أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، انسحابه من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الخاصة بالإقليم، والمزمع إجراؤها في 10 يونيو/ حزيران المقبل، وسط خلافات سياسية كردية حول آلية إجراء الانتخابات، بعد القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا مطلع الشهر الجاري، والذي ألغى مقاعد الأقليات داخل الإقليم.
تلك المقاعد كانت محسوبة للحزب الديمقراطي الكردستاني في العمليات الانتخابية السابقة، وهو ما اعتبره الحزب انقلابًا سياسيًّا جرى ترتيبه في بغداد، لصالح أحزاب كردية منافسة للحزب الديمقراطي الكردستاني على قيادة الإقليم، وتحديدًا الاتحاد الوطني الكردستاني.
إذ تشهد الخارطة السياسية في إقليم كردستان استقطابًا سياسيًّا حادًّا، سواء على مستوى العلاقات بين القوى السياسية الكردستانية، أو العلاقة بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة بالإقليم، وهو ما جعل المشهد السياسي في الإقليم مرتبكًا، في ظل معاناة اقتصادية واجتماعية يعاني منها سكان الإقليم، بسبب الخلافات المتراكمة بين أربيل وبغداد حول العديد من الملفات الداخلية والخارجية.
ما الترتيب الداخلي؟
تشكيك الحزب الديمقراطي الكردستاني بالعملية السياسية لا يتعلق بموقف الحزب بعدم المشاركة بالانتخابات، بل جاء كنتيجة حتمية لسلسلة طويلة من قرارات اتخذتها المحكمة الاتحادية العليا بالضد من أربيل، والتي بدأت منذ مارس/ آذار 2022.
إذ صدرت العديد من القرارات التي قلصت من فكرة الحكم الذاتي للإقليم، وتحديدًا على مستوى الملفات الاقتصادية والطاقة، وهو ما دفع ممثل إقليم كردستان في المحكمة الاتحادية العليا، القاضي عبد الرحمن الزيباري، إلى الانسحاب من المحكمة مطلع الشهر الجاري.
نتيجة لذلك، يحاول إقليم كردستان ممارسة ضغوط سياسية على بغداد لتعديل سلوكها السياسي حيال الإقليم، في مسعى إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الطرفَين، وبالشكل الذي يعيد جزءًا من التوازن المفقود في هذه العلاقات.
ورغم أن أربيل تمتلك شبكات علاقات عامة خارجية أكثر فاعلية من بغداد، إلّا أن شبكة العلاقات هذه لم تنتج جديدًا على مستوى العلاقات بين الطرفَين، والسبب في ذلك يعود إلى التأثير الذي تمتلكه إيران داخل العملية السياسية، وكذلك موقف إيران من أربيل، ما عرقل بدوره أي فاعلية إقليمية ودولية يمكن أن تمارس لصالح الإقليم.
دخول الولايات المتحدة على الخط
مثّل البيان الذي أصدرته السفيرة الأمريكية في بغداد، إلينا رومانوفيسكي، على خلفية قرار الحزب الديمقراطي الكردستاني عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية الخاصة بالإقليم، وتلويحه بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية، مخاوف أمريكية حقيقية من تداعيات هذا القرار، الذي قد يجبر الولايات المتحدة على التعامل مع أزمة سياسية جديدة في العراق، بالوقت الذي تنشغل فيه بمعالجة تداعيات الحرب في غزة على الأمن الإقليمي والدولي، إلى جانب إمكانية خسارتها لدور حليف موثوق به في السياسة العراقية، وهو تحدٍّ سيكون بصالح إيران على حساب الولايات المتحدة.
تنظر الولايات المتحدة إلى أربيل على أنها إحدى ركائز سياستها في العراق، وبالتالي تعتبر عدم مشاركة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إي استحقاقات سياسية مقبلة، مدخلًا لإعادة تشكيل دورها في العراق، إذ إن علاقة الولايات المتحدة بقوى الإطار التنسيقي من جهة، والقوى السنّية من جهة أخرى، لا ترقى إلى مستوى العلاقة مع القوى الكردية، فحتى الأزمة التي أطّرت العلاقة بين الإقليم والولايات المتحدة على خلفية استفتاء استقلال إقليم كردستان في سبتمبر/ أيلول 2017، لم تقطع العلاقات بين الطرفَين، وظلت الولايات المتحدة تنظر إلى الإقليم على أنه ركن رئيسي في العملية السياسية العراقية.
