ترجمة وتحرير نون بوست
إن تغطية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المشوّهة في وسائل الإعلام الأمريكية بسبب التحيّز لصالح “إسرائيل” ليست أمرًا جديدًا بالنسبة للأشخاص الأحرار فكريًا بشكل أو بآخر، لكن الأحداث التي وقعت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سلّطت الضوء على أمثلة تتجاوز بكثير التحريفات اليومية المعتادة إلى الكذب الصريح، من خلال أكاذيب تنافس أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي استُخدمت لتبرير الغزو الأمريكي للعراق.
في 21 شباط/ فبراير، خصص برنامج “بي بي إس نيوز أور” فقرة لعرض القصة الأخيرة حول مزاعم بأن 12 موظفًا في وكالة الأونروا للإغاثة في فلسطين خططوا وشاركوا في هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
تضمنت الفقرة التنسيق “المتوازن” المعتاد باستضافة شخصين يقدمان جانبين متعارضين من القصة. مثّل الجانب الإسرائيلي العقيد جريشا ياكوبوفيتش الذي كان الرئيس السابق لوكالة “كوجا” الإسرائيلية التي تنسق مع مختلف المنظمات غير الحكومية التي تقدم أشكالًا مختلفة من المساعدات في الأراضي المحتلة. أما الضيف الآخر فكان ماتيس شمالي، مدير وكالة الأونروا في غزة من سنة 2017 إلى سنة 2021.
بدأ الصحفي نيك شيفرين بسؤال شمالي عن دور الأونروا العام في “الأراضي الفلسطينية” – متخطيًا المصطلح المعتاد “المحتلة” – ربما احتراما لياكوبوفيتش لأن الاحتلال الإسرائيلي الذي دام أكثر من خمسة عقود غير قانوني حسب الأمم المتحدة.
أصبح “الاحتلال” الآن مصطلحًا مهذبًا ولكن له معنيان: وجود غير قانوني وفقًا لميثاق الأمم المتحدة لجيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية، والثاني سرقة المستوطنين للأراضي الفلسطينية ببطء وتدريجيًا مع إعلان المزيد من “المناطق العسكرية” لجيش الدفاع الإسرائيلي.
بدأ شمالي بقول إنه أصبح الآن جزءًا من بعثة الأمم المتحدة في الصومال وأنه كان رئيسًا لبعثة الأونروا في غزة من سنة 2017 إلى سنة 2021. وخلال تلك الفترة لم ير أي دليل في صفوف الموظفين الفلسطينيين على أي انتماءات لحماس أو وحتى متعاطفين معها، علمًا بأن الفلسطينيين يشكلون جميع موظفي الأونروا البالغ عددهم 12 ألفًا باستثناء حفنة من موظفي الأمم المتحدة المباشرين التابعين لشمالي.
وعندما ذكر شيفرين أجزاء من ملف شاركته المخابرات الإسرائيلية مع الأمم المتحدة والمخابرات الأمريكية، قال شمالي إنه لم يطلع على الملف ولا يمكنه التعليق عليه.
ثم خاطب شيفرين ياكوبوفيتش، الذي تزامنت خدمته في غزة مع فترة خدمة شمالي. فقال ياكوبوفيتش إنه لم يكن هناك 12 عضوًا من الأونروا مشاركين في التخطيط والهجوم نفسه فقط، وإنما ما لا يقل عن عشرة بالمئة من موظفي الأونروا البالغ عددهم 12 ألفًا في غزة كانوا أعضاء في حماس أو متعاطفين معها.
وكان دليله على ذلك أن “الجميع كان يعرف ذلك”. ويبدو أن الجميع يعرف ذلك باستثناء شمالي. وكان الفرق بين جوابي الضيفين واضحًا: كان رد شمالي واقعيًا بينما كان رد ياكوبوفيتش مجرد تأكيدات.
عندما عاد شيفرين إلى شمالي، أجاب بأنه لم تُطرح عليه هذه القضية قط من قبل أي شخص خلال فترة وجوده في غزة، وأنه وموظفيه في الأمم المتحدة كانوا يقظين للتأكد من أن الفلسطينيين الذين يشكلون العدد الأكبر من موظفي الأونروا ليس لديهم أي انتماء إلى حماس أو أي تنظيم سياسي آخر قد يعرّض الحياد الصارم للأونروا للخطر.
