في أواخر القرن الـ19 أرسل ماكس نوردو –أحد الزعماء الصهاينة – رجلين لبلد في الشرق اسمها فلسطين كي يتبينا صحة ادعاء هرتزل أنها أرض بلا شعب تصلح لشعب بلا أرض، أرسل الرجلان رسالة مشفرة للسيد نوردو بها جملة واحدة “العروس جميلة جدًا ومستوفية كل الشروط، لكنها متزوجة فعلاً”.
عني الرجلان بهذا أن فلسطين بلد بها شعب شأنها في ذلك شأن كل البلدان آنذاك، ولم تكن فلسطين أرضًا فارغة كما ادعى هرتزل وكما صورتها آلة الإعلام الصهيونية للترويج للوطن القادم الذي صدّر صورته الفارغة بعض المصورين الأوروبيين .
أول من وصل لفلسطين من المصورين كان فريدريك جويل فيسك عام 1839 في رحلة علمية وتوالت بعدها البعثات الاستكشافية كبعثة 1944 الإنجليزية وبعثة 1950 الفرنسية.
في تلك الحقبة ازدهرت صناعة التصوير في فلسطين وبدأت تتطور على يد بعض المصورين الذين عاشوا في تلك الفترة وأرخوا بلقطاتهم فلسطين ما قبل النكبة بناسها ويومياتها وطبيعتها.
صورة تل أبيب كما صورها الصهاينة قبل وبعد وجودهم
عميد مصوري فلسطين
حين نذكر كلمتي تصوير وفلسطين، لا بد أن نتحدث عن “خليل رعد“ مصور فلسطين الأول، اللبناني الأصل المولود في بحمدون بلبنان عام .1854 بعد وفاة والده انتقلت أمه به وبأخته لفلسطين، حيث تربى وشب هناك وعمل في مجال التصوير بعد أن تعلمه على يد المصور الأرمني “جاربيد كريكوريان.”
انتقل رعد بعدها لسويسرا حيث درس علم التصوير بتخصص، ليعود لفسطين مصورًا محترفًا وأسس استوديو رعد، يذكر أنه تزوج هناك من مساعدة معلمه السويسرية “آن مولير“ وعاشا سويًا في إحدى قرى القدس .
استوديو رعد
بدأت مسيرته عام 1981 حين افتتح خليل معمله الخاص في أحد محلات شارع يافا في مدينة القدس – وهو الشارع الذي اشتهر في تلك الآونة ولمدة مئة عام بشارع المصورين– واستطاع من خلال استوديو رعد تصوير مختلف الفئات من الشعب الفلسطيني )رجال – نساء – بنات – شباب – أطفال(، ووثق العديد من إحداثيات هذا العصر بكاميرته سواء التنوع المجتمعي أو الثقافي أو تنوع الأزياء وما لذلك من دلالات على هذا العصر .
ومنها انطلق رعد لخارج الاستوديو وتوجه لتصوير فلسطين ذاتها (عمرانها وسكانها ومقدساتها)، مما لفت انتباه الحكومة العثمانية آنذاك لرعد وأعماله، فاُعتِمد مصور عثماني رسمي، مما أتاح له العمل بحرية أكبر وعلى مساحات أوسع في فلسطين، تلك الخطوة ساهمت في خروج مشروعه التوثيقي الأول، حين شارك في تغطية الحرب العالمية الأولى ووثقها بالصور .
في عام 1948 وخلال النكبة تعرض شارع يافا في القدس للتدمير الكامل منهيًا بذلك مسيرة رعد ومسيرة عشرات أو المئات من المصورين الذين عملوا في هذا الشارع لمدة 100 عام وربما أكثر .
تعرض استوديو رعد بعد دماره للنهب من عصابات الهاجاناه ومصادرة مئات من صوره ومقتنياته لتصبح ملكًا لخزائن مراكز الأبحاث “الإسرائيلية”، والعدد القليل من الصور استطاع إنقاذها صديق إيطالي لرعد كان يتسلل لموقع الاستوديو ويستخرج ما يجده.
