما تتداخل تلك العملية، قد يؤدي ذلك في بعض الحالات إلى كثافة الذكريات (وربما ذكريات غير مرغوب فيها)، تكمن أهمية النوم في الحفاظ على نشاط أدمغتنا على الوجه الأمثل، وينعكس ذلك على تغير أنماط نومنا عندما نكبر في العمر.
ينام الرضع والأطفال أكثر من البالغين لأن أدمغتهم النامية تتعلم بشكل أسرع وتتعرض لمواقف وتجارب جديدة أكثر، ومع تقدم العمر تنخفض عدد ساعات النوم ويصبح مجزأً، يعكس ذلك قلة الحاجة إلى النوم (لأننا نتعلم أقل) وربما انهيار في عملية النوم نتيجة تقدم العمر.
يعمل النوم أيضًا كنوع من “إدارة الدماغ”، فقد وجدت دراسة حديثة في الفئران أن النوم ينظف الدماغ من السموم التي تتراكم في فترة الاستيقاظ، بعضها مرتبط بأمراض الأعصاب، في أثناء النوم تزداد المسافة بين خلال المخ مما يسمح بإزالة البروتينات السامة، وربما نتيجة إزالة تلك السموم من الدماغ، فإن النوم قد يعمل على مقاومة أمراض عصبية مثل الزهايمر.
ماذا يحدث إذا مررت بليلة نوم سيئة؟
الحصول على قسط وافٍ من النوم ضروري للانتباه والتعلم في أثناء ساعات الاستيقاظ، فعندما نُحرم من النوم لا نستطيع التركيز في كمية كبيرة من المعلومات أو الحفاظ على تركيزنا لفترة طويلة، يحدث أيضًا تباطؤ في رد الفعل، ونصبح أقل قدرة على الإبداع أو اكتشاف القواعد الخفية في أثناء محاولة حل مشكلة ما.
اضطرابات النوم المزمنة لها علاقة باضطرابات الدماغ مثل الفصام والتوحد والزهايمر
عندما لا تحصل على كفايتك من النوم، قد يجبر الدماغ نفسه على التوقف لعدة ثوانٍ في أثناء الاستيقاظ، في فترة النوم الصغيرة تلك قد تفقد وعيك لعدة ثوانٍ دون أن تعلم، هذا النعاس قد يحدث في أثناء القيادة وهو السبب الرئيسي لحوادث السيارات، فقلة النوم تؤثر على الدماغ مثل الكحول تمامًا، قد تؤدي قلة النوم إلى حوادث مميتة في أماكن العمل أيضًا، فهي قضية رئيسية في المجالات التي تستخدم نظام المناوبات في العمل.
فوائد النوم الخاصة بالتركيز والانتباه تشكل عاملاً مهمًا للأطفال، فهم يصبحون زائدي النشاط ومخربين في الصف عندما لا يحصلون على كفايتهم من النوم، وقد وجدت إحدى الدراسات أن ليلة نوم واحدة سيئة خلال عدة ليال يمكنها أن تؤثر سلبًا على سلوك الأطفال في الصف.
ما الآثار طويلة المدى لقلة النوم؟
دراسة الآثار طويلة المدى للحرمان من النوم أكثر صعوبة في البشر لأسباب أخلاقية، لكن اضطرابات النوم المزمنة لها علاقة باضطرابات الدماغ مثل الفصام والتوحد والزهايمر، ولا نعلم تحديدًا إذا ما كانت اضرابات النوم سببًا لتلك الاضطرابات أم أحد أعراضها، وبشكل عام، تشير الأدلة إلى أن الحصول على نمط نوم صحي هو مفتاح الحصول على حياة صحية ودماغ صحية تعمل بشكل جيد.
المصدر: ذي كونفيرزيشن