سلمت حركة المقاومة حماس، للوسطاء المصريين والقطريين، في وقت متأخر من الخميس 14 مارس/آذار 2024، مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، يتضمن 3 مراحل أساسية تستمر كل منها 6 أسابيع (42 يومًا).
تتضمن المرحلة الأولى انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من شارعي الرشيد ومحور صلاح الدين لعودة النازحين ومرور المساعدات إلى قطاع غزة، والإفراج عن 42 محتجزًا إسرائيليًا من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، مقابل إطلاق سراح ما بين 840 – 1260 أسيرًا فلسطينيًا (كل محتجز إسرائيلي أمامه ما بين 20 – 30 أسيرًا فلسطينيًا)، وتتضمن تلك المرحلة إطلاق سراح عدد من المجندات المحتجزات لدى المقاومة، على أن يكون أمامها الإفراج عن 50 أسيرًا فلسطينيًا، 30 منهم من المحكوم عليهم بالمؤبد.
أبرز نقاط مقترح حركة حماس لوقف إطلاق النار في قطاع غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/ovZyRjSrAx
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 15, 2024
واشترطت حماس مع بداية المرحلة الثانية إعلان وقف دائم لإطلاق النار في كل مناطق القطاع قبل أي عملية تبادل للجنود الإسرائيليين المحتجزين لديها، على أن تتضمن المرحلة الثالثة البدء في عملية الإعمار الشامل لقطاع غزة، وإنهاء الحصار.
يمثل المقترح الحاليّ الذي قدمته حماس الحد الأدنى من الشروط التي كانت قد تمسكت بها الحركة قبل ذلك، ويلقي الكرة في ملعب الاحتلال وداعميه ممن اتهموا المقاومة في السابق بعرقلة المفاوضات ووضع العقبات أمام إبرام هدن إنسانية مؤقتة قبيل شهر رمضان.. فهل من الممكن أن تُسفر المباحثات هذه المرة عن جديد؟
مرونة وواقعية
تتضمن الورقة المقدمة الكثير من المرونة والواقعية حسبما ذكر القيادي في حماس أسامة حمدان، الذي أشار إلى أن المقترح يؤكد على إنهاء العدوان على قطاع غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي وبدء عمليات الإغاثة كثوابت لا يمكن التخلي عنها، لافتًا إلى أن سلطات الاحتلال تركز على قضية الأسرى للالتفاف على ملف إنهاء العدوان.
وأوضح القيادي بالحركة في تصريحات متلفزة لـ”الجزيرة” أن موقف حماس منحاز لمصالح الشعب الفلسطيني، وأن مسألة تبادل الأسرى ضرورية ومهمة لكن ليس على حساب القضايا الأساسية الأخرى وعلى رأسها وقف العدوان، منوهًا أن الحركة اقترحت دولًا ضامنة للاتفاق إضافة إلى الوسطاء من قطر ومصر والولايات المتحدة.
مقارنة برد حماس على إطار الاتفاق المقدم سابقًا خلال جولات المباحثات في باريس والدوحة والقاهرة، فإن الورقة الحالية تتسم بالكثير من المرونة، فقد تمسكت الحركة في مقترحها السابق بثلاث محاور اعتبرتها خطوطًا حمراء، الأول: وقف إطلاق نار شامل وبضمانات دولية، الثاني: الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي التي احتلتها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الثالث: السماح لكل النازحين بالعودة إلى بيوتهم في جميع مناطق القطاع، دون اشتراط أي معايير لها علاقة بالسن أو الجغرافيا، وفق ما جاء على لسان القيادي في الحركة، باسم نعيم، في تصريحات صحفية له.
ومن ثم أبدت المقاومة مرونة كبيرة إزاء شرط الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي التي احتلتها بعد طوفان الأقصى، والاكتفاء بالانسحاب من شارعي الرشيد ومحور صلاح الدين من أجل تسهيل عودة النازحين ومرور المساعدات إلى شمال القطاع، وهي النقطة التي أثارت خلافًا كبيرًا على موائد التفاوض خلال الجولة السابقة.
القيادي في حماس أسامة حمدان: موقفنا هو الانحياز لمصالح الشعب الفلسطيني، ومقترحنا يؤكد على إنهاء العدوان وانسحاب العدو وبدء عمليات الإغاثة، ورقتنا في التفاوض واقعية وقدمت مرونة عالية#الأخبار #حرب_غزة pic.twitter.com/ogpXeeEJIH
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 15, 2024
حماس تلقي بالكرة في ملعب الاحتلال
في جولة المباحثات الماضية سواء في باريس أم القاهرة مرورًا بالدوحة، وأمام تشبث حماس بشروطها ومرتكزاتها في عملية التفاوض وعدم تماشيها مع السردية الأمريكية الإسرائيلية، تعرضت الحركة لاتهامات وانتقادات حادة من إدارة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو، بدعوى عرقلتها للاتفاق ورغبتها في استمرار الحرب.
مارس بايدن ضغوطًا قوية على الحركة لإحراجها أمام الشارع الفلسطيني والعربي حين قال إن اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل في غزة “يعتمد على موقف حماس”، قائلًا في رده على أسئلة الصحفيين، الثلاثاء 5 مارس/آذار 2024: “الأمر حاليًّا في يد حماس، والإسرائيليون يتعاونون، وقد تم تقديم عرض معقول، وسنرى ما سيحدث في غضون أيام قليلة”.
