هل ستكون الحرب الأمريكية القادمة في أفريقيا؟
ترجمة وتحرير: نون بوست
دفع تعليق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي وجهه إلى أرملة الجندي الذي توفي في النيجر في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، العديد من المشرعين الأمريكيين والصحافة إلى التساؤل تحديدا عن مهام الجنود الأمريكيين في النيجر وما يقومون به في هذا القطر الإفريقي. وجاء في تعليق ترامب أن “الجندي المتوفى كان يعرف طبيعة العمل الذي التحق به”.
في هذا السياق، يخيم على إجابات رجال البنتاغون نوع من الغموض. في الإجمال، يوجد حوالي تسع مائة جندي أمريكي في النيجر، إضافة إلى انتشار حوالي ستة آلاف جندي آخرين في 20 بلدا أفريقيا. من جانب آخر، يفتقر وجود الجنود الأمريكيين في القارة السمراء إلى التغطية السياسية من قبل الحكومة الأمريكية.
عموما، يبدو أن الهدف العسكري الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية متمثل في محاربة التطرف، وبشكل حاسم عبر دعم كبير من القوات الفرنسية الموجودة في أفريقيا. فخلال الأسبوع الماضي، وفي خضم الفضيحة، بسبب الطريقة المستهترة التي ظهرت في أسلوب ترامب خلال تعامله مع أرملة الرقيب ديفيد جونسون، تم استدعاء وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، إلى معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية.
خلال هذه الزيارة، أكدت المسؤولة الفرنسية لرئيس البنتاغون، جيمس ماتيس؛ ومستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر، أن الفرنسيين “ممتنون للدعم الأمريكي الهائل” في منطقة الساحل، إلا أنه “يجب على القوات الأمريكية المشاركة بقدر أكبر في هذا التحدي”. كما طلبت بارلي من المسؤولين الأمريكيين أن ينقلوا مضمون هذه الرسالة إلى البيت الأبيض.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن عدد الجنود الفرنسيين في القارة الأفريقية، أكثر من الجنود الأمريكيين، إذ يقدر عددهم بحوالي سبعة آلاف جندي. وينتشر أربعة آلاف من بينهم في خمس دول؛ وهي أساسا موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، تحت اسم عملية برخان. وكان الهدف من هذه العملية متمثلا في التصدي لتمرد الطوارق في مالي خلال سنة 2012، الذي نتج عنه تنامي عدد التنظيمات والجماعات المتطرفة.
تحطم طائرة فرنسية مخصصة لنقل الإمدادات لعملية برخان، على شاطئ ساحل العاج، بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر.
من جانبه، حاول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الحد من الإنفاق العسكري، لكن دون جدوى. وفي ظل هذا الوضع، لم يبق أمام الرئيس الفرنسي سوى خيار واحد؛ ألا وهو طلب المساعدة في حال أراد المضي قدما والتفوق في المنطقة. في الواقع، تم الإشارة إلى هذا الجانب في خطة إيمانويل ماكرون الإستراتيجية للدفاع والأمن القومي، في برنامج “مجموعة الدول الخمس في الساحل”. ويفرض هذا البرنامج، أن تحشد كل من الدولة الخمس السابق ذكرها حوالي خمسة آلاف جندي، مقابل حصول كل دولة على مبلغ 10 مليون يورو.
في شأن ذي صلة، تقدر تكلفة عملية برنامج مجموعة الدول الخمس في الساحل بنحو 423 مليون يورو سنويا. وفي صلب هذا المخطط، وعد الاتحاد الأوروبي بالمساهمة في تسديد هذا المبلغ وستقدر حصته بحوالي 50 مليون يورو.
أما فرنسا فستساهم بمبلغ ثمانية ملايين يورو. في المقابل، لا زالت قيمة مساهمة ألمانيا مجهولة إلى حد الآن، بينما لا توجد أية جهات أخرى مساهمة في تسديد هذا المبلغ السنوي. في هذا الصدد، أيدت الأمم المتحدة في حزيران/ يونيو الماضي عملية الساحل، وتجلى ذلك من خلال النداء الذي أصدر الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، لجمع التبرعات، لكنه لم يتمكن من جمع أموال كافية.
