ترجمة وتحرير : نون بوست
في الواقع، تعد الحروب بالوكالة نوعا من النزاعات التي تتسم بوجود صراع داخلي في صلبها، في حين تتداخل في خضمها العديد من المعسكرات أو الجهات الفاعلة، التي تعتبر جزءا من تنافس آخر بين قوى أو جهات خارجية. وعلى الرغم من تعاقب الحروب بالوكالة على مر التاريخ، إلا أن التعرف عليها يعد من الحقائق التي تفضح طبيعة العالم الذي نعيش فيه وواقع الوضع الجيوسياسي للمنطقة التي تشهد حربا بالوكالة.
من جهة أخرى، نجد في غالبية كتب التاريخ العالمي فصلا مخصصا للحديث عن صراع مسلح معين، الذي يتضمن بدوره قسما يعنى بتحليل “البعد الدولي للصراع”. وفي هذا الجزء، يتم وصف مصالح القوى العالمية الرئيسية المشاركة في الصراع، والتحالفات المختلفة التي تتشكل بينها وبين الجهات المحلية. وفي الكثير من الحالات، يتم إدانة أحد العوامل التي تجعل من السلام، في خضم هذه الحرب، أمرا مستحيلا. ويتمثل هذا العامل، تحديدا، في غياب اتفاق حول حل وحيد لهذه الأزمة بين البلدان المشاركة في الحرب؛ كما هو الحال بالنسبة للمعضلة السورية.
تبدو الإستراتيجيات العسكرية القائمة على المشاركة في الحروب بالوكالة، جذابة نوعا ما بالنسبة “للدول التي تحاول تجنب التكاليف العالية من الناحية البشرية والاقتصادية التي تترتب عن المشاركة المباشرة في النزاعات المسلحة”
في حقيقة الأمر، تشارك في معظم الصراعات المسلحة، سواء في الماضي أو الحاضر، جهات فاعلة داخلية وأخرى خارجية. وعادة ما تملك الجهات الفاعلة الخارجية سلسلة من المصالح- الاقتصادية، والطاقية، والجيوستراتيجية- داخل أراضي الصراع. وفي مرحلة موالية، تختار الجهات الفاعلة الخارجية التحالف مع جهة فاعلة داخلية التي تكون، بطريقة أو بأخرى، ملائمة وتخدم المصالح التي حددتها على أرض الصراع.
في المقابل، هناك موجة من الصراعات التي تتجاوز وتتعدى ضمنها النشاطات والديناميكية الخارجية الصراع في حد ذاته. وتبعا لذلك، تصبح الجهات الخارجية في موقع متفوق، لا يكتسي فيه الصراع الداخلي أهمية فائقة. في المقابل، تحتكر التأثيرات الإقليمية والعالمية للمواجهة بين الجهات الفاعلة الخارجية، الثقل والأهمية الكبرى، أكثر من أي جانب آخر. وعموما، تعد هذه الجوانب من طبيعة الحروب بالوكالة التي تعد بمثابة صراعات، تعتبر في حد ذاتها جزءا من ديناميكية التنافس والمواجهة بين اثنين، على الأقل، من الجهات الفاعلة المحلية أو العالمية.
في الوقت الحالي، تتنازع ثلاث قوى عالمية على ثلاث مناطق نفوذ مختلفة في الشرق الأوسط. وفي خضم هذا الصراع، نجد المملكة العربية السعودية وإيران، اللتين يحركهما النزاع الإقليمي من أجل الهيمنة. كما نجد تركيا التي تحركها الإيديولوجية العثمانية الجديدة
من جانب آخر، تبدو الإستراتيجيات العسكرية القائمة على المشاركة في الحروب بالوكالة، جذابة نوعا ما بالنسبة “للدول التي تحاول تجنب التكاليف العالية من الناحية البشرية والاقتصادية التي تترتب عن المشاركة المباشرة في النزاعات المسلحة”. وفي وقتنا الحالي، من الصعب تصور قيام صراع على نطاق واسع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أو بين المملكة العربية السعودية وإيران، علما وأنه لا يمكن لأحد إنكار نزعة التنافس بين هذه الخصوم التاريخية.
فضلا عن ذلك، تعتبر كل من هذه الدول أن خوض هذا التنافس بعيدا عن حدودها أمر مريح وعملي أكثر، حيث ستتمكن من الحد من التدخل العسكري المباشر من خلال دعم إحدى الجهات الفاعلة المحلية والتحالف معها. باختصار، يقع تحويل النزاع إلى ميدان مختلف عن الرقعة الجغرافية الرئيسية.