خلال 50 عامًا – هي المدة التي قضاها رعد في التصوير– استطاع أن يأخذ الآلاف من اللقطات التي توثق طبيعة الحياة هناك على 1230 لوحًا فوتوغرافيًا حفظوا ملامح الوطن والناس قبل النكبة، ولم تقتصر الألبومات على صور لفلسطين فقط، إذ تمكن أيضًا من السفر للبنان وسوريا ومصر والتصوير هناك .
أرخ لقطات رعد العديد من المؤلفين في كتبهم كوليد الخالدي في كتابه “قبل الشتات: التاريخ المصور للشعب الفلسطيني 1876 – 1948″، يمكنكم تحميله من هنا. وكتاب إلياس صنبر “الفلسطينيون: الصور الفوتوغرافية لأرض وشعبها منذ 1839 حتى الآن” من هنا.
وفي مؤلف عصام نصار”لقطات مغايرة: التصوير المحلي المبكر في فلسطين 1850 – 1948″ يمكنكم القراءة عنه من هنا. قبل عشر سنوات لم يكن أحد يسمع باسم رعد، إلا أن باحثة إسرائيلية هي رونا سيلع قامت بالبحث والتنقيب عن رعد ولقطاته لتكشف عن ألف صورة له وحده، أُخفت عمدًا في مراكز بحثية صهيونية .
رونا سيلع
تقول سيلع إن رعد قدم رواية أخرى لفلسطين غير التي قدمها المصورون المستشرقون أو الصهاينة، فقد تعمدوا اختزال فلسطين في المناطق التوراتية ولم يظهروا أيًا من جوانبها الأخرى، أما لقطات رعد فكانت أكثر ثراءً حيث تكلمت عن جوانب اجتماعية وسياسية وثقافية أخرى تجاهلها السابقون .
بعض أعماله أفرج عنها الأرشيف الصهيوني وانتقلت للملكية العربية، والكثير منها الآن بحوزة مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، عرضت سيلع لقطات رعد في كتابها “خليل رعد صور فوتوغرافية .”1891 – 1948
اللوح الفوتوغرافي أداة استخدمت في التصوير الضوئي قبل اختراع الأفلام
خليل رعد مع عائلته.. بعد النكبة تحول رعد للاجئ وانتظر عودة الأمور لطبيعتها، لكن ذلك لم يحدث فتوجه لمسقط رأسه بيروت حيث توفي هناك سنة 1957عن عمر يناهز 100 عام
علي زعرور
علي زعرور
بعد 40 عامًا من النكبة اتصل أحدهم وأبلغ السيد زكي زعرور أن أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي يريد إعادة بعض ألبومات والده الراحل علي زعرور، في واحد من أندر المواقف التي من الممكن أن تحدث، فلا يُخرج الأرشيف شيئًا من مقتنياته في العادة .
علي زعرور والمولود عام 1900 ولد فلاحًا لأسرة فلسطينية عادية، إلا أنه عمل لدى المصور حنانيا وهو أحد المصورين الذين اعتاشوا من تصوير السياح وزوار الأماكن المقدسة، يقول زكي:” عَلّم حنانيا أبي كل ما يعرف، وعامله كابنه ،بعد وفاته طلبت أرملته من والدي أن يعتني بالدكان، وعند وفاتها ورث أبي الدكان واستمر به حتى 1948“.
“حتى عام 1948 صوّر والدي في حفلات القناصلة في القدس وأعراس ومناسبات اجتماعية ،كما صوّر الناس في الاستوديو بالدكان، منذ 1947 بدأ بتصوير صور سياسية، وفي عام 1948 حصل على شهادة صحفي من وكالة أي – پي، واعتاد إرسال صوره للأردن ومن ثم بيروت، عمل أبي لصالح وكالة أي – پي حتى عام 1972“.