وبالتزامن مع الضغوط الأمريكية تواجه الحركة ضغوطًا مماثلة من الوسطاء في مصر وقطر من أجل التوصل إلى اتفاق بشكل عاجل، وذلك عبر التلويح بورقتي اجتياح معبر رفح وتعميق الكارثة الإنسانية في القطاع، فيما قال بايدن صراحة إنه طلب من الرئيس المصري وأمير قطر ممارسة الضغط على قادة الحركة لإثنائها عن مرتكزاتها وتقديم المزيد من المرونة.
وبالورقة المقدمة مساء 14 مارس/آذار الماضي، وما حوته من مرونة سياسية مقارنة بالمقترح الأول، تُلقي حماس بالكرة في ملعب الإسرائيليين والأمريكان على حد سواء، وسط تصاعد غضب الرأي العام في الداخل الإسرائيلي والأمريكي وخارجه جراء عدم التوصل إلى اتفاق قبيل رمضان بسبب تعنت نتنياهو وجنرالاته ويمينه المتطرف.
التعاطي الأمريكي الإسرائيلي
في أول رد فعل له على ورقة حماس المقدمة للوسطاء، قال البيت الأبيض، الجمعة 15 مارس/آذار 2024، إن الاقتراح “بالتأكيد ضمن حدود ما هو ممكن”، فيما أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، إلى أن الاقتراح “يقع بالتأكيد ضمن حدود الخطوط العريضة… للاتفاق الذي نعمل عليه الآن منذ عدة أشهر”، مضيفًا في تصريحات للصحفيين “نحن متفائلون بحذر بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لكن هذا لا يعني أن الأمر قد أنجز”.
أما على الجانب الإسرائيلي فأفادت وسائل إعلام عبرية أن الفريق الإسرائيلي المفاوض سيغادر إلى الدوحة خلال اليومين القادمين، لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، سيتمحور تركيزها حول رد حماس على صفقة الرهائن المقترحة.
وفي السياق ذاته من المتوقع أن يعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اجتماعًا مساء السبت 16 مارس/آذار 2024 لمناقشة احتمالية توسيع تفويض فريق التفاوض، بقيادة مدير الموساد ديفيد بارنيع، قبل مغادرته إلى قطر، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي يتعرض لها رئيس الحكومة بسبب عرقلته لإبرام اتفاق قبيل رمضان.
البيت الأبيض: اقتراح #حماس يقع ضمن حدود الخطوط العريضة للاتفاق الجاري العمل عليه مُنذ عدة أشهر pic.twitter.com/JxwQZat2DU
— ا لـحـدث (@AlHadath) March 16, 2024
من المبكر الحديث عن قبول مبدئي من تل أبيب وواشنطن إزاء مقترح حماس، لكن هناك مرونة وتعاطيًا يمكن وصفه بالإيجابي نسبيًا، وفق ما جاء في رد فعل البيت الأبيض، وسرعة إرسال حكومة الاحتلال لفريق التفاوض الخاص بها إلى الدوحة، وذلك مقارنة بما تم إزاء الرد السابق على اتفاق الإطار الذي قدمته أمريكا، حيث عرقلت الحكومة إرسال وفدها للقاهرة أكثر من مرة فيما جاءت التصريحات صدامية في مجملها، عكس ما هو عليه الآن.
وبحسب ما جاء في المقترح، فربما تكون المرحلة الأولى مقبولة لدى حكومة تل أبيب وراعيها الأمريكي، لكن مع بداية المرحلة الثانية والحديث عن وقف كلي لإطلاق النار وصولًا إلى المرحلة الثالثة وإنهاء الحصار بشكل نهائي، فإن الأمر هنا ربما لن يرق للمحتل الذي يبحث عن انتصار عاجل عبر المفاوضات يعوض به خسائره العسكرية ميدانيًا.
وفي الأخير فإنه من المتوقع أن يناور الاحتلال على المرحلتين الثانية والثالثة من المقترح عبر ممارسة المزيد من الضغط على حماس من خلال التكثيف من جرائم الإبادة والتنكيل بحق سكان القطاع، حيث ارتكبت قواته خلال الـ48 ساعة فقط الماضية 5 مجازر بحق متلقي المساعدات أسفرت عن استشهاد 56 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 300 آخرين بحسب إحصاء المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، بجانب الضغوط المحتمل أن يمارسها الوسطاء بتحفيز أمريكي.
هذا بخلاف ورقة اجتياح رفح بريًا، وهي الورقة التي يلعب بها الاحتلال خلال الشهر الأخير تحديدًا، ويناور بها المقاومة والشعب الفلسطيني والوسطاء معًا، مستغلًا الكارثة الإنسانية المحتمل حدوثها حال تنفيذ هذا التهديد، لابتزاز حماس من أجل تقديم المزيد من التنازلات على طاولة التفاوض، ما يجعل من التوصل إلى اتفاق نهائي – رغم التفاؤل الأمريكي – مسألة غير محسومة بشكل كبير، في ظل قلق نتنياهو من صفقة قد تطيح به خارج المشهد السياسي، فيما يتوقف نجاحها على حجم ومنسوب الضغوط الأمريكية الممارسة عليه.