في خطوة تسعى من خلالها الجزائر إلى تأكيد دعمها لحرية الاعلام في البلاد ونفي مزاعم تراجع مؤشرات حرية الرأي والتعبير في البلاد، أعلنت السلطات عن عزمها الترخيص لسبع قنوات تلفزيونية مستقلة متخصصة تنشط في الجزائر بشكل غير منظم، وفي ظل وضع قانوني غير واضح، إلا أن هذه الخطوة يرى فيها مراقبون رجوعًا للوراء وتكريسًا لهيمنة الحكومة على الإعلام الذي تقول إنه “مستقل”، خاصة وأنها تزامنت مع دعوة الرئيس بوتفليقة لوسائل الإعلام لأن تكون في “خدمة المصالح العليا للبلاد” بعد أن تواترت دعوات عبر هذا الوسائل لتنحيته من الرئاسة نتيجة تواصل غيابه عن المشهد السياسي للبلاد منذ سنة 2013.
فتح باب الاعتماد
أخيرا، وبعد نحو من ستّ سنوات من إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن وضع حد لاحتكار الحكومة للقطاع السمعي البصري (الإعلامي)، وبعد أكثر من خمسة أعوام من تأسيس أولى القنوات التلفزيونية الخاصة في إطار قانوني غير واضح، قررت السلطات الجزائرية فتح الباب أمام تأسيس قنوات تلفزيونية خاصة. في هذا الشأن، نشرت وزارة الاتصال الجزائرية الخميس الماضي، في الجريدة الرسمية القرار المتعلق بفتح الباب أمام تقديم الترشيحات لتأسيس سبع قنوات متخصصة، واحدة إخبارية، والثانية ثقافية والثالثة شبابية، والرابعة متخصصة في الطبخ، والخامسة في الوثائقيات، والسادسة في المسلسلات، السابعة في الرياضة، وبرر وزير الاتصال الجزائري، جمال كعوان، حصر العدد في سبع قنوات فقط، وهي طاقة القمر الصناعي الجزائري “آلسات”، إضافة إلى القنوات الحكومية الخمس.
منذ يناير عام 2012، تنشط عشرات القنوات التلفزيونية المحلية الخاصة في الجزائر من دون الحصول على ترخيص قانوني
وأكّدت الوزارة أن الجهات الراغبة في الحصول على رخصة للبث من الجزائر، ما عليها إلا التقدم بملف للحصول عليه في أجل محدد بـ 60 يوما، والذي يمكن أن يمدد مرة واحدة بـ 30 يوما، على أن يتم استخدام العربية والأمازيغية، أي اللغتين المعترف بهما دستوريا في الجزائر لغتين وطنيتين، على أن يكون بإمكان القنوات استخدام لغات أجنبية في البرامج الموجهة إلى الخارج، وحسب ما جاء في القرار فإن القنوات السبع المرخص لها لاحقاً ستتكفل بإنتاج برامج متكونة من أخبار، تقارير، تحاليل، تعليقات، حوارات وندوات، وذلك كله لإثراء المشهد الإعلامي في الجزائر.
ومنذ يناير عام 2012، تنشط عشرات القنوات التلفزيونية المحلية الخاصة في الجزائر من دون الحصول على ترخيص قانوني، بسبب تأخر تطبيق قانون الإعلام وإنشاء “هيئة ضبط الإعلام السمعي البصري” المكلفة بمنح التراخيص للقنوات التلفزيونية، وبسبب هذا الوضع القانوني غير الواضح، أغلقت قناتا “الوطن” و”الأطلس” بواسطة القوة العمومية، الأولى على خلفية بثّها تصريحات لأمير الجيش الإسلامي للإنقاذ المنحل مدني مزرقي، توعد فيها بوتفليقة بـ «إسماعه كلاماً لم يسمعه من قبل» في حال لم يتراجع عن قرار منعه ورفاقه من تأسيس حزب سياسي. والثانية بسبب اتهامها في خضم حملة الانتخابات الرئاسية الماضية في إبريل/نيسان عام 2014 بـ «نقل مفرط لنشاط حركة بركات المناهضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة»، كما تعرضت قناة “الخبر” للملاحقة القضائية لإبطال صفقة إنقاذها ماليا من قبل رجل أعمال لا يوالي السلطة.
مصير باقي القنوات
رغم نفي الوزير كعوان أن يكون قرار اعتماد سبع قنوات فقط يستهدف إقصاء باقي القنوات التلفزيونية الخاصة في البلاد، فإن العديد من المتابعين للشأن الاعلامي في الجزائر، يرون أن القرار الجديد يهدف إلى التضييق على باقي القنوات العاملة في الجزائر، بدليل أن الوزير لم يعلن عن أي آلية لتسوية وضعية القنوات التي لن تحصل على الترخيص، وعما إذا كانت السلطات الجزائرية ستسمح لها بالاستمرار في العمل بشكل غير منظم، أو اعتمادها كمكاتب تابعة لقنوات أجنبية مسجلة في الخارج.