تقول داليا كيربل في جريدة هآرتس :“كان زعرور عصاميًا، أجاد خمس لغات وحده، تبنى عادات أوروبية، إذ ارتدى دائمًا سترة خيطت له خصيصًا ،كما ارتدى نظارات ري – بان، ودخن سيجار” كَمِلْ“ وشرب ويسكي“بلاك ليبل”.”
دخل علي زعرور للحي اليهودي مع جنود الفيلق الأردني ووثق، كما أشياء أخرى، كنيس هخوربا الذي قُصف ودُمّر، كما صوّر استسلام السكان اليهود، ووجه موسى الحسيني المشرق جراء النصر (ابن أخ الحاج أمين الحسيني وممثله).
كان زعرور يطبع من كل صورة 4 نسخ، فقد عمل مصورًا معتمدًا للجيش الأردني والجيش البريطاني ووكالةip ، كان يطبع نسخة لكل منهما ونسخة أخرى لنفسه يحتفظ بها
كما صور أيضًا مردخاي فينجرتن مختار الحيّ، واحتفالات النصر للجنود والضباط الأردنيين ،لكنه لم يكن شخصًا سعيدًا، يحكي ابنه :“كان أبي خائب الأمل من الدول العربية، والتي لم تفِ بوعودها في إرسال العتاد والجنود للمقاتلين في1948 ، قال إن الإسرائيليين ملزمون بالقتال القوي، ليس لهم دولة بديلة.”
استلم السيد زكي نحو 324 صورة من أصل 380 صورة استولى عليها الصهاينة بعد الحرب وصادروها، تعود مليكتها لوالده الذي رحل عام1972 حزينًا مكسورًا على ألبوماته التي ضاعت في الحرب عام .1948
يقول ابنه:” كان مرض أبي نتيجة الاكتئاب الذي حلّ به جراء سرقة الألبوم الغالي على قلبه، والذي رأى به ذروة إنتاجه كمصور حربيّ ،وقد خفف حزنه أن السارق لم يأخذ مجموعة النيجاتيف، إلا أن أبي لم يكن في وضع نفسي يسمح له بطباعة صور جديدة.”
كان زعرور يطبع من كل صورة 4 نسخ، فقد عمل مصورًا معتمدًا للجيش الأردني والجيش البريطاني ووكالةip ، كان يطبع نسخة لكل منهما ونسخة أخرى لنفسه يحتفظ بها.
وقد أوصى ابنه بألا يكشف عن مكان نيجاتيف الصور لأي أحد وقد كان، إلا أنه أخرج الصور ووافق على عرضها عند إنتاج فيلم” يروشلايم، جيروزاليم، القدس“، معللاً ذلك أنه وافق على عرض الصور فقط بعد مصادرة أراضيه واقتلاع وسرقة نحو 100 شجرة زيتون للعائلة، عمرها مئات السنوات وذلك عند بناء جدار الفصل.
كانت حياة زعرور حافلة بصفته مصورًا حربيًا، فقد تعامل مع قادة إنجليز وصهاينة وبعضهم كون معهم صداقات، كجلوب باشا وموشيه ديان وموشيه شريت، يقول ابنه: “كان أبي على علاقات مع “إسرائيل” ،تصادق مع ديّان، ووثق لقاءاته مع غلوب باشا”
قصة خروج الألبوم من بيت زعرور وانتقالها لأرشيف حي الدفاع كانت مجهولة، إلا أن ابنه قال إن زوج أخته زكية – ابنة زعرور – هو من أهدى الألبوم لأحد أصدقائه اليهود الذي بدوره سلمه للأرشيف، وأضاف ابنه “كان البيت مغلقًا وسمعنا عن مجيء جنود إسرائيليين لبيت والدي ،تمركزوا في الحديقة وأشاروا بإكس أحمر على الباب، سُرقت معظم البيوت المجاورة أو تضررت ،عندما سألته عن عدم سرقة بيتنا، قال إنه لا يعرف، وأضاف بالإنجليزية ،leave it for the time عند عودتنا من عمان لاحظ والدي عدم سرقة أي شيء من البيت عدا الألبوم الذي كان موضوعًا على الخزانة في غرفة النوم، حَزِنَ جدًا وما خفف عنه وجود النيجاتيف وأوصاني بالمحافظة عليهم”.
