ترجمة وتحرير: نون بوست
تتوقع دول الخليج أن يتدخل دونالد ترامب في محاولة لإنهاء الخلاف المرير، الذي زعزع الاستقرار في المنطقة، بين قطر وأربع دول أخرى في الشرق الأوسط. وفي الأثناء، تنتاب الولايات المتحدة العديد من المخاوف إزاء إمكانية أن يساهم النزاع المستمر منذ أربعة أشهر بين حلفائها الرئيسيين في المنطقة في ترسيخ الانقسامات. فضلا عن ذلك، تخشى واشنطن أن تنتهي الأزمة بإرغام قطر، موطن القاعدة الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على إنشاء علاقات أوثق مع إيران.
بناء على ذلك، من المرجح أن تمنح واشنطن الوسيط الإقليمي، الشيخ صباح الأحمد الصباح فرصة أخرى لمحاولة إقناع الأطراف المتصارعة بالاجتماع في قمة مجلس التعاون الخليجي، المقرر عقدها في كانون الأول/ ديسمبر المقبل. ولكن، في الوقت ذاته، قد تتدخل الولايات المتحدة لحل الأزمة بشكل فعلي بعد ذلك بوقت قصير. في هذا السياق، أورد مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ خلال هذا الشهر، قائلا: “لن نستطيع ولا نستطيع إملاء شروط على أي طرف لاتخاذ أي قرار، لكن يسعدنا أن نكون على استعداد للتدخل بأي شكل من الأشكال”.
في ظل أزمة الخليج، تواتر انتشار رسائل البريد الإلكتروني المخترقة والأشرطة السرية “والأخبار المزيفة” ونظريات المؤامرة، في حين تبادلت العائلات الحاكمة التهم فيما بينها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في الأثناء، بذلت جهود جبارة من قبل اللجنة الرباعية، التي تتألف من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، من أجل إثارة صراع داخلي في قطر أو لما لا تحفيز قيادة انقلاب ضد الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الحاصل على الإجازة من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية.
اندلعت الأزمة القطرية في الخامس من حزيران/ يونيو، عندما فرضت اللجنة الرباعية حصارا دبلوماسيا وماليا على قطر
لكن السحر انقلب على الساحر، فقد أدى الحصار إلى التفاف الشعب القطري، الذي يبلغ تعداده 250 ألف شخص، حول قيادته وبادر بمساندة بلده. وفي هذا الإطار، زينت العديد من المباني في الدوحة والسيارات وحتى المطار وأغطية الهواتف النقالة، ناهيك عن حسابات قادة تويتر القطريين، بالرسم ذاته للأمير الذي أصبح يلقب “بتميم المجد”. أما في الجامعات، فقد أعرب الطلبة عن تنامي الشعور بالوطنية في صفوفهم. وفي هذا الصدد، أوردت إحدى الطالبات في كلية الطب عنود الجلحمة، التي تبلغ من العمر 21 سنة، أن النزاع في المنطقة قد ساهم في زيادة اهتمام الطلبة بالسياسة في الجامعات.
وأضافت الجلحمة “بات الأشخاص يرفعون أصواتهم للتعبير عن رأيهم معتبرين أن هذه الأزمة تصب في صالحهم، وأن التغيير قادم”. لكن سرعان ما استدركت الجلحمة قائلة، إن “هذا الصراع قد يقود إلى حالة تمزق طويل الأمد في منطقة الخليج. فقد أصبح الخوف يتملك معظم المواطنين في المنطقة، لدرجة حتى لو أرسلت عبارة تهنئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لصديق في البحرين، ستبقى من دون رد”.
اندلعت الأزمة القطرية في الخامس من حزيران/ يونيو، عندما فرضت اللجنة الرباعية حصارا دبلوماسيا وماليا على قطر. وقد طالبت هذه الدول قطر بإنهاء دعمها المزعوم للإرهاب، والحد من صلاتها بإيران الشيعية والتوقف عن تخريب أنظمتها من الداخل. فضلا عن ذلك، زعمت اللجنة أيضا أن الدوحة كانت تأوي قيادات رئيسية من حماس وحركة طالبان والإخوان المسلمين، وتمول الدعاة المنشقين في المملكة العربية السعودية.
ذكر رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في قطر أنه قد وقع حظر سفر وتجميد أصول كل الأفراد الذين اعتبرتهم الأمم المتحدة إرهابيين في قطر
في مقابلة مع صحيفة الغارديان، رد رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في قطر عبد العزيز الأنصاري بقوة على الادعاءات التي تتهم قطر بتوخي سياسة الليونة مع الجماعات الإرهابية، وفق تصنيف الأمم المتحدة، وهو العمود الفقري الذي سعت من خلاله اللجنة الرباعية لتحريض الرأي العام الأمريكي. وأردف الأنصاري قائلا: “نحن نستيقظ كل يوم على وقع قائمة جديدة من الإرهابيين المزعومين، الذين تتهمنا الدول المعارضة باحتضانهم في بلادنا في حين يجب أن ندخلهم السجون. ولكن هناك نظاما دوليا لا بد من أخذه بعين الاعتبار عند التعامل مع مثل هذه الحالات”.
في السياق ذاته، أشار الأنصاري إلى مذكرة تفاهم ثنائية جديدة وقعتها حكومته مع الولايات المتحدة، حيث صرح أنه “بموجب هذه المذكرة عقدنا اتفاقا مع الولايات المتحدة في حين تعد نموذجا يمكن أن تحتذي به بقية الدول في المنطقة. يجب على جميع دول العالم أن تتعاون في مجال تبادل المعلومات، نظرا لأن أي تأخير قد يسبب كارثة. لقد قمنا بتنشيط كافة الوكالات الحكومية ذات الصلة في قطر ووضعناها تحت مظلة واحدة”.