على أرض الواقع، تبدو الوضعية غير مشجعة على مواصلة اتباع برنامج الساحل، فقد أسفرت عملية برخان التي تم إطلاقها سنة 2014، عن وفاة 17 جندي فرنسي مقابل حصيلة 28 متطرف فقط بين قتيل ومعتقل. وفي هذا السياق، أشارت بارلي إلى أن فرنسا تتلقى “الدعم الأمريكي الهائل”، لكن بطريقة سرية وبعبارات لوجستية على وجه الخصوص.
وفقا لرئيس الأركان الأمريكي، الجنرال تشارلز دانفورد، وقع عدد من الجنود الأمريكيين والنيجيريين في كمين خلال عملية جمع معلومات حول عدنان أبو الوليد الصحراوي
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فلها مهمتها الخاصة بها المجهولة نوعا ما في المنطقة، والتي لا زالت سارية المفعول. في هذا السياق، أطلق باراك أوباما خلال سنة 2013 عملية جونيبر شيلد، من أجل التصدي إلى توسع بوكو حرام في المنطقة وانتشار الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة.
تبعا لذلك، تتمثل هذه العملية أساسا في البحث عن قادة التنظيمات المتطرفة، والقبض عليهم أو تصفيتهم على يد القوات الخاصة الأمريكية، مثل القبعات الخضر، وذلك يتم بالتعاون مع القوات المحلية، وبدعم من عملية برخان الفرنسية. وبناء على هذا التعاون، أصبح يطلق على هذا الجزء الأخير من البعثة الأمريكية اسم جونيبر ميكرون.
في الحقيقة، يعد ما حصل في النيجر في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في منطقة تونغو تونغو المتاخمة لمالي، جزءا من عملية جونيبر ميكرون. وتبعا لذلك، اضطر البنتاغون إلى تقديم توضيحات حول مقتل الجنود الأمريكيين الأربعة. ووفقا لرئيس الأركان الأمريكي، الجنرال تشارلز دانفورد، وقع عدد من الجنود الأمريكيين والنيجيريين في كمين خلال عملية جمع معلومات حول عدنان أبو الوليد الصحراوي. وأثناء القتال، حيث لقي خمسة جنود نيجيريين مصرعهم، طلب الأمريكيون الدعم الجوي الفرنسي. لكن يبدو أن الطائرات الفرنسية لم تتمكن من شن هجمات خوفا من إصابة قواتها الموجودة في أرض المعركة.
عدنان أبو الوليد الصحراوي، خلال أدائه يمين الولاء لتنظيم الدولة.
من جانب آخر، سلطت عملية البحث عن الصحراوي الضوء على الوضع المعقد في عملية مكافحة المتطرفين في منطقة الساحل، علما بأن الصحراوي سيصبح بمثابة الحليف القوي لتنظيم الدولة في المنطقة. وقد ولد هذا العنصر المفتش عنه في مدينة العيون وكان ينشط في جبهة البوليساريو خلال التسعينات. كما شارك الصحراوي سنة 2011 في تأسيس حركة موجاو، التي تنشط في الجزائر ومالي، والمرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وحسب بعض المصادر، تعمل هذه الحركة لصالح أجهزة الاستخبارات الجزائرية.
والجدير بالذكر أن الصحراوي له صلة بعملية خطف المتعاونين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، وهم الإيطالية روسيلا أورو، وإينهوا فرنانديز دي رينكون، وإينريك غونيالونس في مخيم اللاجئين الصحراويين في تندوف بالجزائر سنة 2012. أما في سنة 2013، تم تقسيم جماعة حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وانضمت أحد فصائلها إلى الارهابي والمهرب المعروف مختار بلمختار، المعروف أيضا باسم “مستر مارلبورو”، الذي لا يعرف أحد ما إذا كان حيا أو ميتا.
