في الدول التي تحكمها نظم ديمقراطية، تكون أول اهتمامات الحاكم حياة الشعب الذي يحكمه، فهو يحافظ على صحة مواطنيه ويمنع ويعالج الأمراض والأوبئة المختلفة ويشيد المستوصفات والمشافي المتنوعة والمتخصصة، وتهتم وزارة الشباب والرياضة بالشباب وتبني لهم الأندية الكثيرة والساحات المناسبة لممارسة الرياضة والأنشطة البدنية المتنوعة.
أما في الدول الاستبدادية وأشباه الدول، فالحاكم لا يولي صحة مواطنيه أي اهتمام، والتربية التعليم من أواخر اهتماماته، بل يكرس للجهل والأمية، وجل ميزانية الدولة تذهب إلى منظومة الأمن وحماية كرسي ذلك الحاكم بأمره.
ويا ليت الأمر توقف عند ذلك، بل يشيد تلال من جماجم شعبه، ويدعي أنه يحارب الإرهاب، وهو في الوقت نفسه، يكرس لتثبيت الإرهاب، لأن أي ديكتاتور يتغذى على وجود عدو وهمي مثل (الإرهاب)!
ولكي يستمر الديكتاتور في الحكم أطول وقت ممكن، فإنه يعطي الضوء الأخضر لأجهزة أمنه لقتل المعارضين وأشباه المعارضين وكل الأحرار وحتى الناس المسالمين، ولا يأْلوا جهدًا لزرع (دولة الخوف)، ويتجلى هذا الخوف بالإفراج عن بعض المعتقلين والمخفيين قسريًا لكي ينشروا بين أهليهم ومنْ حولهم ما حدث لهم من أهوال التعذيب، وما نشر أخبار تصفية وزارة الداخلية لبعض المعارضين إلا لزرع دولة الخوف في نفوس الشعب!
إرهاب الدول لا يؤدي إلا إلى إرهاب أفراد الشعب، والضحايا هم أبناء الوطن سواء كانوا من أفراد الأمن أو أفراد الشعب الذين انخرطوا في التنظيمات المسلحة المتعددة الأسماء والرايات
وما نتيجة التعذيب والوحشية للمعتقلين وقتل المعارضين سوى اشتعال نار الثأر من قوات الأمن والجيش على يد ضحايا التعذيب وأهل القتلى، وبالتالي تستفحل ظاهرة الإرهاب التي يتغذى على وجودها كل نظام قمعي وكل الديكتاتوريين!
وما حادث الواحات عنا ببعيد، وفيه تجلى “الثأر العنيف” من قوات الأمن الخاصة، وكأن لسان حال أفراد العصابة المسلحة يقول بكل قوة: “لقد انتقمنا من قوات أمن الدولة التي تذيق المعارضين صنوف العذاب” ويقول أيضًا: “لقد انتقمنا من قوات الأمن التي تصفي المعارضين وتزعم بأنهم قد بادلوهم ضرب النار”.
إن إرهاب الدول لا يؤدي إلا إلى إرهاب أفراد الشعب، والضحايا هم أبناء الوطن سواء كانوا من أفراد الأمن أو أفراد الشعب الذين انخرطوا في التنظيمات المسلحة المتعددة الأسماء والرايات، أما الديكتاتور فسوف يستثمر هذه الحوادث العنيفة أو الإرهابية أكبر استثمار وسوف يسوق للغرب – المتحكم فيه – بأنه يحارب الإرهاب، والنتيجة استمرار ذلك الديكتاتور ونظامه القمعي أطول وقت على كرسي الحكم الزائف.
إن وظيفة أي حاكم أن يبني ويشيد ويعمر ويحمي حمى الوطن، أما الديكتاتور فليس من اهتماماته البناء ولا التعمير ولا حتى الذود عن الأوطان، وأحيانًا يفرط في أراضي الوطن، ويفرط أيضًا في مقدرات وثروات الوطن، أما تشييده فيتجلى في تشييد القصر المنيف الذي يعزله عن شعبه، وانظر إلى العاصمة الإدارية الجديدة والسور المرتفع حول منطقة أجهزة الحكم، ويتجلى أيضًا في تشييد السجون والمعتقلات لقمع وقتل شعبه.
في الدول المحترمة، نجد ميزانية الدولة معروفة، والشفافية والنزاهة هما شعار الدولة، أما في النظم القمعية، فإن عدم الشفافية والغموض هما شعار الدولة
إن وظيفة أي حاكم أن يعد مع حكومته الآليات لمحاربة الجهل والمرض والفقر والعجز والعوز والنقص في أي مجال، أما الديكتاتور فإنه لا يهتم بمثل هذه الأمور المهمة لحياة وتقدم أي شعب، إنما يهتم بحفر قبور شعبه الحر بيديه لأنه لا يطيق رؤية أي حر، إنما تقر عيناه ويتلذذ برؤية العبيد الذين يسبحون بحمده ويقدسون له، وما حملة “علشان تبنيها” وما تحمله من تهريج ومهزلة عنا ببعيد.
