في إطار رؤيته 2030، أعلن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان إطلاق “مشروع نيوم” بكلفة جملية تتجاوز من 500 مليار دولار ستضخ خلال الأعوام القادمة من صندوق الاستثمارات العامة الذي يرأسه، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين.
المشروع الذي روجت له وسائل الإعلام السعودية والمحيطون بابن سلمان، سيعمل على جذب الاستثمارات الخاصة والاستثمارات والشراكات الحكومية بمساحة إجمالية تصل إلى أكثر من 26 ألف كيلومتر مربع، تمتد على 3 دول هي السعودية ومصر والأردن.
ولي العهد السعودي قال خلال إعلانه المشروع إن منطقة “نيوم” ستركز على 9 قطاعات استثمارية متخصصة تستهدف مستقبل الحضارة الإنسانية: مستقبل الطاقة والمياه ومستقبل التنقل ومستقبل التقنيات الحيوية ومستقبل الغذاء ومستقبل العلوم التقنية والرقمية ومستقبل التصنيع المتطور ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي ومستقبل الترفيه ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات.
تغيرات كبيرة
توقيت إعلان “مشروع نيوم” جاء في وقت تمر فيه المملكة العربية السعودية بقيادة الأمير الشاب، بتغيرات كبيرة على جميع الأصعدة، فاقتصاديًا تعاني البلاد من آثار تدني أسعار النفط والعجز الضخم في الميزانية السنوية، إضافة إلى سرقة عشرات مليارات الدولارات من أفراد من العائلة المالكة وفق ما تؤكد ذلك مصادر مطلعة.
بعد ساعات قليلة من إعلان “مشروع نيوم”، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن تدخل ولي العهود السعودي الأمير محمد بن سلمان في صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي سيمول “مشروع نيوم” أدى إلى توريط الصندوق في صفقات غير ناجحة، والأغرب أن بعض هذه الصفقات تضر بمؤسسات ناجحة يمتلك الصندوق حصة بها أصلاً قبل صعود ابن سلمان.
ذكرت وكالة بلوميرغ أنه منذ عامين من بدء حملة الإصلاح يواجه المسؤولون السعوديون مسائل شائكة في كيفية توفير الأموال وتسريع التغيير الاجتماعي دون شل الاقتصاد والاشتباك مع المؤسسة الدينية المحافظة
الصحيفة الأمريكية استعرضت في تقريرها مشاريع عديدة التزم بها صندوق الاستثمارات السعودي ولكنها إما فشلت أو لم تر النور على غرار الاستثمار في بناء مصنع بقيمة مليار دولار للشركة السعودية الوطنية لصناعة السيارات وتشغيل شركة نون دوت كوم للتجارة الإلكترونية في دبي واستثمار الصندوق 3.5 مليار دولار في أوبر ناهيك عن 45 مليار دولار لشركة سوفت بنك، التي تستثمر في شركات التكنولوجيا، والتي قال رئيسها التنفيذي ماسايوشي سون في مقابلة تليفزيونية حديثة، إنه استغرق 45 دقيقة لإقناع الأمير محمد بن سلمان باستثمار 45 مليار دولار في الشركة.
رؤية 2030 سيكون مصيرها الفشل
في ذات السياق، تؤكد تقارير غربية صدرت مؤخرًا أن رؤية 2030 التي ينضوي تحتها “مشروع نيوم” سيكون مصيرها الفشل، على غرار ما ذكرته لوكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية أن جهود المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها، والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة، فشلت حتى الآن، مشيرة إلى أن الأرقام والبيانات الاقتصادية هذا العام جاءت مخيبة لآمال صناع القرار، كما أن الأرقام ليست متماشية مع خطط السعودية لتنويع الاقتصاد.
الوكالة الأمريكية عادت بعد أسبوعين بتقرير آخر كشفت فيه أن عواقب فشل عملية التحول الكبير في السعودية ستكون باهظة، وعلى عكس تجارب الماضي فإن إمكانية إنقاذ أسعار النفط للاقتصاد “المأزوم” تبدو ضئيلة.
