لم يمض أكثر من أسبوع على حديث العاهل المغربي محمد السادس عن زلزال سياسي مرتقب في البلاد، بالنظر إلى ما رصده من اختلالات وأخطاء في تدبير وتنفيذ مشاريع تنموية بعدد من مناطق ومدن المملكة، حتى بدأ بتنفيذ وعيده بإقالة بعض وزراء حكومة سعد الدين العثماني.
إعفاء 4 وزراء
في خطوة غير مسبوقة في تاريخ المملكة المغربية، قرّر الملك محمد السادس، أمس الثلاثاء، اتخاذ إجراءات عقابية بحق مسؤولين سابقين ووزراء حاليين في الحكومة بسبب تأخر أو عدم تنفيذ مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية في منطقة الريف شمال المملكة، وشمل قرار الملك إعفاء أربعة وزراء بعد تسلمه تقريرًا يتضمن نتائج وخلاصات المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة رقابية) عن تأخر تنفيذ برنامج الحسيمة منارة المتوسط (شمالي المغرب) أطلقها الملك عام 2015.
وقال بيان الديوان الملكي المغربي إن الإعفاء جاء تنفيذًا لمقتضيات الدستور، وبعد استشارة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ويشمل كلاً من وزير التعليم محمد حصاد بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، ووزير الإسكان محمد نبيل بنعبد الله بصفته وزيرًا عن القطاع نفسه في الحكومة السابقة، كما جرى إعفاء وزير الصحة الحسين الوردي الذي كان وصيًا على القطاع في الحكومة السابقة، والعربي بن الشيخ كاتب الدولة (وكيل وزارة) مكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرًا عامًا لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقًا.
سبق أن وجّه الملك المغربي، مجموعة من الانتقادات اللاذعة، للطبقة السياسية والأحزاب محملاً إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع
وعلى مستوى المسؤولين، أعفي المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب علي الفاسي الفهري، وجاء في بيان الديوان أن الملك محمد السادس قرر تبليغ “عدم رضاه” عن مسؤولين آخرين تقلدوا مسؤوليات في الحكومة السابقة، مؤكدًا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلاً، وهم وزير التعليم السابق رشيد بلمختار بنعبد الله، ووزير السياحة السابق لحسن حداد، ووزير الشباب والرياضة السابق لحسن السكوري، ووزير الثقافة السابق محمد أمين الصبيحي، بالإضافة إلى كاتبة الدولة المكلفة بالبيئة سابقًا حكيمة الحيطي.
وسبق أن وجّه الملك المغربي، مجموعة من الانتقادات اللاذعة، للطبقة السياسية والأحزاب، محملاً إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، مطالبًا إياها بالإنصات لهموم الشعب وتقديم خيرة نخبتها، والابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة وجعل احتياجات المواطن ومصلحة الوطن فوق أي اعتبار سياسي ضيق.
الحسيمة تطيح بالوزراء
مثل تعطّل تنفيذ برنامج الحسيمة منارة المتوسط الذي يشمل أكثر من 500 مشروع تنموي لفائدة منطقة الريف، السبب الرئيسي لإقالة الوزراء الأربعة، فقد خلص تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى وجود مجموعة من الاختلالات سجلت في عهد الحكومة السابقة عن هذا البرنامج، كما أبرز أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، والشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي.
ولاحظ المجلس في تقريره “تأخرًا كبيرًا في إطلاق المشاريع، بل إن الغالبية العظمى منها لم يتم إطلاقها أصلاً، مع غياب مبادرات ملموسة من بعض المتدخلين المعنيين بإطلاقها الفعلي”، وأضاف التقرير أنه “أمام عدم الوفاء بالالتزامات، والتأخر الملموس في إطلاق المشاريع، فقد لجأت بعض القطاعات المعنية، إلى تحويل رصيد من مساهماتها المالية لوكالة تنمية أقاليم الشمال، كوسيلة للتهرب من المسؤولية”.
تواصل حراك الريف رغم فتوره الفترة الأخيرة
وفي آخر اجتماع وزاري له، عبّر الملك المغربي عن “استيائه وانزعاجه وقلقه” بخصوص عدم تنفيذ مشاريع برنامج الحسيمة منارة المتوسط الذي أعطيت انطلاقته أكتوبر 2015، وأصدر حينها تعليماته حتى تقوم وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية بالأبحاث والتحريات اللازمة بشأن هذا الموضوع ورفع تقرير بهذا الشأن، وقرّر الملك على إثر ذلك عدم الترخيص للوزراء المعنيين بتتبع المشروع بالاستفادة من العطلة السنوية.
