رسميًا كتالونيا تنفصل من جانب واحد.. الأزمة نحو مزيد من التعقيد

في هذه الساعات، تسود حالة من التوتر والترقب في مختلف مدن إسبانيا لما سيؤول إليه الوضع في البلاد، بعد اتخاذ الحكومة المركزية في مدريد والإدارة المحلية في إقليم كتالونيا، المتمتع بحكم ذاتي، خطوات يعتبرها كل من الطرفين استفزازية، ما من شأنه أن يزيد تأزيم الوضع في هذا البلد الأوروبي الذي يعيش على وقع أزمة اقتصادية.
تفعيل المادة 155 من الدستور
في خطوة غير مسبوقة، فوّض مجلس الشيوخ الإسباني، اليوم الجمعة، الحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء ماريانو راخوي بفرض الحكم المباشر من مدريد على إقليم كاتالونيا بعد دقائق من إعلان الإقليم الاستقلال عن إسبانيا، وكان مجلس الشيوخ الإسباني قد بدأ صباح اليوم اجتماعًا، لبحث تفعيل المادة 155 من دستور البلاد التي تسمح للحكومة بالسيطرة على “إقليم يتمتع بالحكم الذاتي في حال لم يحترم الواجبات التي يفرضها عليه الدستور أو قوانين أخرى”، وذلك لفرض الحكم المباشر على إقليم كتالونيا وإلغاء الحكم الذاتي الموسع الذي يتمتع به الإقليم حاليًا.
ويعتبر تفويض مجلس الشيوخ الإسباني، الذي يحظى فيه الحزب الشعبي بزعامة رئيس الوزراء ماريانو راخوي بأغلبية مطلقة، خطوة ضرورية حتى تتمكن الحكومة المركزية في مدريد من فرض الحكم المباشر على الإقليم، ومن المنتظر أن يعقد راخوي بعد التصويت اجتماعًا لمجلس الوزراء لاتخاذ أول إجراءات الحكم المباشر لكتالونيا، وقد يشمل ذلك إقالة حكومة برشلونة والإشراف المباشر على شرطة الإقليم وبرلمانها ووسائل إعلامها الرسمية إلى حين تنظيم انتخابات في الإقليم مطلع 2018.
راخوي: “تعليق الحكم الذاتي هو الرد الوحيد الممكن على مساعي الإقليم للانفصال”
وفي بداية هذه الجلسة الاستثنائية للبرلمان، طلب رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي من أعضاء البرلمان، التصويت لصالح تطبيق المادة 155 التي تتيح لمدريد السيطرة على إقليم كتالونيا وإقالة زعيمه كارلس بيغديمونت وكل أعضاء حكومته من أجل إتاحة فرصة إجراء انتخابات في الأشهر الـ6 المقبلة، وأكدت الحكومة الإسبانية في وقت سابق، أنها ستستخدم المادة 155 لمدة ستة أشهر فقط “لإعادة النظام الدستوري” وحتى “التفاهم” فيما ينقسم الكتالونيون بشأن مسألة الاستقلال.
يذكر أن راخوي قال أول أمس الأربعاء في جلسة لمجلس النواب إن قرار حكومته بالتدخل في كتالونيا وتعليق الحكم الذاتي هو “الرد الوحيد الممكن” على مساعي الإقليم للانفصال، وأضاف راخوي “إنني أفي بالتزاماتي وأفعل ذلك في مواجهة ازدراء قوانيننا، ودستورنا وملايين المواطنين الكتالونيين الذين يمكن أن يروا أن حكومتهم قد قضت على حكم القانون”، متهمًا رئيس حكومة إقليم كتالونيا بعدم إبداء الاهتمام بالحوار، ويهدد مؤيدو الانفصال بشن حملة عصيان مدني إذا أقر البرلمان الإسباني تعليق الحكم الذاتي للإقليم.
