“في صيف عام 1990، عندما وصلت إلى إسطنبول بعد رحلة بالشاحنة استغرقت يومَين، لزيارة صهري وأختي، كان من المفاجئ رؤية أن ما ينتظرني ليس جنة، بل أحياء فقيرة لا تملك حتى مياهًا صالحة للشرب. ومع ذلك، كنت سعيدًا بالاستمتاع بامتياز أن أكون في إسطنبول، حيث لا يزال اسمها يثير في نفسي شعورًا غريبًا بالراحة، ربما بسبب الشعور بالتغيير المكاني البسيط، أو ربما بسبب التحرر من البيئة المسيَّسة المنهارة التي كانت تسود منطقتنا. وكنت متحمسًا أيضًا لخوض تجربة بناء قصتي الخاصة في إسطنبول، التي سأحكيها بسعادة لأصدقائي الذين لم يحظوا بفرصة زيارة المدينة، عندما أعود إلى الوطن”.
هكذا يروي الباحث والمؤرخ الكردي، سنان هاكان، قصة لقائه الأول مع اسطنبول. إذ تشكلت صورة إسطنبول الحالمة لدى الآلاف من سكان القرى الجنوبية والشرقية من قصص الشباب المهاجرين الذين كانوا يعودون إلى قراهم متأنقين بزهو، حاملين الكثير من القصص والمغامرات ليحكوها لأبناء القرية المتشوقين لمعرفة الكثير عن تلك المدينة البعيدة الأسطورة. لم يتحدثوا أبدًا عن الفقر والغرف الرطبة والعمل الشاق وكل وصفهم للبوسفور كان مما يرونه من بعيد أثناء مرورهم به بعد يوم شاق.
الأكراد في إسطنبول
كان الأكراد موجودين بكثرة في إسطنبول منذ العهد العثماني، إلا أن هجرتهم إليها بانتظام بدأت في الستينيات فترة الجمهورية الحديثة، ثم تسارعت بعد الثمانينيات تزامنًا مع توسُّع العمليات والأنشطة العسكرية في مناطقهم، وبلغت ذروتها في التسعينيات مع استمرار الظروف الصعبة التي أجبرت حتى كبار السن على التوجه نحو إسطنبول، التي كانت الأمل والمستقبل بالنسبة لكل امرأة ورجل وشاب وطفل وكبير كردي هرب من الجغرافيا القاتلة والحرب المستعرة.
بحسب المؤرخ هاكان، تختلف هجرة الأكراد في التسعينيات عن هجرة الأتراك العامة إلى إسطنبول، لأنها لم تكن ذات دوافع اقتصادية، بل كانت هجرة ناجمة عن الضرورة بسبب الصدمات الاجتماعية والشخصية والميل نحو التسييس الممزوج بردود الفعل.
ساهم قدوم بعض الشخصيات المؤثرة، مثل سعيد الكردي الذي جاء من كردستان إلى العاصمة في تنشيط المجتمع الكردي، حيث شكّلوا جميعهم ديناميكية مهمة للأنشطة السياسية
وكما هو معلوم، فإن الإحصاءات الرسمية لا تصنف السكان بناء على الهويات العرقية، لكن تقدر أعداد الأكراد في اسطنبول اليوم ما بين 2- 4 مليون إنسان. ويبدو هذا الرقم فضفاضًا بسبب غياب المحددات؛ إذ يمكن أن يكون المرء كرديًا بسبب لغته الأم أو انتمائه السياسي والثقافي، لذا تلجأ مراكز الإحصاء للنظر إلى أماكن ولادة هؤلاء السكان في محاولة لمعرفة هوياتهم العرقية. رغم ما يعتري هذه الطريقة من مشاكل كون كثير من مدن الجنوب والشرق هي مدن مختلطة بين العرب والأكراد، كما يُستثنى من هذا التعداد المهاجرين القادمين من بعض المدن مثل قونية أو مرسين أو تلك التي استقبلت مهاجرين أكرادًا قديمًا أو أولئك المولودين في إسطنبول.
نضيف إلى ذلك أن إحدى عقد النظر “للمجتمع الكردي” في إسطنبول – أو خارج مناطقهم الجغرافية- هي أن ليس كل الأكراد جغرافيًا هم أكراد سياسيًا، والعكس صحيح، وأن كون المرء كرديًا يكون بطرق مختلفة ومتشابكة.
