دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ضرورة تعزيز دور وخدمات البلديات في تركيا كما كان الوضع في المدينة المنورة، وأضاف أن البلديات في تركيا سر البقاء في السلطة، لأن الديمقراطية تبدأ من مراكز الحكم المحلية، فإذا لم تكن هذه الحكومات المحلية قوية وفعالة، فليس هناك للحزب أي فرصة للنجاح في السلطة. ويتساءل: “إن استطعنا تطبيق معايير الدين الإسلامي على جوانب الحياة الاجتماعية، هل كنا سنواجه الأزمات التي نعيشها حاليًا؟”، وذلك خلال كلمة ألقاها في مؤتمر القمة الدولية للمدن والمنظمات غير الحكومية في إسطنبول يوم السبت الماضي.
جدير بالذكر، أن أردوغان نفسه اشتهر بإنجازاته النوعية في مدينة إسطنبول خلال فترة رئاسته للبلدية عام 1994، وذلك لمهارته السياسية واهتمامه بالعمل الجماعي والموارد البشرية، وبسبب نجاحه في إدارة المسائل المالية، ففي فترة رئاسته خلص البلدية من ديونها والتي كانت بمبلغ ملياري دولار، كما أنه زاد من حجم الاستثمارات فيها بقيمة 4 مليار دولار.
ومن أبرز القضايا التي سعى ونجح أردوغان في حلها، هي شبكات المياه، فلقد أسس أنابيب تصل لمئات الكيلو مترات، إضافة إلى مشكلة النفايات التي حلها عبر إعادة التدوير والتصنيع، وأخيرًا والأهم هي المشاريع الإنشائية والمعمارية، فلقد بُني في ذاك الوقت أكثر من 50 طريقًا رئيسيًا وجسرًا.
كذلك نجح في تغيير وظيفة البلديات التقليدية وجعلها إحدى مراكز القوة في البلاد، لتصبح مثالًا للبلدان الأخرى ومحلاً لكسب الثقة والشعبية في عموم تركيا، وبعد هذه السلسلة من النجاحات، انتهى حكمه عام 1998 عندما سُجن بتهمة التحريض على الكراهية الدينية ومنعه من العمل في الدوائر الحكومية الرسمية.
تحاول تركيا أن تربط بين معايير الحضارة الإسلامية بقوة المجتمع ووحدته، وكان هذا الجانب واضحًا عندما قال أردوغان: “لم تهتم المدن الإسلامية بطول المباني وعظمتها بل حرصت على مساعدة الآخرين وفتح الأبواب للمحتاجين لمد يد المساعدة لهم”
ويمكن الاستنتاج، أن مركز أردوغان السابق في البلدية أكسبه خبرة عن أهمية هذه المراكز المحلية وإمكانياتها في التأثير على ميزان القوى والرأي العام والصورة الظاهرة للدول الأخرى، إذ تحاول تركيا أن تربط بين معايير الحضارة الإسلامية بقوة المجتمع ووحدته، وكان هذا الجانب واضحًا عندما قال أردوغان: “لم تهتم المدن الإسلامية بطول المباني وعظمتها بل حرصت على مساعدة الآخرين وفتح الأبواب للمحتاجين لمد يد المساعدة لهم، دون الانشغال والانغماس في المظاهر المادية”.
وعندما نوه أيضًا إلى ضرورة بناء جسر من الثقة بين هذه المراكز والمواطنين، وإلزامها بمعرفة ظروفهم المعيشية وأحوالهم الاجتماعية، وحل مشكلاتهم عبر تأسيس صناديق الزكاة لمساعدة المحتاجين منهم، على أساس الشعور بالآخرين، إلى جانب بناء حدائق وحضانات للأطفال، وتنظيم فعاليات ثقافية وفنية ورياضية للشباب، كما أشار إلى استحالة نجاح البلديات دون الاستجابة لاحتياجات سكان المدينة.
وظائف البلديات في تركيا
يوجد في تركيا 81 بلدية بعدد مقاطعاتها ونحو 1397 بلدية تابعة للبلديات الأم وتكون موزعة على المدن والمناطق والأحياء التركية، حيث تعتبر بلديتا إسطنبول وأنقرة من أهم وأكبر البلديات في البلد، وهذا بحسب إحصائيات اتحاد البلديات التركية لعام 2014.