كما تعد زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني لواشنطن في نهاية الشهر الماضي، ولقاءه مع العديد من مسؤولي البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي، مؤشرًا بارزًا على الأهمية التي توليها واشنطن للإقليم، فهي تريد الحفاظ على دور فاعل فيه، خصوصًا مع العلاقات الجيدة التي تربط الاتحاد الوطني الكردستاني بإيران، حيث تعتبر الولايات المتحدة ذلك صعودًا سياسيًّا لنفوذ إيران في الإقليم على حساب نفوذها ودورها، إذ تطمح الولايات المتحدة إلى جعل الإقليم بمثابة الخيار البديل فيما لو استمرت مطالبات بغداد، وتحديدًا الإطار التنسيقي، بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
ماذا يريد الإطار التنسيقي؟
تدرك قوى الإطار التنسيقي أهمية استغلال اللحظة الإطارية الحالية، عبر إعادة تشكيل العلاقة بين المركز والإقليم على نحو أكثر مركزية، وذلك يتضح من دعم قوى الإطار التنسيقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا حيال الإقليم.
كما أن العلاقات الجيدة التي تربط قوى الإطار بإيران، جعلت إيران تستثمر بسياسات قوى الإطار، سواء عبر فرض مزيد من الضغوط على أربيل للتخلي عن ورقة المعارضة الكردية الإيرانية في الإقليم، أو دفع أربيل للتراجع خطوة إلى الوراء على مستوى العلاقات الخارجية، وتحديدًا مع تركيا ودول الخليج العربية، وهي علاقات تأتي على حساب النفوذ الإيراني بالإقليم.
إن التصعيد السياسي الذي تمارسه قوى الإطار التنسيقي، وتحديدًا الأجنحة المسلحة المنضوية ضمن الإطار، تشير إلى أن هناك رغبة واضحة من قبل هذه القوى للردّ على الحزب الديمقراطي الكردستاني، بسبب موقفه الداعم لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، إلى جانب الرغبة بعرقلة تطبيق ورقة الاتفاق السياسي التي تشكّلت على أساسها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتي كانت تقضي بتشريع قانون النفط والغاز ومعالجة ملف المستحقات المالية للإقليم.
لكن عدم وجود وحدة قرارية داخل الإطار التنسيقي، جعل أربيل تواجه تحديًا حقيقيًّا في إيجاد مسار واضح للعلاقة مع بغداد، إذ لا تنظر جميع قوى الإطار إلى أربيل بنظرة واحدة، ومن ثم انعكس هذا الواقع سلبًا على العلاقة بين حكومتَي أربيل وبغداد.
تحديات كبيرة
هناك مستقبل غامض ينتظر العلاقة بين أربيل وبغداد، على خلفية قرار الحزب الديمقراطي الكردستاني، خصوصًا في ظل حالة عدم الثقة المتبادلة بين الطرفَين، وأن استمرار مثل هذه الحالة يجعل العلاقة مرشحة لمزيد من التصعيد، إذ يبدو من الواضح أن هناك انتقائية في تطبيق المواد الدستورية بين المركز والإقليم، وهذه الانتقائية انعكست على أدوار المحكمة الاتحادية التي جعلت أربيل تواجه مشكلة كبيرة مع بغداد، خصوصًا على مستوى تطبيع الوضع السياسي كمقدمة لحلّ المشاكل العالقة بين الطرفَين.
ما يعني أن العودة إلى عقد سياسي جديد بين بغداد وأربيل، يرتكز على التعاون والسلام، والابتعاد عن الصراع والخلاف، يمكن أن يؤسّس لعلاقات جيدة بين الطرفَين، وأحد أبرز مجالات هذه العلاقة الجيدة هو مأسسة العلاقة بين الطرفَين، وإبعادها عن الصراعات السياسية والدوافع الإقليمية.
إذ يمكن القول إن هناك تمثيلًا حقيقيًّا للأكراد داخل الدولة العراقية، لكن هذا التمثيل معطل، بسبب النظرة الإقصائية التي تؤمن بها قوى الإطار التنسيقي، خصوصًا مع أطراف التحالف الثلاثي التي فازت في انتخابات 2021، فبعد إبعاد مقتدى الصدر عن المشهد السياسي، وإقالة محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب، أخذت قوى الإطار تصعّد في مواقفها بالضد من إقليم كردستان، وبالشكل الذي جعل العلاقة بين بغداد وأربيل مفتوحة على سيناريوهات عديدة.