لعبة ريسك؛ إستراتيجية على رقعة الشطرنج العالمية
خلال الخمسينات، وتحديدا خلال الحرب الباردة، اخترع المخرج السينمائي الفرنسي، ألبرت لاموريس، لعبة تتكون من لوحة رسم عليها خريطة العالم في شكل غير نمطي نوعا ما. في المقابل، تكشف هذه اللعبة إلى حد كبير الدينامية العالمية التي بدأت تسود في ذلك الوقت. وفي هذه اللعبة، التي قسمت فيها خريطة العالم إلى مناطق مختلفة، تم تسليط الضوء على طابع إستراتيجي ملحوظ، على الرغم من أن الهدف بسيط للغاية، حيث يجب على المشاركين غزو مناطق العدو. وفي هذه اللعبة، يملك المشاركون جيشا خاصا بكل منهم، يتم تحريكه فوق اللوحة بهدف مواجهة العدو والمشاركة في معركة ضده. وتبدأ اللعبة برمي النرد.
عموما، يدرك أي شخص لعب “ريسك” أنه يختفي وراء هذا الوصف المختصر، عدد من المكونات الإضافية في اللعبة، التي تسمح بالاقتداء ببعض الحالات الواقعية التي حدثت فعلا على الساحة السياسة الدولية. ونظرا لأن نتيجة أحد الصراعات عشوائية، يجب أن تكون الإجراءات المتخذة مدروسة للغاية، بحيث تكون الإستراتيجية أكثر أهمية من القوة.
في المقابل، لا تعتمد كل الإستراتيجيات في هذه اللعبة على نقل عدد من عناصر الجيش من مكان إلى آخر للمشاركة في الصراع. وفي خضم هذه اللعبة، ليس هناك مفر من تعزيز التحالفات مع أكبر عدد ممكن من المشاركين وإقامة شراكات في مختلف مناطق العالم، بشرط أن تخدم هذه التحالفات مصالح الجيش على المدى الطويل. وبهذه الطريقة، سيسيطر المشارك الواحد على منطقة معينة أو على كامل رقعة الشطرنج العالمية.
الخريطة السياسية للعبة ريسك
في حال كانت لعبة ريسك تجسد الوضع السائد في الحرب الباردة، فسنجد كتلتين متنافستين تواجهان بعضهما البعض، تسعيان إلى تعزيز نفوذهما في كامل رقعة الشطرنج العالمية. وفي الوقت ذاته، تحاول كل جهة الحد من نفوذ الجهة المنافسة. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال هذه الفترة الزمنية، شهد العالم عددا كبيرا من الصراعات الداخلية في مناطق مختلفة من العالم. وقد كانت لكلتا المجموعتين المتنافستين مصالح معينة، وهو ما جعل كلا منها تقيم تحالفات مع أحد المعسكرات أو المجموعات المحلية. وتعد كوريا والفيتنام، خير مثال على ما سبق ذكره، نظرا لأنها كانت من الصراعات المسلحة واسعة النطاق.
من جانب آخر، توجد حالات مختلفة عن التي سبق ذكرها، والتي اتسمت بالسرية والتحفظ، في حين وقع إيلاء المنطق والحجج الإستراتيجية في إطارها أهمية فائقة وتم وضعها في المقدمة. وفي هذا السياق، يمكن ذكر قضية إيران كونترا، وهي فضيحة حدثت خلال إدارة ريغان في الثمانينيات. وفي ذلك الوقت، قام الرئيس الأمريكي ببيع الأسلحة لإيران سرا وبطريقة غير قانونية، بعد أن فرضت واشنطن ضدها عقوبات تجارية إثر الثورة الإيرانية.
يمكن أن نجد جهات فاعلة غير نمطية مشاركة في حرب الوكالات. ويدل هذا الجانب مرة أخرى على تعقيد هذه الصراعات
في الأثناء، كان الهدف من الخطوة التي قامت بها إدارة ريغان، يتمثل في تحرير المواطنين الأمريكيين المحتجزين لدى حزب الله اللبناني، حليف إيران. وخلال هذه العملية، تم دفع الأموال مقابل شراء الأسلحة الأمريكية عن طريق حسابات بنكية سويسرية، تعود لحركة “الكونترا”، وهي حركة متمردة مسلحة ذات أيديولوجية اشتراكية، والمعارضة لجبهة الساندينية للتحرير الوطني.