ويتركز الوجود الكردي في إسطنبول تقليديًا في أحياء باغجلار وغونغورين في إسنلر وأسنيورت وأفجيلار وبي أوغلو، التي تشكل بعضها من هجرات الأكراد إليها أساسًا.
النشاط السياسي الاجتماعي
يعود النشاط السياسي لأكراد إسطنبول إلى نهاية الحقبة العثمانية، مع إعلان المشروطية الثانية عام 1908، إذ تجلّى نشاطهم بداية في الجمعيات الطلابية والأندية وكتابة النشرات.
يقول المؤرّخ الكردي سنان هاكان في حديثه لـ”نون بوست”، إنه عند تتبُّع الخلفية الاجتماعية للحركات السياسية الكردية، نجد أن وجود عائلة البدرهاني في إسطنبول وتولّيها بعض المناصب في الإدارة العسكرية والمدنية خلال الحقبة العثمانية، كان أحد أهم ركائز المجتمع الكردي في إسطنبول، إضافة إلى عائلة البابانزاد، وهي عائلة كردية مهمة في إسطنبول.
يضاف إلى هاتين العائلتين البارزتين، أطفال القبائل الكردية الذين جلبهم السلطان عبد الحميد الثاني إلى الإدارة المدنية والعسكرية العثمانية عن طريق المدارس القبلية، والطلاب الأكراد الذين أتيحت لهم الفرصة للدراسة في الطب والهندسة العسكرية والمدنية.
في مرحلة التسعينيات وحتى عام 2002، فرضت الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة على أكراد إسطنبول صراعًا من أجل البقاء، ما حرمهم من تبني مواقف سياسية صلبة أو ردود فعل متجانسة
كما ساهم قدوم بعض الشخصيات المؤثرة، مثل سعيد الكردي الذي جاء من كردستان إلى العاصمة في تنشيط المجتمع الكردي، حيث شكّلوا جميعهم ديناميكية مهمة للأنشطة السياسية، وعلى هذا الأساس الاجتماعي، أصبحت إسطنبول المركز الرئيسي لجهود التحديث وانشغال الأكراد بالسياسة.
ازداد توجه الأكراد نحو السياسة بعد معاهدة موندروس وتدهور الدولة العثمانية، وكانت “جمعية صعود كردستان (Kürdistan Teali Cemiyeti)” وأنشطتها هما المساهم الأكبر في عملية التسييس تلك، لكن هذا النمط السياسي الكردي المركزي في إسطنبول انتهى لأسباب مختلفة.
أهم تلك الأسباب هو تحول أنقرة إلى المركز الجديد، وتوقيع الدولة العثمانية معاهدة سيفر التي حرمت عموم الأكراد من حقهم في إقامة دولة، وفشل الثورة التي قادها شيخ سعيد في ديار بكر احتجاجًا على إنكار مصطفى كمال أتاتورك وجود كردستان بعد توقيعه اتفاقية لوزان، ومحاكمة وإعدام الشيخ سيد عبد القادر الشمدينانلي أمام محكمة استقلال الشرق في ديار بكر، وهو أحد المشاركين البارزين في ثورة الشيخ سعيد.
لم يختلف الوضع كثيرًا في مرحلة التسعينيات وحتى العهد الجديد عام 2002، إذ فرضت الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة على أكراد إسطنبول صراعًا من أجل البقاء، ما حرمهم من تبني مواقف سياسية صلبة أو ردود فعل متجانسة تجاه قضاياهم وحقوقهم.
يفسِّر هذا الوضع سبب خسارة حزب الشعب الجمهوري الأصوات التي توقع الفوز بها في إسطنبول، في أول تحالف حدث في الانتخابات العامة عام 1991 بينه وبين حزب العمل الشعبي الكردي.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجماهير الكردية نأت بنفسها تقليديًّا عن السياسة الأيديولوجية اليسارية لفترات طويلة، مع حفاظها على الهوية الكردية الثقافية التقليدية، ولذلك حظيَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في فترة رئاسة بلدية إسطنبول عن حزب الرفاه عام 1994 بتأييدهم، إذ اعتبروا خطاباته في ذلك الوقت خطابات تقدمية ومطمئنة للغاية، خاصةً المحافظين منهم. وذلك على العكس من الحكومات الائتلافية التي افتقرت إلى ثقتهم وخنقت مناطقهم في شرق البلاد بفعل حالة الطوارئ، بحسب هاكان.
