يكثر الجدل وتتجدد الأسئلة والإشكالات السياسية عند (العامة والخاصة) مع كل تصريح أمريكي متعلق بمستقبل رأس النظام السوري بشار الأسد، مبعث هذه التساؤلات هو تعاطي الإدارة الأمريكية مع الملف السوري على امتداد مشوار الثورة، فهل الولايات المتحدة الأمريكية جادة فعلًا في إبعاد الأسد وقد سنحت لها الفرصة مرارًا قبل هذه المرحلة التي نعيش فلم تنتهزها؟
ولعل فاجعةَ الكيماوي في غوطة دمشق – والتي كان فيها ما كان من التفاف باراك أوباما على خطوطه الحمراء- أعظمُ تلك الفرص، وهل تدور هذه الفكرة التي أسمعنا إياها مؤخرًا وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في خلد صناع قرار البيت البيض وهم في تعاون وتنسيق تام مع روسيا حاملة لواء الدفاع عن النظام؟ ألا يلُفُّ التناقضُ هذه الأقوال من كل جانب وخاصة حينما نعرضها على ميزان الأفعال؟
إن إمعان النظر وربط النتائج بالمقدمات لا يرينا أي خلل أو تناقض في هذا الأمر، إنما يسقينا فهمًا سليمًا ويشكل لدينا صورة واضحة عن الموقف الأمريكي بشأن الأسد وبشأن الصيغة السياسية لسوريا القادمة، في هذا السياق أقول: نعم الإدارة الأمريكية جادة كل الجد بتنحية الأسد لا نظام الأسد، الأسد كفرد في منظومة حكم من المهم جدًا للقوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أن تبقى ممسكةً بزمام الأمور وحجر الأساس في أي تسوية سياسية آتية.
تصريح وزير الخارجية لم يأت من فراغ، إذ يبدو أن الأطراف الدولية متفقة على تسريع عجلة الحل السياسي، كما يظهر أن كلا الطرفين على الجغرافيا السورية (النظام والمعارضة) باتا على قناعة بصعوبة وربما استحالة الحسم العسكري
ولو قمنا بجردة حساب شاملة للبيانات والتصريحات والمواقف الرسمية الأمريكية لرأيناها تسلط الضوء على الأسد إدانةً وشجبًا وشتمًا – أحيانًا – بمعزل عن النظام، بل إن مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق جون برينان أجهز على قول كل خطيب حين كشف تمسك الولايات المتحدة وروسيا وسائر دول المنطقة بمؤسسات النظام في دمشق، في الوقت ذاته الذي يحكي فيه هو وأقرانه من السياسيينعن وجوب رحيل الأسد، هذه هي الرؤية الثابتة للإدارة الأمريكية السابقة أو الحالية.
رؤية تعمل على إنضاجها وتنفيذها مع الشركاء الدوليين والحلفاء الإقليميين، ولا مفر من أن نبين في معرض هذا الموضوع أن الولايات المتحدة متوقفة في إخراج الأسد من السلطة حتى هذه اللحظة كونها تريد انتقالًا سهلًا سلسًا للسلطة لا يؤثر على استقرار النظام ويحفظ بنيته الأمنية والاستخباراتية وذلك لما لهذه الشخصية من نفوذ عريض على هذين الجهازين، فتريد بداية أن تفض الاشتباك وتنهي الحرب وتثبت أركان الدولة بحل سياسي شامل ثم تشتغل على هذا الإجراء بدقة وتؤدة.
تصريح وزير الخارجية لم يأت من فراغ، إذ يبدو أن الأطراف الدولية متفقة على تسريع عجلة الحل السياسي، كما يظهر أن كلا الطرفين على الجغرافيا السورية (النظام والمعارضة) باتا على قناعة بصعوبة وربما استحالة الحسم العسكري، وأن الخيار المناسب الملائم هو الذهاب إلى حل سياسي لا يحقق جميع أهداف وطموحات الطرفين ما عدا شخص بشار الأسد الذي لن ينال من الاتفاق لا عنب الشام ولا بلح اليمن باعتباره ورقة محترقة باتت تكلفة إعادة تأهيلها باهظة الثمن، وأمسى رحيله محل اتفاق الفاعلين في هذا الملف.
اتفاق يحقق شيئًا من المكاسب ويوقف آلة الحرب وحمام الدم خير من المضي في حرب ظالمة لا تبقي ولا تذر
مع اختلاف في التوقيت والكيفية، وغالب الظن أن هذا الحل السياسي لن يبعد الأسد فحسب عن مستقبل سوريا بل تشمل قائمة الإبعاد نظام السلطة المركزية الذي سيُستبدَل به نظامٌ فيه شيء كبير من الفيدرالية – وإن لم يُصرَّح بذلك – يعطي صلاحيات أوسع للمناطق كافة وبخاصة مناطق الثورة ويكون مشابهًا لاتفاقية دايتون للسلام في البوسنة والهرسك (14 من ديسمبر 1995)، هذا النموذج بات حديث الكتاب والمراقبين بسبب التشابه الكبير بين طبيعة الصراع في البوسنة وسوريا من جانب، ومن جانب آخر كون هذا النموذج هو السبيل الأنجع – بحسب الدول النافذة وعدد من المعارضين – لاستدامة الحل السياسي وتهدئة النفوس والوصول إلى سلام شامل.
بعد هذه الصورة الموجزة ثمة سؤال مهم، هل ينبغي على الثورة بقواعدها وحاضنتها وأبنائها البررة أن يقبلوا باتفاق على غرار دايتون وأضرابه خاصة أنه لا يحقق شيئًا من غاياتهم السياسية التي ضحوا بفلذات أكبادهم من أجلها؟
يجيب بعضهم بأن اتفاقًا يحقق شيئًا من المكاسب ويوقف آلة الحرب وحمام الدم خير من المضي في حرب ظالمة لا تبقي ولا تذر، بينما يجيب آخرون بأنْ لا حل يرتجى من الأطراف الدولية، ولا سبيل أمام الثائرين إلا الوحدة والثبات والعض على ثوابت الثورة بالنواجذ حتى النصر والتحرير.