في الحقيقة، يتطابق هذا المنطق مع ما يمكن ملاحظته، وعلى نطاق واسع، في خضم الحروب بالوكالة. وفي جميع الأحوال، تعد لعبة ريسك مقاربة جيدة للحروب بالوكالة. في بعض الأحيان لا يمكن إرسال الجيش إلى مكان آخر من رقعة الشطرنج العالمية، وذلك إما لأسباب لوجستية، أو اقتصادية، وحتى سياسية. ومن جهة أخرى، توجد مجموعة أخرى من الموارد المتاحة أمام الجهات الفاعلة عند ضرورة الدفاع عن مصالحها الخاصة، التي تتراوح بين توفير الأسلحة، أو المساعدات المالية، أو حتى من خلال شن حرب معلومات.
المرتزقة، الإرهابيون، وحرب العصابات: هكذا يتم صنع الحرب بالوكالة
عموما، لا تعد الحرب بالوكالة حربا تقليدية. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الحروب يقحم عادة قوات مسلحة مهتية في حربه، مثل جيش الأسد في سوريا الذي يدعمه الطيران الروسي، إلا أنه يمكن أن نجد جهات فاعلة غير نمطية مشاركة في هذه الحرب. ويدل هذا الجانب مرة أخرى على تعقيد هذه الصراعات.
تستخدم كل من الولايات المتحدة وروسيا المرتزقة لغاية تحقيق أهداف محددة في الأراضي السورية
في المقام الأول، يعد تنوع الجهات الفاعلة المحلية التي نجدها في خضم كل الحروب بالوكالة، متوافقا مع تنوع الجهات الفاعلة الخارجية. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تعد الجهات الفاعلة الداخلية بمثابة الدمى المتحركة التي تتحكم فيها الجهات الفاعلة الخارجية. فعلى العكس من ذلك، تملك الجهات الفاعلة الداخلية درجة عالية من الاستقلالية، وفي بعض الأحيان تكيّف هذه الجهة خطابها وتوجهها الأيديولوجي بنفسها، بهدف جذب دعم الجهة الفاعلة الخارجية، أو الحفاظ على هذه المساندة.
من جهة أخرى، لا يحدث هذا الأمر فقط في الحروب بالوكالة، حيث تعد دينامية تتكرر باعتبارها عنصرا من عناصر السياسة الواقعية الدولية. وفي هذا الإطار، يمكن التطرق إلى التحول إلى الشيوعية الذي أدت إليه الثورة الكوبية، والذي كان هدفه الانضمام إلى محور الاتحاد السوفيتي جراء الضغوط الأمريكية، وهو ما اعترف به فيديل كاسترو شخصيا.
والجدير بالذكر أن البعض من هذه الجهات الفاعلة الداخلية تعتبر تقليدية للغاية ويمكن معاينتها في صراعات مختلفة على مر التاريخ، تماما مثل حرب العصابات والحركات المتمردة. وخلال الثورة الساندينية في نيكاراغوا، التي تعد بمثابة حرب عصابات اشتراكية مدعومة من قبل الكتلة الشرقية وكوبا، لم تجد الجبهة الساندينية للتحرير الوطني بديلا سوى مواجهة حركة اليمين المتطرف التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية.
في المقابل، اكتسبت جهات فاعلة أخرى، مثل الأحزاب السياسية، أهمية حاسمة أيضا، وذلك بفضل قدرتها على التعبئة العسكرية. وخلال القرن العشرين، كانت الأحزاب الشيوعية، باستثناء الماركسية اللينينية الماوية، وفي وقت لاحق، الشيوعية الأوروبية، خاضعة لتأثير الاتحاد السوفياتي ومصالحه. ومن خلال دعم غير رسمي لبعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، قامت الولايات المتحدة بحملة “دمقرطة” لبلدان أوروبا الشرقية، خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك بهدف إبعادها عن مدار النفوذ الروسي.
