ترجمة وتحرير: نون بوست
تحتوي ملفات جون إف كينيدي، التي أعلن ترامب عن عزمه على كشفها، على آلاف الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس الراحل والتي تم الإبقاء عليها في المحفوظات الوطنية. وفي هذا الصدد، أعلن ترامب أنه “وبغية الحصول على المزيد من المعلومات، سأسمح، بصفتي الرئيس، بفتح ملفات جون إف كينيدي التي ظلت ممنوعة وسرية لوقت طويل”.
في الأثناء، تواترت التكهنات في صفوف منتقدي ترامب في إشارة إلى أن الرئيس الأمريكي قد وافق دون تردد على الكشف عن هذه الملفات في سبيل صرف الأنظار عن التحقيق الجاري بشأن علاقاته المزعومة مع روسيا. والجدير بالذكر أن أمر نشر هذه الملفات وقعت المطالبة به بموجب القانون الصادر سنة 1992، المتعلق بجمع سجلات اغتيال كينيدي.
في الواقع، ساهم فيلم أوليفر ستون “جي أف كي” جزئيا في إصدار هذا القانون القاضي بنشر الملفات التي تتضمن ملايين الصفحات، والتي يرد جزء كبير منها ضمن ملفات وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك بتاريخ 26 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري. ويوافق هذا التاريخ مرور 25 سنة بالتحديد على إقرار القانون. على مر السنوات، أصدرت المحفوظات الوطنية الجزء الأكبر من الوثائق السرية، على الرغم من أن بعضها مُنقح جزئيا. في الأثناء، لم يقع كشف اللثام بعد على الدفعة النهائية من هذه الوثائق، علما وأن وحده الرئيس يتمتع بصلاحية الإبقاء على سرية الوثائق قبل بلوغ الموعد النهائي في حال كان يعتقد أن نشرها قد يعرض الأمن القومي للخطر.
ترامب: سأسمح، بصفتي الرئيس، بفتح ملفات جون إف كينيدي التي ظلت ممنوعة وسرية لوقت طويل
من جانبه، لم يفصح ترامب بعد عما إذا كان نشر الملفات المتبقية سيتم بشكل تام أم مرفقا بجملة من التنقيحات الجزئية. وقد مارس المؤرخون والصحفيون ضغطا متزايدا على الرئيس الأمريكي من أجل إصدار الملفات، مقابل ضغوط مضادة من قبل مدير وكالة المخابرات المركزية، مايك بومبيو، لتمديد سرية الوثائق لمدة 25 سنة أخرى.
أما المستشار السياسي، روجر ستون، أحد المقربين من ترامب، فقد صرح لأليكس جونز، مالك إذاعة “إنفو وارز” والشهير بأعماله حول نظرية المؤامرة، أنه قد تحدث مع الرئيس لحثه على نشر الملفات. وفي هذا السياق، قال ستون: “لقد سنحت لي الفرصة لمناقشة المسألة مباشرة مع رئيس الولايات المتحدة عبر الهاتف. وقد أوضحت السبب الذي يدفعني إلى الاعتقاد بضرورة نشر وثائق اغتيال جون إف كينيدي التي لا تزال منقحة وسرية في الوقت الحالي”.
من جانب آخر، أوضح المستشار السياسي أن “مصدرا موثوقا، في البيت الأبيض، ليس الرئيس، أخبرني أن وكالة المخابرات المركزية، وبالتحديد مديرها مايك بومبيو، كان يمارس ضغطا سياسيا على ترامب بشراسة كي يمنعه من نشر هذه الوثائق. ولكن ما السبب وراء ذلك؟ في الواقع، أعتقد أن هذه الوثائق تظهر أن لي هارفي أوزوالد، قاتل كينيدي، قد وقع تدريبه ورعايته وتكليفه بالمهمة من قبل وكالة المخابرات المركزية”.
