تدخل الأحزاب الإسلامية في الجزائر مرة أخرى الانتخابات بقوائم متفرقة تؤكد يومًا بعد آخر استحالة تكتلها واتحادها في تجمع سياسي واحد، رغم انتمائها للمعسكر نفسه وللأيدولوجيا ذاتها المتمثلة في فكر الإخوان المسلمين.
ويخوض إسلاميو الجزائر الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني تحت قبعة أربعة أحزاب تتمثل في تحالف حركة مجتمع السلم والاتحاد من أجل النهضة والعدل والبناء (يضم حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني) وحركة الإصلاح الوطني وحزب العدل والبيان.
تاريخ حافل بالخلافات
لكن المتمعن في تاريخ هذه الأحزاب الإسلامية ومساعي الوحدة بينها يفهم أن اتحادها في الوقت الراهن أو الآجل يتطلب تنازلات من جميع الأطراف لتحقيق ذلك أو جزء منه على الأقل، كون التشكيلات السياسية الحالية هي نتاج انشقاقات في أحزاب لم تتفق سابقًا مطلقًا، فحركة مجتمع السلم (حمس) التي توصف بأنها أكبر حزب إسلامي في الجزائر والتي تحوز على أكثر من 30 مقعدًا في البرلمان تعرضت لعدة انشقاقات كان أولها خروج جماعة عبد المجيد مناصرة الذي أسس جبهة التغيير والذي لم يعد للحركة إلا هذا العام عبر مؤتمر الوحدة، كما انشقت من حمس حركة البناء الوطني وحزب تجمع أمل الجزائر الذي غير أيديولوجيته الإسلامية كليًا.
أما الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء فهو الآخر يضم حزبين عاشا انشقاقًا لافتًا في الماضي، فحركة النهضة أسسها عبد الله جاب الله قبل أن يُنقلب عليه، ليؤسس بعدها حركة الإصلاح الوطني التي سرعان ما تخلت عنه هي الأخرى، ليجد نفسه مضطرًا لإنشاء حزب جديد تمثل في جبهة العدالة والتنمية.
بوجود هذه المشاكل داخل المعسكر الإسلامي من غير المنطقي الحديث عن اتحاد هذا التيار ضمن تكتل واحد ودخول الانتخابات بقائمة موحدة تضم جميع أطيافه
وبرأي مراقبين، فإنه رغم الوحدة الجزئية التي حدثت قبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في 4 مايو الماضي وتوجت بتحالف حركة مجتمع السلم والاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، إلا أن البيت الإسلامي معرض في كل لحظة للتصدع بسبب حرب الزعامة الموجودة بين الأحزاب التي تحالفت، مثلما يظهر جليًا في الخلاف الموجود بين رئيس حركة مجتمع السلم السابق عبد الرزاق مقري ورئيسها الحالي عبد المجيد مناصرة الرئيس السابق لجبهة التغيير قبل حلها. فالأول ذو خطاب راديكالي يرفض الاصطفاف إلى جانب السلطة، أما الثاني فمهادن ولا يخفي نواياه ولو ضمنيًا باحتمال رجوع الحركة إلى التحالف الرئاسي الداعم للرئيس بوتفليقة، ويصر أن يبقى باب هذا الجانب مفتوحًا دائمًا، وذلك ما ظهر عبر تأييده استغلال الغاز الصخري في الجزائر، في حين أن مقري ومؤسسات الحركة من الرافضين لذلك.
هذا ما أمكن
يعتبر القيادي في حركة مجتمع السلم فاروق طيفور أن الأحزاب الإسلامية قامت قدر استطاعتها لتحقيق الوحدة بين أطيافها، خاصة على مستوى الحركة التي يمثلها. وقال طيفور لـ”نون بوست”: “بخصوص توقف الوحدة عند حمس والتغيير، فذلك هو الممكن والمتاح الآن، ونعمل من خلال الحوار على إيجاد قواسم مشتركة ومساحات عمل مع الباقي حتى تحين فرصة الوحدة المتكاملة”.
وإن كان هذان الحزبان قد استطاعا التكتل داخل هيكل يتمثل في الحزب الأم (حركة مجتمع السلم)، إلا أن الاتحاد من أجل النهضة والعدل والبناء بقي يراوح مكانه ولم يستطع تجاوز تحالفه المرتبط بالدخول فقط في قوائم موحدة في الاستحقاقات الانتخابية، خاصة بعد الأزمة التي كادت أن تعصف بحركة النهضة أغسطس الماضي، حينما أعلن بعض القياديين خلال اجتماعات المكتب الوطني عدم رضاهم عن هذا الاتحاد، إضافة إلى ميل مناضلين آخرين للوحدة مع حركة مجتمع السلم.
“مسألة تعدد القوائم ليست ظاهرة خاصة بالإسلاميين، بل شاملة لكل التيارات السياسية في الجزائر، والإسلاميون أول التيارات التي عملت على توحيد صفوفها في قائمتين”
ولذلك يرى البعض أنه بوجود هذه المشاكل داخل المعسكر الإسلامي من غير المنطقي الحديث عن اتحاد هذا التيار ضمن تكتل واحد ودخول الانتخابات بقائمة موحدة تضم جميع أطيافه. وبالنسبة لفاروق طيفور، فإن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأحزاب الإسلامية فقط، وقال في هذا الصدد لـ”نون بوست”: “مسألة تعدد القوائم ليست ظاهرة خاصة بالإسلاميين، بل شاملة لكل التيارات السياسية في الجزائر، والإسلاميون أول التيارات التي عملت على توحيد صفوفها في قائمتين”.
التصدع عميق
لكن البعض يرى أن خلاف الإسلاميين أكبر من خلافات باقي الأحزاب الأخرى، بالنظر إلى أن البقية لا تنتمي إلى فكر أيديولوجي متشابه كما هو الحال لدى إسلاميي الجزائر الذين يميلون إلى مدرسة “الإخوان المسلمين”، ولا ينفون انتماءهم لها، كما أن باقي الأحزاب خاصة الموالاة تصطف في صف واحد عند كبرى الملفات مثل المصادقة على مشاريع القوانين في البرلمان، أين تصوت دائمًا لصالح ما تأتي به الحكومة، غير أن الإسلاميين رغم معارضتهم ورفضهم في غالب الحالات لما تتضمنه مشاريع الحكومة لا يصدرون بيان رفض موحد، ويكتفي كل تكتل أو حزب بالتعبير بمفرده عن موقفه من قرارات السلطة.
لكن السؤال الذي يطرح وسط الأحزاب الإسلامية قبل نحو عام ونصف من الانتخابات الرئاسية المقرر في 2019، هل سيستطيع هذا المعسكر الخروج وقتها بمرشح إجماع من شأنه إيصال الإسلاميين إلى أعلى هرم في السلطة، وتحقيق ما جرى في الجارتين تونس والمغرب، وكذا في تركيا التي تظل الأنموذج الذي لا يخفي قياديو التيار الإسلامي في الجزائر شغفهم به وتحقيق إنجاز كالذي قام به حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، أم أن الوصول إلى هذا المبتغى يبقى مؤجلاً إلى موعد لاحق ما دام البيت الداخلي لا يزال متصدعًا؟