يعرّف الدفع أو التحفيز في علم النفس بأنه العملية التي تبدأ وتوجّه وتحافظ على استمرار السلوكيات الموجّهة نحو هدف ما. فالدافع إذن هو ما يدعوك للقيام بسلوكٍ أو عمل ما، سواء كان الحصول على كأس من الماء للتخلص من عطشك أو دراستك مادة ما للنجاح في امتحانك.
تنطوي الدوافع والمحفّزات على القوى البيولوجية والعاطفية والاجتماعية والمعرفية التي تنشط سلوك الإنسان. وفي الاستخدام اليومي، يشير مصطلح الدافع كثيرًا لوصف الأسباب التي تدفع الشخص للقيام بشيءٍ ما وفعله.
وقد اقترح علماء النفس نظريات مختلفة لشرح وتفسير التحفيزات التي تدفع الإنسان للقيام بما يقوم به، وبشكلٍ عام هناك ثلاثة عناصر رئيسية للتحفيز هي التنشيط، الثبات أو الدوام، والقوة.
ينطوي التنشيط على اتخاذ القرار ببدء الفعل، كأن تقرر دخول كلية علم النفس على سبيل المثال، أما الدوام فيتطلّب الاستمرار في بذل الجهد اللازم لتحقيق هدف معيّن رغم وجود عقبات في طريقه، كأن تدرس جيّدًا للامتحان الذي سيؤهلك لدخول الكلية التي ترغب في دخولها. أما قوة الدافع فتظهر في التركيز والنشاط في طريق تحقيق هدفك أو القيام بعملك، كنوعية الجهد الذي تبذله، ومدى كثافته.
ما هي الأشياء التي تحفزنا فعليًا؟
تشير نظرية الغرائز إلى أنّ غريزة الإنسان هي الدافع الأساسي لسلوكياته، فالطفل يبحث عن صدر أمه ليرضع، وهو بذلك يندفع بفعل غريزته لتحقيق احتياجاته. وتركّز النظرية على أنّ كل من هذه السلوكيات تحدث بشكل طبيعي وتلقائي، فهي لا تحتاج للتعليم أو للتوجيه.
وكان عالم النفس ويليام مكدوغال واحدًا من أوائل من كتبوا عن نظرية الغرائز، إذ اقترح أنّ السلوك الغريزي يتألف من ثلاثة عناصر أساسية: الإدراك، والسلوك، والعاطفة. وأوضح أيضًا 18 غريزة مختلفة شملت الفضول، وغريزة الأمومة، والضحك، والراحة، والجنس، والجوع.
فيما توصّل سيغموند فرويد إلى نظرة واسعة عن الدوافع مقترحًا أنّ السلوك البشري أيًّا كان نوعه مدفوعٌ بقوتين رئيسيتين هما غريزة الحياة وغريزة الموت. أمّا ويليام جيمس فقد حدّد عددًا من الغرائز التي يعتقد أنها ضرورية للبقاء على قيد الحياة مثل الخوف والغضب والحب والعار والنظافة.
تبدأ الاحتياجيات النفسية والاجتماعية بالظهور بعد تحقيق الحاجات الفسيولوجية، مثل الحاجة إلى الحب والصداقة، والعلاقة الحميمة وتحقيق المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين، ثمّ تكون الحاجة لتحقيق الذات
وفي حين أنّ نظرية الغرائز ساعدت كثيرًا في شرح الدوافع والمحفّزات التي تقود الفرد، إلا أنّ لديها بعض القيود مثل أنّ الغرائز لا تستطيع تفسير جميع سلوكيات البشر.
أما نظرية “الدافع-الحاجة” فتشير إلى أن البشر لديهم حاجاتهم البيولوجية الأساسية وأي سلوك يقومون به يكون دافعًا لتحقيق تلك الحاجات، ويندفعون إلى اتخاذ إجراءات معينة من أجل الحد من التوتر الداخلي الناجم عن تلك الاحتياجات غير الملباة. فعلى سبيل المثال، قد يكون الدافع لشرب كوب من الماء هو الحد من حالة العطش الداخلية.