بالإضافة إلى ذلك، انضم الصحراوي إلى هذه الجماعة المسلحة المعروفة باسم “المرابطون”، وتسبب في أزمة أخرى سنة 2015 عندما أعلن ولاءه لتنظيم الدولة. لذلك، من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن رجال الميليشيا الموالين لتنظيم الدولة هم المسؤولون عن قتل الجنود.
مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان الصحراوي موجودا على رأس تنظيم المرابطون، أو بالأحرى ما يسمى بتنظيم الدولة في منطقة الساحل الأفريقي، لأن المرابطين قد انضموا منذ شهر آذار/ مارس إلى ثلاث جماعات أخرى من بينها، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بهدف تشكيل جبهة نصرة الإسلام والمسلمين، وجماعة دعم الإسلام والمسلمين، تحت قيادة أحد قادة الطوارق إياد أغ غالي، زعيم أنصار الدين، وهي من إحدى التشكيلات المتطرفة التي سيطرت على ثورة الطوارق في مالي. وقد ظهرت هذه المجموعة، “المرابطون”، ردا على صعود تنظيم الدولة الذي مثل وصمة عار كبيرة في المنطقة أكثر من بوكو حرام.
الفائزون في ثورة طوارق في ساكابال (النيجر)، تموز/ يوليو سنة 2012
على ضوء هذه المعطيات، من الواضح أن المعركة ضد هذه التنظيمات الإرهابية تعد أمرا معقدا للغاية، نظرا لأن ذلك يرتبط بالسكان واحتياجاتهم العميقة الخطيرة، فضلا عن التوترات المحلية والقبلية. ووفقا لبعض التقارير، فإن سكان منطقة “تونغو تونغو” يعانون من عواقب الكمين الذي حدث في اليوم الموافق للرابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
بالنسبة لأي مراقب سياسي، فإنه إذا أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطا في المنطقة، فإن ذلك سيزيد من تحفيز المتطرفين وتعزيز صفوفهم. فقد حافظت واشنطن، منذ سنة 2013، على مكانة بارزة في المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة لأفريكوم، وهو مركز القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، الذي تم إنشاؤه سنة 2007، لكن هذا المركز لا يوجد في القارة الأفريقية، وإنما في شتوتغارت. في المقابل، فإن النشاط العسكري في برامج التدريب والبعثات العسكرية، كما هو الحال في تونغو تونغو، متزايد.
في الوقت الراهن، تم شن عدة عمليات عسكرية ضد الجماعات المتطرفة. وإلى جانب عمليات الولايات المتحدة في النيجر، هناك أيضا القوات المشتركة متعددة الجنسيات التي تحارب ضد بوكو حرام، إذ تضم كلا من الكاميرون، ونيجيريا، والنيجر والتشاد، والتي تعاني بدورها من مشاكل كبيرة.
سيتعين على برنامج مجموعة الدول الخمس في الساحل إيجاد حل لكل ما يحدث، عن طريق الانضمام إلى عملية “برخان” الفرنسية
من أبرز البعثات الموجودة في منطقة الساحل، بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد “مينوسما”، وبعثة الاتحاد الأوروبي “يوتم”، إلى جانب بعثة “برخان” الفرنسية. لكن، إذا لم تتمكن البعثة الفرنسية من تحقيق النتائج المرجوة، فلن يتبقى سوى بعثتين. ومن المعلوم أيضا أن “مينوسما” لا تتمتع بقيادة هجومية، كما أن قواتها في مالي لا تقتصر سوى على البقاء داخل الثكنات، وهو ما يجعلها غير قادرة على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
في سياق متصل، تقتصر بعثة الاتحاد الأوروبي، التي تشارك فيها إسبانيا أيضا، على تدريب الجنود. ولكن وفقا لتقرير تم إعداده في مالي من قبل عضو البرلمان الأوروبي، خافيير نارت، فإن هدف هذه البعثة يكمن في تشكيل “وحدات للاحتلال الإقليمي، دون القيام بتدريب هجومي”. وهذا يدل على أن برنامج التدريب قصير جدا ويشمل جوانب مختلفة مثل “عبور الأنهار في الإقليم الصحراوي”.
