ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب أنطونيو أوليفو و كارول موريلو
أجرى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون زيارات مفاجئة إلى أفغانستان والعراق يوم الاثنين، وحلق فوق البلدين في كنف السرية المطلقة خشية أن يكون هدفا لنيران بعض الجماعات المسلحة. وكما كان متوقعا، امتدت رحلته من الفجر إلى منتصف الليلة الموالية، بعد أن حلق فوق حوالي 4000 ميل. وقد ارتدى تيلرسون ومساعديه سترات واقية من الرصاص وخوذات في بغداد قبل أن يصعدوا المروحيات لتُقلهم إلى السفارة الأمريكية وأماكن أخرى في المنطقة الخضراء، للقاء رئيس وزراء العراق حيدر العبادي والرئيس فؤاد معصوم.
من جانب آخر، طغت السرية بشكل أكبر على زيارة تيلرسون إلى أفغانستان، حيث لم يعلن عنها إلا بعد مغادرته البلاد. وعلى الرغم من أنه لم يغادر قاعدة باغرام الجوية شمالي كابول، إلا أن زيارته القصيرة أظهرت الدعم الأمريكي للحكومة الأفغانية، وذلك بعد أسبوع من هجمات طالبان التي أسفرت عن مصرع أكثر من 200 شخص. وبعد وصوله إلى أفغانستان قادما من الدوحة في إطار جولته في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، اجتمع تيلرسون مع الرئيس أشرف غني أحمدزي للتأكيد مجددا على التزام الولايات المتحدة بمساعدة أفغانستان في التغلب على طالبان وتحقيق السلام، وذلك وفق ما ذكره بعض المسئولين الأمريكيين والأفغان.
عقب اجتماعه مع غني، الذي دام أكثر من ساعة، أورد تيلرسون، قائلا: “اعتقدت أنه من المهم جدا التوقف هنا في أفغانستان والقدوم إلى منطقة جنوب آسيا، وذلك على اعتباره جزءا من السياسة والإستراتيجية المعلنة مؤخرا من قبل الرئيس ترامب”. وقد كان تيلرسون يشير بذلك إلى التعزيزات الأمريكية المرتقبة في أفغانستان، حيث سيتم نقل حوالي 4 آلاف جندي إلى البلاد، خلافا لنحو 13.500 جندي الذين يتمركزون في أفغانستان منذ مدة. وتحيل هذه الزيارة إلى النبرة القوية التي من المتوقع أن يتبناها تيلرسون مع باكستان خلال زيارته التي ستجمعه برئيس الوزراء المؤقت شهيد خاقان عباسي ومسئولين آخرين يوم الثلاثاء.
فى وقت سابق من هذه السنة، هدد ترامب باكستان بفرض عقوبات بسبب تأمينها “لملاذ آمن” للإرهابيين بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وهو ادعاء نفاه المسؤولون الباكستانيون. ونقلت وسائل الإعلام الباكستانية يوم الاثنين عن مسؤولين كبار في إسلام أباد تعهدهم بالعمل “في أقرب وقت ممكن” على هزيمة الجماعات الإرهابية على الحدود، بيد أنهم يصرون على أن “يبتعد الجيش الأمريكي عن باكستان”.
لف رحلة تيلرسون إلى أفغانستان غموض غير عادي، تجاوز معايير السلامة التي اتسمت بها الزيارات السابقة لوزراء الخارجية الأمريكيين
من قاعدة باغرام الجوية، أكد تيلرسون مجددا على أهمية دور باكستان في تحقيق السلام مع طالبان. وفي هذا الصدد، صرح تيلرسون، أنه “من الضروري في نهاية المطاف أن نرفض وجود أي ملاذ آمن لأي منظمة إرهابية أو أي جماعات متطرفة في أي جزء من هذا العالم. ولكن، يقتضي هذا الأمر تكاتف الجهود الإقليمية… وقد تم الشروع في تنفيذ ذلك من خلال الإستراتيجية الأمريكية نفسها، التي تطالب الأطراف المعنية بالتصدي لأي إمكانية لوجود ملاذ آمن للإرهابيين في أي مكان في المنطقة. ونحن نعمل عن كثب مع باكستان حول هذه النقطة أيضا”.
في سياق متصل، أفاد تيلرسون أنه سيبحث مع المسؤولين الباكستانيين بعض “الطلبات المحددة” من قبل إدارة ترامب لاتخاذ الإجراءات المناسبة التي من شأنها أن تشل شبكات الدعم التي تستغلها طالبان والجماعات المتطرفة الأخرى. وأردف تيلرسون إن المساعدات الأمريكية المستقبلية لباكستان ستكون “على أساس الأوضاع القائمة”، مؤكدا أن ذلك سيعتمد “على ما إذا كانوا سيتخذون إجراءات نرى أنها ضرورية لدفع العملية قدما لخلق فرص للمصالحة والسلام في أفغانستان ولكن أيضا لضمان مستقبل مستقر في البلاد”.
