ترجمة حفصة جودة
سقطت الرقة عاصمة الخلافة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شرق سوريا على يد قوات العرب السنة والقوات الكردية الأسبوع الماضي، وبلا شك فهذا الحدث يعد نجاحًا عظيمًا للتحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالنسبة لسكان المدينة؛ فهذا النصر يعني نهاية 3 سنوات من الرعب تحت حكم طائفة لا دين لها ولا أخلاق.
كان حكم داعش في الرقة قد قدم عرضا عالميا لأعماله الوحشية وأيدولوجيته: مثل قطع الرؤوس في الاستاد الرياضي، وإلقاء الرجال الشواذ من فوق الأسطح، وأسر النساء كإماء، وتعليم الأطفال القتال حتى يصبحوا انتحاريين، طرد هذه الجماعة من الرقة يعد خبرا جيدا للشرق الأوسط وغيره.
من المبكر جدا أن نقول بأن داعش قد هُزمت للأبد، فما زالت تسيطر على بعض الأراضي عبر الحدود السورية العراقية، ولن يختفي التهميش السني –السبب الرئيسي للانضمام لداعش- إذا استمر ديكتاتور سوريا بشار الأسد في اضطهاد شعبه، وقد أكد دونالد ترامب في حديثه يوم السبت أن اعتبار سقوط الرقة علامة تحول سياسي في سوريا ما هو إلا كلام ساخر وأجوف، فلا توجد أي علامة لمثل هذا التحول في دمشق.
لا يستطيع أحد أن يتوقع نهاية اللعبة
ولا يمكن القول أن المنطقة بأكملها اقتربت من الاستقرار أيضا ناهيك عن السلام، فمع سقوط الرقة؛ تغيرت القوة المسيطرة على مدينة كركوك في العراق المجاورة أيضا، لكن الظروف كانت مختلفة تماما، فقوات البشمركة الكردية التي كانت تسيطر على كركوك وحقول النفط المجاورة منذ عام 2014 تم طردها بواسطة قوات الجيش العراقي الذي يسيطر عليه الشيعة.
قبل أسابيع من ذلك صوتت كردستان العراق على استفتاء الاستقلال بأغلبية ساحقة، وكان هذا الاستفتاء يشكل تعزيزا لتطلعات الأكراد السياسية منذ وقت طويل، لكن نتيجة الاستقلال كانت عكسية بشكل سيء، فالقوات العراقية سيطرت على المدينة دون مقاومة، ولعب انقسام الفصائل الكردية دورا ليس صغيرا في هذا الانهيار.
في الوقت نفسه وخلال أسبوع واحد كان انتصار القوات الكردية في الرقة؛ وانهزامها في كركوك جزء من إعادة تنظيم الفوضى في المنطقة، وفي انتظار نهاية داعش كانت القوات المحلية المسلحة والدول القومية التي تدعمها يتحركون سريعا للحفاظ على مواقعهم وملء أي فراغ، ويتغير الحلفاء كلما تتغير الظروف ويُعاد رسم الخطوط على الرمال ولا تزال الحركة مستمرة في تلك المنطقة المتاحة للجميع، ولا يستطيع أحد أن يتوقع نهاية اللعبة.
ليس مبالغا فيه أن نقارن الوضع بحرب الثلاثين عام
فالقوات الكردية والعراقية اللتان اتحدتا ضد داعش وكلاهما حصلا على دعم وتدريب الولايات المتحدة انقلبا على بعضهما البعض، وفي صحراء شرق سوريا؛ تتنافس الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة والجماعات التي تدعمها إيران على المعالم الإستراتيجية رغم أنهما اتفقا على قتال داعش من قبل، كما أن التكتيكات الصلبة أصبحت هشة للغاية، أما تركيا التي كانت تدعم سابقا القوات المناهضة للأسد تسعى الآن نحو طلب الدعم الروسي ضد الأكراد بينما تعلن أنها سترسل قوات برية إلى محافظة إدلب السورية التي تسيطر عليها المعارضة.
تتحكم القوة العسكرية الطائشة والانتهازية الجيوسياسية في تلك الأحداث في الشرق الأوسط، وقد تم التخلي عن الدبلوماسية، ولا يوجد كتاب للقواعد باستثناء أن أقوى جناحين معارضين سوف يسيطران على الوضع، ومع تقلص سلطة داعش؛ تتنافس الدول والكيانات غير الحكومية على حد السواء لفرض سيطرتها ونفوذها، كما أن الاختلافات العرقية والطائفية تغذي الوضع بشكل خطير، وعليه فليس مبالغا فيه أن نقارن الوضع بحرب الثلاثين عام.
ومع ذلك فالدولة الوحيدة التي فازت أكثر مما خسرت في تلك الحرب الإقليمية متعددة الاوجه هي إيران، فمع توغل قواتها ووكلائها بشكل كبير على الأرض؛ انتشرت الهيمنة الإيرانية خلال العراق وسوريا ولبنان، وقد استفادت إيران من الفوضي والأخطاء الأمريكية وسوء التقدير، لذا ربما تكون تهديدات ترامب لإيران في هذا السياق لمحاولة دفعها للتراجع، لكن من المحتمل أن تتسبب هذه التهديدات في وقوع مشكلات أكبر، ومع تراجع داعش يشهد العالم التسابق نحو الغنائم، وفي الوقت الراهن فكل نصر عسكري يفسح المجال لمواجهة أخرى وليس لإجراء محادثات، أما بالنسبة لمواطني الرقة وكركوك وغيرهم فالوضع يتجه أكثر لعدم اليقين.
المصدر: الغادريان