تُعدّ هذه النظرية مفيدة في شرح السلوكيات ذات الأساس البيولوجي القوي مثل الجوع أو العطش، إلا أنّ السلوكيات البشرية ليست دائمًا ذات دوافع بيولوجية أو فسيولوجية بحتة، فعلى سبيل المثال، غالبًا ما يأكل الناس عندما لا يكونوا جائعين تمامًا، وإنما لمجرد التسلية أو الاستمتاع.
وقد اقترحت نظرية الإثارة أنّ الأفراد لديهم دوافع معينة للانخراط في السلوكيات التي تساعدهم على الحفاظ على المستوى الأمثل من الإثارة في القيام بالأشياء. فالشخص ذو الاحتياجات المنخفضة من الإثارة قد يسعى لأنشطة سهلة مثل الاسترخاء أو قراءة كتاب أو الاستماع للموسيقى، في حين أنّ أولئك الذين لديهم احتياجات إثارة عالية قد يكون لديهم دوافع للانخراط في سلوكيات مثيرة مثل مشاهدة فيلم مثير أو ركوب الموج أو القفز الجوي وغيرها.
أمّا علماء النفس الإنسانيّون، أي الذين ينتمون للمنهج الفلسفي والسيكولوجي القائم على جوهر الفرد المندفع نحو إشباع رغباته الذاتية، فقد استندوا على فكرة أن الأفراد لديهم أيضًا أسبابًا معرفية وإدراكية قوية لفعل الأشياء والقيام بالسلوكيات المختلفة. ويظهر ذلك بشكل واضح في التسلسل الهرمي لعالم النفس أبراهام ماسلو، الذي صنّف الدوافع المختلفة للفرد وفقًا لمستويات هرمية مختلفة.
فوفقًا لماسلو، تشكّل المتطلبات المادية الأساسية بما في ذلك الحاجة إلى الغذاء والماء والنوم، والدفء الجزء الأدنى من التسلسل الهرمي، وبمجرد استيفائها يمكن للفرد الانتقال إلى المستوى التالي من الاحتياجات، وهي السلامة والأمن، التي تشمل السلامة الجسدية والأمن الوظيفي والأسري والصحي وغيرها.
ثمّ تبدأ الاحتياجيات النفسية والاجتماعية بالظهور بعد تحقيق الحاجات الفسيولوجية، مثل الحاجة إلى الحب والصداقة، والعلاقة الحميمة وتحقيق المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين، ثمّ تكون الحاجة لتحقيق الذات.
وبينما تظهر النظرية على أنها تسلسل هرمي إلى حد ما، إلا أنّ ماسلو قد لاحظ أنّ الترتيب الذي يتم فيه استيفاء هذه الاحتياجات لا يتبع دائما هذا التقدم المعياري. فعلى سبيل المثال، بالنسبة لبعض الأفراد تكون الحاجة إلى تقدير الذات أكثر أهمية من الحاجة إلى الحب.
لا توجد نظرية واحدة يمكن أن تفسر بشكل كاف الدوافع البشرية بشكلٍ منفرد
من جانبٍ آخر، قد يصر بعض الأفراد على مزيد من الإشباع لحاجة معينة بالرغم من إشباعها بالفعل وهذا خلافًا لما تفترضه النظرية، بأنه في حال إشباع حاجة معينة يتم الانتقال إلى إشباع حاجة أعلى منها في السلسلة. كما افترضت أيضًا أننا ننتقل من إشباع إحدى الحاجات إلى إشباع حاجة أخرى فور إشباع الحاجة الأدنى، ولكن يمكن المجادلة بأننا في الواقع نقوم بإشباع أكثر من حاجة في نفس الوقت.
وعلى الرغم من انتقاداتها، إلا أنّ النظرية شهدت تطبيقًا جيّدًا في المجال العمليّ والتنموي والتربويّ. فالاهتمام بالاحتياجات الفسيولوجية للفرد وتوفير احتياجاته النفسية، تمكّن الفرد عاملًا كان أم طالبًا من أداء المهام المطلوبة منه على أكمل وجه وتحفّزه للوصول لإنجازات أكبر وأهداف أعلى.
في النهاية، لا توجد نظرية واحدة يمكن أن تفسر بشكل كاف الدوافع البشرية بشكلٍ منفرد، وإنما يجب النظر إلى كل تلك النظريات التي يمكن لها أنْ توفّر لنا فهمًا أكبر للقوى والأسباب التي تدفعنا لفعل الأشياء.