القنوات التلفزيونية الجزائرية
ومع ذلك يرى مراقبون، صعوبة غلق باقي القنوات وإن كان ذلك بقوة القانون، لأن المسألة ستثير جدلا كبيرا في البلاد وستجلب الانظار للسلطة الحاكمة في وقت تسعى فيها إلى الابتعاد قدر الامكان عن كل مشكلة يمكن لها أن تؤثر على عملها الذي يصفه خبراء بـ “المتخبط”. ويوجد في الجزائر أكثر من خمسين قناة خاصة تعمل تحت عنوان مكاتب قنوات أجنبية وتبثّ من دول كالأردن والبحرين وبريطانيا، خمسة فقط حاصلة على اعتماد من الحكومة يسمح لها بالعمل كمكاتب لقنوات أجنبية، ويتعلق الأمر بكل من “الشروق” و”النهار” و”دزاير”، و”الجزائرية” و”الهقار”، في ظل فراغ قانوني تعايشت معه بإنتاج برامجها في الجزائر.
قرار مغاير عن السابق
قرار الوزير الاتصال الحالي جمال كعوان، جاء مغايرا لما أعلن عنه الوزير السابق حمدي قرين، الذي قال حين توليه منصب الوزارة إنه سيتم السماح لعشر قنوات تلفزيونية خاصة في البلاد بالبث القانوني، إلا أن الرقم تغير وأصبح 7 فقط، كما أن مسألة القنوات المتخصصة تأخذ شكلا جديدا، ففي البداية كان الحديث عن أن المسموح به هو تأسيس قنوات خاصة وليست عامة، بمعنى أنه يمكن للقنوات التي تريد الحصول على رخصة أن تتخصص في أي مجال، بمعنى يمكن أن تكون هناك ثلاث قنوات أو أربع إخبارية، أو ثلاث أو أربع رياضية، أو ترفيهية لكن يبدو أن السلطة تريد أن تكون هناك قناة واحدة في كل تخصص، وهذه سابقة في تاريخ الانفتاحات التي عرفها قطاع السمعي البصري في العالم.
السلطات الجزائرية كانت تعارض قبل 2011 بشدة فتح القطاع السمعي البصري أمام القطاع الخاص
وتريد السلطات الجزائرية من خلال قرارها الأخير، حسب خبراء، التحكّم في تخصّص القنوات وفي عددها، فالسلطة الحاكمة تريد قنوات خاصة على مقاسها وبمعايير تختارها هي يتمشى مع توجهاتها العامة، بدليل أنها حتى الآن ترفض تأسيس إذاعات خاصة، برغم أن الرئيس وعد بفتح المجال أمام تأسيس قنوات تلفزة وإذاعية. وكانت السلطات الجزائرية تعارض قبل 2011 بشدة فتح القطاع السمعي البصري أمام القطاع الخاص، مثلما كان يردد دوما رئيس الحكومة الحالي ومدير ديوان بوتفليقة السابق أحمد أويحيى، لكن وفي خضم أحداث الربيع العربي تم السماح بإنشاء هذه القنوات دون وضع إطار قانوني يضبط عملها، رغم تعديل قانون الإعلام وتشكيل سلطة لضبط السمعي البصري في البلاد.
مقربون إلى السلطة
لم تعتمد السلطات الجزائرية في قرارها الأخير المتعلق بفتح الباب أمام تقديم الترشيحات لتأسيس سبع قنوات متخصصة على قانون خاص بالإعلام ينظم المجال السمعي البصري في البلاد، بل جاء حسب أهواء القائمين على الحكم في الجزائر، في وقت يرى فيه صحفيون ضرورة تفعيل سلطة الضبط للسمعي البصري بقانون منظم يحدد عملها وأعضاءها بالانتخاب ومن ثم تضع دفتر شروط واضح ومحدد المبادئ والمواد، على أساسه تفتح القنوات وتسحب تراخيصها، حتى لا تكون “الفوضى” عنوانا للإعلام في بلادهم.
السلطة الجزائرية تتحكم في وسائل الإعلام
وفي غياب نص قانوني واضح لمنح التراخيص المعلن عنها، من المنتظر أن تكون التراخيص المزمع منحها لفائدة المستثمرين في المجال السمعي البصري، للذين لا يزعجون السلطة ويضمنون خدمة النظام الحاكم وبرامجه والولاء الكامل له، ومن الذين تربطهم مصالح مشتركة مع جماعات النظام. ورغم فتح الباب أمام الجميع لتقديم ملفاتهم، يعتقد البعض أن الأمر محسوم، فالقنوات السبعة المعنية بالترخيص هي” سميرة تي في، والشروق نيوز لاعتماد للشروق العامة سابقاً، ونفس الأمر بالنسبة لدزاير نيوز والنهار لك والبلاد، وقناة الجزائرية إضافة إلى cnbc بنة”، مع امكانية احداث تغيير طفيف في القائمة بتغيير قناة “النهار لك” بإحدى القنوات الجهوية كقناة “الباهية” أو l index، باعتبار قناة في طريقها للغلق نتيجة ضعف امكانياتها المالية.
