كان بعضهم علماء والبعض الآخر مؤرخين، برع بعضهم في علم الطب واخترع اختراعات كادت تشفي أمراضًا ما زالت تستعصي على الطب إلى اليوم، ولبعضهم القدرة على الحصول على جائزة نوبل، ربما لو كانوا على قيد الحياة لنالوا الجائزة مع الحاصلين عليها منذ بضعة أيام، إلا أنهم فارقوا الحياة في ظروف غامضة، بعضهم قيل عنه انتحر والبعض الآخر قيل إنه خرج ولم يعد، وبعضهم تعرف عليه أهله من صور جثته في الأخبار العاجلة على التلفاز.
هذه قصة مجموعة من العلماء والمخترعين العرب، اختفوا من على قيد الحياة في ظروف غامضة، وسجلهم التاريخ بطريقة أغرب بتعاون من حكومات دولهم أيضًا، إذ إن بعضهم وُجد مذبوحًا في شقته والقضية تنتهي ضد مجهول، والبعض الآخر وجدت جثته بعد سقوطها من آخر طابق في البناية التي يسكنها بعد أن قُطعت شرايين يديه الاثنتين، لتنتهي القضية بأنه قد انتحر.
يفسر الكاتب “حماده إمام” في كتابه “الموساد.. اغتيال زعماء وعلماء” لغز اختفاء ما يقرب من 3000 عالم ومفكر مصرى وعربي، لخص أسرار الاغتيالات في عدة نقاط أهمها أن برامج الحزب الوطني تطابق بروتوكولات حكماء صهيون، واتفاقية كامب ديفيد كانت مقابل بيع قنبلة مصر النووية، والدكتور مصطفى مشرفة كان أحد سبعة علماء عرفوا سر الذرة وغيرها من الأسرار.
علي مصطفى مشرفة
تبدأ قصص هؤلاء العلماء بالعالم المصري “علي مصطفى مشرفة” المُلقب بـ”أينشتاين العرب”، هو عالم من رواد الرياضيات والفيزياء، مشهور عنه أنه ناقش بعضًا من أبحاثه مع ألبرت أينشتاين نفسه، ووصف بأنه واحد من سبعة علماء على مستوى العالم يعرفون أسرار الذرة.
عالم مصري وُلد في محافظة دمياط عام 1898، انتقل إلى القاهرة مع أسرته حيث بدأ تعليمه، فضل الانتساب إلى دار المعلمين العليا، حيث تخرج فيها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلى بعثة علمية إلى بريطانيا على نفقتها.
اهتم مصطفى مشرفة بمجال الذرة والإشعاع وكان يقول: “الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها”
التحق مشرفة بالكلية الملكية عام 1920، وحصل منها على الدكتوراه في الفلسفة والعلوم بإشراف العالم الفيزيائي الشهير “تشارلز توماس ويلسون”، الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء عام 1927.
أصبح أول عميد مصري لكلية العلوم عندما عاد لمصر، ونال درجة “الباشاوية” من الملك فاروق، حينها بدأت أبحاثه تحتل مكانًا في الدوريات العلمية رغم صغر سنه، حيث كان من المؤمنين بأهمية دور العلم في تقدم الأمم، وذلك بانتشاره بين جميع طوائف الشعب حتى وإن لم يتخّصصوا به، لذلك كان اهتمامه منصبًا على وضع كتب تلخص وتشرح مبادئ تلك العلوم المعقدة للمواطن العادي البسيط، كي يتمكن من فهمها والتحاور فيها مثل أي من المواضيع الأخرى.
اهتم خاصة بمجال الذرة والإشعاع وكان يقول: “الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها”، ومن أهم كتبه الميكانيكا العلمية والنظرية (1937)، مطالعات علمية (1943)، الهندسة المستوية والفراغية (1944)، الذرة والقنابل الذرية (1945)، و العلم والحياة (1946) والنظرية النسبية الخاصة (1943).