وتجدر الإشارة إلى أن روجر ستون ألف كتابا حول نظرية المؤامرة التي تشير إلى أن الرئيس ليندون بينز جونسون، نائب الرئيس كينيدي آنذاك، كان متورطا في عملية الاغتيال. بالإضافة إلى ذلك، أضاف ستون أنه لا يمتلك أي معلومة بشأن نوايا ترامب بعد أن شرح له موقفه حول نشر الوثائق. وأورد ستون أن “الرئيس لم يكشف عن قراره ولكنه، كان كله آذانا صاغية، وقد استمع لي جيدا واعتقد أنه سيقوم بالأمر الصائب”.
يعتقد الخبراء الذين درسوا عملية الاغتيال بشكل مفصل أن هناك حوالي 3100 ملف لم يتم إصدارها من قبل وتضم عشرات الآلاف من المواد التي لم يطلع عليها أحد على الإطلاق
من جانب آخر، ساند بعض السياسيين الجمهوريين مسألة نشر الملفات، بما في ذلك النائب الجمهوري عن كارولينا الشمالية، والتر جونز، والسيناتور تشارلز غراسلي، الذين طالبوا ترامب “برفض أي مطالب باستمرار تأجيل النشر”. وقد هزّت عملية اغتيال كينيدي في 22 من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1963 العالم بأسره، كما ظلت التكهنات تحوم حول ما إذا كان العمل الذي أقدم عليه لي هارفي أوزوالد قد أذن به من قبل طرف آخر.
في الحقيقة، لا تعد نظريات المؤامرة أمرا غريبا عن ترامب، حيث أصبحت منتشرة منذ اليوم الصادم الذي شهد فيه العالم مقتل الرئيس كينيدي، ذو الشعبية الكبيرة حين كان يجلس بجانب زوجته أثناء مرور سيارتهما عبر شوارع دالاس. وفي هذا الصدد، صرح ترامب خلال الحملة الرئاسية سنة 2016 بادعاء لا أساس له من الصحة متهما والد منافسه الجمهوري، السيناتور تيد كروز، بالتورط مع أوزوالد، وهو ادعاء لم يتراجع عنه الرئيس الأمريكي ولم يعتذر عنه أبدا.
من جهتهم، يعتقد الخبراء الذين درسوا عملية الاغتيال بشكل مفصل أن هناك حوالي 3100 ملف لم يتم إصدارها من قبل وتضم عشرات الآلاف من المواد التي لم يطلع عليها أحد على الإطلاق. ويتعلق بعض هذه الوثائق بالرحلة التي قام بها أوزوالد إلى مدينة مكسيكو لمدة ستة أيام قبل حوالي شهرين من عملية الاغتيال. وكان مصير أوزوالد، الذي كان يخضع لمراقبة وكالة المخابرات المركزية، القتل رميا بالرصاص على يد صاحب ملهى يُدعى جاك روبي في 24 من تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد يومين من عملية الاغتيال.
عموما، يعتقد البعض أن الوثائق قد تظهر إلى أي مدى كانت وكالة المخابرات المركزية على علم بالعلاقة التي جمعت أوزوالد بكل من الكوبيّين والسوفييت. وفي هذا الإطار، أفاد فيليب شينون، المراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب حول لجنة وارن، وهي هيئة الكونغرس التي حققت في عملية الاغتيال، قائلا: “لطالما اعتبرت رحلة مدينة مكسيكو بمثابة الفصل الخفي في إطار عملية الاغتيال. وقد تغاضت الكثير من دراسات التاريخ عن هذه الفترة”.
في السياق ذاته، أضاف شينون أن “أوزوالد التقى بالجواسيس الكوبيين والسوفييت، في الوقت الذي كان يخضع فيه لمراقبة لصيقة من قبل وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وعند هذه النقطة، لسائل أن يسأل: ألم تمتلك كلتا الوكالتين وفرة من الأدلة تشير إلى أنه يعد تهديدا قبل عملية الاغتيال؟ ربما لم تكن تلك العملية لتحدث إذا ما تحركتا بناء على تلك الأدلة. في الحقيقة، قد تخشى الوكالتين من نشر كافة الوثائق، حيث قد يُكشف النقاب آنذاك عن قلة كفاءتهما وعجزهما، ذلك أن كلاهما كانتا على علم بخطر أوزوالد ولكنهما لم تُحذّرا واشنطن”.
