في خطوة مفاجئة أوقفت السلطة الحكومية الموريتانية بث قنوات تليفزيونية خاصة بسبب خلاف مالي مع هذه القنوات التي تنظم بثها عبر الأقمار الاصطناعية، مما جعل البعض يدق ناقوس الخطر محذرًا من تراجع حرية الإعلام في هذا البلد العربي واستغلال السلطات الحاكمة للمسألة المالية للضغط على القنوات التليفزيونية.
القرار شمل كل القنوات الخاصة
قرار الغلق شمل كل القنوات التليفزيونية الخاصة في موريتانيا والتي يبلغ عددها 5 قنوات، في هذا الشأن قالت نقابة القنوات التليفزيونية الخاصة في بيان نشر أول أمس “الرأي العام فوجئ بقرار شركة البث الإذاعي والتليفزيوني في موريتانيا تعليق برامج التليفزيونات الخاصة الموريتانية”، وشركة البث الإذاعي والتليفزيوني الموريتاني هيئة حكومية أنشئت خلال تحرير القطاع السمعي – البصري في موريتانيا عام 2012 لضمان البث عبر الأقمار الاصطناعية للباقة الموريتانية مقابل رسوم مالية.
تعمل في موريتانيا منذ تحرير الإعلام سنة 2010 5 قنوات تلفزيونية خاصة
وتطالب شركة البث الإذاعي والتليفزيوني الموريتاني القنوات الخمسة الخاصة بدفع المستحقات المترتبة عليها قبل استئناف برامجها، وكانت هذه الهيئة الحكومية أنذرت القنوات الأسبوع الماضي لتسديد مستحقاتها من دون أن تذكر المبلغ، وقالت آوا تانديا وزيرة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني – الإدارة التي تشرف على المؤسسات الصحافية – إن المحطات الخاصة مؤسسات تجارية يجب عليها دفع التزاماتها.
وتعمل في موريتانيا 5 قنوات تليفزيونية خاصة، منذ إقرار الجمعية الوطنية الموريتانية قانون تحريره يوم 3 من يوليو/تموز 2010 منهية احتكار الدولة لمجال البث الإذاعي والتليفزيوني، ومحولة الإعلام الحكومي إلى “إعلام عمومي”، هي شنقيط – الوطنية – الساحل – المرابطون – دافا، وللسنة الثانية على التوالي حافظت موريتانيا على تصدرها للدول العربية في حرية الصحافة حسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، حيث جاءت في المرتبة 55 من أصل 180 دولة، مع أنها تراجعت 7 نقاط عن المرتبة التي حصلت عليها سنة 2016 (الرتبة 48).
المعارضة تندد
قرار السلطات الموريتانية غلق هذه القنوات التليفزيونية لاقى نقدًا كبيرًا من المعارضة الموريتانية، حيث أعرب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارضة بموريتانيا عن قلقه إزاء ما أسماه استهداف وسائل الإعلام والتضييق على حرية التعبير من طرف النظام الذي كان إلى وقت قريب يتفاخر بحرية الإعلام في البلد، واعتبر المنتدى، في بيان صحفي له، أن حرية الإعلام واحدة من المكاسب المهمة التي حققها الشعب الموريتاني بفعل نضالاته وتضحياته، وأنه لن يقبل أبدًا بالتنازل عن هذا المكسب المهم، مؤكدًا سعي السلطة للتربح عن طريق شركة البث من مؤسسات إعلامية تعاني من أزمات مالية بدلًا من دعم تلك المؤسسات يعد من التصرفات التي تشي بجشع السلطة الحاكمة والتي لا تفكر إلا في جمع المزيد من المال على حساب مواطنيها.
تنديد بعمل هيئة الإعلام
وفي وقت سابق اتهمت مؤسسة المعارضة الديمقراطية في موريتانيا، النظام الحاكم بقيادة محمد ولد عبد العزيز بأنه يعيد البلد إلى عهود الديكتاتورية والضيق بالصوت والرأي المخالف، وأدانت المؤسسة بشدة في بيان لها المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون من اعتداءات متكررة من طرف الأجهزة الأمنية، معتبرة أن كل هذه الأمور أصبحت سلوكًا عاديًا في تصرف هذه الأجهزة مع الصحفيين في أثناء تأديتهم لمهامهم وتغطيتهم لمختلف الفعاليات الاحتجاجية.
ضربة لحرية التعبير
مع أن قضية غلق القنوات الفضائية الخمسة على ما يبدو قضية مالية وجبائية، فقد أثارت تنديدًا واسعًا بين الصحفيين الموريتانيين واعتبروا المسألة تضييقًا مقصودًا لحرية الإعلام من طرف الحكومة، في هذا الشأن قال الشيخ يب أعليات – إعلامي موريتاني وباحث في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية – لنون بوست: “أعتقد أن المسألة تتداخل فيها أبعاد مالية وسياسية، ظاهريًا يعتبر النظام أن المسألة مجرد عجز عن دفع الضرائب، والواقع أن المسألة سياسية أكثر، وهي من أجل تكميم الأفواه في هذا الفترة الحرجة التي تمر بها موريتانيا بعد العديد من الأحداث التي قام بها النظام بطريقة أحادية”.
تتصدر موريتانيا قائمة الدول العربية في حرية الصحافة
وأضاف الإعلامي والباحث الموريتاني في حديثه لنون بوست “من الواضح أن النظام الحاكم في موريتانيا يريد أن يطبق النهج ذاته في وسائل الإعلام وترك القناة الرسمية والتي هي البوق التي يمرر منها رسائله تعمل وحدها دون منافسة، وخير دليل على ذلك أنه بدأ بقناة المرابطون المحسوبة على إسلاميي موريتانيا زعماء المعارضة حاليًا، لكن عندما تعالت الأصوات بخصوص استهداف تلك القناة والتي هي من أحسن القنوات هناك، اضطر أن يلحق بهم بقية القنوات الأخرى، ولكن مهما تكن فإنها ﻻ شك تشكل ضربة لحرية التعبير، وهي الشيء الوحيد الذي تتفوق فيه موريتانيا على الدول العربية كافة”.