ويضيف هاكان أن “الحضور السياسي للأكراد في إسطنبول تمثّلَ في القدرة على المشاركة في تنظيمات الأحزاب، مثل حزب الرفاه أو حزب الوطن الأمّ الذي أسّسه تورغوت أوزال وتمّ حلّه عام 2009”.
تمثل حضورهم السياسي أيضًا بـ “شغل بعض المسؤولين الأكراد مناصب في إدارات البلديات بمعية رئاسة أردوغان للبلديات، على سبيل المثال عبد العالم كارابيك مدير شركة الأسفلت (من مدينة فان)، ومهدي إيكر، ومستشار رئيس البلدية، ومحمد متينر وغيرهم”، بحسب هاكان.
ويكمل “رغم قلة عددهم، عزّز هذا الحضور العلاقة السياسية بين الجالية الكردية في إسطنبول والرئيس أردوغان في السياسة اليمينية والبُعد الإداري المحلي للسياسة، حيث حافظت تصريحات أردوغان، وبالطبع أربكان، المعتدلة والمحترمة تجاه المجتمع الكردي، على صحّة هذه العلاقة لفترة طويلة”.
وبالتالي، فإن العمل المنهجي الذي قامت به كوادر حزب الرفاه في إسطنبول في بداية التسعينات، وانطلاقًا من ضواحي المدينة، في سبيل كسب الناخبين، سهّل الوحدة مع الناخبين الأكراد، الذين يوجد معهم بالفعل علاقات تقارب تقليدية، وأتاح الفوز في الانتخابات البلدية لهذين “الآخرين” (الأكراد والمحافظين) في المجتمع فرصة التعايش على أساس قوي.
وبالعموم، تختلف التوجهات السياسية لأكراد إسطنبول عن أقرانهم من أكراد المناطق الشرقية الجنوبية، إذ تظهر هويات أكراد إسطنبول المعارضة بوضوح وبقوة أكبر، لكن الوضع في الجنوب يختلف، وذلك بحسب الباحث والكاتب الكردي، روج غيراسون، الذي يقول إن: “الشباب الكردي في المنطقة الشرقية يتشكل في الغالب بالهوية الكردية. وبطبيعة الحال، هناك مناطق وأماكن في اسطنبول لا يمكننا استخدام هذا التمييز فيها بشكل واضح. على سبيل المثال، في أحياء ضواحي إسنيورت وكوتشوك شكمجة وبيوغلو في إسطنبول، يرتبط الشباب بهويتهم الكردية وليس بمعارضتهم”.
ويضيف أن الأكراد في إسطنبول يتمتعون ببعض التنظيم المدني والسياسي، إذ إن هناك العديد من الجهات الكردية الفاعلة في كثير من حركات المعارضة في تركيا أو في إسطنبول، وعلى عدة جبهات داخل الحكومة في إسطنبول، لكن الخطاب القومي والعنصري المتزايد يشكل عائقًا أمام المزيد من التنظيم وإبراز أنفسهم أكثر.
النشاط الاقتصادي
بتتبُّع علاقات الأكراد بإسطنبول، نرى أن أكراد قونية وأنقرة كانوا أهم المورّدين الذين قاموا بتلبية احتياجات إسطنبول من اللحوم، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
أما أكراد إسطنبول فقد عملت الكتلة الرئيسية منهم، بخلاف الطبقة الأرستقراطية الكردية أو موظفي الخدمة المدنية أو العلماء، في أعمال العتالة خلال الفترة العثمانية، والتي كانت عاملًا اقتصاديًّا مهمًّا في تلك الفترة، إذ احتكر الحمّالون الأكراد هذا النشاط الاقتصادي إلى حدّ كبير، رغم وجود بعض الصراعات مع الأرمن.