مات مشرفة في ظروف غامضة في 15 من يناير/كانون الأول 1950، فالمُعلن عن وفاته أنها حدثت إثر أزمة قلبية، إلا أنه يُشاع أنه مات مسمومًا إثر عملية مُدبرة من أحد مندوبي الملك فاروق، ويُعتقد أيضًا أنها إحدى عمليات اغتيالات جهاز الموساد الإسرائيلي، بسبب نظرياته عن تحويل المواد الذرية إلى إشعاعات.
سميرة موسى
أول عالمة ذرة مصرية عربية ولقبت باسم “ميس كوري الشرق”، حصلت سميرة موسى على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها وعُينت كأول معيدة بكلية العلوم وذلك بفضل جهود الدكتور علي مشرفة الذي دافع عن تعيينها بشدة وتجاهل احتجاجات بقية الأساتذة من الإنجليز.
كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من “إسرائيل” بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة
حصلت على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات، ومن ثم سافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، أنجزت رسالة الدكتوراه في سنتين وقضت السنة الثالثة في أبحاث متصلة وصلت من خلالها إلى معادلة مهمة (لم تلق قبولاً في العالم الغربي آنذاك) تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع، يعني إمكانية صنع القنبلة الذرية بتكاليف رخيصة.
كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من “إسرائيل” بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة، لذلك أسست هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان دولة الاحتلال، وحرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة، فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي.
استجابت الدكتورة إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1951، أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، وتلقت عروضًا لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 من أغسطس، وفي طريقها إلى كاليفورنيا ظهرت سيارة نقل فجأة لتصطدم بسيارتها بقوة وتُلقي بها في وادٍ عميق، قفز سائق السيارة واختفى إلى الأبد، كما أنكرت الهيئة المسؤولة دعوتها للزيارة من الأساس، إلا أن بعض من رسائلها الأخيرة لوالدها تؤكد أمر الزيارة وخطتها في إنشاء معامل نووية خاصة بها حين عودتها إلى مصر.
سعيد السيد بدر
عالم مصري تخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ضابط مهندس متقاعد في القوات المسلحة يحمل رتبة عقيد كما أنه يحمل العديد من الشهادات العلمية وأول من حصل على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية من الكلية الفنية العسكرية، بالإضافة إلى درجة الدكتوراه في الهندسة الإلكترونية من جامعة “كنت” بإنجلترا ليتم بعدها ترشيحه لجائزة الدولة التشجيعية.
وجدت الشرطة الجثة وقد قُطعت شرايين يديه الاثنتين، مما دفع الإعلام وقتها إلى نشر الأمر على أنه محاولة انتحار العالم المصري “سعيد بدر”
تعاقد مع جامعة ديزبورج في ألمانيا مع وعد منه بأن يرسل لمصر قبل أي دولة في العالم نتيجة أبحاثه، وبالفعل سافر العالم “سعيد بدر” إلى ألمانيا ونجح في إنجاز 13 بحثًا علميًا في غاية الأهمية وعندما فكر في التوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال هذه الأبحاث حيث هناك الإمكانات الأفضل بدأت المشاكل تحاصره في ألمانيا لكي لا ينهي تعاقده هناك.
عاد سعيد بدر إلى مصر لإتمام أبحاثه وحيدًا بعيدًا عن الضغط النفسي في ألمانيا وبعيدًا عن زوجته وأولاده ليطلب أن يمكث في شقة أخيه في الإسكندرية بعضًا من الوقت ريثما يُنهي أبحاثه، إلا أن الأمر انتهى بعثور الشرطة على جثة العالم المصري ملقية على الأرض من الطابق الرابع في البناية التي كان يسكن فيها.
وجدت الشرطة الجثة وقد قُطعت شرايين يديه الاثنتين، مما دفع الإعلام وقتها إلى نشر الأمر على أنه محاولة انتحار العالم المصري “سعيد بدر”، إلا أن الظروف المحيطة بوفاته غامضة للغاية، إذ لا يمكن لشخص واحد أن يقوم بثلاث محاولات انتحار بهذه السرعة، إذ كيف له أن يفتح أنبوب الغاز في شقته، ومن ثم يقطع شرايينه ويلقي بنفسه من الطابق الرابع!
