بمجرد اجتيازهم عتبة المنزل، يأبى الأطفال أن يبوحوا بأسرارهم خاصة فيما يتعلق بما يحدث خارج المنزل، وذلك إما لتجنب إجهاد والديهم أو خوفا منهم. وفي الحالتين، يعد ذلك أمرا عاديا.
من بين الأسئلة التي عادة ما يسوقها الوالدين لأطفالهم، كيف قضيت يومك؟ ما الذي فعلته اليوم في المدرسة؟ هل أكلت جيدا في الظهيرة؟ توقفوا عن طرح مثل هذه الأسئلة والإلحاح للحصول على الأجوبة، فغالبا ما تكون إجابة الطفل، “لا أذكر شيئا”. في الواقع، ومن خلال هذه الطريقة، يضغط الوالدان كثيرا لمعرفة ما الذي فعله طفلهما خلال يومه، وهو ما يجبره على عدم قول أي شيء.
في الغالب، يتكتم الأطفال على عدة أمور، وذلك ليس فقط بسبب سيل الأسئلة التي تنهال عليهم فور عودتهم من المدرسة، بل أيضا لأنهم على الأرجح قد قضوا يوما صعبا أو تعرضوا لبعض المضايقات. وحسب أخصائية طب نفس الأطفال، ناتالي نانزار، لا يعد “توجيه “سيل” من الأسئلة للطفل حلا، حيث قد يدفعه ذلك نحو الانزواء والتقوقع على نفسه”. في سياق متصل، دعت هذه الأخصائية، التي تشغل منصب مدير مساعد “للوحدة الخاصة بالطفل” التابعة للمستشفى الجامعي في جنيف، الأهل إلى عدم طرح الأسئلة بنزعة تطفلية، في حين شددت على ضرورة الإنصات جيدا لما يقوله الطفل.
في الواقع، ليس بالأمر الهين أن يتحدث الطفل عما مر به في يومه أو يبوح بعواطفه، خصوصا إذا كان لا يزال في سن الرابعة أو الخامسة من عمره. وفي هذا الإطار، أفادت ناتالي نانزار أن “قلة قليلة من الأطفال الذين يفصحون عما مروا به طوال اليوم خارج المنزل في هذا السن، أي بين الأربع أو الخمس سنوات. في الأثناء، لا أظن أنهم سيبوحون بعدد هام من المعلومات تتعلق بأسرار يكتمونها”.
انطلاقا من سن الثامنة وصولا إلى 12 سنة، يصبح الأطفال قادرين أكثر على البوح بمشاعرهم والأمور السيئة التي قد يعيشونها. من جهتها، قالت ناتالي نانزار، أنه “عند بلوغهم هذه المرحلة العمرية، يقل الصراع الداخلي لدى الطفل مما يدفعه للإفصاح عن أفكارهم والأسرار التي في داخلهم”. بناء على ذلك، لا يجب أن نشعر بالقلق إزاء سياسة الصمت التي يلجأ لها الطفل، إلا في حال لاحظنا بعض العلامات التي تبعث على القلق، من قبيل البكاء، والحزن، أو بعض الكدمات على جسده بعد عودته من المدرسة.
تغير طريقة التواصل
يطرأ تغير على علاقة الوالدين والأطفال خلال السنوات الأولى من المدرسة. وغالبا ما تنتاب مشاعر القلق الآباء إزاء المرحلة الجديدة في حياة أطفالهم. وفي هذا السياق، أشارت إحدى الأمهات، التي تدعى “آن”، إلى أنه “فجأة، لم يعد يخبرنا بشيء. إضافة إلى ذلك، لم نعد نعرف مع من يلعب، ومتى ينام أو متى يستيقظ، أو هل ذهب إلى الحمام أم لا”. في هذا الصدد، أكدت الأخصائية أنه “دون أن يدرك الآباء ذلك، يتغير أسلوب تواصلهم مع أطفالهم، حيث يصبح أقرب ما يكون إلى حوار شخص بالغ مع آخر. والجدير بالذكر أن الأطفال لا يتعلمون التكتم على حياتهم بين يوم وليلة”.
من جهته، أورد “بيير”، وهو أب لولدين في سن المراهقة، أن “شخصية كل واحد منهما سرعان ما بدأت تبرز ليتبين حجم الاختلاف بينهما. ففي حين كان ابني الكبير قليل الكلام، كان الأصغر منه سنا من محبي التواصل والتحاور”. في المقابل، لم تؤثر هذه السمات على مرحلة المراهقة بالنسبة هما، بل “ازدادت حاجتهما لأن يكونا أقوى وأقل كلاما، في حين أن ابني الكبير انغمس أكثر في عالمه السري الخاص”. وفي هذا الإطار، ذكرت ناتالي نانزار أنه “خلافا لما نعتقده، يفضل الأطفال غالبا التحدث عما يشغلهم. لذلك، من المهم أن ننصت لهم وأن نكون جاهزين لسماع أسرارهم ومنحهم الثقة”.
خمسة نصائح لدفع الأطفال للحديث عن مشاغلهم
1- لا بد أن تطرح أسئلتك في الوقت المناسبة، شريطة أن تنتقي الملائمة منها على غرار “مع من لعبت خلال الراحة؟” “ما هي أجمل لحظة مررت بها اليوم؟” “هل أنهيت طبقك وقت الغداء؟”، “هل قرأت قصة جديدة؟”.
2– ابدي اهتمامك بالنشاطات التي يقوم بها في المنزل. وبالتالي، إذا كان بصدد الرسم، تحدث معه عن رسوماته، اسأله عن سبب اختياره لهذا اللون. راقب نتائجه في مادة الرياضيات واستفسر عن المعيقات التي يواجهها وكيف يمكن أن يتحسن أكثر. اقرأ عليه الشعر الذي يهم بحفظه … بناء على ذلك، ومن خلال اهتمامك بجُل الأنشطة والأمور التي يقوم بها ، ستنشأ علاقة متينة بينكما بشكل طبيعي.
3- اقرأ بتمعن دفتر ملاحظاته. وفي حال كنت تروم معرفة بعض التفاصيل والمعلومات، حاول أن تحسن اختيار مقدمة حديثك، على غرار، هل زاركم طبيب أسنان في المدرسة، أو شرطي؟
4- تحدث أنت عن يومك لطفلك، عوضا عن أن تسأله بشأن يومه. في الأثناء، لما لا تطلب من طفلك بلطف: “هل لديك رغبة في الحديث معي عن يومك؟” في المقابل، وحسب الكاتبة والأستاذة الكندية، سارة أكرمان، غالبا ما يرفض الأطفال التطرق إلى تفاصيل يومهم، في حين يفضلون التحدث عن ذلك بصفة عفوية، أي دون أن تطرح عليهم أية أسئلة.
5- تعلم كيفية “جمع المعلومات بصفة بديهية”، أي عندما يجيب طفلك عن سؤالك “ما الذي فعلته اليوم؟” ” “بلا أذكر شيئا عن يومي”، لا تشعر بالإحباط. فقد لا يعني ذلك أنك لن تعرف أي شيء. بل يجب فقط أن ننتبه لما سيدلي به الطفل بعد ذلك. ولعل تجربة “لورانس” ستوضح المسألة أكثر. فقد أفادت هذه الأم أنه “فجأة، وجهت لي طفلتي أسئلة عن الله، مع العلم أننا لم نخض معها في حوار حول هذا الموضوع، مما يشير إلى أنها قد تلقت درسا في الدين في المدرسة”.
المصدر:صحيفة أيبوك تايمز