وأضافت “بلوميرغ” أنه منذ عامين من بدء حملة الإصلاح يواجه المسؤولون السعوديون مسائل شائكة في كيفية توفير الأموال وتسريع التغيير الاجتماعي دون شل الاقتصاد والاشتباك مع المؤسسة الدينية المحافظة.
وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية قد كشفت الشهر الماضي أن رؤية 2030، صعبة التحقيق، وأن أهدافها عدوانية، لذا بدأت بإعادة صياغتها، واستندت الصحيفة إلى وثيقة حصلت عليها، تشير إلى أن السلطات في السعودية تجري الكثير من التغيرات على رؤية 2030، وبحسب الخطة المعدلة، التي يطلق عليها “برنامج التحول الوطني 2.0″، أو “إن تي بي 2.0″، NTB0.2، فقد تحولت الإصلاحات التي كانت قيد برنامج التحول الوطني إلى برامج أخرى، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السعودية إلى تطوير جدول أعمال أكثر مرونة وقابلية للتنفيذ.
اقتصاد متأزم
وتؤكد تقارير إعلامية أن السعودية خسرت أكثر من نصف احتياطيها العام في عامين ونصف العام، بسبب التراجع الحاد في أسعار الخام عالميًا منذ منتصف عام 2014، وارتفاع كلفة الحرب التي تقودها في اليمن منذ أكثر من عامين، حيث تهاوى الاحتياطي العام، إلى 617.3 مليار ريال (164.6 مليار دولار) في يوليو/تموز 2017، مقابل 1.3 تريليون ريال (346.6 مليار دولار) في ديسمبر/كانون الأول 2014.
على صعيد متصل، قفز الدين السعودي بنهاية الربع الثالث من العام الحاليّ، إلى 113.4 مليار دولار، مسجلاً ارتفاعات بنسبة 861% منذ تراجع أسعار النفط، ويمثل الدين السعودي في الوقت الحاليّ 17.7% من الناتج المحلي للبلاد، الذي بلغ 2.4 تريليون ريال (640 مليار دولار) في العام الماضي.
الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها السعودية ليست الوحيدة التي تقف عائقًا أمام إنجاز “مشروع نيوم” الضخم، فالمؤشرات تدل على أن التغيرات الدينية والسياسية الكبيرة التي ستعرفها المملكة خلال الأشهر والسنوات المقبلة ستقف عائقًا أمام استثمار رجال الأعمال الأجانب والمحليين لأموالهم في منطقة تعتبر بمثابة بركان قابل للانفجار في أي وقت.
الصدام مع التيار المحافظ
فخلال الشهرين الأخيرين، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات للمشايخ والدعاة الإصلاحيين الرافضين لحصار قطر وسياسة التغريب الذي يكرسها بالقوة ولي العهد محمد بن سلمان، وهو ما ينذر بإمكانية صدام مؤجل بين السلفية التقليدية التي دعمها الملك عبد العزيز وأبناؤه، مع السلطة السياسية، الأمر الذي سيكون له التأثير البالغ على الأوضاع داخل البلد.
ففي كلمته التي ألقاها لإعلان “مشروع نيوم”، أكد محمد بن سلمان أنه عازم على تدمير التيار الإصلاحي في بلاده والعودة بالإسلام إلى ما كان عليه، الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب، الأمر الذي يكشف تواصل حملة اجتثاث الفكر السلفي الوهابي من البلاد.
في الأخير، يبدو واضحًا أن سياسة النظام السعودي الحاليّ بقيادة محمد بن سلمان تمضي بالبلاد إلى مجهول في ظل أوضاع داخلية صعبة وخارجية متقلبة، وهو ما يؤكد أن “مشروع نيوم” لن يكون أكثر من أضغاث أحلام يبيعها الأمير الشاب لشعبه ويسوقها للعالم من أجل تحقيق مآرب خاصة قد تعجل بتعيينه ملكًا خلفًا لأبيه العاجز عن إدارة حكم البلد.