من جانبهم، لم يبادر المسؤولون الباكستانيون، الذين استطاعوا الأسبوع الماضي تقديم معروف للأمريكيين بعد إنقاذ امرأة أمريكية وزوجها الكندي وأبنائهم المحتجزين رهائن من قبل حركة تابعة لطالبان منذ خمس سنوات، بالتعليق على أي من أسئلتنا يوم الاثنين. وفي الأثناء، لف رحلة تيلرسون إلى أفغانستان غموض غير عادي، تجاوز معايير السلامة التي اتسمت بها الزيارات السابقة لوزراء الخارجية الأمريكيين. وقد ورد في جدول أعماله العام اجتماعا صباحيا في السفارة الأمريكية في قطر، ولكن تم إلغاؤه لاحقا. ثم حلق من الدوحة نحو باغرام بمرافقة فريق صغير من الصحفيين، وقد فرض تعتيم إخبارية كامل على مجريات الزيارة، إلى أن غادروا أفغانستان وعادوا إلى قطر.
وقد وصل الوفد حوالي الساعة الحادية عشر والنصف صباحا إلى قاعدة باغرام الجوية، حيث التقى تيلرسون بالجنرال جون نيكولسون، قائد جهود الناتو بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان، والسفير الأمريكي هوغو لورنز. ثم التقى تيلرسون مع الرئيس الأفغاني وعبد الله عبد الله، رئيس الهيئة التنفيذية للبلاد وبعض المسؤولين الكبار في المطار. وقد بحث مختلف الأطراف أهمية التصدي للفساد وضمان إجراء انتخابات برلمانية في سنة 2018 كما هو مقرر، من أجل تعزيز الاستقرار في البلاد.
صرح تيلرسون أن الولايات المتحدة، “تشعر بالقلق وبعض الحزن” بسبب النزاع القائم بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية، وشجع الجانبين على اللجوء إلى الحوار لحل خلافاتهما
في هذا السياق، تعهد غني في بيان له بمتابعة هذه النقطة تحديدا، حيث أورد أن “الشعب الأفغاني يؤيد هذه الإستراتيجية ويأمل في أن تحقق تضمن السلام والأمن في البلاد”. وبعد الاجتماع، دعا تيلرسون أعضاء حركة طالبان المعتدلين إلى الانضمام إلى جهود السلام، قائلا إنهم قد يمثلون جزءا من الحكومة، في حال تخلوا عن سياسة الإرهاب. وفي هذا الصدد، أقر رئيس الخارجية الأمريكي، قائلا: “نعتقد أن هناك أصوات معتدلة في صفوف طالبان، وأصوات لا تريد مواصلة القتال إلى الأبد، وأصوات لا ترغب في أن يخوض أبنائهم المعركة إلى ما لا نهاية. بناء على ذلك، نحن نتطلع إلى ضم تلك الأصوات إلى صفنا، وجعلها تشارك في عملية المصالحة التي ستؤدي إلى نجاح عملية السلام، ومشاركتهم الكاملة في الحكومة”.
خلال الأسبوع الماضي، سعى مقاتلو طالبان إلى إظهار بعض القوة في مواجهة التكتل العسكري المتزايد للولايات المتحدة، حيث نفذوا هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل العشرات من أفراد الشرطة الأفغانية وقواتها، بالإضافة إلى عشرات المدنيين. وفى وقت سابق يوم الاثنين، تعرضت حركة طالبان لضربة قوية، حيث اعتقلت المخابرات الأفغانية سور غول، أحد كبار زعمائها، الذي يشتبه في أنه من قام بتدبير التفجيرات الانتحارية. من جانبه، تحدى ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان تيلرسون، أن يبادر بعض المقاتلين بالاستسلام والتخلي عن أسلحتهم. وفي هذا الشأن، شدد مجاهد على أنه “إذا كانت أمريكا تريد فعلا تسوية سلمية للأزمة فإنها مجبرة على سحب قواتها وإنهاء الاحتلال”.
من ناحية أخرى، صرح تيلرسون أن الولايات المتحدة، “تشعر بالقلق وبعض الحزن” بسبب النزاع القائم بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية، وشجع الجانبين على اللجوء إلى الحوار لحل خلافاتهما. وأضاف وزير الخارجية الأمريكي قائلا: “أعتقد أنه إذا التزم الطرفان بالمحافظة على وحدة العراق وفق ما جاء في الدستور العراقي، سيصبح من الممكن معالجة كافة الخلافات واحترام حقوق الجميع وأن يكون للعراق مستقبل آمن ومزدهر”.
المصدر: صحيفة واشنطن بوست