عندما تصل الأمور بالمواطن الأردني بأن يكون غير قادر على دفع قسط جامعي لابنه، وغير قادر على تسديد إيجار منزله، وغير قادر على ملاحقة فواتير الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت والمحروقات، فإنه بالضرورة سيفكر بابتكار طرق يستطيع من خلالها تأمين حاجته، وعندما لم يتبق له سوى راتبه التقاعدي فإنه سيبيعه بلا أدنى تفكير.
نحاول أن تسلّط الضوء في هذا التقرير الاستقصائي على هذه الظاهرة التي باتت تنتشر كالنار في الهشيم بين الأردنيين خلال فترة قصيرة جداً.
اعلانات بيع رواتب التقاعد في الصحف والمواقع الإلكترونية
مؤخراً، وبسبب غلاء المعيشة وقلّة الحيلة، لجأ المواطنون الأردنيون الراغبون ببيع رواتب الضمان الخاصة بهم، إلى الصحف اليومية والإعلانية بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية، للإعلان عن رغبتهم بالبيع ووضع التفاصيل حول حجم الراتب الذين يتقاضونه والمبلغ المطلوب لعملية البيع.
ويلاحظ أن أغلب الراغبين في بيع رواتبهم، هم من أصحاب التقاعد المبكر وهم دون خط الفقر، لدرجة إن رواتب المعونة الوطنية أعلى بكثير من رواتبهم المتدنية البالغة دون الـ160 دينارا.
“أ.خ”، أحد الذين باعوا راتبهم التقاعدي، قال لـ”أردن الإخبارية” إنه “اضطر إلى بيع راتبه التقاعدي الذي يصل إلى 400 دينار، لأنه يريد الحصول على السيولة المالية ليبدأ بمشروع تجاري خاص به”.
يعمل المتقاعد على بيع راتبه التقاعدي وفق اتفاق خاص مع محامي مقابل آلاف الدنانير
وأضاف المواطن المتقاعد لـ”أردن”: “خطرت لي فكرة بيع راتبي التقاعدي، لتأمين مبلغ 50 ألف دينار للبدء بمشروع تجاري مع أحد زملائي، ولأن البنك رفض إعطائي قرضا، فقررت بيع راتبي التقاعدي”. “أ.خ”، حصل على راتبه التقاعدي منذ نحو 3 سنوات، وقد أقدم على بيع راتبه وفقا لاتفاق عند أحد المحامين”.
الديون والفقر والغلاء تدفع الأردنيين للتخلي عن رواتبهم التقاعدية
أما المواطن “ج.س”، الذي رفض الكشف عن اسمه إلا بالرموز، فقد أفاد بأنه “يبحث عن مشتر لراتبه التقاعدي، أسوة بكثير من زملائه الذي باعوا رواتبهم بعد حصولهم على رواتبهم التقاعدية”.
وقال المواطن لـ”أردن الإخبارية” إن “كثيرا من زملائه يقبلون على هذه العملية، لذلك شجعه هذا الأمر للقيام بالإعلان عن رغبته في بيع راتبه حال حصوله على راتبه التقاعدي بعد 6 أشهر”.
وعن سبب بيع راتبه، أوضح أنه “يريد أن يسدد ديون كان قد استدانها من بعض الأقارب والأصدقاء”، لافتا إلى أن “البعض يتقاضى راتبا تقاعديا خياليا من أموال الضمان الاجتماعي، تبدأ من خمسة آلاف وتصل إلى عشرين ألفا، فيما يعيش المتقاعدون عيشة الكفاف”.
كثير من المتقاعدين يفضلون بيع رواتبهم على قروض البنوك بسبب عدم كفايتها وكثرة فوائدها
من ناحيته، قال “و.ك” الموظف في القطاع الخاص المتبقي على حصوله على راتب الضمان الاجتماعي نحو سنتين، إنه “يبحث عن من يشتري راتبه التقاعدي من الآن، كونه محتاج لمبلغ نقدي كبير ولا يكفيها القرض البنكي”.
وذكر أن “البنك عرض عليه قرضا بـ20 ضعف راتبه، لكن هذا المبلغ لا يكفي ما يحتاجه، بالإضافة إلى أن البنك يحسب فائدة على القرض، أما هذه الطريقة فأفضل بكثير”.
