بعد كشف مصادر رسمية وغير رسمية في تركيا عن أكبر قضية تنصت في تاريخ تركيا طالت عددا كبيرا من كبار الشخصيات النافذة في البلاد، خرج رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في تصريحات غاضبة خاطب فيها أنصار جماعة فتح الله كولن محذرا إياهم من خطورة ما تقوم به الجماعة واصفا هذا العمل بالخيانة وبالتآمر على الوطن.
وعند الحديث عن قضية التنصت التي طالت حوالي 7000 شخصية نافذة في تركيا، ولتقييمها أخلاقيا وقانونيا، لا بد -قبل ذلك- من مقارنتها بأكبر فضائح التجسس التي هزت العالم في السنوات الماضية، وأبرزها فضيحة صحف روبرت موردوخ في بريطانيا وعميل وكالة الأمن القومي في أمريكا، إدوارد سنودن.
إدوارد سنودن:
عمل إدوارد سنودن كمتعاقد مع وكالة الأمن القومي الأمريكية وكانت وظيفته آن ذاك حماية بيانات تقوم الوكالة بتجميعها عن أشخاص معينين يتم تحديدهم من قبل الإدارة الأمريكية وحسب ما تقرره الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وعندما رأى سنودن أن ما تقوم به دولته أمر غير أخلاقي، تقدم بطلب إجازة وسافر إلى هونغ كونغ ثم إلى روسيا، كاشفا اللثام عن آلاف الملفات التي أثبتت للعالم أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجسس على ملايين مستخدمي شبكة الانترنت وتطّلعُ على بياناتهم الشخصية بحجة مكافحة الإرهاب أو الوقاية منه.
وبفعلته هذه، نجح سنودن في كشف جزء من الحقيقة للرأي العام الأمريكي والعالمي، وبسببها يواجه الآن قضايا تتهمه بالخيانة وبتهديد الأمن القومي وبتهديد حياة أشخاص كثيرين وردت أسماؤهم وبياناتهم في الملفات التي سربها، ويمكن أن تصل الأحكام القضائية التي ستصدر في حقه إلى حد الإعدام.
روبرت موردوخ:
في منتصف شهر يوليو تموز من سنة 2011، استقال رئيس شرطة العاصمة البريطانية السير بول ستيفنسون، وألقي القبض على ربيكا بروكس، أرفع مسؤولة في شركة نيوز انترناشيونال المالكة لنيوز اوف ذا وورلد ولصحيفة الصن والتايمز وصنداي تايمز، وذلك بسبب “فضيحة تنصت صحف مردوخ على الهواتف”.
وتمثلت الفضيحة آن ذاك في قيام عدد من الصحفيين العاملين في صحيفة نيوز اوف ذا وورلد، المملوكة ل”إمبراطور” الإعلام العالمي روبرت موردوخ، بالتصنت على مكالمات ورسائل عدد كبير من الشخصيات العامة في بريطانيا بغية الحصول على أخبار وأسرار حصرية للصحيفة، وقد كشفت التحقيقات أن الصحفيين قاموا بهذا بناء على أوامر تلقوها من مدرائهم ومستعينين بمحققين خاصين وبدفع مبالغ مالية ضخمة لمسؤولين أمنيين ليتيحوا لهم هذا الأمر.
وأدت التحقيقات إلى إلقاء القبض على حوالي 50 صحفيا وإصدار أحكام قضائية في حق معظمهم، كما تم كذلك إغلاق صحيفة نيوز اوف ذا وورلد بعد حوالي 100 سنة من افتتاحها، فضلا عن الضرر المعنوي الكبير لإمبراطورية موردوخ الإعلامية التي أصبحت متهمة بتجاوز القانون والتعدي على خصوصيات البريطانيين بغية تحقيق مكاسب مادية وابتزاز صناع القرار السياسي.
التنظيم الموازي في تركيا:
وعند المقارنة بين ما فعله سنودن في أمريكا وما فعلته صحف موردوخ في بريطانيا، فإن “فضيحة سنودن” تمثلت في قيام فردٍ من داخل أجهزة الدولة بتسريب معلومات تقوم أجهزة الدولة بتسجيلها بصفة قانونية – وإن كانت غير أخلاقية-، في حين شكلت صحف موردوخ شبكة علاقات بين عدد من الأشخاص العاملين داخل وخارج أجهزة الدولة للحصول على معلومات لا يسمح القانون بالوصول إليها، وذلك دون علم المسؤولين عن تلك الأجهزة.
وأما ما حدث في تركيا، فيتمثل في قيام مجموعة من الأشخاص النافذين داخل أجهزة الدولة، بجمع معلومات وبيانات خاصة بصفة غير قانونية وغير أخلاقية ودون علم المسؤولين عن تلك الأجهزة، وذلك وفق أوامر يتلقونها من أشخاص آخرين وفي إطار السعي لإلحاق الضرر بخصوم سياسيين أو تجاريين، حيث استخدمت المعلومات التي جمعت عبر التنصت لإفساد عدد من الصفقات التجارية الضخمة ولإنجاح صفقات أخرى.
وتزداد خطورة ما حدث في تركيا من عمليات تنصت عند الإشارة إلى أن شبكة الأشخاص النافذين هذه، والتي بات يطلق عليها اسم “التنظيم الموازي”، تنتمي إلى جماعة دينية منظمة، ذات نشاط اقتصادي ضخم داخل وخارج تركيا كجماعة فتح الله كولن، وتتلقى أوامرها من زعيمها الروحي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.