يحاول الكثير من الناس إدارة أمورهم المالية بشكل يضمن لهم الراحة الاجتماعية، بحيث تتوفر لهم خيارات أوسع عند التعامل مع متطلبات الحياة المادية، وهناك أولويات تأتي على رأس القائمة، مثل تكاليف الرعاية الصحية التي تأمن حياة الأفراد من المخاطر الصحية ومضاعفاتها.
كما حرصت بعض حكومات الدول على مشاركة مواطنيها هذه الأثقال المادية، وتوفير حماية صحية اجتماعية لهم من خلال نظام تأمين صحي يغطي تكاليفهم الصحية كاملة – الفحص والتشخيص والعلاج والدعم النفسي والجسدي- ويقوم مبدئه على جمع الأموال اللازمة لعلاج الأمراض وتوزيعها على الأشخاص بحسب حاجتهم للعلاج، مقابل مبلغ محدد وثابت من المال يدفعه جميع الأفراد المشتركين في هذا النظام، دفعة واحدة أو على هيئة أقساط.
يعتبر هذا النظام غاية الكثير من سكان الوطن العربي، فهو أحد معايير الرفاهية والتقدم في الدول المتقدمة التي عادة ما يزيد الانفاق الصحي فيها عن 10% من إجمالي الناتج المحلي. لكن ضآلة النفقات الحكومة على قطاع الصحة في الوطن العربي جعلت هذه القضية هاجسًا ومشكلة حياتية للعديد من الأشخاص والعائلات الذين لا يتحملون هذه التكاليف بمفردهم. ويمكن رصد الفرق في النفقات بين دول العالم عن طريق مقارنة حجم الانفاق الحكومي في سويسرا الذي وصل إلى 9 آلاف و673 دولار سنويًا، مع نصيب موريتانيا التي وصل فيها الإنفاق إلى 49 دولار أمريكي في السنة.
عن تاريخ وأنواع التأمين الصحي
يعرف التأمين الصحي على أنه اتفاق بين طرفين، الأول شركة التأمين والتي تتحمل النفقات العلاجية للطرف الثاني وهو فرد أو جماعة. أيضًا ينص هذا الاتفاق على دفع مبلغ محدد دفعة واحدة، أو دفعات مقسطة. وللتأمين الصحي أنواع عديدة، منها الخاص والذي تقوم به شركات التأمين الصحية الخاصة، أما العام الاجتماعي فهو ما تقوم به الحكومات، والنوع الثالث هو المختلط والذي يجمع بين النوعين السابقين.
صدرت أول وثيقة تأمين صحي في العالم في ألمانيا عام 1883. أما عربيًا، فأول وثيقة ظهرت في مصر عام 1957، وكانت الوثيقة تشمل تعاونًا بين الشركة المتحدة للتأمين وبنك الإسكندرية، أما فيما يتعلق بتأسيس شركات التأمين الصحي، فإن أول شركة قدمت خدمات الضمان الصحي أسست في اليمن، وذلك عام 2005، والتي أصدرت أول وثيقة بتاريخ 1 أكتوبر 2006.
بالرغم من وجود عدة مزايا لهذا النظام الصحي، غير أن شركات التأمين الصحي الخاص تعرضت للكثير من الاتهامات والانتقادات، ولا سيما فيما يتعلق بأهدافها الربحية والتجارية.
ومن بعدها، أصبح التأمين الصحي جزء من المنظومة الصحية العربية، وخاصة بعد تراكم النفقات والتكاليف على الحكومات في القطاع الصحي. وبالرغم من وجود عدة مزايا لهذا النظام الصحي، غير أن شركات التأمين الصحي الخاص تعرضت للكثير من الاتهامات والانتقادات، ولا سيما فيما يتعلق بأهدافها الربحية والتجارية.
السبب الرئيسي لهذه الشكوك، هو عدم وجود تعليمات واضحة أو قوانين وتشريعات تراقب عمل وأداء هذه الشركات الخاصة دون مبالغة أو تحيز، إضافة إلى عدم وجود إدارة فعالة لرصد المشاكل ومواضع الفساد في القطاع الصحي.
أهداف ومزايا التأمين الصحي
بعيدًا عن المشاكل والانتقادات التي طالت هذا النظام وشركاته، يوجد عدة إيجابيات لهذه المنظومة الصحية، ومنها: توفير الرعاية الصحية للأفراد، وتأمين تكاليف الرعاية، وتوزيع هذه النفقات على الأفراد بحيث يدفع الجميع حصة متساوية، إذ يدفع الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من المرض ويغطون تكاليف علاج الأشخاص المرضى، وهذه النقطة تحمي الأفراد الذين لا يملكون القدرة على توفير تكاليف العلاج وتزيل عنصر القلق من حياتهم وتساعدهم على الحصول على الرعاية اللازمة.
كما يساعد الضمان الصحي المريض على اختيار طبيبه الخاص، لتتشكل بينهم علاقة من الثقة والمعرفة الجيدة، إلى جانب تحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة من خلال المصادر المالية الثابتة والمستمرة، والتي تشجع على التنويع والمنافسة في تقديم وتطوير الخدمات الطبية.