وكان رد ياكوبوفيتش ببساطة أن لا أحد “يختلق” مثل هذه المزاعم لأنها لن تكون “منطقية”. لم يضغط شيفرين على ياكوبوفيتش قط لتحديد هوية “الجميع” ولم يسأله لماذا لا يكون من “المنطقي” اختلاق هذا الرقم بينما لدى “إسرائيل” وكالة تسمى “هاسبارا” مكرسة بالكامل لنشر الدعاية.
بينما تحدث ياكوبوفيتش في عموميات الدعاية، تحدث شمالي بناءً على ما تمكن من التحقق منه من خلال تجربته الخاصة. وتحدث شمالي إلى شيفرين للإجابة على أسئلته بينما تجاهل ياكوبوفيتش أسئلة شيفرين وتوجّه إلى الجمهور الأمريكي. انتقل شيفرين إلى الحديث عن شبكة الأنفاق الواسعة في غزة، وهنا أدلى شمالي بتعليق مثير للاهتمام ألا وهو أن العدد الهائل من الأنفاق من صنع حماس في حين أن الأنفاق الموجودة أسفل “الشفاء” – أكبر مستشفى في غزة – هي من صنع “إسرائيل”. ومرة أخرى، تجاهل ياكوبوفيتش هذه الملاحظة وما لها من آثار على التغلغل والوجود الإسرائيلي في غزة قبل وقوع هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
في هذه المرحلة، كان ينبغي أن يكون واضحا أن “التوازن” في هذه المقابلة كان بين ياكوبوفيتش – وما تتخلله مداخلته من ملاحظات حول الأعمال الجيدة التي تقوم بها الأونروا رغم أنه لم تعد هناك حاجة إليها – وملاحظات شمالي المبنية على تجربته الخاصة لما حدث وما لم يحدث خلال فترة وجوده في غزة.
لم تقدم “إسرائيل” سوى أجزاء محررة من ملف حول هذه القضية، ولكن بناءً على هذه المعلومات – إذا كانت تستحق هذا المصطلح – قامت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوروبا بتعليق جميع مساعداتها للأونروا مما أدى حاليا إلى نقص الأدوية والغذاء والماء للفلسطينيين في غزة. ولا يستطيع سوى الأشخاص متبلّدوا الذهن أو العميان أيديولوجيا إنكار أن النقص في الأدوية والغذاء والماء هو جزء من نية نتنياهو لقتل الفلسطينيين الذين نجوا من الهجوم العسكري. وقد تكون هذه القصة مقدمةً لقصة أخرى تُستخدم لتبرير هجوم “إسرائيل” الشامل على غزة.
هذه قصة ما يسمى “التسليح الممنهج للاغتصاب” من قبل حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. بدأت هذه القصة في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023 بعنوان “صرخات بلا كلمات: كيف سلحت حماس العنف الجنسي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر”. وما يلي هنا يعتمد على عرضين لهذا المقال.
الأول مقال نُشر في السادس من كانون الأول/ ديسمبر على موقع “غراي زون” بعنوان “مجموعة الإنقاذ الإسرائيلية الملطخة بالفضائح تغذي افتراءات السابع من تشرين الأول/أكتوبر” كتبه رئيس تحرير هذا الموقع ماكس بلومنثال. أما المقال الثاني مقال نُشر في 28 شباط/ فبراير على موقع “إنترسبت” بعنوان “بين المطرقة والسندان” بقلم جيريمي سكاهيل وريان غريم ودانييل بوغوسلاف.
ركزت مقالة “غراي زون” في الغالب على مصادر المعلومات المضللة حول هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بينما كان محور اهتمام مقالة موقع “إنترسبت” تقرير “نيويورك تايمز” الذي انتشر بسرعة واقتبس عنه بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن والعديد من السياسيين الأمريكيين الآخرين، واستُشهد به من قبل مصادر إخبارية رئيسية أخرى مثل “سي إن إن” و”واشنطن بوست” والعديد من الأشخاص والمنشورات الأخرى.
في 11 تشرين الأول/أكتوبر، ذكرت شبكة “سي بي إس” أن رجلاً يُدعى يوسي لانداو قال إنه “رأى بعينيه أطفالاً ورضعا مقطوعي الرأس”. وذكرت شبكة “سي إن إن” هذا الادعاء نفسه مضيفة أن بنيامين نتنياهو أكده، مع العلم أن سجله في قول الحقيقة يضاهي سجل ترامب. ثم كرر بايدن هذا الادعاء في مؤتمر صحفي في 11 تشرين الأول/أكتوبر وذلك رغم اعتراضات بعض موظّفيه وتجاهل الوفيات المسجلة التي شملت وفاة رضيعة واحدة فقط في الهجوم، وهي ميلا كوهين البالغة من العمر 11 شهرًا. وقال بايدن في مؤتمر صحافي إنه شاهد “صورا لإرهابيين يقطعون رؤوس أطفال”. ولكن لم يسفر بحثي السريع عن الصور على “غوغل” عن مثل هذه الصور.