على صعيد آخر، أوضح جيفرسون مورلي، وهو مراسل سابق كتب على نطاق واسع عن وثائق اغتيال كينيدي، أن الوثائق التي لم تُكشف بعد قد تتضمن ملفات حول كبار ضباط وكالة المخابرات المركزية في فترة الستينات الذين كانوا على الأرجح على علم بتفاصيل مراقبة الوكالة لأوزوالد في مدينة مكسيكو.
“الوثائق لن تحمل أي دليل حاسم. وفي حال كان أي أحد يعتقد أن الوثائق ستقلب مجريات القضية رأسا على عقب وتُظهر بشكل مفاجئ أن ثلاثة أو أربعة مطلقي نار كانوا في ديلي بلازا، ففي الغالب سيكون على خطأ”
بالإضافة إلى ذلك، أفاد مورلي لصحيفة واشنطن بوست أنه كان متحمسا لقراءة نسخة لم يسبق أن تم نشرها لشهادة قدمها جيمس أنجيلتون، الذي شغل منصب مدير مكافحة التجسس في وكالة المخابرات المركزية بين سنة 1954 و1975. والجدير بالذكر أن أنجيلتون قدم شهادته أمام مجلس الشيوخ في أيلول/سبتمبر سنة 1975 ضمن التحقيق حول الانتهاكات التي ارتكبها المجتمع الاستخباراتي.
في المقابل، لا يعتقد أغلب المؤرخين الذين درسوا عملية الاغتيال أن إصدار الوثائق سيقود إلى تفجير مفاجأة جديدة أو الكشف عن معلومات حاسمة عن العملية. وقد أفاد جيرالد بوسنر، مؤلف كتاب “لي هارفي أوزوالد واغتيال جون إف كينيدي”، لصالح شبكة “سي إن إن” أن “الوثائق لن تحمل أي دليل حاسم. وفي حال كان أي أحد يعتقد أن الوثائق ستقلب مجريات القضية رأسا على عقب وتُظهر بشكل مفاجئ أن ثلاثة أو أربعة مطلقي نار كانوا في ديلي بلازا، ففي الغالب سيكون على خطأ”.
وأضاف بوسنر أن “أوزوالد قام بالعملية بمفرده، ولكن مهمة الوثائق وأهمية نشرها تتمثل في ملء الفراغات ضمن تاريخ القضية، كما تُبين لنا كيفية إخفاء كل من وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي للأدلة مرارا وتكرارا”. علاوة على ذلك، أورد بوسنر أن نظريات المؤامرة حول عمل وكالة المخابرات المركزية في ظل الغوغاء من أجل اغتيال رئيس الدولة أمر صحيح، بيد أن الهدف كان الزعيم الكوبي الراحل، فيدل كاسترو، وليس كينيدي، الذي تم اغتيال شقيقه بوبي أيضا سنة 1968.
في تفسيره لذلك، أفاد بوسنر أنهم “حاولوا اغتيال كاسترو سبع مرات ولم يتمكنوا حتى من جرحه، ولم يستطيعوا التخلص منه، ولكن بطريقة ما نجح هؤلاء الرجال الفاشلون أنفسهم في القيام بالجريمة المثالية في دالاس. وبعد مرور 54 سنة، لم نتمكن من إيجاد أي دليل على ذلك. في الحقيقة، أنا لا أصدق ذلك”.
في شأن ذي صلة، قال الباحث في جامعة فرجينيا، كين هيوز، لشبكة “سي إن إن” إن “الملفات بإمكانها كشف المزيد عن تورط الولايات المتحدة في محاولات اغتيال كاسترو، فضلا عن الانقلاب الذي وافقت عليه واشنطن للإطاحة بالزعيم الفيتنامي الجنوبي، نغو دينه ديم، سنة 1963”. وأضاف هيوز أنه “لا يزال هناك الكثير أمام المؤرخين التقليديين، أي نحن غير المؤمنين بنظرية المؤامرة، لنتطلع إليه”.
المصدر: الإندبندنت