اعتاد العالم منذ آلاف السنين على قياس الوقت على أساس الشمس، وبعد ظهور الساعات الميكانيكية بدأت دول العالم تختلف في تحديد معايير الوقت، وتباينت الروايات عن كيفية اتفاق العالم على تقديم أو تأخير الساعة بحسب اختلاف فصول السنة.
ومن الصعب أن نفهم لم لا يسير العالم على معيار عالمي واحد، ولكن بالتأكيد هناك أسباب مختلفة، ومن المؤكد أيضًا أن الثورة الصناعية بالتحديد والاقتصاد بشكل عام قد عجل من هذه الوتيرة، التي لا تزال تسبب التوتر الإجهاد للبعض، أو على العكس، تجعل حياتهم أكثر مرونة من أي وقت مضى.
وفي حال اعتقدنا أن دول العالم تقدم أو تؤخر ساعة في كل فصل من فصول السنة، وليس 30 دقيقة أو 45 دقيقة، ففي هذه الحالة يوجد 24 منطقة زمنية في العالم، ومثال على تغيير توقيت البلاد بأكملها لدقائق وليس ساعة كاملة، في عام 2007، قرر رئيس فنزويلا الراحل هوجو تشافيز تأخير التوقيت بنصف ساعة، رغبةً في توفير حصة أكثر عدلًا من أشعة الشمس للمقيمين.
كما يطلق على مصطلح التوقيت الصيفي والشتوي بالإنجليزية Daylight Saving Time والذي يعني حرفيًا نظام التوقيت للاستفادة من ضوء النهار، ويطبقه ربع سكان العالم تقريبًا.
بدأت الفكرة في بريطانيا والأسباب اقتصادية
تقول الرواية الأولى، إن العمل بالتوقيت الصيفي بدأ في بريطانيا ومن بعدها سارت دول العالم على خطاها، عندما طرأت هذه الفكرة على بال عامل البناء البريطاني ويليام ويليت في أثناء ذهابه إلى العمل وملاحظته بأن ستائر المنزل التي في طريقه ما زالت مغلقة وحاجبة لضوء الشمس، ومن حينها اجتهد ويليت لتحقيق فكرته بتقديم عقارب الساعة قبل بداية الصيف.
لاقت فكرته الكثير من الاعتراضات والانتقادات، وحتى عام 1907، نشر ويليت كتيبًا صغيرًا بعنوان “إهدار ضوء النهار” ودعا إلى تقديم الساعة بزيادة 20 دقيقة أربع مرات في شهر أبريل، وتأخيره بالمعدل نفسه في سبتمبر، والهدف من هذا التغيير كان زيادة فرص الترفيه والترويح عن النفس، إلى جانب التقليل من تكاليف الإضاءة.
وبعد عامين من دخول بريطانيا الحرب العالمية الأولى، بدأت تعاني من قلة الفحم، وهو مصدر الطاقة الرئيسي في ذلك الوقت لتشغيل مصانعها والسكك الحديدية وإضاءة منازلها وتزويد حلفائها بالطاقة، مثل ألمانيا.
من أكبر الحوافز التي أدت إلى خلق فروقات في التوقيت والمعدلات الزمنية في العالم، السكك الحديدية التي يجب أن تسير على جدول زمني دقيق مع محافظة كبيرة على معيار الوقت، خاصة أن هذه القضية تتعلق بالسلامة العامة لاشتراك عدة قطارات في مسار واحد
ومن بعد علم ألمانيا بهذه الفكرة التي ستخفف عليها التكاليف، صادقت على مشروع قانون التوقيت الصيفي في عام 1916 والذي ينص على تقديم الوقت المحلي الرسمي ساعة واحدة عن توقيت غرينيتش أثناء فترة التوقيت الصيفي، وطبقت بريطانيا هذا المشروع أيضًا في نفس العام، إضافة إلى عدة دول أوروبية وأمريكية والتي صاغت عبارة شهيرة تقول “الربيع للأمام، والخريف إلى الخلف”.
وتقول رواية أخرى، أن ويليت البريطاني لم يكن أولمن اقترح هذه الفكرة، فلقد كانت الحضارة الرومانية تقصر ساعات النهار وتطيلها على اختلاف الفصول، فكانت الساعة الرومانية، على سبيل المثال، 44 دقيقة في فصل الشتاء، وتمتد في الصيف إلى 75 دقيقة.وفي رواية مختلفة.
تذكر بعض المصادر، أن الأمريكي وليام لامبرت، قدم عام 1809 توصية إلى الكونغرس من أجل إنشاء مناطق زمنية مختلفة، لكن الاقتراح لم يقبل ولم يتم التعديل على القرار أو متابعته.
