اندلعت يوم السبت 21 من أكتوبر اشتباكات مسلحة بين جنود إماراتيين ونظرائهم السودانيين في منطقة المخا (الساحل الغربي لليمن)، تدخلت فيها الطائرات الأباتشي لتركيع القوات السودانية.
ووفقًا لمصادر ميدانية، فإن الاشتباكات المسلحة اندلعت بسبب تعنت الضباط الإماراتيين مع القوات السودانية، واعتبارهم (عبيدًا) لديهم، غير أن مجموعة من القوات السودانية رفضت أن يتم معاملتهم كمرتزقة، مطالبين بأن يكون لهم دور يضاهي حجمهم، على اعتبار أن الجميع بمهمة إعادة الشرعية إلى صنعاء، لكن ضباط إماراتيين اعتبروا أن ذلك بداية خروج عن الطاعة وتدخل سوداني في تفاصيل لا يجب أن يعرفها السودانيون.
وأوضحت تلك المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها وهويتها نتيجة لمنصبها الحساس في القوات الموجودة بالمخا، أن محاولة الجنود السودانيين المتكررة إثبات دورهم وقدراتهم في المعركة أحد أسباب الاشتباكات التي اندلعت بينهم يوم 21 من أكتوبر.
وأشارت إلى أن الإماراتيين كانوا يقللون من حجم ودور السودانيين، ونعتهم أحيانًا بـ”العبيد” و”المرتزقة”، وضربهم في حال رفضوا أصغر الأوامر الصعبة التي كانت توجه لهم، أقلها غسل ملابس الجنود الإماراتيين الموجودين في المخا.
وأوضحت أن الاشتباكات اندلعت بعد أيام من زيادة الاضطهاد الإماراتي بحق الجنود السودانيين، ونتج عنها مقتل ضباط إماراتيين وجرح آخرين وتمددت الاشتباكات إلى المدينة السكنية.
وحسمت القوات الإماراتية تلك الاشتباكات بعد أن طلب أفرادها مساندة الطيران الحربي التابع للتحالف، وقصفت طائرات من نوع أباتشي أماكن وجود الجنود السودانيين المتمركزين عند بوابة المدينة السكنية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى منهم، وفقًا لذات المصدر.
في فبراير الماضي، منعت الإمارات العربية المتحدة طائرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من الهبوط في مطار عدن الدولي، ورفضت تنفيذ قرارات رئاسية له بتغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية في عدن
قراءة في الخلافات داخل معسكر التحالف
لا تكاد تهدأ الخلافات بين القوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مدن جنوب اليمن إلا وتبدأ من جديد، لكن هذه المرة بين قوات شريكة لها تقدم نفس الأداء والتضحية التي تقدمها الإمارات، لكن الخلاف الإماراتي المتواصل مع قوات شريكة له يكشف بعدًا آخر تنظر إليه الإمارات العربية المتحدة في هذه الحرب التي يدفع ثمنها المواطن اليمني البسيط.
وسبق للقوات الإماراتية في عدن ممارسة نفس المهمة ضد القوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وصل الأمر إلى قصف الحرس الرئاسي ومنع هادي من دخول عدن، وهي مواقف غريبة ولها تفسير واحد وهو أن الإمارات العربية المتحدة تقاتل من أجل الاحتلال، وليس من أجل إعادة هادي إلى القصر الجمهوري في العاصمة اليمنية صنعاء كما يقول التحالف إنه تدخل من أجل ذلك.
وفي فبراير الماضي، منعت الإمارات العربية المتحدة طائرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من الهبوط في مطار عدن الدولي، ورفضت تنفيذ قرارات رئاسية له بتغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية في عدن، وهو ما يثير تساؤلات عن دور الإمارات في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن، وأهدافها التي تسعى لتحقيقها من هذه الحرب، لا سيما أنها تتمدد فقط في السواحل اليمنية دون التغلغل أكثر.
وبعد أن سيطرت على عدن تعاونت مع قوات انفصالية بعضها مدعومة من إيران وأخرى مكونة من قوات محلية تم تدريبها في الإمارات للسيطرة على الوضع الأمني، وبدأت تحارب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) على اعتبار أنهم من أدوات الرئيس اليمني السابق، فضلًا عن إشرافها على ترحيل أبناء الشمال من عدن إلى مناطقهم، على اعتبار أنهم من تنظيم القاعدة أو أدوات لها كما أطلق عملاؤها في عدن على ذلك.
