موجة استعمارية جديدة يعيشها الجنوب اليمني, بعد أن استغلت دولة الإمارات (ينعتها البعض بأسبرطة الصغيرة) التحالف العربي الذي يواجه الحوثيين للسيطرة على الأراضي والثروات والموانئ والجزر اليمنية بما يخدم تواجد دائم جنوب شبه الجزيرة العربية بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي، كما يهدف لاستغلال المحافظات الجنوبية الغنية ضمن استعمار اقتصادي على مدى طويل وآخر متوسط.
ليس صعباً التكهن بمدى تأثير الدور الإماراتي في المحافظات الجنوبية لليمن، أو بأنماط التحركات التي تعتقد أبوظبي أنَّها جديدة على اليمنيين، أو خارج تفكيرهم كسياسيين وصحافيين وحتى في أوساط العامة. فكل ما تفعله يشير بوضوح إلى بصمتها الاستعمارية فاليمن تعرَّضت للاستعمار بأشكاله وأنواعه وشاهدت الأنماط ودُرسَت في المدارس والجامعات.
توصل فريق “مُسند للأنباء” وفق معطيات على الأرض وتقارير عالمية ومحلية أن الإمارات تعدّ لسيطرة كاملة وشبه كاملة على جنوب البلاد ليس احتلالاً يقوده الحاكم العسكري الإماراتي, بل استعماراً تقوده شركات إماراتية تابعة لحكومة أبوظبي، تُحكم القبضة على الاقتصاد وعلى الموانئ وعلى احتياطات النفط وأهم من ذلك الحصول على ما تفتقر إليه “الغاز” إلى جانب دور عسكري ريادي يجعلها تطغى على المملكة العربية السعودية وتصبح رائدة الشرق الأوسط الجديد.
أما الوسائل فمتنوعة لكنها في إطارين اثنين: “المال والسيف”، فمن لم تستطع إغراءه بالمال استخدمت ضده قوة البطش العسكرية, ولأجل ذلك أسست أدواتها للعمل تحت مبدأ القضية الجنوبية التي تحظى بتعاطف محلي ودولي بعد أنَّ تعرَّضت للتجريف على يد النظام السابق الذي ثار عليه كلُ اليمنيين وتحالفت معه الإمارات.
قال ضباط بالجيش الإماراتي إنَّ بلاده قامت بتدريب وتمويل وتجهيز أكثر من 25،000 جندي يمني يعملون في المحافظات الجنوبية وتحديداً في حضرموت والمحافظات الأخرى قرب عدن
الميليشيات الإماراتية
لأجل ذلك قامت أبوظبي بالدخول إلى عدن في يوليو/تموز 2015م ضمن قوات التحالف الذي تقوده السعودية لتحرير البلاد من المسلحين الحوثيين الموالين للإيران، ومنذ ذلك الوقت أسست من لقواتها، وهاجمت أي قوة بديلة عن القوات التي كانت ستحِل محلها لذلك، استهدفت أبوظبي بغارات جوية -فيما وصف أنه خطأ معسكر “العبر” بحضرموت في أغسطس/ آب نفس العام حيث نواة الجيش الوطني الذي كان يجري إعداده من أجل خوض المعركة مع الحوثيين في بقية المحافظات، ويبعد أقرب موقع عسكري للحوثيين حوالي 500كم عن المعسكر، ما يستحيل تسميته بالخطأ الذي أفقد اليمنيين مئات القتلى والجرحى.
في ذلك الوقت ظهرت مع موجة الاغتيالات التي طالت قادة عسكريين وأمنيين ومسؤولين سياسيين في عدن قوة الحزام الأمني، ثمَّ تبع ذلك بداية عام 2016م ظهور قوات النخبة الحضرمية التي دخلت المُكلا وحررتها من تنظيم القاعدة دون قِتال، وبعد ذلك ظهرت “النخبة الشبوانية” ثمَّ “الحزام الأمني” بأبين. وتبلغ القوة الإماراتية أكثر من 30 ألف مقاتل يمني في هذه التكوينات الخمسة.
وقد وصف بيتر ساليسبري، باحث أول في تشاتام هاوس، دور الإمارات في اليمن على النحو التالي: “أخذت وحدة القوات الخاصة في الحرس الرئاسي الإماراتي زمام المبادرة في اليمن في تنسيق الميليشيات اليمنية لدولة الإمارات.. ولها علاقات وثيقة جدا مع القوات الخاصة للولايات المتحدة الموجودة في اليمن “.
