يلقبون الحدث بـ”دافوس في الصحراء” أو “حج” الشركات الضخمة إلى السعودية، حيث يتحول مركز قوة العالم خلال الأيام المقبلة فقط من نيويورك وطوكيو ولندن إلى مدينة في الصحراء لبداية حدث يدعوه المستثمرون مجازًا “دافوس في الصحراء” ليُقابلون أميرها محمد بن سلمان من أجل المشاركة في سلسلة من المحادثات والاجتماعات بخصوص مستقبل السعودية الاقتصادي بعيدًا عن البترول.
يجتمع منذ الأمس أكثر من ثلاثة آلاف من رجال ونساء الأعمال من المستثمرين وأصحاب الشركات الضخمة من عشرات البلاد المختلفة في مؤتمر هو الأول من نوعه في العاصمة السعودية لمحاكاة المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في سويسرا.
على قائمة الحاضرين لمؤتمر الاستثمار الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، ورئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق توني بلير، ووزير المالية الأمريكي ستيفن مانشين، والمدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاجراد، ولاري فينك الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة أكبر شركة لها ممتلكات (assets) في العالم وهي شركة Blackrock للاستثمار والإدارة، ورؤساء شركات عالمية ضخمة ومؤسسي بنوك معروفين من مختلف الجنسيات.
حدث اقتصادي هو الأول من نوعه
الأمير ابن سلمان، وعلى يمينه المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاجراد، وإلى يساره رجل الأعمال الياباني ماسايوشي شون
المؤتمر هو حدث اقتصادي ضخم وهو الأول من نوعه في العاصمة السعودية يرسل رسالة واضحة للعالم بأن السعودية على أتم استعداد للتغيير الجذري من أمة اعتمدت لعقود طويلة على البترول ومشتقاته والآن تتحول لتكون هي الأخرى مركزًا اقتصاديًا مهمًا في العالم باقتصاد لا يعتمد على البترول فحسب، حيث تخطو خطوات سريعة نحو الإصلاحات والتغييرات الاقتصادية، وتبدأها بالمؤتمر المالي “دافوس في الصحراء” لتكون السعودية في النهاية شريكًا لرجال الأعمال الدوليين.
يقول ابن سلمان في المؤتمر للحضور: “70% من السكان في السعودية تحت سن الـ30، ونحن لن ندع نسبة الـ30% الباقية تمنعهم من التقدم للأمام”
بناءً على خطة السعودية للتغيير الاقتصادي والاجتماعي طبقًا لرؤية 2030، فإن السعودية تطرح 5% من أسهم شركتها عملاق النفط في العالم “أرامكو” للتداول في اكتتاب عام من المتوقع أن يكون الأكبر في التاريخ في العام المقبل، لاستخدام أرباح مبيعات الشركة في التحول الاقتصادي للمملكة، مُقدمة في ذلك أكبر شركة نفط في العالم وأضخم اقتصاد في الشرق الأوسط ليكون للجميع حصة فيه.
من الموقع أن يجلب اكتتاب أسهم شركة النفط السعودية أرامكو قيمة تُقدر بنحو تريليوني دولار أمريكي، وبالتبعية تتوقع المملكة السعودية طبقًا لخطة تنويع الاقتصاد أن تستثمر نحو 100 مليار دولار في الشركات العالمية الضخمة، والذي على أساسه قامت بدعوتهم إلى الرياض لحضور مؤتمر الاستثمار.
يُتوقع أيضًا أن أرباح الاستثمارات التي تنوي السعودية القيام بها على استعداد أن تكون كافية لسد احتياجات الميزانية في المملكة حتى ولو هبطت أسعار النفط.
يجتمع منذ الأمس أكثر من ثلاثة آلاف من رجال ونساء الأعمال من المستثمرين وأصحاب الشركات الضخمة من عشرات البلاد المختلفة في مؤتمر هو الأول من نوعه في العاصمة السعودية
يقول ابن سلمان في المؤتمر للحضور: “70% من السكان في السعودية تحت سن الـ30، ونحن لن ندع نسبة الـ30% الباقية تمنعهم من التقدم للأمام، فنحن لن نعيش الـ30 سنة المقبلة تحت حكم أفكار رجعية مُدمرة، علينا أن نتبنى إسلامًا وسطيًا، وعلينا تدمير التطرف اليوم قبل غدًا”.
لقد تغيّر الوضع الآن، حيث أصبح مؤتمر الاستثمار المعقود حاليًا في الرياض بمثابة قلب خطة السعودية 2030، ليدعمها في تقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على البترول ليكون اقتصادًا أكثر تنافسية على الصعيد العالمي، بعدما كانت تُمثل البتروكيماويات أكثر من نصف الاقتصاد السعودي، وأكثر من 90% من نسبة الإيرادات الحكومية.
