يعتبر مطعم ” ليبرتاريا” الواقع بين جامعة برشلونة وشارع لارامبالا متحفا صغيرا يوثق تاريخ اللاسلطة في إسبانيا. في هذا المكان، علق المؤرخ سيرجيو جيل صورا قديمة توثق تاريخ برشلونة المتحررة أثناء الحرب الأهلية الإسبانية وما قبلها. وفي الأثناء، دخلت مجموعة من السياح إلى المطعم الذي يعد قبلة للعديد من الزوار.
والجدير بالذكر أن هذا المطعم مجهز بتلفاز لا يغيب عن أي بيت في إسبانيا. وعند دخولنا إلى المطعم، كان التلفاز يبث شريطا وثائقيا رياضيا حول سباق الدراجات خلال فترة السبعينات. وفي هذا الصدد، قالت صاحبة المطعم، مارتا رودريغيز، إن إحدى الحريفات طلبت منها يوم الجمعة الماضي بث الإعلان عن استقلال إقليم كتالونيا، إلا أنها رفضت ذلك نظرا لأن هذا المطعم لا يهتم بالشأن السياسي.
حيال هذا الشأن، وصفت صاحبة المطعم أنصار الحركة الانفصالية الكتالونية بالطائفة الفاشية. كما اعترفت رودريغيز بانتمائها للمنظمة النقابية “الاتحاد الوطني للعمل” منذ كانت في سن الثامنة عشر، كما قالت محدثتنا إن “اللاسلطوي قومي لا يعرف حدودا، سأحرق كل الأعلام”.
من التظاهر السلمي إلى الحرب الأهلية
دعا الاتحاد الوطني للعمل إلى شن إضراب عام احتجاجا على الممارسات القمعية التي مارسها أعوان الأمن يوم الاستفتاء ضد مؤيدي استقلال إقليم كتالونيا. وعلى خلفية ذلك، أغلقت رودريغيز مطعمها. في اليوم ذاته، وبينما كانت هذه الأخيرة واقفة على باب مطعمها، دخل مجموعة من الشباب المؤيدين للانفصال ودفعوها إلى الداخل ثم أحرقوا الصور. وإثر ذلك، أسدلوا ستائر المطعم لتبقى صاحبته محتجزة في الداخل.
على خلفية ذلك، أوردت رودريغيز أنه “لقد قدمنا شكوى في حق هؤلاء الشبان. ومن المحزن أن فعلتهم قد تكلفهم السجن لثلاث سنوات، ورغم فعلتهم أشعر بالحزن والألم حيال هؤلاء الشبان”. وتابعت رودريغيز قائلة “لقد تحطم المجتمع الكتالوني منذ أجيال. وسيبقى الشعور بالغضب حيال عدم تحقق حلم الاستقلال راسخا لدى أنصار الانفصال لوقت طويل. كما أعتقد أن الاستفتاء الذي جرى مؤخرا أشعل فتيل الحرب الأهلية”.
تظاهر مجموعة من الشبان المؤيدين للحكومة الإسبانية في شوارع برشلونة بغاية استفزاز أهالي كتالونيا، مما أسفر عن سقوط خمسة جرحى
في الوقت الراهن، توجد في إسبانيا حكومتان متوازيتان. ففي الوقت الذي كلف فيه رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، نائبته سورايا ساينز دي سانتا ماريا بإدارة شؤون إقليم كتالونيا، توجه رئيس حكومة إقليم كتالونيا، كارلس بوتشدمون، بكلمة من مقر الحكومة بغيرونا قال فيها “يعتبر البرلمان السلطة الوحيدة القادرة على عزلي. لذلك، أدعو المعارضة الديمقراطية إلى تفعيل الفصل 155 من قانون الطوارئ. كما أدعو الشعب الكتالوني إلى تجنب العنف والإهانات”.
في بعض الأحيان، يهاجم السياسيون بعضهم البعض. أما مساء السبت الماضي، تظاهر مجموعة من الشبان المؤيدين للحكومة الإسبانية في شوارع برشلونة بغاية استفزاز أهالي كتالونيا، مما أسفر عن سقوط خمسة جرحى. وبعد يوم من الإعلان عن استقلال حكومة كتالونيا، عم الهدوء في مدينة برشلونة، حيث يعيش ثلث الكتالونيين، علما وأن المواطنين القاطنين في المدينة لا يؤيدون فكرة الانفصال كثيرا مقارنة بسكان الريف.
من جهة أخرى، دعت مجموعة من الناشطين السياسيين تحت راية “نداء من أجل الديمقراطية” من خلال تغريدة على موقع تويتر إلى تنظيم حملة تحت عنوان “لندّخر الطاقة”، مع العلم أن السلطات الإسبانية قد حظرت الموقع الإلكتروني الخاص بهذه المجموعة. ولكن لسائل أن يسأل، ما هي غاية هذه الحملة؟ في هذا الإطار، أوردت صحيفة “البايس” الإسبانية أن الناشطين السياسيين المؤيدين للاستقلال كوّنوا حكومة سرية على شبكة الإنترنت تضم حوالي أربعة آلاف سياسي.