وأشار إلى أنه “رغم أهمية وجود راتب تقاعدي يحميه في المستقبل ويحمي عائلته، إلا أنه بحاجة لهذا المبلغ ولم يجد أمامه سوى هذه الطريقة”.
الضمان: ليس من سلطاتنا مقاضاة طرفي البيع أو التدخل لإيقافهم
وتوضح بيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي أن عدد الرواتب التقاعدية التي تدفعها المؤسسة، وصل إلى 135 ألف راتب، من ضمنها 56 ألف راتب على نظام التقاعد المبكر. وحسب المؤسسة، تغطي مظلة الضمان ما يزيد على 840 ألف مشترك فعّال، وأكثر من 120 ألف شخص يتقاضون رواتب تقاعدية.
بدوره، أوضح الناطق الإعلامي لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، أن “عددا من الموظفين المتقاعدين وغير المتقاعدين الذين قاربوا على مرحلة التقاعد، يوجهون استفسارات للمؤسسة عن إمكانية بيع رواتبهم التقاعدية”.
وقال الصبيحي لـ”أردن الإخبارية” إن “بيع الرواتب التقاعدية إجراء مغامرة غير محسوبة ومخالفة قانونية لا علاقة للمؤسسة به، فهو يحدث خارج إطار المؤسسة”.
الضمان: “في حال توفي المتقاعد الذي باع راتبه، فسينقطع الراتب أو يوزع على أقارب المتوفي، دون التفات لأي اتفاق خارج المؤسسة”
وحول دور المؤسسة في مثل هذه الحالة، ذكر الصبيحي أنه “ليس من سلطاتنا مقاضاة طرفي البيع أو التدخل لإيقاف عملية البيع”، متسائلا في الوقت نفسه قائلا “كيف يتم بيع راتب لمدة معينة أو مدى الحياة ولا أحد يعرف إلى متى سيعيش؟”.
ونوه الصبيحي إلى أنه “في حال توفي المتقاعد الذي باع راتبه، فسينقطع الراتب أو يوزع على أقارب المتوفي، دون التفات لأي اتفاق خارج المؤسسة، بالتالي سيفقد المشتري الراتب ويخسر المال الذي اشترى به الراتب”.
من الرابح ومن الخاسر؟
يشار إلى أنه تم إقرار قانون الضمان الاجتماعي للعام 2010، كقانون مؤقت بحيث يعمل على تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال توسعة الشمول، ليصل الضمان إلى جميع الفئات بما فيها العاملون لحسابهم الخاص وربات البيوت وتطبيق تأمينات جديدة توفر مزايا وحماية اجتماعية إضافية للمشتركين بالضمان.
وهي تأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل والتأمين الصحي، وفق آليات تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الاجتماعية الأساسية والنصوص القانونية المنظمة لهذه الحاجات، وفق آلية سنوية ومنتظمة لزيادة الرواتب التقاعدية في ضوء الارتفاع في تكاليف المعيشة، وذلك للحفاظ على القوة الشرائية للرواتب التقاعدية.
“بيع الراتب إجراء ينطوي على خطورة أو مغامرة، خاصة على المشتري أكثر منها على البائع”
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن “السبب وراء بيع الرواتب يعود إلى ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية وازدياد الأعباء والالتزامات الاقتصادية على المواطن في ظل تدني الرواتب خاصة لأصحاب التقاعد المبكر”.
وقال عايش لـ”أردن الإخبارية” إنه “في ظل الاشتراطات التعجيزية للبنوك من ناحية منح القروض، فإن المتقاعد يضطر إلى بيع راتبه ليحصل على السيولة النقدية للبدء في مشروع ما أو للقدرة على سداد ديونه”.
ورأى عايش أن “بيع الراتب إجراء ينطوي على خطورة أو مغامرة، خاصة على المشتري أكثر منها على البائع، لأنه في حال وفاة البائع فإن العقد المبرم بينهما لن ينفع المشتري وسيخسر المبلغ الذي دفعه للمشتري، لأن الراتب سيذهب وفقا للقانون إلى ورثة المتوفي وليس للمشتري”.
المصدر: أردن الإخبارية