مع العلم، أن ليست كل البلديات تقع تحت حكم حزب العدالة والتنمية، فهناك بلديات تعمل بقيادة أحزاب أخرى، مثل بلدية إزمير التي يديرها الغالبية العظمى من حزب الشعب الجمهوري ويحكموا في 13 بلدية أخرى في مناطق مختلفة من البلاد مثل سنوب وإدرنا وإسكيشهير، أما حزب الحركة القومية فهو يقود 8 بلديات ومنهم في مدينتي إسبارطة وكارابوك، و10 بلديات أخرى بقيادة حزب السلام والديمقراطية الكردي في فان وإغدير وباتمان، وأخيرًا حزب العدالة والتنمية الذي يحكم في 49 بلدية. وهذا بحسب إحصائيات غير رسمية نشرتها صحيفة “دايلي صباح” بنسختها التركية.
منذ تولي حزب العدالة والتنمية، شهدت تركيا تقدمًا ضخمًا في منشآت البنية التحتية، فلقد تم بناء ما يزيد على 367 ألف وحدة سكنية، مع 5500 مدرسة ومستشفى، و17 ألف كيلومتر من الطرق المزدوجة والسريعة، و30 مطارًا جديدًا، وآلاف المساجد.
وعادة ما تقوم البلديات بالمهام والأعمال المتعلقة بتطوير المدن والتحسين من مظهرها وخدماتها، وتنظم حركة النقل الداخلي، وتتولى مسؤولية إنشاء البنية التحتية وما تشمل من إدارة وتخطيط لتوزيع شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وخدمات التنظيف وحماية الصحة العامة، ومن وظائفها أيضًا تخطيط الطرق والأنفاق والأسواق والمناطق الصناعية.
فمنذ تولي حزب العدالة والتنمية، شهدت تركيا تقدمًا ضخمًا في منشآت البنية التحتية، فلقد تم بناء ما يزيد على 367 ألف وحدة سكنية، مع 5500 مدرسة ومستشفى، و17 ألف كيلومتر من الطرق المزدوجة والسريعة، و30 مطارًا جديدًا، وآلاف المساجد.
ولم تقتصر واجبات البلدية على هذا الجانب فقط، فهي توجد في جميع الأماكن – سواء السياسية والاجتماعية والثقافية والخيرية والتعليمية – وتساهم في تطوير هذه النواحي وتقديم أفضل ما لديها من خدمات وأنشطة.
أسست تركيا “اتحاد البلديات”، وهذا المركز له موقع إلكتروني خاص ينشر فيه آخر إنجازات جميع البلديات في تركيا وخططهم المستقبلية، كما يعلن فيه الأنشطة والفعاليات والمؤتمرات التي تنظمها هذه البلديات، ويعرض نفقاتها وتكاليف مشاريعها، كما يملك قناة يبث عليها كل المشاريع التي تمت أو يعد لها، وبحسب تقرير فعاليات 2016، يقول الاتحاد إن مبدأ البلديات في تركيا يقوم على الدعم والتشجيع والتسهيل والموضوعية والتجديد والانفتاح.
ويبدأ التقرير بعرض الخدمات التثقيفية والتدريبية التي يقدمها أولًا للعاملين في هذه البلديات والتي تتم من خلال دعوة عدد من الخبراء وقد يكون بعضهم من الخارج، لمناقشة الخطط التطويرية في دور البلديات ومناقشة كل ما يتعلق بهذه الناحية، أو الذي يتم بالسفر إلى بلدان أخرى بغرض التعلم من الدول الأخرى وتقييم خدماتهم والاستفادة من تجاربهم.
في تصريح لرئيس بلدية إسطنبول السابق، قادر طوباش، لوكالة الأناضول قال إن 18.5 مليار ليرة من ميزانية الدولة مخصصة لصالح الخدمات اليومية، أما نصيب المشاريع الاستثمارية الخدماتية سيكلف 16.5 مليار ليرة، وحدها بلدية إسطنبول أنفقت نحو 95 مليار ليرة خلال عام لسد تكاليف المشاريع الاستثمارية الجديدة.
أما ما قدمته البلديات للشعب، فمن الناحية التعليمية، يقدم التقرير مشروع “أكاديمية البلدية” الذي أسسه الاتحاد عام 2009، ويضم الآن نحو 183 ألف و300 طالب، إذ توفر هذه الأكاديمية دورات لطلاب الجامعات عن أكثر من 26 موضوعًا بطريقة تحليلية.