في 12 تشرين الأول/أكتوبر، في مقابلة مع قناة “آي 24” التي تمولها وزارة الخارجية الإسرائيلية، ذهب لانداو إلى القول إنه عندما دخل منزلاً في كيبوتس بيري “رأينا سيدة حامل ملقاة على الأرض، وعندما قلبناها وجدنا أن بطنها قد بُقِر بينما كان جنينها لا يزال متصلاً بالحبل السري وتعرّض للطعن بسكين، هذا إلى جانب إصابة الأم برصاصة في رأسها. ولك أن تتخيل ما حدث أولاً”.
وفي جلسة استماع بمجلس الشيوخ في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وصف أنتوني بلينكن مثالاً على الوحشية التي ارتكبتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر: “صبي وفتاة عمرهما 6 و8 سنوات، جالسان مع والديهما حول طاولة الطعام، حيث اقتُلعت عين الأب أمام أولاده وقُطِع ثدي الأم، وبُتِرت قدم الفتاة، وقُطعت أصابع الصبي قبل إعدامهم جميعًا”.
وسرعان ما اضطرت شبكة “سي إن إن” والبيت الأبيض إلى التراجع عن المزاعم المتعلقة بالأطفال مقطوعي الرأس، وقال متحدث باسم البيت الأبيض: “لقد استند الرئيس في تعليقاته حول الفظائع المزعومة إلى ادعاءات المتحدث باسم نتنياهو والتقارير الإعلامية الواردة من إسرائيل”.
قال روزنثال إنه يبدو أن لانداو “صاغ” شهادته بشأن المرأة الحامل، التي بُقِر بطنها وقُتلت بالرصاص وطُعن جنينها بينما لا يزال متصلا بالحبل السري، بناءً على شائعة نشرها مصدر عسكري مجهول على الإنترنت قبل يومين والتي بموجبها كانت الضحية المفترضة حاملًا تبلغ من العمر ثلاثين سنة.
وكما قال روزنثال، فإن “هذا وحده دحض ادعاء لانداو لأن الضحايا الإناث الوحيدات المسجلات في بيري أو حولها كُنّ رينات سيغيف إيفين (44 سنة) وتاير بيرا (22 سنة) – ولم تكن أي منهما حاملا. وفي الواقع، لم يتم تسجيل أي امرأة حامل في صفوف القتلى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
مصدر هذه القصص هو يوسي لانداو، رئيس مجموعة “زاكا” التي تصف نفسها بأنها مكرّسة لـ “تحديد هوية ضحايا الكوارث” – وزاكا هو الاسم المختصر باللغة العبرية لذلك.
ووفقًا لبراد بيرس الذي كتب كشفًا عن المجموعة، فإن المؤسس المشارك لـ “زاكا” كان رجلاً يُدعى يهودا ميشي زهاف “قد حاول الانتحار أثناء مواجهة مجموعة متنوعة من اتهامات الجرائم الجنسية في سنة 2021″. ويبدو أن ميشي زهاف توفي بعد سنة في غيبوبة نتيجة محاولته ذلك”. وكان معروفًا في المجتمع الحريدي أو الأرثوذكسي باسم “جيفري إبستاين الحريدي”، وذلك بسبب ما يسميه ماكس بلومنثال “ولعه المعروف باغتصاب الشباب من كلا الجنسين” – وهي حقيقة لا بد أنها كانت معروفة من قبل لانداو وأعضاء آخرين في زاكا.
كون “زاكا” هي مصدر التحقيق الإسرائيلي في مزاعم الاغتصاب على نطاق واسع وغيره من الجرائم الجنسية البشعة أمر مثير للسخرية، على حد تعبير بلومنثال.