غالبا ما تقيم الجهات الفاعلة المشاركة في الحرب بالوكالة، تحالفات مع مجموعات إرهابية، تماما مثل التحالف المعروف بين إيران وحزب الله، في خضم الحرب السورية
من ناحية أخرى، يمكن أن نجد أيضا جهات فاعلة أكثر نموذجية في منطقة الصراع. وفي هذا السياق، تستخدم كل من الولايات المتحدة وروسيا المرتزقة لغاية تحقيق أهداف محددة في الأراضي السورية. وبالتالي، أصبح استخدام المرتزقة والتعاقد مع الشركات الأمنية لأداء بعض المهام في مناطق الصراع، أحد التوجهات الأكثر رواجا في العقود الأخيرة. وقد خلصت إحدى الدراسات التي أُجريت في سنة 2010، إلى أنه، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الموظفين الخاصين في علاقة بنسبة العسكريين الأمريكيين حوالي 1 على 55 في الفيتنام، فقد بلغت في العراق 1:1، أي أن عدد العسكريين يعادل تقريبا عدد الموظفين العاملين في مناطق النزاع.
شركات الأمن الخاصة تعد إحدى الجهات الفاعلة الرئيسية وغير المعروفة في الصراعات المعاصرة
اكتسبت الجماعات الإرهابية أهمية متزايدة في آخر الصراعات التي شهدها العالم. وعلى الرغم من أنه يصعب أحيانا تمييزها عن العصابات، إلا أن المنظمات الإرهابية التقليدية كثيرا ما يكون لها هيكل تنظيمي وطريقة عمل مختلفة، في حين أن هناك نقاط مشتركة فيما بينهما في بعض الأحيان. وفي الأثناء، غالبا ما تقيم الجهات الفاعلة المشاركة في الحرب بالوكالة، تحالفات مع مجموعات إرهابية، تماما مثل التحالف المعروف بين إيران وحزب الله، في خضم الحرب السورية.
بغض النظر عن نوع الحلفاء، لا تعتمد الحرب بالوكالة حصرا على إرادة الجهات الفاعلة الخارجية. وفي هذا الصدد، خلال سنة 1997 كتب الأكاديمي جون لويس غاديس، أن “بعد الحرب الباردة أدركت بعض الأنظمة والجماعات المتمردة التابعة لها كيفية التعامل مع الروس والأمريكيين من خلال الإطراء والتسامح أو التظاهر باللامبالاة”. في الأثناء، باتت العلاقة بين الأطراف الداخلية والخارجية في الحرب بالوكالة ثنائية الاتجاه أكثر مما تبدو عليه، ما من شأنه أن يتسبب في صعوبات إضافية عند محاولة حل هذا النوع من الصراعات.
تعد جيوش المتصيدين على الشبكات الاجتماعية والهجمات السيبرانية ووسائل الإعلام جزءا من حرب المعلومات التي تحدث في إطار الصراع
الحرب بالوكالة بين الماضي والحاضر
دون أي للشك، لا تعتبر الصراعات المسلحة ذات الأبعاد الخارجية الملحوظة التي تقودها الجهات الفاعلة المختلفة ذات المصالح المتباينة، مسألة جديدة في القرن الحادي والعشرين. وفي هذا الصدد، عند غزو هذه الحروب للأراضي الأمريكية، أقام الإسبان تحالفات مع الشعوب الأصلية التي اضطهدتها شعوب الإنكا والأزتك، مستغلين الصراعات الداخلية والإقليمية للانتصار بكل سهولة. وبالمثل كانت حرب الخلافة الإسبانية (1701-1713)، على الصعيد الدولي، عبارة عن نزاع بين فرنسا وإنجلترا والقوى الأوروبية الأخرى لمعرفة من الذي سيتولى عرش الإمبراطورية الإسبانية الضعيفة.
عموما، تختلف طبيعة هذه النزاعات باختلاف الوقت والأرض والجهات الفاعلة المعنية. في الماضي، كان من الشائع العثور على حروب دعائية في صلب الصراعات الداخلية مثل الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). آنذاك، كانت الملصقات والمنشورات والكتيبات التي تم إلقاؤها من الطائرات بمثابة أداة أساسية لكسب المعركة الأيديولوجية. أما اليوم، باتت الآليات المستخدمة أكثر تطورا وتعقيدا. وفي خضم الحروب بالوكالة، منذ حرب أوكرانيا، لا تدور الصراعات فقط في الشوارع، حيث تعد جيوش المتصيدين على الشبكات الاجتماعية والهجمات السيبرانية ووسائل الإعلام جزءا من حرب المعلومات التي تحدث في إطار الصراع.