من ناحية أخرى، سيتعين على برنامج مجموعة الدول الخمس في الساحل إيجاد حل لكل ما يحدث، عن طريق الانضمام إلى عملية “برخان” الفرنسية. لكن، إذا تأخر هذا المشروع لأي سبب من الأسباب أو تم تقديمه بعد فوات الأوان، فإن التطرف سينتشر أكثر فأكثر. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هناك مشكلة أخرى تكمن أساسا في قلة التفاعل بين جميع البعثات، ناحيك هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، التي تؤثر على جميع الجيوش الأفريقية المعنية بالأمر.
مؤخرا، سحبت تشاد قواتها (بضع المئات من الجنود) من القوات المشتركة متعددة الجنسيات التي تقاتل ضد بوكو حرام، على وجه التحديد في النيجر، كاحتجاج على الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة ضد دخول مواطني تشاد للبلاد. ووفقا لترامب، فإن التشاد لا تتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. في المقابل، عرضت التشاد خدماتها على فرنسا (بما أن فرنسا لديها مقر لقاعدة عسكرية في التشاد)، وأعربت أيضا عن تأييدها مجموعة الدول الخمس في الساحل لمكافحة الإرهاب.
نفذ الإرهابيون سلسلة من الهجمات، ولعل أكثرها خطورة بالنسبة للولايات المتحدة، تلك التي جدت مؤخرا في نفق بين نيويورك ونيوجيرسي
في الجانب الأمريكي، قام البنتاغون بتحديد برنامج للمناورات العسكرية، وبرر هذا الإجراء بفرضية اندلاع حرب لا نهاية لها ضد التطرف والإرهاب، الذي شهد توسعا كبيرا في إفريقيا، وذلك سيكون خلال سنة 2021. إذن، هل ستكون هذه الخطوة خطوة أخرى “عمياء” من جانب إدارة ترامب المختلّة، التي إلى حد الآن لم تعين أي مسؤول كبير متخصص في شؤون القارة الأفريقية؟ (في وزارة الخارجية الأمريكية، عمليا، كل المناصب لها نواب، باستثناء المنصب المسؤول عن شرق إفريقيا، الذي لا يزال شاغرا).
في ظل هذه الظروف، لسائل أن يسأل: ماذا إذا قرر المسؤولون في واشنطن في نهاية المطاف الانسحاب من أفريقيا. من الواضح أن البنتاغون وضع سيناريو مزعجا نوعا ما لسنة 2021، الذي يهدف إلى تطبيق تدريبات عسكرية تم تطويرها مؤخرا من قبل الفروع الثلاثة للقوات المسلحة، التي تم نشرها في صحيفة ذي إنترسيبت.
وفقا لهذه الفرضية، فقد بلغ عدد مقاتلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب حوالي 38 ألف مقاتل، والعدد في تزايد في كل من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر إلى جانب الصحراء الغربية. وبعيدا عن مواجهة الجماعات الأخرى، أقام التنظيم روابط مع بوكو حرام وتنظيم حركة الشباب في الصومال.
بالإضافة إلى ذلك، نفذ الإرهابيون سلسلة من الهجمات، ولعل أكثرها خطورة بالنسبة للولايات المتحدة، تلك التي جدت مؤخرا في نفق بين نيويورك ونيوجيرسي. وللحد من توسعهم في القارة الإفريقية، أطلقت كل من الولايات المتحدة وكندا عملية عسكرية تضم حوالي 70 ألف جندي، التي أدت في نهاية المطاف إلى انسحاب الكنديين بسبب سقوط العديد من الضحايا في صفوفهم. ومن هذا المنطلق، يبدو أن الحرب بالنسبة للأمريكيين هي حرب أبدية، كما هو الحال دائما.
الصحيفة: لافانغوارديا الإسبانية