بالإضافة إلى الجرائم الجنسية، اختلس ميشي زهاف أيضًا ملايين التبرعات المقدمة إلى “زاكا” مما أدى إلى إفلاس المجموعة تقريبًا بحلول 7 تشرين الأول/أكتوبر. وبالنسبة للانداو، الذي كان رئيس الفرع الجنوبي للمجموعة، كان الهجوم بمثابة منجم محتمل للمجموعة فهرعوا إلى الموقع قبل وصول الشرطة الإسرائيلية وخبير الطب الشرعي. ولم يكن مخطئا، إذ ورد في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، إحدى الصحف اليومية الإسرائيلية الرائدة، إن زاكا جمعت 13.7 مليون دولار منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
لم يتلق متطوعو زاكا أي تدريب في الطب الشرعي. ووفقا لموقع “إنترسبت”، وهو موقع آخر دحض قصة جرائم حماس الشنيعة، قام متطوعو “زاكا” بنقل الجثث لالتقاط صور لدعم قصصهم وبالتالي تدمير الكثير من المواقع لخبراء الطب الشرعي الإسرائيليين الذين وصلوا في وقت لاحق.
وإلى جانب الأطفال مقطوعي الرأس، هذه بعض القصص التي روّج لها لانداو وغيره من أعضاء “زاكا” والمتعاطفين معها:
– بدأت “نيويورك تايمز ” مقالة بعنوان “صرخات بلا كلمات” بقصة عن امرأة تدعى غال عبدوش قيل إنها تعرضت للاغتصاب. لكن الأشخاص الذين اختارتهم التايمز لتحقيق في القصة في البداية لم تكن لديهم خبرة في الصحافة الاستقصائية، وذلك حسب ما اعترفت به أنات شوارتز التي كانت ضمن العاملين على التحقيق.
كانت شوارتز مخرجة إسرائيلية وليس لديها خبرة كصحفية. أما الشخص الآخر فهو آدم سيلا، الذي كانت تجربته الصحفية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر تتألف في معظمها من الكتابة عن الطعام والثقافة. وعندما ظهرت مشاكل القصة، تحدثت شوارتز عن سعيها غير المثمر للحصول على مصادر أخرى لتأكيد رواية زاكا: “قال مسؤولو الشرطة الإسرائيلية إنهم يعتقدون أن السيدة عبدوش تعرضت للاغتصاب”.
ووصف مقال التايمز عبدوش بأنها “رمز للفظائع التي تعرضت لها النساء والفتيات الإسرائيليات خلال هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر”. ولكن نفت شقيقتها تعرضها للاغتصاب وذكرت أن عبدوش أرسلت رسالة إلى عائلتها عبر تطبيق الواتساب بعد 51 دقيقة من بدء هجوم حماس قائلة إنها تواجه مشكلة على الحدود، أي مع غزة، ومن المفترض أنها وزوجها تم أخذهما كرهائن. وبعد تسع دقائق، أرسل زوجها ناجي عبدوش رسالة نصية مفادها أنها أصيبت بالرصاص وأنه كان بجوار جثتها.
ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك عن عمد أو في تبادل لإطلاق النار، ولكن يبدو أن الأخير هو الأرجح لأنه من الواضح أنه لا يمكنهما أن يكونا من بين الرهائن، وكذلك نظرًا لأن زوجها كان بجوارها مباشرة ولم يتم إطلاق النار عليه إلا بعد مرور خمسة وأربعين دقيقة.
قال أحد سكان الكيبوتس أيضًا إن الهدف الرئيسي للمهاجمين كان على ما يبدو أخذ رهائن لاستخدامهم في التفاوض معهم مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين كما فعلت حماس في الماضي. وخلال تلك الدقائق الخمس والأربعين، لم يذكر قط أن زوجته تعرضت للاغتصاب. وقال أفراد من عائلة عبدوش في وقت لاحق إنهم شعروا بالتضليل والاستغلال من خلال مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز والذي زعم أن عبدوش تعرضت للاغتصاب. وقد نفت شقيقة عبدوش بشكل قاطع تعرضها للاغتصاب، وأفاد صهرها ببساطة: “وسائل الإعلام اخترعت الأمر”.
وعلى الرغم من الأدلة المتراكمة في مصادر مختلفة سواء في مجلات الويب المخصصة للانتقادات الإعلامية أو غيرها من مصادر الأخبار الرئيسية مثل رويترز، اختارت صحيفة “نيويورك تايمز” أن تتباهى معتمدة على قدرتها على إخفاء الانتقادات الموجهة لقصتها. وبقدر ما أعرف، فإن المصدر الإعلامي الرئيسي الوحيد الذي شكك في مقال التايمز هو شبكة “سي إن إن”. وقامت صحيفة “نيويورك تايمز”، كما قال صحفي آخر في موقع إنترسبت، “بتعديل هادئ” لعنوان المقال الرئيسي إلى “فريق الأمم المتحدة يجد أسباباً لدعم التقارير عن العنف الجنسي في هجوم حماس”.