مطالب بتفعيل المادة 155 من دستور البلاد
من جهته، اعتبر رئيس حكومة إقليم كتالونيا كارلس بوغديمونت، في رسالة وجهها الخميس لمجلس الشيوخ الإسباني أن وضع الإقليم تحت الوصاية سيؤدي إلى “وضع أكثر خطورة” في المنطقة، وفي الرسالة التي جاءت في تسع صفحات أبلغ مجلس الشيوخ بأنه سيوفد ممثلاً عن حكومته لعرض حجج رفض وضع كتالونيا “تحت الوصاية”، واعتبر بوغديمونت أن الحكومة الإسبانية ستخلق وضعًا أكثر خطورة واستثنائيًا عبر تعليق الحكم الذاتي لكتالونيا، قائلاً إن ذلك سيشكل “إهانة” للدستور الإسباني.
وكانت حكومة إقليم كتالونيا الذي يسكنه نحو 7.5 مليون شخص (يتمتع الإقليم حاليًا بحكم ذاتي موسع من حكومة مدريد بما في ذلك السيطرة على السياسات الخاصة بها والتعليم والعناية الصحية)، قد أعلنت أن قرابة 90% صوتوا لصالح الاستقلال الذي تم في الأول من الشهر الحاليّ، وقرابة 2.26 مليون شخص أدلوا بأصواتهم، أي أقل بقليل من 42% من سكان الإقليم، ويعتبر الكتالونيون أن نتائج الاستفتاء بمثابة “تفويض” لإعلان الاستقلال.
الاستقلال من جانب واحد
تصويت مجلس الشيوخ الإسباني، لصالح تفويض الحكومة المركزية بفرض الحكم المباشر من مدريد على إقليم كاتالونيا، جاء بعد دقائق من إعلان الإقليم الاستقلال عن إسبانيا، بحضور زعيمه كارلس بيغديمونت وغياب المعارضة، وقالت رئيسة البرلمان إن المجلس المؤلف من 135 عضوا، وافق على إعلان الاستقلال بتأييد 70 صوتا مقابل اعتراض عشرة وامتناع اثنين عن التصويت.
تعتمد إسبانيا نظامًا غير مركزي، إذ يمنح الدستور الذي أقر عام 1978 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ”المناطق المستقلة”
وكانت أحزاب قومية كتالونية قد قدّمت إلى برلمان الإقليم قرارًا تعلن فيه استقلال الإقليم، حسب ما أعلن المتحدث باسم التحالف الانفصالي الحاكم في كتالونيا، وأشار المتحدث إلى أنه جاء في مقدمة القرار الذي قدمه الانفصاليون الذين يشغلون الغالبية الساحقة في برلمان المنطقة “نعلن كتالونيا دولة مستقلة بشكل جمهورية”.
ومباشرة إثر تصويت البرلمان لفائدة “الاستقلال”، خرج عشرات الآلاف من أنصار الانفصال في برشلونة للاحتفال مرددين النشيد الكاتالوني، وعلا تصفيق الألاف خارج الحديقة المجاورة لمقر البرلمان وهتفوا “استقلال” باللغة الكاتالونية ثم أدوا بحماسة نشيد كاتالونيا رافعين قبضاتهم، ويطلب القرار الذي تبناه البرلمان، في حيثياته من حكومة كاتالونيا التفاوض حول الاعتراف بها في الخارج
مظاهرات في برشلونة احتفالا بـ “الاستقلال”
وكان رئيس حكومة إقليم كتالونيا كارلس بوغديمونت، قد تراجع أمس عن إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الإقليم كان قد دعا إليها في وقت سابق الخميس، لعدم حصوله على “ضمانات” من الحكومة المركزية في مدريد التي أعلنت في وقت سابق توجهها لفرض الحكم المباشر على كتالونيا، وقال: “كنت مستعدًا للدعوة لإجراء انتخابات إذا ما تم منح ضمانات، ليست هناك ضمانات تبرر الدعوة إلى إجراء انتخابات اليوم”.
ويراهن القوميون في كتالونيا على دعم مئات الآلاف من المواطنين الكتالونيين الذين يشعرون بأن مدريد تعاملهم بازدراء منذ أعوام عدة، ويطالبون بضرورة الانفصال عن إسبانيا وإعلان “الاستقلال”، وتعتمد إسبانيا نظامًا غير مركزي، إذ يمنح الدستور الذي أقر عام 1978 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ”المناطق المستقلة” سلطات واسعة في مجالات كالصحة والتعليم، لكنه ينص على ضمانات تتيح للحكومة المركزية التدخل مباشرة في شؤون إحدى هذه المناطق عند مرورها بأزمة.