إلى جانب تسببه في إقالة العديد من المسؤولين والوزراء، كان برنامج الحسيمة منارة المتوسط أحد الأسباب التي فجرت غضب سكان ريف المغرب الذي أدى إلى احتجاجات طالت مدن عدة من المملكة وتتواصل إلى اليوم رغم فتورها بعض الشيء، نتيجة ترقب الأهالي لقرارات الملك.
المسؤولية السياسية للحكومة السابقة
لئن شمل القرار الملكي الأخير إقالة وزراء من حكومة سعد الدين العثماني الحالية، فإن ذلك الأمر تمّ لصفتهم الوزارية في حكومة عبد الإله بنكيران السابقة، في هذا الشأن قال خبير الدستور والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق لنون بوست: “تضمّن بلاغ الديوان الملكي تحميل المسؤولية السياسية للحكومة السابقة، بمعنى آخر أن المسؤولية السياسية لبنكيران باتت ثابتة من موقعه كرئيس للحكومة الذي يعتبر المسؤول السياسي الأول عن عمل أعضائها كافة، وبالتالي فهو مسؤول عن أداء مهامهم المنوطة بهم كل من حيث موقعه، وفي القطاع الحكومي الموكل له تدبيره”.
لزرق: “الاختلالات التدبيرية التي ميّزت أداء بعض أعضاء الحكومة سجلت عليهم بسبب التلكؤ في العمل”
وبين لزرق لنون أن التحقيقات وإن توصلت إلى وجود اختلالات وتقصير في التدبير، فهذه الاختلالات لم تصل إلى درجة اختلالات شخصية تصل إلى تحريك المسؤولية الجنائية ضدّهم، بمعنى أن إبلاغ آثار المسؤولية السياسة والإدارية دون الجنائية التي تستوجب المتابعة الجنائية، وأضاف محدثنا أن “الاختلالات التدبيرية التي ميّزت أداء بعض أعضاء الحكومة سجلت عليهم بسبب التلكؤ في العمل وعدم القيام بالواجبات الملقاة على عاتقهم في تنزيل مشروع منارة المتوسط كما ينبغي لها وكما مسطر عليه في الاتفاقية التي تم توقيعها أمام الملك سنة 2015”.
بداية الزلزال
في حديثه لنون بوست، اعتبر خبير الدستور والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق، أن إعفاء الوزراء من مهامهم، مؤشر على بداية الزلزال السياسي الذي وعد به الملك مؤخرًا وليس الزلزال بذاته لكون إعفاء أعضاء من الحكومة وبعض الوزراء يبقى إجراءً عاديًا”.
وقبل أسبوعين، قال الملك المغربي لدى افتتاح الملك دورة البرلمان الخريفية، إن النموذج التنموي للمغرب لم يعد قادرًا على تحقيق العدالة الاجتماعية، داعيًا لإعادة النظر فيه بإشراك كل الكفاءات الوطنية والتحلي بالموضوعية وتسمية الأمور بمسمياتها واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي”، وقال الملك في خطابه إنه لا ينتقد من أجل النقد، ثم يترك الأمور على حالها، بل يريد معالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات، واصفًا بعد ذلك ما يعتزم القيام به من قرارات بكونها “مقاربة ناجعة لمسيرة من نوع جديد”.
تقصير مؤسساتي
أظهرت أزمة الحسيمة، حسب رشيد لزرق، أن النخبة البرلمانية منها الأحزاب السياسية، أضاعت فرصة ذهبية في توفير التراكم المنشود في تفعيل اختصاصات البرلمان، والرقي بها في اتجاه توفير المتراكم والاتجاه نحو تفعيل الرقابة البرلمانية التي يؤهل التجربة المغربية في المضي بها نحو الملكية البرلمانية. وأوضح لزرق أن الأحزاب السياسية من خلال فرقها البرلمانية لم تستطع التوصل إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق وإثارة المسؤولية الفردية للحكومة ككل، بحيث حالت المزايدة السياسية داخل البرلمان بمجلسيه دون الحصول على نسبة التوقيعات التي حددها الدستور لتشكيل لجنة تقصي الحقائق، وعلى ضوء هذه اللجنة يتم إثارة المسؤولية السياسية”.
الحكومة المغربية
تقصير البرلمان المغربي بمجلسيه في القيام بالأدوار المنوطة به دستوريًا في تفعيل الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة، وإثارة المسؤولية الفردية للحكومة ووزرائها، أدى بالملك حسب رشيد لزرق إلى التدخل بموجب الفصل 42، الأمر الذي يشكل عقبة في طريق تكريس دولة المؤسسات، وتعتبر هذه المرة الأولى في تاريخ المغرب الذي يتخذ فيها الملك تدابيرًا عقابية جذرية تجاه أربعة وزراء يشغلون حاليًا مناصب حكومية، وكانوا يحتلون مناصب وزارية في الحكومة السابقة.