– سيمشا غرينيمان، نائب لانداو، كان مصدرًا غزيرًا آخر للفظائع المفبركة. وقال غرينيمان إنه وجد نساءً عاريات مقيدات بالأشجار في مهرجان موسيقى سوبر نوفا، وادعى أنه عثر على طفل صغير بسكين عالق في رأسه. وقال متحدث باسم “زاكا” إنه عثر على جثة امرأة مشوهة جنسيا تحت الأنقاض وقد أزيلت أعضاؤها، ولم يتم العثور على دليل على ذلك.
– قيل إن مقاتلي حماس قاموا بإخراج أجنة من أرحام نساء إسرائيليات، وقطعوا ذراع فتاة وحرقوا طفلاً في الفرن، دون أن يتم العثور على دليل يثبت ذلك أيضًا.
– إلى جانب الحكاية المروعة عن المرأة الحامل التي بُقِر بطنها وإخراج الجنين منها وهو لا يزال متصلا الحبل السري، كانت هناك تأكيدات أخرى أدلى بها لانداو ومساعدوه حول ذبح نساء حوامل أخريات وإساءة معاملتهن. ومع ذلك، كانت الضحايا الإناث الوحيدات في بيري اللاتي تم تسجيل وفاتهن في ذلك اليوم رينات سيغيف إيفين (44 عامًا) وتايرا بيرا ( 22 عامًا)، ولم تكن أي منهما حاملاً ولم تكن هناك أي امرأة حامل في بئيري في سجلات الوفيات. وفيما يتعلق بالمرأة الحامل منزوعة الأحشاء، نفى الكيبوتس القصة.
وفي محاولة لتعزيز قصة المرأة وجنينها، نُشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره “دليلًا”، وكتبت زوجة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ في مقال افتتاحي لمجلة نيوزويك بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر: “يُظهر مقطع فيديو لحماس من أحد الكيبوتسات إرهابيين يعذبون امرأة حامل ويستخرجون جنينها”، لكن الفيديو يتألف في الواقع من ادعاء أحد متطوعي “زاكا” مع لقطات فيديو تعود لعصابة مخدرات مكسيكية وهي تقوم بتعذيب وقتل أسير.
– قال لانداو إنه رأى عشرين طفلاً مقيدين وقد تم إطلاق الرصاص عليهم ثم أحرقوا وكُدست جثثهم المتفحمة في كومتين. وحسب روزنثال، فقد تم تسجيل وفاة 13 طفلاً فقط في ذلك الصباح، وكان أكبر عدد تم العثور عليه في مكان واحد هو ثلاثة.
– في كيبوتس بئيري، جلس طفل يبلغ من العمر ست سنوات وأخته البالغة من العمر ثماني سنوات حول طاولة الطعام، يراقبان مقاتلي حماس وهم يقتلعون إحدى عيون والدهم، ويقطعون أحد ثديي أمهم، ثم بتروا قدم الفتاة وبعض أصابع الصبي قبل أن يقتلوهم. لكن الأطفال الوحيدين في بئيري الذين اقتربوا من هذا العمر والذين تم تسجيل وفاتهم في ذلك اليوم هم التوأم ليل وياناي هتسروني البالغان من العمر اثني عشر عامًا واللذين قُتلا بقذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية.
– كانت الفتاة ليل هتسرونى البالغة من العمر اثني عشر عامًا موضوعًا للعديد من التقارير الكاذبة. كتبت وزارة الخارجية الإسرائيلية على حسابها على إكس حول هتسروني: “لقد احترقت جثة هذه الفتاة الصغيرة بشدة لدرجة أن علماء الطب الشرعي استغرقوا أكثر من ستة أسابيع للتعرف عليها. كل ما تبقى من ليل هتسروني البالغة من العمر 12 عاما هو الرماد وشظايا العظام. لتكن ذكراها نعمة”. لكن شاهد عيان إسرائيلي قال إن الفتاة قُتلت بقذيفة دبابة إسرائيلية.
أجرى بلومنثال تحليلًا أكثر شمولاً لأصول هذه القصة في مقابلة مع كاتب العمود في كاونتر بانش، كريس هيدجز. وما يلي هو ملخص لذلك.