إن وظيفة أي حاكم أن يبث الأمل في نفوس شعبه، ويبشر لغد أفضل ومشرق، مع الاستعانة بالأسباب العلمية والخبرات المتعددة وخبرات الدول المتقدمة، وأحيانًا نجد بعض الحكام يؤسسون وزارة للسعادة والترفيه، أما رأس النظام القمعي، فإنه لا يبث إلا الخوف والرعب والشؤم من الحاضر والمستقبل مثل: “ماذا يصنع التعليم في وطن ضائع” و”نحن نعيش في شبه دولة”، وأحيانًا يبشر بشارة كبرى بمشاريع جبارة ويعقد مؤتمرات اقتصادية للنهوض بالدولة، ومع الوقت يتضح أنها كل ذلك لا يزيد على أوهام في أوهام أو “فناكيش كبرى”!
في الدول المحترمة، نجد ميزانية الدولة معروفة، والشفافية والنزاهة هما شعار الدولة، أما في النظم القمعية، فإن عدم الشفافية والغموض هما شعار الدولة، وأغلب الميزانية تذهب إلى التسليح، ليس لحماية الوطن والشعب، إنما لجني الشرعية للحاكم غير الشرعي أو الانقلابي من دول الغرب، ولجني نسبة العمولة الكبيرة من صفقات التسليح.
والعجيب أننا في مصرنا المكلومة بالحكام العسكريين، نجد صفقات التسليح تترى بديون تكبل عدة أجيال مقبلة، وفي ذات الوقت، الاقتصاد يئن وينهار، والعملة الوطنية في انحدار، والسياحة في ضياع، والأسعار تلتهم جيوب الشعب المسكين الذي عضه الفقر بنابه الأزرق!
تقول مجلة لوبوان الفرنسية: “مصر ثاني أكبر دولة تستورد السلاح من فرنسا”!
فلمنْ سيوجه هذا التسليح الكبير؟!
إن علاقة نظام السيسي مع الكيان الصهيوني “سمن على عسل” أو أكثر، وظهر السيسي علنًا بكل الحفاوة مع نتنياهو!
وسد النهضة على وشك الاكتمال وسيفقرنا مائيًا، ومع ذلك لم نجد قذيفة واحدة وجهت له!
فيا ترى منْ سنحارب بهذا التسليح الكبير والذي لا يتوقف منذ عدة عقود؟!
هل سنحارب طواحين الهواء؟!
أم ترى أن جيشنا سيحارب الإرهابيين بالغواصات وطائرات الرفال؟!
أنا أزعم أن التسليح الكبير في السنوات الثلاثة الأخيرة بالذات سيوجه إلى صدور شعبنا إذا قام بثورة مرة أخرى، إن الثورة القادمة – إذا قامت – ستكون دموية، ما صفقات التسليح الكبيرة والمتعددة في الآونة الأخيرة إلا لحفر قبور شعبنا والعياذ بالله.
انقلاب تشيلي 1973
أمثلة لحفر قبور الشعوب على يد حكامها السفاحين
وأمام أي نظام قمعي مشاهد حفر القبور لشعوب كثيرة قامت في بلادها انقلابات عسكرية دموية أو تحكمها نظم استبدادية مثل:
– انقلاب الأرجنتين عام 1955، وفيه قذفت مقاتلات تتبع السلاح الجوي والبحري المدنيين في ميدان بلازا دي مايو وقتل المئات غير حرق الكثير من الكنائس.
– انقلاب تشيلي عام 1973، وفيه قتلت القوات الانقلابية بقيادة الجنرال أوكستو بنوشيه الآلاف من الشعب التشيلي.
– انقلاب الجيش في الجزائر على انتخابات جبهة الإنقاذ، مما أدى إلى نشوب ما تسمى بالعشرية السوداء والتي قتل فيها نحو مئة ألف جزائري.
– قيام سفاح سوريا بإجهاض الثورة السورية عام 2011 وقتل أكثر من نصف مليون من الشعب السوري، وشرد عدة ملايين، وما زال الدم السوري ينزف على يد براميل السفاح المتفجرة والغازات الكيماوية المحرمة دوليًا!
– ومن قبل كانت هناك مجازر وقبور جماعية بالملايين لضحايا النظم الاستبدادية في الاتحاد السوفيتي على يد ستالين وفي الصين الشعبية على يد ماوتسي تونغ وغيرهما الكثير والكثير.
بعض من ضحايا مجزرة رابعة العدوية
إن اعتصام رابعة العدوية والنهضة كان من الممكن أن يفضا بتسليط المياه عدة أيام إلى مكان الاعتصامين مع قطع التيار الكهربائي، ولكن السيسي أرادها مجزرة لتكون “بروفة” لمذابح عظمى إذا قام الشعب المصري بثورة مرة ثانية!
إن الحاكم موظف عند الشعب الذي انتخبه، ويستطيع الشعب أن يعزله في ظروف معينة طبقًا للدستور، هذا في الدول المحترمة، ولكن الحاكم الذي أتى على ظهر دبابة مشؤومة فلن يترك كرسي الحكم أبدًا إلا على جثته، فشعاره الأثير “أنا أو الطوفان”.
ومع ذلك، فلن يهنأ أي سفاح بكرسي الحكم الزائف الذي يجلس عليه، وستطارده أرواح الشهداء الذين قتلهم بدم بارد، وسيعيش ذلك الحاكم في خوف ورعب رهيبين حتى وإن ضحك بملء شدقيه.
إن دولة الظلم ساعة حتى وإن طالت.