فضلا عن ذلك، ذكر رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في قطر أنه قد وقع حظر سفر وتجميد أصول كل الأفراد الذين اعتبرتهم الأمم المتحدة إرهابيين في قطر. في الوقت ذاته، وضعت قائمة محلية تضم الإرهابيين المعنيين، في حين تتم ملاحقة ثلاثة رجال، سبق أن أطلق سراحهم بسبب عدم وجود أدلة تدينهم، قضائيا. كما وقع التخفيض في الحد الأدنى للمحاكمة. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يسمح لعدد صغير من موظفي وزارة الخزانة الأمريكية بالعمل داخل حكومة قطر.
أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يلتقي بوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يوم الأحد.
من جانبهم، صرح بعض المسؤولين القطريين أن التمويل الخارجي لم يعد عاملا أساسيا في عملية تمويل جزء كبير من الإرهاب الذي تتعرض له أوروبا. وفي هذا الشأن، أكد عبد العزيز الأنصاري أن “معظم الإرهابيين في أوروبا مسجلون على اعتبارهم مجرمين ومدمني مخدرات ومحدثي شغب في المدارس. ويتم تجنيدهم من قبل تنظيم الدولة عبر الإنترنت”. في سياق متصل، أورد مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري إن السعوديين بصدد تعريض الأمن الإقليمي للخطر، من خلال رفضهم إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة في حال شاركت قطر في ذلك. وأردف الشيخ سيف آل ثاني أن “الولايات المتحدة ما كانت لتقيم أبدا قاعدة عسكرية هامة في قطر إذا ما اعتقدت أن هذا البلد وكر للإرهاب”.
يرى العديد من الدبلوماسيين الغربيين أن الأسباب الظاهرة للنزاع غير منطقية، حيث تعكس في جوهرها الصراع الإقليمي بين قطر والإمارات العربية المتحدة، وعلى نحو متزايد، بمشاركة المملكة العربية السعودية. وقد تفاقمت التوترات في أعقاب الربيع العربي في سنة 2011، حيث بادر الجانبان بدعم فصائل مختلفة في المغرب وتونس وليبيا وسوريا ومصر. من جهة أخرى، يعتقد البعض أن النزاع يعد إيديولوجيا في المقام الأول، حيث لطالما أيدت قطر الإسلاميين بالسلاح والمال.
من جانب آخر، يعتقد آخرون أن الصراع يحمل صبغة شخصية، حيث أنه في الغالب نتاج ضغينة تبلغ من العمر 20 سنة يحملها والد أمير قطر الحالي، على خلفية الطريقة التي فشلت بها دول الخليج في دعمه عندما خلع والده في سنة 1995. فضلا عن ذلك، أكد هؤلاء أن والد الأمير الحالي للإمارة الصغيرة لا يزال القوة الكامنة وراء العرش، في حين لا يزال يستخدم الدخل الضخم من إنتاج الغاز السائل، والنطاق الضخم لقناة الجزيرة، وإيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين لمواجهة الهيمنة السعودية.
عقب انهيار الربيع العربي، الذي كان يعتبر تهديدا وجوديا للنظم الاستبدادية، وجدت قطر نفسها بقدرات محدودة للمناورة السياسية في المنطقة
في سياق ذي صلة، أفاد أحد كبار سفراء اللجنة الرباعية أن سياساتهم خلال الصراع الخليجي قد نجحت في تسليط الضوء على السياسة الخارجية لدولة قطر، مما اضطر المجموعة الضيقة حول الأمير إلى توخي الحذر أكثر مما كانت عليه في ذروة الربيع العربي. ويدعي المصدر ذاته أن تدخل قطر في ليبيا وسوريا وغزة قد تراجع، مما يفسح مجالا للسياسة الخارجية المناهضة للإسلاميين بدولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية للشروع في قطف ثمار جهودها. وليس من قبيل المصادفة أن يحقق المارشال خليفة حفتر، الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة ومصر، في ليبيا بعض التقدم أو أن حركتي فتح وحماس قد تصالحتا، بمساعدة من وزارة الخارجية الإماراتية.
من جانبها، احتجت قطر عن هذه الاتهامات في حين ما فتئت تدافع عن براءتها، مؤكدة أنها مستعدة لطرد ممثلي طالبان، في حال رغبت الولايات المتحدة في ذلك. وفي هذا الصدد، أقر مسؤول قطري، بأن “الأمير القطري الجديد، الذي خلف والده في سنة 2013، وعد شخصيا بالحد من التركيز على السياسة الخارجية لصالح الإصلاح المحلي، بما في ذلك التعليم. ولقد حدث ذلك فعلا”.
في الواقع، وعقب انهيار الربيع العربي، الذي كان يعتبر تهديدا وجوديا للنظم الاستبدادية، وجدت قطر نفسها بقدرات محدودة للمناورة السياسية في المنطقة. ولكن يكمن الخطر، في منطقة لا تريد فيها أي ملكية أن تبدو في موقف الخاسر، وحيث العلاقات الشخصية آخذة في التدهور، في أن تصبح إيران المستفيد الأبرز. ففي الحقيقة، لم تمجد قطر إصرار ترامب على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، على عكس ما فعلته السعودية. وقد صرح المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، ليندير كينغ، قائلا “لم تتراجع حدة هذا الصراع مع مرور الوقت”.
المصدر: صحيفة الغارديان