كانت إحدى سكان كيبوتس بيري ياسمين بورات من بين الرهائن الذين احتجزهم مقاتلو حماس صباح يوم 7 من تشرين الأول/أكتوبر، وكانت في المنزل مع ليل هتسروني، وقالت إن مقاتلي حماس ظنوا خطأً أن المنزل محاصر بالقوات الإسرائيلية، لذلك أرسلوا بعض الرهائن واتصلوا بالشرطة الإسرائيلية لمحاولة التفاوض على خروجهم. وعندما وصلت القوات الإسرائيلية أخيرًا، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وقرر آسرها الاستسلام، فجرد نفسه من ملابسه واستخدمها كدرع. أوقف الإسرائيليون إطلاق النار لأنه لم يكن انتحاريًا، فحرر الرجل الرهينة واستسلم. وحسب بورات، كان لا يزال هناك 14 رهينة إسرائيلية في المنزل إلى جانب 39 من مقاتلي حماس.
أخبرت القائد الإسرائيلي بذلك ورسمت بشكل أساسي رسمًا تخطيطيًا للمواقع المختلفة للرهائن ومقاتلي حماس. وفيما يتعلق بليل هتسروني، كانت محددة تمامًا بشأن مكان تواجد ليل وتوأمها ياناي وخالتها الكبرى أيالا بالقرب من المطبخ. واستمرت المواجهة حتى الساعة الرابعة بعد الظهر تقريبا عندما بدأ الجانبان في إطلاق النار. وفي الساعة السابعة والنصف مساءً، استدعى الإسرائيليون دبابة، وأطلقت الدبابات قذيفتين باتجاه المنزل، ولم يخرج من المنزل إلا شخص واحد، وهي الإسرائيلية هداس دغان. وقذ أخبرتها داغان أن مقاتلي حماس لم يقتلوا أيًا من الرهائن. واختتمت بورات روايتها بأن المسلحين “لم يسيئوا إلينا، لقد عاملونا بطريقة إنسانية للغاية”.
كان القائد الإسرائيلي يتصرف بموجب ما كان بمثابة أمر دائم في جيش الدفاع الإسرائيلي لبعض الوقت. ويطلق على الأمر اسم “توجيه هانيبال” لسنة 1986 – الذي يعوذ للجنرال القرطاجي الذي قتل نفسه حتى لا يتم أسره وعرضه في روما بعد سنوات طويلة من قتال روما. لكن استخدام “هانيبال” هو تسمية خاطئة للأمر الدائم الذي أعطى القادة الإسرائيليين مع مرور الوقت خيار إطلاق النار على جنودهم – وفي هذه الحالة على المدنيين الإسرائيليين – إذا رأوا أنه من الضروري التضحية بهم لقتل قوات العدو والحصول على أسلحته. وقد تم إلغاء هذا التوجيه في سنة 2016، ولكن يبدو أن الرد الإسرائيلي في كيبوتس بيري يشير إلى أنه لا يزال ساريًا بشكل غير رسمي.
هناك المزيد من التفاصيل حول الرد الفوضوي وغير الكفؤ للجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم في مقال أحدث نُشر على موقع إنترسبت. وكما أوضح مصدر إسرائيلي مشارك في فحص الجثث، فإن “المتطوعين ليسوا خبراء في علم الأمراض وليس لديهم أدوات مهنية للتعرف على القتيل وعمره، أو للإعلان عن الطريقة التي توفي بها”. ومن جانبها، تؤكد الشرطة الإسرائيلية أنه ليس لديها أي سجل بالحادثة.
حسب صحيفة “هآرتس”، لم تقم “زاكا” بتوثيق الرفات ووضعت أجزاء من جثث مختلفة في نفس الكيس. ومع ذلك، وجد متطوعو “زاكا” وقتًا لإعادة تغليف البقايا المعبأة بالفعل في مواد “تعرض شعار زاكا بشكل بارز”. وقالت صحيفة “هآرتس” في تقريرها بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إن كبار القادة العسكريين، بدلًا من استخدام جنود جيش الدفاع الإسرائيلي المتخصصين في انتشال الجثث والحفاظ على الأدلة، أرسلوا متطوعين غير مدربين من زاكا. وقام متطوعو زاكا بتحويل مواقع المذابح إلى “غرفة حرب للتبرعات”، واستخدموا الجثث كدعائم لجمع التبرعات “لنشر روايات عن فظائع لم تحدث أبدًا”.