كانت حياة زعرور حافلة بصفته مصورًا حربيًا، فقد تعامل مع قادة إنجليز وصهاينة وبعضهم كون معهم صداقات، كجلوب باشا وموشيه ديان وموشيه شريت، يقول ابنه: “كان أبي على علاقات مع “إسرائيل” ،تصادق مع ديّان، ووثق لقاءاته مع غلوب باشا”.
“جاء ديّان لدكان والدي بعد حرب 1967، والذي اصطحبه للحوانيت التي تبيع المقتنيات القديمة في القدس الشرقية ،عرف أبي أيضًا موشيه شريت وقدّره، وحزن لسماع خبر وفاته”.
تقول عنه دكتورة رونا سيلع: “حسب ما نعرفه اليوم، فإن زعرور كان المصوّر المسلم الأول الذي عمل في البلاد،” وتضيف: “كان محبًا للمغامرة، شجاعًا ومصورًا حربيًّا بطبيعته”، في صورِه التي تعود لما قبل 1948 تنقُص الإضاءة، والتي تميز الصور التي تعود لما قبل 1948 وفرت له شراسة الحرب والمعارك مواد خام، كما توثق صوره الحرب كما عاشها وتنفسها.
وتكمل “كل ما هو معروف لنا اليوم عن الحرب على الحي اليهودي في القدس هو من صور جون فيلبس ،فرغم كونه غير يهودي، كان فيلبس ذا توجه صهيوني واضح، صور زعرور تمنحنا وجهة نظر أخرى عن الحرب، وجهة النظر الفلسطينية، وثّق الرعب والجثث والدمار وصور الحرب، ويمكن القول بوضوح إن صور زعرور حرّكها وعيٌّ قوميٌّ وفلسطيني واضح.
هناك الكثير والكثير ممن الأعمال التي تحتاج أن تنسب لأصحابها أو البحث عن المجهولين منهم والتدقيق في سيرهم
يقول زكي زعرور: “كان والدي شخصًا سياسيًا“، ويضيف: “أحزنته النكبة، كونه شاهدًا على مأساة الفلسطينيين الذين أُرغموا على ترك قراهم في منطقة القدس، حدثني أكثر من مرة عن كيفية قدوم الجيش الإسرائيلي للقرية وإعلام سكانها أن لديهم ساعتين فقط من أجل الإخلاء، تتضح رؤيته السياسية في مبادرته لتصوير ما قام بتصويره، وهذا ما ميّزه، ضمّه الجيش الأردني إليه، وحصل على موافقة الجيش الأردني في الدخول لكل مكان، استعانوا به لتوثيق الأحداث، عرف جيدًا كيف يستعمل المعلومات التي حصل عليها منهم، كان في خضم الأحداث التي اعتقد بوجوب توثيقها، كان يختفي من البيت لمدة أسبوعين، ويحمّض الصور ليلًا في دكانه وينام بضع ساعات، قال لي والدي يومًا: “اركض وارسِل مغلف الصور هذا لغلوب باشا، قائد الفيلق العربي”.
يحوي هذا الأرشيف نحو نصف مليون صورة فوتوغرافية أغلبها إن لم يكن كلها لمصورين عرب أخرجتهم النكبة دون أن يستطيعوا إنقاذ أعمالهم، وبالتالي هناك الكثير والكثير ممن الأعمال التي تحتاج أن تنسب لأصحابها أو البحث عن المجهولين منهم والتدقيق في سيرهم.