هل يوجد طريق ثالث؟
في إطار الإعلان عن الإجراءات الجبرية، حدد راخوي تاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر القادم موعدا لإجراء انتخابات جديدة في إقليم كتالونيا. أما خلال الأسبوع الماضي، أعلنت حكومته عن إجراء انتخابات جديدة في غضون ستة أشهر. ولكن، يبدو أن راخوي بادر بتعيين موعد الانتخابات نظرا لرغبته في حل برلمان كتالونيا في أسرع وقت ممكن. وعموما، تعتبر الانتخابات الجديدة بارقة أمل بالنسبة للكتالونيين.
في المقابل، اعتبرت الصحف الكتالونية الكبرى، على غرار “لافانغوارديا” و”البيريوديكو” هذه الانتخابات بمثابة “أخف الضررين”. من جهتها، تعتبر “الجمهورية الكتالونية” هذه الانتخابات قرارا مسقطا من قبل دولة أجنبية. من هذا المنطلق، دعت القيادية في حزب الاتحاد الشعبي الكتالوني، ميريا بويا، إلى تنظيم مظاهرات ضخمة يوم الانتخابات.
أما بقية الأطراف السياسية الأخرى، مثل الائتلاف الحزبي “معا من أجل نعم”، الذي حصد 39.6 بالمائة من الأصوات خلال انتخابات 2015، فلم تبد موقفا محددا تجاه هذه الانتخابات. وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، تكوّن الائتلاف الحاكم في إقليم كتالونيا بين الحزب الأوروبي الديمقراطي الكتالوني وحزب يسار كتالونيا الجمهوري، الذي يرأسه أرتور ماس، علما بأن هذا الأخير يحاول منذ الأيام الفارطة إقناع بوتشدمون بإجراء انتخابات جديدة.
تخلى القائد العام للشرطة الكتالونية، جوسيب لويس ترابيرو، عن منصبه ليخلفه فيران لوبيز المعروف بولائه للحكومة الإسبانية. لذلك، يبدو أن الطريق أمام الحكومة المركزية في ظل هذه الظروف سيكون مليئا بالألغام
وفق استطلاعات الرأي، يعتبر حزب يسار كتالونيا الجمهوري أقوى حزب. ومن المرجح أن يستفيد من الانتخابات القادمة. علاوة على ذلك، يدور نقاش بين مختلف الأحزاب الكتالونية حول إجراء استفتاء قانوني، كما يفكر حزب يسار كتالونيا الجمهوري في تكوين قائمة مشتركة مع حزب بوديم، وهو حزب منشق عن حزب بوديموس.
أما حسب استطلاع رأي أجري بتفويض من صحيفة “البايس” يوم الخميس الماضي، تبين أن 41 بالمائة من أهالي كتالونيا يؤيدون الإعلان عن الانفصال من جانب أحادي مثلما حدث يوم الجمعة الماضي. في المقابل، يفضل 46 بالمائة من الكتالونيين البقاء ضمن التراب الإسباني مع توسيع نطاق الحكم الذاتي. من جانب آخر، يدين 46 بالمائة من الكتالونيين بالولاء إسبانيا وكتالونيا على حد السواء، فيما يعتز 44 بالمائة من المستجوبين بالانتماء لإقليم كتالونيا، بينما يرى 52 بالمائة من الكتالونيين أن إجراء انتخابات جديدة يعد السبيل الأفضل للخروج من الأزمة.
في الواقع، تساند أقلية من أنصار الأحزاب الكتالونية مقترح إجراء انتخابات جديدة. وحسب تصريح أدلى به ممثل الحكومة الإسبانية في كتالونيا، إنريك ميلو، فإن الحكومة الإسبانية لا تنوي حظر أي نشاط حزب قبل موعد الانتخابات.
من جهته، أورد ممثل الحكومة الإسبانية، مينديز دي فيجو، أنه “من واجب بوتشدمون وبقية القيادات السياسية الكتالونية المشاركة في الانتخابات. وبذلك، يمكن لأهالي كتالونيا تقييم سياسة رئيس حكومتهم”. ومع ذلك، سيمثل كل من بوتشدمون والرجل الثاني في الحكومة الكتالونية، أوريول جونكيراس، أمام القضاء الإسباني بتهمة العصيان. ووفق التقارير الإعلامية، سترفع النيابة العامة الإسبانية دعوى ضد بوتشدمون لدى المحكمة العليا الإسبانية.
تبقى الطريق مليئة بالألغام أمام الحكومة المركزية
يوم السبت الماضي، عم الهدوء مدينة برشلونة، في حين دعت منظمة المجتمع المدني الكتالوني المؤيدة للحكومة الإسبانية إلى تنظيم مظاهرة تنادي بالبقاء ضمن إسبانيا اليوم الأحد. وفي صورة تكرر سيناريو القمع البوليسي، مثلما جد يوم الاستفتاء، فإن أهالي كتالونيا لن يتجهوا نحو مكاتب الاقتراع. وعلى النقيض، ستكسب الحكومة الإسبانية المزيد من المصداقية في صورة تمكن المكلّفة بإدارة إقليم كتالونيا سانتا ماريا من تحقيق السلم الاجتماعي إلى حدود الانتخابات الجديدة.
أما مؤخرا، تخلى القائد العام للشرطة الكتالونية، جوسيب لويس ترابيرو، عن منصبه ليخلفه فيران لوبيز المعروف بولائه للحكومة الإسبانية. لذلك، يبدو أن الطريق أمام الحكومة المركزية في ظل هذه الظروف سيكون مليئا بالألغام.
المصدر: فيلت