ومن أكبر الحوافز التي أدت إلى خلق فروقات في التوقيت والمعدلات الزمنية في العالم، السكك الحديدية التي يجب أن تسير على جدول زمني دقيق مع محافظة كبيرة على معيار الوقت، خاصة أن هذه القضية تتعلق بالسلامة العامة لاشتراك عدة قطارات في مسار واحد، وبالتالي تعتبر مسألة الوقت الدقيق أمرًا بالغ الأهمية، ولتجنب مخاطر الحوادث، اعتمدت ساعة سكك الحديد الرئيسية على معيار التوقيت العالمي واعترفت بـ5 مناطق زمنية مختلفة في رحلاتها.
الجانب السياسي من قصة التوقيت الصيفي والشتوي
يذكر أن في أثناء احتفال كوريا الشمالية بالذكرى الـ70 لتحررها من الاستعمار الياباني مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أخرت كوريا ساعتها 30 دقيقة، لتعود مرة أخرى إلى المنطقة الزمنية التي كانت تعمل بها قبل الاستعمار، أي بتوقيت زمني يعود لعام 1910، وقالت وكالات الأنباء الكورية الرسمية: “ارتكب اليابانيون الطغاة جرائم لا تغتفر بلغت حرمان كوريا من توقيتها، وهي تدوس بلا رحمة أرضها التي يرجع تاريخها وثقافتها إلى 5000 عام مواصلة سياسة طمس هوية الأمة الكورية”.
كيف يتم تحديد الوقت في دول العالم؟
يبقى هذا الأمر إلى حكومات الدول نفسها، على سبيل المثال، يحاول الكونغرس في أمريكا توحيد المناطق الزمنية في المناطق الحضرية لتجنب تعقيد حياة السكان ولكن يصعب تنظيم هذا بسبب اختلاف جغرافية وحدود كل ولاية، إذ يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية 6 مناطق زمنية تغطي 50 ولاية، وفي هذه المناطق 13 ولاية تنقسم إلى منطقتين زمنيتين.
أما بالنسبة للصين، فلديها منطقة زمنية واحدة وتابعة لتوقيت العاصمة بكين، وهذا ما قد يسبب في بعض الأحيان القليل من التوتر للسكان أو الوافدين الجدد عند رؤيتهم لغروب الشمس في منتصف الليل في فصل الصيف، مع العلم، لم يكن لدى الصين دائمًا منطقة زمنية واحدة، ففي عام 1912، أنشأت الجمهورية 5 مناطق زمنية مختلفة في البلاد حتى عام 1949.
“يظن الكثيرون أن التوقيت الصيفي يقلل استهلاك الطاقة وحوادث الطرق والجرائم التي ترتكب في الأماكن المفتوحة ويحسن جودة الحياة، ولكن من بين سلبياته الصباح المظلم، وهي مشكلة يعاني منها بشكل خاص تلاميذ المدارس والفلاحين، فضلًا عما يلحقه الإرهاق الناجم عن فرق التوقيت من أثر على ساعات النوم”.
والسبب في ذلك، دعوة الرئيس ماو تسي تونغ آنذاك بضرورة توحيد التوقيت في جميع أنحاء الصين من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، لأن الصين كانت دولة مجزأة وذات مساحة ضخمة وخارجة عن سيطرة الحكومة الرسمية، وحديثًا اتبعت الهند سياسة توحيد المناطق الزمنية بين مدنها.
ومن جانب اجتماعي، يقول مؤلف كتاب “اغتنم ضوء النهار” ديفيد يريرو: “يظن الكثيرون أن التوقيت الصيفي يقلل استهلاك الطاقة وحوادث الطرق والجرائم التي ترتكب في الأماكن المفتوحة ويحسن جودة الحياة، ولكن من بين سلبياته الصباح المظلم، وهي مشكلة يعاني منها بشكل خاص تلاميذ المدارس والفلاحين، فضلًا عما يلحقه الإرهاق الناجم عن فرق التوقيت من أثر على ساعات النوم”.
فلا شك أن اختلاف المناطق الزمنية بين الفصول وفي العالم قد تكون في كثير من الأحيان مربكة وتسبب بعض حالات الفوضى وخاصة في أول أيام التعديل، لكن المحللين يشيرون إلى أن بعض التحولات في المناطق الزمنية قد لا تكون أسبابها واضحة تمامًا، ومن المرجح أن تكون هذه القرارات لها علاقة كبيرة بالسياسة والعلاقات والتحالفات الدولية.