أصناف القنوات التلفزيونية الجزائرية
يمكن تصنيف القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر إلى عدة انواع، أولها القنوات العامة والمنوعة أو الشاملة كما هو الحال بالنسبة لقنوات: الشروق تي في، كي بي سي، الجزائرية، البلاد، الأجواء، دزاير تي في، بور تي في، الهقار، أو تلك المتخصصة في أنماط موضوعاتية محددة، سواء تلك التي تفرعت عن القنوات الشاملة كـ ” الشروق نيوز– ودزاير نيوز – وهي قنوات إخبارية، أو تلك التي أسست على نمط إعلامي بعينه كـ” الهداف تي في ” وهي رياضية متخصصة، وقناة “سميرة ” المتخصصة في الطبخ، أو قنوات الإعلانات، كـجزائر 24، والجزائر shop، وقناة جرجرة المخصصة للأطفال . وكذلك بعض القنوات الإخبارية التي أٌسست حديثا كقناة “الوطن – والهقار نيوز.
المدينة الإعلامية الأردنية تعد أول منطقة اعلامية حرة، في الشرق الأوسط
وتعدّ قناة النهار، أولى القنوات الجزائرية الخاصة (موالية للسلطة)، حيث انتقلت إلى البث الفضائي عبر القمر الاصطناعي نايل سات بعد أن ظلت تعمل كصحيفة مطبوعة لسنوات لينطلق بثها التجريبي، يوم 6 مارس 2012 بأول نشرة إخبارية، مدشنةً بذلك مسيرة القنوات الجزائرية الخاصة المؤسسة وفقا لقوانين المدينة الإعلامية الأردنية، التي تعد أول منطقة اعلامية حرة، في الشرق الأوسط والتي تأسست في العام 2001 كشركة خاصة تم أقامتها بالتعاون بين حكومة المملكة الأردنية وشركة دلة للإنتاج، لتشكل محوراً رئيسياً لشبكات البث الفضائي. حيث ان معظم القنوات التي تبث من المدينة الإعلامية غير أردنية، والتي تنهار 120 قناة فضائية.
بوتفليقة والاعلام
فتح الباب أمام تقديم الترشحات لمنح تراخيص العمل لسبع قنوات تلفزيونية خاصة تزامنت مع دعوة الرئيس بوتفليقة، بمناسبة العيد الوطني للصحافة، الذي تحتفل به الجزائر كل عام في ال، 22 من تشرين الأول/أكتوبر، لوسائل الاعلام لأن تكون في “خدمة المصالح العليا للبلاد” بعد أن تواترت دعوات عبر هذا الوسائل لتنحيه من الرئاسة نتيجة تواصل غيابه عن المشهد السياسي للبلاد منذ سنة 2013.
وينصّ قانون الإعلام المنظم “للقطاع السمعي البصري” في الجزائر الذي صدر في يناير 2012، على “ضرورة أن تراعي المؤسسات الإعلامية في عملها المصالح العليا والسياسة الخارجية والنظام العام والآداب العامة، “دون أن يكون هناك تعريف حقيقي لهذه المحددات. ما يفتح الباب أمام تفسيرات قد لا تخضع لضوابط محددة –كما يقول منتقدو القانون، فالمادة 48 مثلا تنص على “احترام متطلبات الوحدة الوطنية والأمن والدفاع والمصالح الاقتصادية.. واحترام سرية التحقيق القضائي والالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية واحترام المرجعيات الدينية الأخرى.. “
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة
رغم التنوع الذي يتسم به المشهد الاعلامي الجزائري بوجود أكثر من 50 قناة تلفزيونية و أكثر من 40 إذاعة عمومية، فإن الصحافة الجزائرية مازالت تعاني من غياب لحرية التعبير والإعلام خاصة مع الصنصرة التي تمارسها السلطة على وسائل الإعلام المعارضة حسب تقرير لمراسلون بلا حدود نشر يوم 22 ديسمبر2016 تحت عنوان “الجزائر: اليد الخفية للسلطة في وسائل الإعلام”.
وحسب تقرير “مراسلون بلا حدود” فإن عدم منح التراخيص لا يعتبر الآلية الوحيدة التي تعتمدها السلطة للتحكّم في القطاع الإعلامي فالإيقافات التعسفية في حق الصحفيين والتتبّعات العدلية والمحاكمات طبقا للقانون الجزائي هي أكثر الآليات اعتمادا للتحكّم في قطاع الإعلام من خلال إقصاء المعارضين للنظام أو الناقدين للمتحكمين في السلطة. ويرى متابعون أن النظام يمارس سياسة الرقابة والتضييق على وسائل الاعلام الخاصة سعيا منه على الابقاء على التلفزيون الحكومي كبوق للدعاية لصالحه سياساته.