أما عن أنشطتها داخل الجامعات، تؤسس البلديات مجالس للطلبة، وتتعد فعاليتها في هذه المجالس بين مناقشات سياسية واجتماعية ودينية أو تنظيم ندوات ثقافية بحسب رغبة وتصويت الطلاب، كما تنظم رحلات داخلية أو خارجية للطلاب، وعادة ما تكون بأسعار رمزية حتى تضمن راحة الطالب من الضغط المادي، وبما يخص الطلاب أيضًا، تقوم البلديات في أول أيام الدراسة بتخفيض أو إلغاء أجرة المواصلات العامة للتسهيل على الطلاب وتشجيعهم على الذهاب إلى جامعاتهم ومدارسهم.
أما عن خدماتها في المواصلات الداخلية والطرق، أعلنت عدة بلديات في تركيا خطتها في زيادة السعة الاستيعابية للمتروباص لاستيعاب 290 راكبًا بدل عن 190 فقط، وذلك بهدف التخفيف من مشكلة الاختناق المروري في المدن التركية الكبرى، كما بينت أنها تبني نحو 16 نفق داخل مدينة إسطنبول وحدها وفي مناطق مختلفة، للتخلص من حركة الازدحام المتزايد الذي تشهده العاصمة التجارية.
ففي تصريح لرئيس بلدية إسطنبول السابق قادر طوباش، لوكالة الأناضول قال إن 18.5 مليار ليرة من ميزانية الدولة مخصصة لصالح الخدمات اليومية، أما نصيب المشاريع الاستثمارية الخدماتية سيكلف 16.5 مليار ليرة، وحدها بلدية إسطنبول أنفقت نحو 95 مليار ليرة خلال عام لسد تكاليف المشاريع الاستثمارية الجديدة، وأشار أن بلدية إسطنبول التي تعتزم تأسيس مشاريع سكك حديدة على شكل قطارات وترامواي وغيرها، خاصة أن افتتاح المطار الثالث في إسطنبول سيزيد من أزمة المواصلات وحركة المرور.
وتشتهر بلديات تركيا بفعالياتها بالمناسبات الدينية وخاصة في شهر رمضان، إذ عادة ما تعد موائد إفطار في الساحات والشوارع العامة والتي غالبًا ما تكون ضخمة بحيث تستوعب أكثر من 15 ألف شخص، كذلك تنظم حلقات ذكر وأمسيات شعرية وحكايات شعبية وعروض ثقافية أو تاريخية تقليدية، ولا تتوقف خدماتها عند هذا الحد، بل تنظم مجموعات من المتطوعين الذين يوزعون وجبات الإفطار للمرضى في المستشفيات أو المسنين في بيوتهم.
وفي أوقات الأعياد، تولت بلدية إسطنبول على سبيل المثال تدريب ألف عامل على ذبح الأضاحي لتفادي الأخطاء أو التأخير، وزيادة الإنتاج، إضافة إلى رفعها لمستوى الرقابة على أماكن الذبح وفحص الأضاحي، ولتحقيق هذا الهدف أنشأت مؤسسات حديثة للذبح لزيادة عدد الأضاحي، كما وزعت منشورات توعوية للمواطنين عن كيفية ذبح الأضحية بالطريقة الصحيحة.
تشجع البلديات المدن السياحية وتجارها على جذب السياح بطرق مختلفة، فمثلًا بدأت بلديات منطقة البحر الأسود والتي تشهد زيادة في عدد السياح العرب بتشجيع مواطنيها على تعلم اللغة العربية للتواصل مع العرب، إذ وصل عدد التجار الحاصلين على شهادة في تعلم اللغة العربية إلى 135 شخصًا
وبالنسبة إلى دورها في القطاع السياحي، تشجع البلديات المدن السياحية وتجارها على جذب السياح بطرق مختلفة، فمثلًا بدأت بلديات منطقة البحر الأسود والتي تشهد زيادة في عدد السياح العرب بتشجيع مواطنيها على تعلم اللغة العربية للتواصل مع العرب، إذ وصل عدد التجار الحاصلين على شهادة في تعلم اللغة العربية إلى 135 شخصًا، كما وضعت بوضع لافتات ولوائح بالشوارع لتدل الوافدين العرب على أبرز المناطق السياحية والتاريخية.
كما تفتح البلديات مكتبات وتروج لها عبر تنظيم فعاليات ثقافية مختلفة فيها، فضلًا عن حرصها على الحفاظ على الأماكن التاريخية التي تذكر بالتاريخ العثماني وأمجاده، وإلى جانب تنظيم زيارات ودعوات لإنعاش هذه الأماكن والحفاظ على تاريخها في عقول أفرادها.