وفيما يتعلق بـ”زاكا”، تحدث لانداو بصراحة في أربع مناسبات عن اختلاق القصص: “عندما نذهب إلى المنزل، فإننا نستخدم خيالنا. الجثث (كذا) تحكي لنا ما حدث لهم”. وقال مسؤول آخر في “زاكا” في فيديو رسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية: “صرخ الحجر وتصرخ الجدران: “لقد اُغتصبت”.
إن الروايات الشنيعة التي استغلتها الحكومة الإسرائيلية لتبرير هجومها الذي لا هوادة فيه على المدنيين الفلسطينيين في غزة وفي الوقت نفسه لجمع الأموال للجماعات اليمينية المتطرفة، رواها إيلي بير، زعيم أحد منافسي “زاكا”، “يونايتد هاتزالا”، في القمة السنوية للائتلاف اليهودي الجمهوري التي عُقدت بشكل ملائم في لاس فيغاس.
أُقيم الحدث في المكان المعتاد لـ “أر جي سي”، منتجع البندقية. وقد تم إنشاء الفندق والكازينو من قبل أكبر مانح له، الراحل شيلدون أديلسون. كان أديلسون قد أعطى مئات الملايين من الدولارات لوسائل الإعلام اليمينية التي دعمت نتنياهو والليكود، وبالطبع ترامب، الذي منح أديلسون وسام الحرية الرئاسي. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن أديلسون وزوجته ميريام كانا أكبر مانحين لحملة ترامب الرئاسية لسنة 2016. كما أن تبرعات أديلسون لإنشاء وسيلة إعلام إسرائيلية جديدة صديقة لنتنياهو هي أيضًا جزء من اتهامات الفساد التي تلاحق نتنياهو الآن.
تم تناول الافتراءات المروعة في مؤتمر لاس فيغاس من قبل العديد من المتطرّفين اليمينية، ثم تم نقلها بزخارف جديدة إلى المواقع اليمينية. قالت كارولين جليك، محررة خدمة الأخبار اليهودية: “لقد قتلوا والده. لقد اغتصبوا والدته بشكل جماعي مرارًا وتكرارًا وكانوا يضحكون طوال الوقت. بينما يخبزون طفلها حيًا في الفرن”. كتب جون بودهوريتز، محرر مجلة “كومنتاري” التابعة للمحافظين الجدد، على موقع إكس: “لقد أحرقوا طفلًا في الفرن. تحدثوا عن وقف إطلاق النار مرة أخرى أيها الوحوش المحبون لقتل الأطفال”. وما إلى ذلك وهلم جرا.
ونظرًا لتأثير آلة الدعاية الإسرائيلية “هاسبرا”؛ فإن بعض هذه الافتراءات وما أثارتها من هستيريا وكراهية كان من شأنها أن تلعب عاجلًا أم آجلًا في العالم الوهمي للمواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام اليمينية، لكن مقالة نيويورك تايمز هي التي ضمنت أن يتم تغطيتها من قبل وسائل الإعلام الرئيسية؛ حيث لا تزال هذه الأكاذيب تتنكر في شكل حقائق.
والآن ردّت الأونروا على الادعاءات الإسرائيلية بأن موظفي المنظمة التابعة للأمم المتحدة كانوا أيضًا أعضاء في حماس شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ووفقًا لمقالة نشرتها “رويترز” بتاريخ 4 آذار/ مارس، بالإضافة إلى الانتهاكات المزعومة التي تعرض لها موظفو الأونروا، وصف المعتقلون الفلسطينيون بشكل أوسع موجة من الانتهاكات، بما في ذلك الضرب والإذلال والتهديدات وهجمات الكلاب والعنف الجنسي ووفيات المعتقلين الذين حرموا من العلاج الطبي، وذلك حسب تقرير للأونروا. وحسب ما ورد قالت الأونروا إن الاستجوابات الإسرائيلية “شملت الضرب الجسدي المبرح والإيهام بالغرق والتهديد بإيذاء أفراد الأسرة”.
منذ ذلك الحين، نقل مقال لهيئة الإذاعة البريطانية في 11 آذار/ مارس عن أحمد أبو صبحة، وهو طبيب في مستشفى ناصر، أنه قُبض عليه في 15 شباط/ فبراير. واحتجز أبو صبحة لمدة أسبوع تم خلاله إطلاق الكلاب المكممة عليه وكسر يده من قبل جندي إسرائيلي. وتتطابق روايته مع روايتين لمسعفين آخرين طلبا عدم الكشف عن هويتهما لأنهما يخشيان الانتقام. وقال المسعفون لـ”بي بي سي” إنهم تعرضوا للضرب، وغمرهم الماء البارد طوال الوقت أثناء إجبارهم على الركوع لساعات، وتم احتجازهم لعدة أيام قبل إطلاق سراحهم.