وقال ضباط بالجيش الإماراتي إنَّ بلاده قامت بتدريب وتمويل وتجهيز أكثر من 25،000 جندي يمني يعملون في المحافظات الجنوبية وتحديداً في حضرموت والمحافظات الأخرى قرب عدن. وتعمل قوات الأمن اليمنية التي تدربها الإمارات العربية المتحدة خارج سلسلة القيادة العسكرية اليمنية.
وحسب تقرير لـ”ويليام هارتنج” الباحث العسكري الأمريكي تقود الإمارات بشكل مباشر خمسة ألوية على الأقل من قوات الأمن اليمنية خارج سلسلة القيادة والإشراف من قِبل الحكومة اليمنية, وقد سعت تكتيكات دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تأمين مصالحها الخاصة في اليمن، والتي تركز أساسا على إرساء سيطرتها بشكل كامل على خليج عدن والبحر الأحمر.
السجون السرية
ولأجل أنَّ تُثبت أبوظبي قُدرة الميليشيات التي شكلتها، عملت على إفشاء الرعب ضد أي أصوات مناهضة لمشروعها وسياستها فعملت على إنشاء السجون السرية ومعتقلات التعذيب ضد كل من تعتقد أنه سينتقد تحركاتها. ووثقت تقارير بما في ذلك تقرير قُدم لمجلس الأمن الدولي من لجنة الخبراء الدوليين، تفيد بأن ميليشيات الإمارات العربية المتحدة في اليمن قد شاركت في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب.
الأخيرة بعد تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس في يونيو / حزيران 2017، يشير إلى أن القوات الإماراتية والميليشيات المدربة من الإمارات تدير شبكة من السجون السرية في جنوب اليمن حيث يشتبه في وجود صلة بينهم وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة ويتعرضون إلى التعذيب الشديد. وقد اشتملت أساليب التعذيب هذه على استخدام “الشواء”، الذي وصفه تقرير أسوشيتد برس بأنه أسلوب “يربط الضحية على عمود ويُقلب بشكل دائري على النار”.
وأشارت ندوى الدوسري، وهي زميلة غير مقيمة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، إلى الانتهاكات التالية: “أعتقد أن حالات الاختفاء القسري والمعاملة السيئة من قبل القوات التي دربتها الإمارات.. يبدو أن هناك نمطا من الانتهاكات، حيث أنها ليست مشكلة ناجمة عن نقص التدريب والإشراف. وقد أقامت الإمارات مركز احتجاز في مطار المكلا. . . حيث يتم احتجاز المحتجزين، في وقت يتعرضون لمعاملة لا إنسانية، بما في ذلك التعذيب “، وذكرت نيويورك تايمز في تقرير نشرته الشهر الجاري أنَّ أبوظبي مستمرة في تدريب مقاتلين في صحراء حضرموت.
من داخل الحكومة
بعد أنَّ أبرزت أبوظبي ميليشياتها في المحافظات الجنوبية أظهرت الجانب المُمكن في تقارب طموحها بطموح آخرين وأصبحت راعية عودة البلاد إلى ما قبل 27 عاماً، فأطلقت زعامات جديدة لتمثيل القضية الجنوبية، وزادت حِدة التحركات الإماراتية من أجل إدارة المناطق المحررة جنوباً على يد القوات التابعة للإمارات، وهذه البدايات كانت في الأصل عبر مسؤولين حكوميين عينهم الرئيس عبدربه منصور هادي في مناصبهم الحكومية وكان منصب محافظ محافظة في جنوب يمتلك -بفضل الإمارات- صلاحيات الرئيس نفسه فلديه قوات يحركها ويرفض تسليم الإيرادات للحكومة في عدن حتى بعد نقل البنك المركزي من صنعاء إليها!