وفي ظل الجمهورية، تمثلت الحياة الاقتصادية للأكراد في إسطنبول في عملهم بالبناء، لكنها توسّعت وتطورت مع ازدهار صناعة النسيج في المدينة، إذ وجدت نساؤهم فرصًا للعمل في الورشات، وهكذا بدأت مشاركة المرأة الكردية في اقتصاد المجتمع الكردي.
إن العلاقة الحقيقية التي أُقيمت مع أكراد إسطنبول بعد عام 1994، أثرت بعمق على علم الاجتماع الكردي اقتصاديًّا، كما أتاحت للأكراد فرصة الاستفادة من المجال الاقتصادي الذي أنشأته كل من بلديات إسطنبول الكبرى وبلديات المقاطعات، وكان الطريق ممهّدًا لتراكم كبير لرأس المال، وتشكّل طبقة كبيرة من أكراد إسطنبول الذين أصبحوا رجال أعمال وتجارًا في قطاعات مختلفة.
ورغم أنه لم يكن السبب الوحيد، فإن العلاقة الحقيقية التي أُقيمت مع الكتلة الكردية من خلال الموظفين الأكراد (والشرقيين) في بلدية إسطنبول في تلك الفترة، ساهمت بشكل كبير في عملية التحديث الاقتصادي لأكراد إسطنبول.
واليوم، اتّسعت الطبقة الوسطى للمجتمع الكردي في إسطنبول، لكنهم لا يزالون يشكّلون النسبة الأكبر من فقراء المدينة الذين يعيشون في ضواحيها وأحيائها الفقيرة، رغم وجود طبقة كردية تجاوزت الطبقة الوسطى مقارنة بالتسعينيات، وأصبحت الآن أكثر ثراءً.
الانتخابات البلدية في إسطنبول
لم يسبق أن حظيَ أكراد إسطنبول بهذا القدر من الاهتمام السياسي والتحليل الاجتماعي قبل الانتخابات البلدية عام 2019، حين اكتشفت الأحزاب الملايين من الناخبين الأكراد في إسطنبول فجأة، بعد سنوات طويلة من كفاحهم في هذه المدينة المرهقة، لكن على غفلة من اهتمام المجتمع السياسي والعلمي، كانت أُسُس علم الاجتماع الكردي تتشكل بالتفاعل بين المدينة والمهاجرين، وأصبحوا أحد أهم عناصر التغيير في إسطنبول.
لا يمكن الفصل بين أكراد الجنوب وأكراد إسطنبول، فما يحدث في الجنوب الشرقي يؤثر بطرق متشابكة على أكراد إسطنبول، ويدرك السياسيون هذه المعادلة، فمثلًا أثناء سعي بن علي يلدريم لكسب انتخابات بلدية إسطنبول في جولة الإعادة عام 2019، ذهب إلى ديار بكر لزيارة المواطنين الذين يعيشون في إسطنبول لكنهم يقضون العطلة في الأناضول، حسب قوله.
وكان هدف زيارته محاولة لتعديل المزاج الكردي، الذي كان يتغيّر سلبيًّا بسرعة آنذاك تجاه حزب العدالة والتنمية، بسبب التصريحات القاسية التي تبنّاها تجاه الأكراد إثر تحالفه مع الحركة القومية، إذ قال أحد المواطنين الأكراد أثناء زيارة بن علي يلدريم لمدينة ديار بكر: “أريد دائمًا أن يأتي الأشخاص المهمون إلى ديار بكر. أريد أن يأتي أردوغان وإمام أوغلو أيضًا، فإن الطريق إلى إسطنبول يمرّ عبر ديار بكر والشعب الكردي”.
مع ذلك، كانت الانتخابات المحلية عام 2019 محكومة بمعادلات مختلفة تمامًا عن الانتخابات المرتقبة في 31 مارس/ آذار الجاري، إذ استطاع حينها حزب الشعب الجمهوري الحصول على أصوات جماهير حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) والحزب الجيد (القومي المتشدد تجاه المسألة الكردية) في الوقت نفسه، لكن في الانتخابات المحلية المقبلة، قدّم حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب مرشحه الخاص للانتخابات، ورفض دعم مرشح الحزب الجمهوري دون وجود تحالف علني واضح، إلا أن غياب التحالفات بين الأحزاب السياسية لا يعني انفصال الناخبين بشكل كامل.