في حادث مماثل وقع في 15 شباط/ فبراير، داهم جيش الدفاع الإسرائيلي مستشفى في خان يونس جنوب غزة. وكان المستشفى واحدًا من المستشفيات القليلة في القطاع التي لا تزال قيد الخدمة. وقال الجيش الإسرائيلي إن المعلومات الاستخبارية أشارت إلى وجود نشطاء من حماس في المستشفى. وأظهرت لقطات تم تصويرها سرًا في المستشفى في اليوم التالي صفًا من الرجال مجردين من ملابسهم أمام مبنى الطوارئ بالمستشفى، راكعين وأيديهم خلف رؤوسهم. وهناك أثواب طبية ملقاة أمام بعضهم.
وقال الدكتور عاطف الحوت، مدير عام المستشفى، إن كل من حاول تحريك رأسه أو القيام بأي حركة يتعرض للضرب، “لقد تركوهم لمدة ساعتين تقريبًا في هذا الوضع المخزي”. وخلافًا للروايات الملفقة عن التعذيب والاغتصاب المزعوم عن حماس المذكورة أعلاه، فقد تم تأكيد كل هذه الروايات من قبل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ووكالة رويترز.
وفي حين تمتلك “إسرائيل” آلة الدعاية “الهسبارا” التي تستهدف في الغالب الدول الأجنبية، فإن الولايات المتحدة لا تملك آلة دعاية رسمية. إنها لا تحتاج إلى واحدة لأن لديها صحيفة “نيويورك تايمز”. إن قدرًا كبيرًا مما يُنشر فيما يتعلق بما يحدث خارج حدود الولايات المتحدة هو ببساطة إعادة صياغة للبيانات الصحفية الصادرة عن وزارة الخارجية، ولكن عندما يتعلق الأمر ب”إسرائيل”، فقد انقسمت الولاءات في الصحيفة.
وفي حالة إسرائيل، لا تردد “نيويورك تايمز” دائمًا تصريحات وزارة الخارجية، بل تسعى أيضًا إلى التأثير على سياسات وزارة الخارجية لصالح حكومة عنصرية يمينية تشن حربًا بلا رحمة في غزة، وكانت مقالة نيويورك تايمز “صرخات بلا كلمات” في حد ذاتها صرخة بلا أساس.
في 4 آذار/ مارس، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا ردًا على المزاعم الإسرائيلية بشأن عمليات الاغتصاب وغيرها من أشكال الجرائم الجنسية التي تتهم حماس بارتكابها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقد أعد التقرير مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع. ووجد التقرير “أسبابًا معقولة” لوقوع عنف جنسي في الحفل على الطريق السريع 232 وفي كيبوتس ريم، لكنه لم ينسب ذلك إلى قول حماس بأن هناك حاجة إلى إجراء تحقيق أكثر شمولًا. إن حذر الأمم المتحدة له ما يبرره لأن هناك تقارير عن فلسطينيين غير مرتبطين بحماس أو أي منظمة استغلوا الهجوم للنهب وربما ارتكاب أعمال عنف بما في ذلك الاغتصاب.
كانت رئيسة مكتب الأمم المتحدة براميلا باتن قد ذهبت إلى “إسرائيل” وزارت المواقع التي من المفترض أنه وقعت فيها هذه الأعمال، لكن هذه المواقع يتم اختيارها دائمًا من قبل المسؤولين الإسرائيليين، وكانت باتن دائمًا مصحوبةً “مرافقين” إسرائيليين. وقد شددت على طبيعة زيارتها – التي ضغطت “إسرائيل” على الأمم المتحدة من أجلها – قائلة إن المهمة “لم يكن المقصود منها أو مطلوبًا أن تكون ذات طبيعة تحقيقية”.
وذكرت أيضًا أنه على الرغم من النداءات المتكررة للمتضررين للتقدم، لم يتمكن فريقها من تحديد مكان ضحية واحدة من ضحايا الاعتداء الجنسي على يد الفلسطينيين. وخلص تقرير باتن إلى أنه “في التقييم الطبي القانوني للصور ومقاطع الفيديو المتاحة، لم يتم تحديد أي مؤشرات ملموسة على الاغتصاب”.
المصدر: كاونتر بانش