كريمة عبود
التصوير في فلسطين لم يقتصر على الرجال فقط، إذ احترف المجال نساء أيضًا، نتحدث هنا عن كريمة عبود أول امرأة فلسطينية وعربية تعمل بالتصوير وتعتاش منه بشكل كامل. تعود أصول عبود إلى لبنان، إذ هاجرت عائلة والدها من بيروت لفلسطين بعد وفاة جدها، انتقلت الجدة مع أبنائها وهم فتاتين وستة شباب أحدهما سعيد عبود والد كريمة
شبت كريمة في عائلة مهتمة بالفنون، فأبوها القس سعيد عبود كان معنيًا بالشعر والأدب وأمها كانت تعمل معلمة ولها أختان إحداهما تعلمت عزف البيانو والثانية الكمان . عبود التي ولدت في 13 من نوفمبر 1893 أُهديت من والدها كاميرا تصوير هي التي فجرت شغفها وجعلته ولعًا ملموسًا في طلعاتها التصويرية ولقطاتها التي طُبعت صورًا فوتوغرافية.
يرجح أن بداية عبود كانت ما بين عامي 1918 و ،1920وصورت كل ما يمكن تصويره في فلسطين الناس والمباني والطبيعة وحتى العاملين والعاملات في الأراضي الزراعية، وكل ملامح الحياة اليومية على اختلافها وتباينها، افتتحت لنفسها بعد ذلك استوديو خاص في شارع يافا وعرفت بكريمة عبود مصورة شمس.
كان لعبود 4 ستوديوهات للتصوير الشمسي واحد بحيفا وآخر بالناصرة وواحد ببيت لحم والأخير في القدس
المميز في أعمالها ليس فقط توثيقها لفلسطين بأنها بلد طرقت أبوابه الحضارة كغيرها من البلدان قبل النكبة، وإنما لأنها ساهمت في ظهور المرأة الفلسطينية بكامل هيئتها ومظهرها، ذلك لأن أغلب الأسر في تلك الفترة كانت محافظة جدًا لا تظهر نسائها، حتى إن جواز السفر لم يكن يوضع فيه صورة للسيدة صاحبته وإنما فقط اسمها واسم زوجها وعدد أبنائها، فكانت فرصة جيدة أن تصورهن امرأة، مما شجع الفتيات على التقاط الصور سواء في حفلات عامة كحفلات التخرج أو خاصة كحفلات الزفاف .
أيضًا فتحت عبود نافذة جديدة على فلسطين من خلال عدستها، فبعد أن كان المستشرقون يتعمدون تصوير البدويات فقط، كانت عبود تصور الفتيات الفلسطينيات في الجامعة والمدارس ومظاهر الحياة العملية وهيئات نساء فلسطين التي لم تقتصر فقط على السيدة راعية الغنم أو حاملة جرار الماء وإنما أبعد من ذلك .
كان لعبود 4 ستوديوهات للتصوير الشمسي واحد بحيفا وآخر بالناصرة وواحد ببيت لحم والأخير في القدس، كان العمل مستمرًا بهم طوال أيام الأسبوع ما عدا الأحد اتخذته إجازة للتصوير الخارجي حيث كانت تتنقل بين مدن فلسطين أو كانت تتتوجه خارجها لسوريا أو لبنان أو الأردن بسيارتها الخاصة، مما جعل لها إنتاجًا متميزًا لم يصلنا منه سوى 7 ألبومات.
كريمة عبود
في عام 2007 أعلن أحد التجار الصهاينة بصحيفة محلية أن بحوزته مجموعة صور يريد تأريخها، الأمر الذي تتبعه الباحث أحمد مروات الذي بدوره أعلن اكتشاف مصور جديد من مصوري فلسطين ألا وهي كريمة عبود .