وكان منصب نائب الرئيس اليمني رئيس الوزراء الذي أداره خالد بحاح حتى ابريل/ نيسان2016م الضوء الأخضر الذي مَلِكت أبوظبي بموجبه إدارة المنشآت النفطية في حضرموت وعدن إلى جانب الموانئ (عدن والمكلا) وحضور متزايد في سقطرى التي تحولت إلى قاعدة عسكرية إماراتية مُغلقة ومنطقة استثمار دائمة مستغلةَ موقعها الاستراتيجي! لكن التحركات بعد عزل بحاح كانت أقل إنتاجاً فالمحافظين كانوا متذبذبين حتى عَصفت بهم موجة استبعاد جديدة طالت محافظ عدن عيدروس الزُبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك، ومحافظين حضرموت وسقطرى وشبوة والضالع ولحج.
اتهم هادي في وقت سابق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بتصرفه كـ “قوة احتلال وليس قوة تحرر”، وهي تصريحات قيل إنها أغضبت المسؤولين الإماراتيين
الانفصال
واعتبرت أبوظبي حركة التعيينات استهدافاً لها ما أخرجها عن كونها على الأقل عامل خارجي إلى كونها طرفاً محلياً، وأعلنت قيام المجلس الانتقالي الجنوبي، وعيّنت عيدروس الزُبيدي رئيساً وهاني بن بريك نائباً وضمت باقي المحافظين كأعضاء في المجلس، ورفضت الحكومة والرئاسة هذا المجلس بالمطلق، لكن قياداته انطلقت إلى أبوظبي ومن هناك بدأ طريق من التحضير لأجل إعلان الانفصال واعتبار المجلس الانتقالي بديلاً عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أعلن الزُبيدي عن “جمعية وطنية” مكونة من 303 عضواً (برلمان) لتشريع قرارات المجلس، كما أعلن عن الاستفتاء بشأن الانفصال. ويعتقد بيتر ساليسبري أنَّ الإعلان عن الجمعية والاستفتاء يأتي بموافقة ضمنية من أبوظبي، وكدليل على أن الإمارات ستدعم انفصال الجنوب عندما يحين الوقت. كما أنَّ أبوظبي تريد أنَّ الزبيدي، الذي لا يحظى بأي حال من الأحوال بشعبية كبيرة في الجنوب، يحتاج إلى إعطاء انطباع وزخم كبيرين للسعودية، التي لم يتمكن بعد من اختراقها بأن أمر الانفصال أصبح ملموساً. ومن المحتمل أن تكون خطة الاستفتاء تهدف إلى زيادة الدعم المحلى للمجلس.
لكن الحكومة المعترف بها دولياً ظلت صامته ولم ترد على إعلان الزُبيدي الاستفتاء. وقال مسؤول يمني أن الحكومة “لم تشعر بالاضطرار للرد على الإعلان وانه ستتجاهله الان”. وقال في تصريح له شريطة عدم الكشف عن هويته: “تم الإعلان عن الاستفتاء بعد وقت قصير من أحداث في منطقة كاتالونيا الإسبانية وكردستان، ونعتقد أن إعلان الزبيدي كان خطوة رجعية – نعتقد أنه من غير المرجح أن يمضي قدما”.
واتهم هادي في وقت سابق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بتصرفه كـ “قوة احتلال وليس قوة تحرر”، وهي تصريحات قيل إنها أغضبت المسؤولين الإماراتيين.
ما الذي تُعده الإمارات؟!
بحسب تحركات الإمارات بما في ذلك القاعدة العسكرية في جزيرة ميون في فوهة مضيق باب المندب الحيوي فإن أبوظبي تُعد لتواجد طويل الأمد وبالمحافظات الجنوبية كقاعدة عسكرية ثابتة باتجاه أفريقيا وبنفسها كقوة عسكرية تسيطر على المضيق.
وفي نفس الوقت تدفع المحافظات الجنوبية إلى “الفوضى” الدائمة، الفوضى التي تحقق لها خلافات دائمة بين أبناء المحافظات الجنوبية تمكنها من استخدام القوة التي أسستها والسجون السرية لتعذيب المعارضين والمنتقدين للسيطرة على منشآت النفط والموانئ وتحول المحافظات الجنوبية إلى مُستعمَرة دائمة ترزح كمستهلك للاستثمارات الإماراتية والحصول على عائدات دائمة بمليارات الدولارات لتعويض عجز موازنتها، وتؤمن احتياجاتها من الغاز المسال بعد أنَّ فجرت أزمة مع قطر التي تمدها بتلك الاحتياجات.