الإمارات العربية المتحدة ترى أن تدخل السودان في الحرب على اليمن تدخلًا نشازًا، ولا يجب أن تشارك قوات سودانية في عاصفة الحزم كمقاتلين، وإنما لمهمات أخرى، نتيجة النظرة الدونية من قبل الإمارات العربية المتحدة إلى غالبية العرب
وتمكنت الإمارات فعليًا من ترسيخ قوتها وسيطرتها على عدن، واستمالت الجماعات الجهادية من السلفيين لعداء الإخوان المسلمين، وأحدثت توازنًا بين القوى المحلية وغذت إلى أفكارهم أهمية انفصال عدن (الخليجية) عن اليمن، وفي نفس الوقت عملت على تمديد قواتها صوب حضرموت وسقطرى في البحر العربي والمخا، واحتلال جزيرة ميون في البحر الأحمر، ساعية منها لبناء قواعد عسكرية هناك.
الأزمة الخليجية ودور السودان
ومنذ الأزمة الخليجية التي بدأت في يونيو 2017، بعد أن قطعت كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر علاقاتهم مع قطر بحجة دعم الأخيرة للإرهاب والإخوان المسلمين، انساقت غالبية الدول مع تحركات الدول الأربعة، إلا أن السودان اتخذ موقفًا وسطيًا من هذه الأزمة، ودعا إلى إصلاح ذات البين في البيت الداخلي، وحاول أكثر من مرة التوسط لإنهاء الخلافات، إلا أنها قوبلت برفض من القيادات في المملكة العربية السعودية.
لكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، لا يبدو أن الإخوان المسلمين مشكلتها الأزلية أو أنهم سبب رئيسي لخلافها مع قطر، وإنما يبدو أن الخلاف يرتكز أساسًا على مبدأ السيادة والتبعية، فقد استطاعت تركيع الكثير من الدول العربية، وشراء ذمم دول عالمية وصناعة قرارات لها من أجل خدمة أهدافها، لا سيما فيما يخص الحرب في اليمن، وكانت تريد أيضًا إخضاع السيادة القطرية تحت الوصاية الدولية، لكونها رأت أن أمجادها وقوتها حاليًا لن تتكرر مرة أخرى، على عكس الإمارات العربية المتحدة التي ترى أن الإخوان المسلمين أعداؤها التاريخيين.
فالإمارات العربية المتحدة ترى أن تدخل السودان في الحرب على اليمن، تدخلًا نشازًا ولا يجب أن تشارك قوات سودانية في عاصفة الحزم كمقاتلين، وإنما لمهمات أخرى، نتيجة النظرة الدونية من الإمارات العربية المتحدة إلى غالبية العرب.
الخلاف الإماراتي مع قوات تقاتل من أجل إعادة هادي، هو خلاف على التحكم الميداني في المناطق التي توجد فيها قوات الطرفين خاصة في جبهة المخا، وأيضًا لرغبة الطرف الإماراتي الاستفادة من الأمور والعمل بعيدًا عن غرفة عمليات التحالف أو التنسيق معها
ولأن السودان وقف على خط المنتصف في الأزمة الخليجية، لجأت قيادات وجنود إماراتية إلى تشويه دور السودان في اليمن، مرة باعتبارهم خونة وأخرى بالتهاون في القتال، الهدف من ذلك تضييق الخناق عليهم من أجل إعلان السودان الانسحاب من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لتنفرد هي والسعودية في هذه الحرب، لتستطيع تحقيق أهدافها فقط دون تحقيق أهداف التحالف العربي.
وأهداف الإمارات في اليمن تبدو قريبة من التحقيق الكامل، فمنذ أن تدخلت في هذه الحرب استطاعت تكوين قوات موازية للقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، واحتلت محافظة سقطرى رغم أن أهلها والمحافظة ذاتها بعيدة عن الصراع المسلح بين الحكومة والمتمردين الحوثيين، إضافة إلى ذلك الجزر المهمة التي احتلتها وبدأت أعمال إنشاء قواعد عسكرية فيها لتتحكم في الممر الدولي للملاحة البحرية، على عكس المملكة العربية السعودية التي خسرت أراضي وجنود، إضافة إلى خسارة ثقة اليمنيين بها.
إذًا.. الخلاف الإماراتي مع قوات تقاتل من أجل إعادة هادي، هو خلاف على التحكم الميداني في المناطق التي توجد فيها قوات الطرفين خاصة في جبهة المخا، وأيضًا لرغبة الطرف الإماراتي الاستفادة من الأمور والعمل بعيدًا عن غرفة عمليات التحالف أو التنسيق معها.
القوات السودانية وكذا الإماراتية تواجه كمائن وغارات من قوات الحوثي وصالح خاصة في الأيام الأخيرة، والخسائر تعكس نفسها رغبة كل طرف في التحكم في إدارة المواجهة والسيطرة على العمليات، لكن الإمارات لا تريد أن يكون لغيرها أي دور، لكون بروز القوات السودانية أو غيرها خلال المرحلة القادمة أو تحقيق نتائج إيجابية في الحرب، قد يكلف الإمارات كثيرًا ويحطم أحلامها.