جمال حمدان
هو أحد أهم الجغرافيين المعاصرين، كان جمال حمدان صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه “اليهود أنثروبولوجيا” الصادر عام 1967 بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين، ليسوا هم أحفاد اليهود نفسهم الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد.
ترك جمال حمدان 29 كتابًا و79 بحثًا ومقالة، منها بترول العرب، اليهود أنثروبولوجيا، استراتيجية الاستعمار والتحرير، العالم الإسلامي المعاصر وإفريقيا الجديدة.
يشير جمال حمدان في كتابه أن هؤلاء ينتمون إلى إمبراطورية “الخزر التترية” التي قامت بين “بحر قزوين” و”البحر الأسود”، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات “آرثر كويستلر” مؤلف كتاب القبيلة الثالثة عشرة الذي صدر عام 1976.
أدرك حمدان مبكرًا من خلال تحليل متعمق للظروف التي أحاطت بقيام المشروع الصهيوني أن الأمن يمثل المشكلة المحورية لهذا الكيان اللقيط، واعتبر أن وجود “إسرائيل” رهن بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة.
ترك جمال حمدان 29 كتابًا و79 بحثًا ومقالة، منها بترول العرب، اليهود أنثروبولوجيا، استراتيجية الاستعمار والتحرير، العالم الإسلامي المعاصر وإفريقيا الجديدة.
توفي جمال حمدان إثر اندلاع حريق في منزله، وعُثرت على جثته ونصفه الأسفل محروق بالكامل، مع اكتشاف اختفاء بعض مؤلفاته عن الصهيونية كان من المفترض نشرها في تاريخ قريب من الواقعة، بالإضافة إلى اختفاء معارف له بشكل غامض كانوا يترددون على منزله لمساعدته في الأعمال المنزلية.
سامية عبدالرحيم ميمني
هي طبيبة سعودية عملت في مجال المخ والأعصاب، عملت في أبحاثها على دراسة الإصابات الدماغية واستطاعت التوصل إلى حلول طبية تحول بعضًا من الجراحات الصعبة الدقيقة إلى جراحات أبسط بتخدير موضعي، حيث كانت “سامية” أول امرأة سعودية تتخصص في ذلك المجال.
كان للطبيبة السعودية عدة براءات اختراع، منها جهاز يتحكم في الخلايا العصبية في أثناء فتحها وإغلاقها يُسمي بجهاز “الجونج”، كما كان لها براءة اختراع في جهاز يستطيع اكتشاف السرطان في مراحل مبكرة.
قوبلت اختراعات سامية بحفاوة، إلا أنه عُرض عليها في نفس الوقت التنازل عنها مقابل الحصول على الجنسية الأمريكية ومبلغ من المال يُقدر بملايين الدولارات، ومع رفض الطبيبة للعرض كان ذلك إنذارًا بانتهاء حياتها قريبًا، إذ تعرف أهلها على جثتها من خلال عرض قناة سي إن إن لصور جثتها موجودة في ثلاجة معطلة في إحدى الشوارع الأمريكية، ليتبّين من التحقيقات أنها قُتلت خنقًا قبل إلقائها في ثلاجة معطلة في شارع عمومي.
كان للطبيبة السعودية عدة براءات اختراع، منها جهاز يتحكم في الخلايا العصبية في أثناء فتحها وإغلاقها يُسمي بجهاز “الجونج”، كما كان لها براءة اختراع في جهاز يستطيع اكتشاف السرطان في مراحل مبكرة.
القائمة لا تنتهي عند هؤلاء، بل قد يزيد العدد ليصل إلى 3000 عالم من مختلف الجنسيات العربية اختفوا في ظروف غامضة واختفت معهم أبحاثهم ورسائلهم واختراعاتهم للأبد، لتبارك حكومات بلادهم تلك الظروف وتجعلها أكثر غموضًا بتحويل اهتمام الإعلام وكتابة التاريخ عن محاولات اغتيال لتتحول إلى محاولات انتحار أو جرائم قتل ضد مجهول بدوافع غير حقيقية.