تزوجت عبود في الـ40 من عمرها ويقال إنها أنجبت ولدًا واحدًا اسمه سمير هاجر للبرازيل وتزوج وتوفي هناك ولا أبناء له، بينما توفيت عبود في 27 من أبريل 1940 بعد مسيرة تناهز الـ20 عامًا في تأريخ فلسطين وأهلها .
في هذا الفيلم نمر سريعًا على أهم محطات حياتها:
إيليا قهويجان
يعتبر الأرمن رواد التصوير في فلسطين، أول من أسس مدرسة للتصوير أصلاً في فلسطين هو الأسقف الأرمني يساي جرابيديان، حيث درس التصوير في فرنسا وافتتح مدرسة لتعليم التصوير في دير الأرمن بمدينة القدس .
صورة إيليا قهويجان
أحد أهم الأسماء اللامعة في سيرة التصوير بفلسطين هو المصور إيليا قهوجيان (1910 – 1999) الذي قدم طفلاً من تركيا ضمن الأطفال الأرمن المهجرين عام 1915.
كان إيليا أحد الأيتام الذين جمعتهم “المؤسسة الأمريكية للإغاثة في الشرق الأدنى” وأخذتهم إلى لبنان، ومن ثم إلى مدينة الناصرة الفلسطينية، رغب، منذ طفولته، أن يصبح مصورًا فوتوغرافيًا، وتعلم على أيدي الأستاذين كريكوريان وتومايان، وعندما قدم إلى القدس، انبهر بالمواقع التاريخية والمناظر الطبيعية، وقرر تكريس نفسه للفوتوغرافيا، فبدأ العمل جديًا عام 1924 المتبقة هجرت لبلد آخر ليعثر عليها بعد 18 عامًا في مدينة حلب السورية.
عمل إيليا في أحد استوديوهات القدس ثم اشتراه من أصحابه قبل هجرتهم للولايات المتحدة، ومن ثم بدأ العمل منه. أكثر مايميز إليليا أنه عاش تجربة لجوء في طفولته، فكانت النكبة بالنسبة له تجربة مشابهة عايشها وعايش أركانها وتبعاتها، أيضا تميز إنتاج إيليا بجودة التصوير والطباعة، فقدم بذلك إنتاجًا سخيًا لفلسطين وأهلها وعمارتها وطرقاتها، فكان لذلك عظيم الأثر على توسعه في العمل حتى إنه افتتح 3 استوديوهات للتصوير في شارع واحد هو شارع “حيفا“ في القدس .
ما زال العمل مستمرًا في استوديو إيليا ويديره أبناؤه وأحفاده، وافتتح أحدهم صفحة على موقع فيسبوك يوثق فيها إنتاج جده، ومرفق كل صورة بزمنها وملابساتها وظروف التقاطها يمكنكم الاطلاع عليها من هنا
يتكلم ابنه – والذي لا زال يعمل في نفس الاستوديو – في هذا المقطع عن بعض أعمال أبيه
صور إيليا قهويجان
هذا المقال لا يتكلم إلا عن غيض من فيض، شارع يافا في القدس كان يضم مئات من محال التصوير الفوتوغرافي التي لا نعرف شيئًا عن مصير مقتنياتها ولا أصحابها، والبعض نعرف أسمائهم ولم يصلنا من سيرتهم أو أعمالهم الا أقل القليل كخليل رصاص ، وقد عمد الاحتلال إلى إخفاء ذلك الإرث، المئات من صور القرى والمدن قبل النكبة، التي لم يتبق منها سوى أسمائها، كانت حاضرة في لقطاتهم، إلا أن الاحتلال يرغب في محوها من ذاكرتنا كما محاها من الخريطة، لكن التاريخ أضخم من أن تحتجزه أدراج مكاتب الأرشيف وسيظل يطل برأسه كلما سنحت الفرصة ليعرض لنا حقيقة ما كان هناك في الزمن البعيد .