تاريخ من الاستثمارات السعودية عالميًا
لقد أظهرت السعودية اهتمامًا واضحًا بالاستثمار في السوق الأمريكية بعد إعلانها خطتها لتنويع الاقتصاد 2030، حيث استثمر صندوق الاستثمار السعودي مبلغ 3.5 مليار دولار في شركة “أوبر” الأمريكية في العام الماضي، كما ارتفعت نسبة استثمار الحكومة السعودية في السندات الأمريكية، حيث بلغت أعلى نسبة لها في شهر مارس/آذار الماضي بمبلغ 114 مليار دولار، وصولًا بصفقة الأسلحة بين أمريكا والسعودية التي انتهت باتفاق على مبلغ 110 مليار دولار.
زادت صفقات صندوق الاستثمار السعودي منذ إعلان خطة 2030 بشكل متسارع، حيث وصلت إلى 50 مليار دولار في الاستثمار في قطاع التكنولوجيا في العام الماضي فحسب، كان منها استثمار صندوق الاستثمار السعودي في مجموعة “سوفت بنك” اليابانية، التي تُعد من أكبر شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، بمبلغ قُدر بـ45 مليار دولار بالاتفاق مع مؤسسه رجل الأعمال الياباني ماسايوشي شون المدعو لمؤتمر “دافوس في الصحراء” كذلك.
نالت أمريكا النصيب الأكبر من الاستثمارات، إذ استثمرت الحكومة السعودية مبلغ قدره 20 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في الولايات المتحدة، إذ حصلت شركة “Blackstone” للخدمات التمويلية على المبلغ، والذي يُعد من أكبر الاستثمارات الشرق الأوسطية في الولايات المتحدة،
استثمر صندوق الاستثمار السعودي مؤخرًا في موقع نون noon.com الإماراتي للتسوق الإلكتروني والتجارة الإلكترونية بمبلغ 500 مليون دولار، حيث لم تقتصر استثمارات السعودية على الشركات الضخمة الدولية فحسب، بل تحاول السعودية تنويع استثماراتها لينعكس على تنوع اقتصادها كذلك.
زادت صفقات صندوق الاستثمار السعودي منذ إعلان خطة 2030 بشكل متسارع، حيث وصلت إلى 50 مليار دولار في الاستثمار في قطاع التكنولوجيا في العام الماضي فحسب
كما بلغت عائد استثمارات السعودية في الخارج خلال عام 2016 نحو 2.48% من أصول إجمالية بلغت قيمتها أكثر من 3.5 تريليون ريال، ليكون الصندوق السعودي من أحد الصناديق السيادية في العالم.
الخصخصة في السعودية
تطرح السعودية في مؤتمر الاستثمار العديد من المجالات على طاولة مفاوضات واجتماعات مؤتمر الاستثمار، فالحكومة السعودية تخطو خطوات سريعة نحو الخصخصة، حيث تكون مجالات الطاقة والصحة والخدمات البريدية والمطارات من بين المجالات والمشروعات المطروحة للخصخصة في المؤتمر.
أظهرت السعودية اهتمامًا واضحًا بالاستثمار في السوق الأمريكية بعد إعلانها خطتها لتنويع الاقتصاد 2030، حيث استثمر صندوق الاستثمار السعودي مبلغ 3.5 مليار دولار في شركة “أوبر” الأمريكية
لا تكون بعض التغييرات إلا تغييرات مفروضة على الحكومة السعودية ضريبة تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد تنافسي على صعيد عالمي، فلا يمكن لاقتصاد تتحكم فيه الحكومة بهذا الشكل أن ينافس عالميًا ويكون فرصة ذهبية للاستثمارات الخارجية، وعليه فإن مسألة الخصخصة مؤرقة بالنسبة للحكومة السعودية وتبدو أنها تغيير لا مفر منه.
يقول إيمانيول ديسوسا شريك في شركة رأس المال الاستثماري “برينسفيل الدولية” الأمريكية في تقرير عن المؤتمر الاستثماري في الرياض إنه كان من الصعب تصديق تحوّل الرياض لمركز للاستثمار والتكنولوجيا بدلًا من مركز للبترول، وكان من المستحيل أن يصدق قبل سنتين من الآن أنه سيسافر إلى الرياض بحثًا عن فرص استثمارية من أجل شركته”، لقد تغيّر الوضع الآن، ولم يهدأ ابن سلمان عن تنفيذ خطته التي ستُغير شكل السعودية جذريًا.
لا يرى المستثمرون الآن السعودية على أنها مركزًا للعنصرية بين الرجل والمرأة، ولا يرونها مركزًا للبترول صاحبة شركات عمالقة النفط في العالم، ولا يرونها منبعًا للتطرف أو الفكر المتشدد، بل على العكس، يرى المستثمرون الآن الحكومة السعودية بمثابة كيان مالي متحرك، مستعد للاستثمار بأي قدر من الأموال في سبيل تحقيق رؤية 2030 بأي ثمن كان.