يبلغ عدد الناخبين الأكراد ما يقرب من 20% من إجمالي ناخبي إسطنبول، ويقول الباحث في الشأن الكردي غيراسون إن 50% من هؤلاء الناخبين يصوّتون لحزب الشعوب الديمقراطي أو الأحزاب الداعم والمتحالف معها، بينما تتوزّع نسبة الـ 50% المتبقية على الأحزاب السياسية الأخرى، إذ يدعمون أحزابًا سياسية مختلفة.
يأتي ذلك في سياق الانتخابات العامة، لكن على صعيد الانتخابات المحلية نرى أنهم يصوتون على أساس التوازنات المحلية خارج حزبهم. على سبيل المثال، رغم أن حزب مساواة الشعوب والديمقراطية قدّم مرشحه للانتخابات المقبلة، إلا أن ما يقرب من 60% من ناخبي الحزب صرّحوا بأنهم سيصوتون لأكرم إمام أوغلو.
ويرى باحثون أن أكراد إسطنبول كانوا ينظرون إلى إمام أوغلو كمرشح كسب المعركة بأصوات حزب الشعوب الديمقراطي والأكراد عمومًا، وربما هذا لم يعد موجودًا اليوم، أو ربما تراجع إلى حد ما بسبب غياب التحالف بين الأحزاب الكردية والحزب الجمهوري، أو نتيجة دعم ترشحه لرئاسة الجمهورية من قبل الحزب الجيد (القومي) في الانتخابات الفائتة.
وبعد التصريحات الإشكالية لمرشح الحزب الجمهوري لرئاسة بلدية أفيون قره حصار: “عندما يتم انتخابي، ستكون أبواب البلدية مفتوحة لكل حزب سياسي باستثناء حزب الحركة الديمقراطية”، سارع أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري لبلدية إسطنبول الكبرى، لاسترضاء جماهير الحزب في إسطنبول، وأكّد أنه يخدم الناس من جميع الأطياف السياسية.
كما يسعى أكرم إمام أوغلو لسحب جزء من أصوات الأكراد المحافظين الذين يصوّتون عادة لحزب العدالة والتنمية، لكنهم يتذمّرون اليوم من الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الإيجارات، أي أن استياءهم من الحكومة ربما ينعكس على خياراتهم في الانتخابات المحلية.
مراد كوروم وهو يرتدي الكوفية الكردية في غونغوران عام 2024
في المقابل، إن الخلاف الذي ظهر بين العدالة والتنمية والحركة القومية، إضافة إلى اختيار مرشح مثل مراد كوروم (لا يعتبر من الأسماء القومية المتشددة في السياسة التركية)، ربما يخفّف من مشاعر الناخبين الأكراد السلبية تجاه الحزب.
قال مراد كوروم في إحدى جولاته الانتخابية في الأحياء ذات الأغلبية الكردية، إنه سيقدم الخدمات بالعدل بين جميع مناطق إسطنبول، ولن يكون هناك امتياز لمنطقة دون أخرى.
وبحسب استطلاع للرأي، أجراه مركز رواصد في فترة 10-18 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت (قبل أن تسمّي الأحزاب مرشحيها)، شمل 1000 من الناخبين الأكراد في 39 منطقة، فإن 33.4% منهم سيصوتون بالتأكيد لصالح إمام أوغلو، وقال 31.4% من المشاركين إنهم بالتأكيد لن يصوتوا لصالح إمام أوغلو، وهكذا يبدو أن مؤيدي إمام أوغلو وأولئك الذين لا يدعمونه متقاربين، حيث تبلغ نسبة أولئك الذين يقولون إنهم سيصوتون لإمام أوغلو إذا لم يقم الحزب الذي يدعمونه بترشيح مرشح 24.6%.
بناءً على الدور الرئيسي الذي يلعبه الأكراد في اختيار عمدة المدينة الأبرز في تركيا، نرى في إسطنبول نموذجًا واضحًا عن الاندماج الكردي ضمن النظام التركي، إذ يشارك المواطنون الأكراد بشكل كامل في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية للمدينة الكبرى، إلا أنها حافظت في الوقت نفسه على هويتهم الكردية وأحيانًا أعادت خلقها من جديد.