وقع الغزاويون في حب “المندي” أو ما يعرف في الضفة الغربية والأردن بـ“الزرب”، لكنه بالتأكيد لن يكون حارًا مثل غزة التي يشتهر أهلها بالأكل الحار والمحمَّر “حبَّة زيادة” على حد وصف إسلام، من خلال التقرير القادم سنجيب عن ثلاثة أسئلة لجذب القارئ نحو المندي على الطريقة الفلسطينية.
المندي مباشرة عبر الفيسبوك
إسلام أبو عكر هو شاب يبلغ من العمر 30 عامًا لم يكن يومًا يهوى الطبخ ولا من طموحاته، لكن والده الذي استأجر “كافتيريا” أسماها “الأصدقاء” لاصطياف الناس على شاطئ بحر خانيونس دفعه للعمل بها كنادل في البداية، ثم تدرج ليصبح طباخًا ماهرًا في الأسماك والدجاج، وبدأ بفكرة جديدة وهي تصوير إعداده للطعام عبر صفحة الفيسبوك والإنستجرام الخاصة به، متجاوزًا كل المعابر والحدود المغلقة ليصل إلى العالم.
يقول إسلام لـ”نون بوست”: “لقد تلقيت عدة عروض للعمل في دبي والشارقة كطباخ في مطاعم مشهورة، لكن الحصار وإغلاق المعابر منعني من السفر، وكذلك عدم رغبة الوالدة، لذلك أنشر بشكل مستمر الصور والفيديوهات حصريًا ولايف”.
إسلام على عكس والده تمامًا، فوالده كان طباخًا محترفًا بالحلويات، حيث عمل لسنوات طويلة داخل الكيان الإسرائيلي المحتل، لكن إسلام طباخ محترف بالشواء والمندي، بعد ما تعلمه من سيدة كانت تعمل عندهم في القهوة شيئًا فشيئًا.
تبدأ قصة المندي حينما يتصل العميل الذي يتابع إسلام عبر الفيسبوك عليه طالبًا منه تجهيز العشاء الليلة على شاطئ البحر، يحزم إسلام أمتعته ذاهبًا للسوق لشراء الطعام، بعد أن يشعل النار في البراميل من خشب الليمون أو الزيتون، ليعود ويعرض خطوات المندي على صفحته مباشرة عبر الفيسبوك.
المندي الغزاوي!
يقول إسلام لـ”نون بوست”: “الأكلة الأكثر شهرة وفخامة في غزة هي المندي، وهو عبارة عن دجاج أو حبش أو لحم بقري أو خروف، يتم حشوه بالبطاطس والبصل والفلفل الحلو وتوابل السماق، توضع عليه التوابل بأشكالها أهمها الفلفل والثوم والبصل البندورة والزعتر والزنجبيل والصلصلة والبهار، وتوضع في برميل من الحديد تحت الأرض مليء بالجمر وتغلق لمدة ساعتين، وقد يتسع البرميل الواحد إلى أكثر من 20 دجاجة“.
حين تتجول في صفحة إسلام المليئة بصور الطعام، تعلم أنه تخصص حديثًا في طهو الأسماك بأنواعها، فهو يشتريها من الشاطئ مباشرة إلى المجمر للشواء يرافقهم الفيسبوك فيتابعه الناس أولًا بأول وخطوة بخطوة، ولا يكاد يمر يوم من دون الاتصال عليه والطلب منه أن يعد “عزومة” جديدة للراغبين.
الطباخ حسن أبو هدة والذي عمل لسنوات طويلة في الكيان الإسرائيلي كطباخ محترف ويعمل حاليًا مع إسلام في كافتيريا الأصدقاء قال لـ”نون بوست”: “المندي الوجبة الأفضل غزاويًا، حيث تبقى رائحة الحطب المجمر في الطعام وهذا هو سرها”.
وعن الزوار يقول أبو هدة: “اعتمدنا على الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي لجلب الزبائن والتعريف بالأكل الفلسطيني في الخارج، عن طريق الإنترنت نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة، وقد استقبلنا ذات مرة وفدًا أجنبيًا“.
ما أصل المندي؟
اشتهر أهل حضرموت جنوب اليمن بهذه الأكلة وكانت تختص بشوي الخروف أو الجدي الصغير في برميل من الطين داخل الأرض وتغلق بوابته، ويطلق عليها الحنيذ أو المظبى أو المندي في بعض المناطق، لكن الفلسطينيين طوروا عليها بأن أضافوا إليها الدجاج والحبش، وليس الخروف فقط، ووضعوها بالكامل في برميل من الحديد تحت الأرض لمدة ساعتين تقريبًا قبل أن يفتح البرميل ويخرج الطعام”.
يقول محمد الزطمة والذي يعشق أكل المندي: “يجب أن يكون المندي حارًا جدًا، والرز يطهى على دهن اللحم والدجاج”. ويضيف الزطمة: “لقد عرفت إسلام من خلال ما يعرضه من طعام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما قابلته وأكلت عنده شعرت بالفخر لأنني تذوقت طعامًا أعجبني من يد صاحبه عبر الفيسبوك، فكثير من الطعام والمطاعم نتابعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا أو إيطاليا أو الخليج ولكننا لا نستطيع زيارتها نتيجة الحصار، هذه دعوة لكل متابعي إسلام من خارج غزة، مرحبًا بكم في كافتيريا إسلام”.
ونتيجة ارتفاع أسعار الأغنام والمواشي في قطاع غزة يستبدل الغزيون لحمها بالدجاج والحبش، حيث يصل كيلو الضأن 60 شيكلاً في مقابل كيلو الدجاج “10 شواكل”، كذلك بسبب الحصار يمنع غير الغزاويين من دخول غزة، ويبقى إسلام يُحلّْق بالمندي خارج أسوار السجن الكبير غزة وخارج الحدود.