بصفة عامة لا يغطي الضمان الصحي الجوانب التجميلية والتي قد تشمل أحيانا الأسنان، والتي تعد قيمته العلاجية مرتفعة بعض الشيء في بعض الدول.
جدير بالذكر، أن هناك العديد من المصادر المالية التي تساعد في تمويل التأمين الصحي، وذلك من خلال المبلغ الذي يدفعه الأفراد بشكل شهري، أو من خلال أموال الضرائب التي تدفعها الحكومة، أو عبر ما تدفعه المؤسسات الخاصة والتي تكون هي مسؤولة عن جزء من تكاليف الرعاية الصحية لموظفيها، أو عن طريق المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة -الأونروا- والتي تتكفل بتكاليف علاج اللاجئين الفلسطينيين، والتي تحصل على أموالها من دول العالم، وأخيرًا من الهبات والمنح التي تقدمها بعض المؤسسات أو الأفراد، والتي غالبًا ما تكون على صورة أجهزة أو مستلزمات طبية.
وبالنسبة إلى الأمراض التي يغطيها التأمين الصحي، فهي تختلف من دولة إلى أخرى، لكن بصفة عامة لا يغطي الضمان الصحي الجوانب التجميلية والتي قد تشمل أحيانا الأسنان، والتي تعد قيمته العلاجية مرتفعة بعض الشيء في بعض الدول.
مساوئ ومشاكل التأمين الصحي
يعج القطاع الصحي بالكثير من المشاكل والتي طالت نظام الضمان الصحي، ومن هذه الأزمات: عدم شمول التأمين الصحي لكل فئات المجتمع وهذا ما قد يعرض البعض للمخاطر الصحية، ففي اليمن يحرم 70% من السكان من نظام التأمين الصحي، أما الجزائر فيمنع 7 ملايين شخص، وليشمل هذه النظام 10 ملايين من السعوديين فقط.
أيضًا من الجوانب السلبية لهذا النظام، هو زيادة الضغوط المالية على الافراد التي تقتطع من دخولهم مبالغ للتأمين الصحي، إضافة إلى قلة المصادر التمويلية لهذا النظام، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف العلاج وزيادة الحمل على صناديق التأمين الصحي الحكومية أو الخاصة.
من السهل إتباع أساليب التلاعب والغش في هذا النظام، عبر تزوير الفواتير والعلاجات، واستخدام بطاقة التأمين الصحي من قبل شخص غير مشترك بهذا النظام، وهذا يعود لعدم وجود نظام رقابة فعال، أو آليات للمساءلة القانونية.
كذلك، يعتبر من السهل اتباع أساليب التلاعب والغش في هذا النظام، عبر تزوير الفواتير والعلاجات، واستخدام بطاقة التأمين الصحي من قبل شخص غير مشترك بهذا النظام، وهذا يعود لعدم وجود نظام رقابة فعال، أو آليات للمساءلة القانونية.
هذه ويعد ارتفاع نسبة الشيخوخة ضربة اجتماعية للحكومات، التي تضطر للاعتناء بهذه الفئة وتحمل تكاليف رعايتهم الصحية، وهذا يزيد الضغط على التأمين الصحي أيضَا.
وفي الدول التي شهدت موجات كبيرة من الهجرة وتدفق اللاجئين، يزيد الضغط على مواردها الصحية ومسؤولياتها في توفير الحماية من تفشي الأمراض والأوبئة، مما يزيد من الأعباء المادية عليها.
ويمكن التعرف على أشكال الخلل في شركات التأمين الصحي، من خلال ملاحظة سوء استعمال الخدمات، وقيام أطباء بوصف أدوية ذات كلفة عالية، وتسعير أجور وأجهزة لم تستعمل للمريض، وإجراء عمليات جراحية دون وجود ضرورة علمية، أو مقايضة الأدوية الموصوفة لهم بالمواد التجميلية. وتكرار الزيارات إلى مراكز طبية بشكل مبالغ فيه، مما يسبب بإهدار الأموال دون فائدة.
وبخلاف هذه الصعوبات في القطاع الصحي في الوطن العربي، فلقد نجحت فرنسا بتأمين التكاليف الصحية لمواطنيها، بحيث أنها تتكفل برعاية النساء والحوامل منها بشكل خاص، عبر نظام يسمى ب “هوم كير” والتي ترسل ممرض أو ممرضة للمريض في منزله، أما فيما يتعلق في الدول العربية فلقد اجتازت قطر الدول العربية في هذا المجال، ليشمل الضمان الصحي جميع مواطنيها، فهي الدولة الأكثر إنفاقًا على الصحة عربيًا بمعدل 1700 دولار لكل مواطن.
وعلى الرغم من التفاوت الكبير في حجم الإنفاق والاهتمام في قطاع الصحة بين الدول، ووجود الكثير من المشاكل الإدارية والأخلاقية في نظام الضمان الصحي، إلا أن منظمة الصحة العالمية اعتبرت هذه المنظومة شكل من أشكال التكافل الاجتماعي الذي يهدف إلى تقاسم الأعباء المادية بين جميع أفراد المجتمع الواحد، بدلًا من أن يتحمل كل فرد تكاليفه على حدة.