كانت الحرب الكورية أول الحروب بالوكالة ووقعت في إطار الحرب الباردة
تعتبر الحرب الكورية (1950-1953) مثالا نموذجيا. فعلى الرغم من وجود توترات في برلين بين الكتلة الغربية والاتحاد السوفياتي عقب نهاية الاحتلال، إلا أن الحرب الكورية كانت أول حرب بالوكالة خاضها جميع الذين عاشوا إلى غاية حل الاتحاد السوفياتي. وبعد انتهاء الاحتلال الياباني، إثر هزيمته في الحرب العالمية الثانية، كانت إدارة شبه الجزيرة الكورية بين أيدي الأمريكيين والسوفييت.
إبان تثبيت الحزام الأمني بين كوريا الشمالية والجنوبية، المعروف بالمنطقة المنزوعة السلاح، أنشأ السوفييت حكومة برلمانية ستالينية بقيادة كيم إل سونغ، بينما كان الأمريكيون يديرون المنطقة الجنوبية لغاية تحقيق الهدف طويل المدى، المتمثل في إنشاء حكومة وحدة وطنية في شبه الجزيرة. بناء على ذلك، قد تفضي هذه التوترات الواضحة إلى صراع يتميز بتوجهات دولية بدرجة كبيرة. وقبل أقل من عشر سنوات، اتحد الكوريون ضد الاحتلال الياباني، علما وأن هذا الصراع جسد النبض الأول للمعركة بين الكتلة الاشتراكية الكتلة الغربية. فقد قامت الصين والاتحاد السوفياتي بإرسال قواتها إلى كوريا، في حين سجل الصراع أيضا حضورا عسكريا أمريكيا بارزا.
في الواقع، يعتبر هذا الصراع بمثابة مثال توضيحي للحروب بالوكالة، ليس فقط بسبب العنصر العسكري الكبير على كلا الجانبين، وإنما أيضا لأن الصراع، الذي لم ينته عمليا، نظرا لأنه وقع الاتفاق على إبرام هدنة فقط، يعكس التوترات بين الكتلتين خلال الفترة الأخيرة من الحرب الباردة إلى غاية الأزمة الحالية. في الأثناء، تعد أكثر الأمثلة الحديثة والصادمة للحروب بالوكالة، الحرب السورية. ولعل أهميتها لا تقدر فقط من منطلق الكارثة الإنسانية والتغييرات السياسية التي أحدثتها أزمة لاجئيها في صلب السياسة الداخلية للبلدان الغربية، بل تقاس أيضا بمدى تعقيد البعد الخارجي والجهات الفاعلة المشاركة فيها.
يمكن الجزم بأن الحروب بالوكالة ليست ظاهرة دخيلة على القرن الحادي والعشرين، لأنها تعود إلى وقت أبعد من ذلك بكثير
في هذا الإطار، لا يعد العداء بين روسيا والولايات المتحدة العداء الوحيد الجدير بالاهتمام، لأن المهم والأهم يتمثل في التنافس الإقليمي بين إيران والمملكة العربية السعودية. في الواقع، تتمتع هذه الجهات الفاعلة بجملة من الحلفاء والأعداء على حد السواء، الذين تتقاطع سبلهم مع الدور الذي تلعبه تركيا أو إسرائيل، الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، ولكن ذلك مع مصالح مختلفة بشكل ملحوظ في في خضم هذا الصراع. إلى جانب ذلك، وعلى عكس كوريا، حيث كان الجيش المحلي مدعوما من طرف حلفائه من كل جانب، قامت روسيا وإيران بنشر القوات في سوريا. ولكن التحالفات التي اكتسبت أكثر أهمية تتمثل في تحالفات جماعات المتمردين والإرهابيين.
في نهاية المطاف، يمكن الجزم بأن الحروب بالوكالة ليست ظاهرة دخيلة على القرن الحادي والعشرين، لأنها تعود إلى وقت أبعد من ذلك بكثير. في الوقت الراهن، من المستبعد تصور حدوث صراع واسع النطاق بين القوى العظمى العالمية. وبالتالي، يسمح لنا فهم طبيعة كل حرب بالوكالة، بفهم واقع الوضع الدولي ومستقبل العالم، الذي بات يزخرُ بعدة أطراف لها مصالح متعارضة في كل مكان.
المصدر: الأوردن مونديال