تعتزم الحكومة المغربية برئاسة رئيس الوزراء سعد الدين العثماني، الالتجاء إلى الأسواق المالية الخارجية فضلاً عن السوق الداخلية لتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة الناجم عن عدم تغطية الإيرادات للنفقات، مما يهدّد كاهل المملكة ويزيد من أعباء خدمة الديون التي بلغت مستويات متقدّمة لها أن تؤثّر على النموذج التنموي للبلاد.
7 مليارات دولار
تضمن مشروع قانون الموازنة العامة للمغرب للسنة القادمة 2018، التجاء المملكة إلى اقتراض نحو 7 مليارات دولار، من أجل مواجهة جزء من نفقات الاستثمار المقررة في مشروع الموازنة، وتأتي هذه القروض التي ستغذّي موارد الموازنة عبر قروض داخلية متوسطة وطويلة الأجل بقيمة 4.5 مليار دولار، وقروض خارجية بنحو 2.5 مليار دولار، وتتطابق قيمة القروض الجديدة مع ما تم الحصول عليه خلال العام الحاليّ، والتي بلغت 4.7 مليار دولار من السوق المحلية و2.3 مليار دولار خارجيًا.
ويتوقع المغرب في مشروع موازنته العامة، ارتفاع المداخيل الجارية للميزانية العامة إلى 25.2 مليار دولار أي بنسبة 4.3% وزيادة النفقات الجارية للميزانية العامة بنحو 3% لتبلغ مستوى 23 مليار دولار، ضمنها 11.6 مليار دولار خاصة بالموظفين، و1.5 مليار دولار مخصصة لدعم أسعار المواد الأساسية (السكر وغاز البوتان).
بلغت المديونية الحكومية الإجمالية في المملكة المغربية 93 مليار دولار
وجرى إعداد مشروع الموازنة الحكومية لعام 2018، الذي عرضته الحكومة على البرلمان وبدأت مناقشته من طرف مجلس النواب مطلع الأسبوع الماضي، على أساس توقع تحقيق الاقتصاد المغربي معدل نمو بنسبة 3.2%، بعد 4.6% خلال العام الحاليّ، وافتراض أن عجز الميزانية لن يتجاوز 3%، ومعدل سعر غاز البوتان في حدود 380 دولارًا للطن، وتقدير حجم إنتاج المغرب من القمح بنحو 70 مليون قنطار، وسبق أن أصدر صندوق النقد الدولي في شهر أغسطس الماضي، بعد اختتام مجلسه التنفيذي للمراجعة الثانية لأداء الاقتصاد المغربي في ظل اتفاق “خط الوقاية والسيولة”، توصية للمملكة تشدد على ضرورة التحكم في عجز الموازنة.
وبلغت المديونية الحكومية الإجمالية في المملكة المغربية 93 مليار دولار، وأصبحت تمثل 67% من الناتج الخام الإجمالي للمملكة خلال السنة الحالية، وتتكوّن هذه المديونية من الدين الداخلي الذي تبلغ نسبته 78.3%، ومن الدين الخارجي الذي بلغت نسبته 21.7%، فيما وصلت خدمة الدين إلى 13 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية.
وخلال سنة 2016، ارتفع حجم الدين الخارجي للبلاد إلى 31 مليار دولار تقريبًا مقابل 30 مليار دولار تقريبًا عام 2015، حسب وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، التي أشارت أيضًا في تقرير لها إلى أن الدين الخارجي للخزينة يمثل 30.8% من الناتج المحلي في 2016 مقابل 30.6% في 2015.
تراجع نمو الاقتصاد المغربي
وفيما يتعلق بتوزيع حجم الدين، فإن الدين الثنائي الأطراف يمثل 28.9% ودول الاتحاد الأوروبي تبلغ 19.8% والدول العربية 2.8% والمؤسسات الدولية 45.9% والبنوك التجارية وأسواق المال الدولية 25.2% ودول أخرى 6.3%، وبالنسبة لتوزيع الدين الخارجي حسب العملة بلغت نسبة الديون باليورو 61.4% والدولار 26.7% والين الياباني 3.8% وباقي العملات 8.1%، وحسب نوع سعر الفائدة، جاء الدين بسعر الفائدة الثابت بنسبة 74.3%، فيما مثل الدين بسعر فائدة متغيرة نسبة 25.7%.
الحكومة تطمئن المواطنين
رغم محاولات الحكومة المغربية طمأنة المغاربة بأن الدين متحكم فيه ويجرى تسديده ولا خوف منه، يرى خبراء الاقتصاد عكس ذلك، محذّرين من تداعيات الارتفاع الكبير لنسبة الدين العام على اقتصاد المملكة الناتج عن تراجع الاقتصاد وعدم تعبئة الدولة كل الموارد الجبائية المفترض تسخيرها من أجل تمويل الإنفاق العمومي، ويفرض القانون التنظيمي الحالي للموازنة على الحكومة أخذ الإذن من البرلمان قبل اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، إضافة إلى إلزامها بتوجيه القروض حصريًا لتمويل الاستثمار.
وخلال تقديمه لمشروع قانون الموازنة العامة للمملكة، الخميس الماضي، قال محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية المغربي: “الحجم الحاليّ للمديونية المغربية متحكم فيه ولا يبعث على القلق”، وأضاف “المستوى الحاليّ للمديونية لا يشكل أي خطر، ويكفي أن نقارن وضعيتنا بأوضاع البلدان التي توجد في نفس مستوانا، والتي تفوق نسبة المديونية فيها 100% من الناتج الخام الداخلي، لكن يجب أن نحرص على عدم تجاوز المستوى الحالي”.
وتابع في ذات السياق “لا يمكن للحكومة أن تقترض إلا بهدف تمويل الاستثمار، وهذه تشكل أكبر ضمانة ضد الانزلاقات”.
السبب الأبرز وراء ارتفاع حجم المديونية بالمغرب يعود لاختيارات المملكة الاقتصادية والمالية
وترى الحكومة المغربية استحالة القيام باستثمارات وتمويل المشاريع التنموية في المملكة دون اللجوء إلى القروض الداخلية أو الخارجية، في هذا الشأن قال وزير الاقتصاد: “لا يمكن تصور إمكانية القيام باستثمارات كبيرة دون اللجوء إلى القروض، فلو اعتمدنا فقط على مواردنا الضعيفة فإن المشاريع التي كان يمكن أن تنجز في ثلاث سنوات ستحتاج إلى مئة عام، وما دام القانون يفرض توجيه القروض حصريًا نحو الاستثمار، ويفرض حصول الحكومة على إذن من البرلمان للاقتراض من الخارج، فنحن مطمئنون”.
في مقابل ذلك يؤكّد خبراء، أن السبب الأبرز وراء ارتفاع حجم المديونية بالمغرب يعود لاختيارات المملكة الاقتصادية والمالية، لأن النموذج التنموي المغربي يراهن على الخارج من خلال الاندماج في العولمة، وعلى الصادرات لتكون قاطرة للتنمية، وعلى مداخيل السياحة والاستثمارات الأجنبية لتغذية رصيد العملة الصعبة بحثًا عن وضع مريح في العلاقة مع الخارج، ويمثّل الدين العام (الخارجي والداخلي) نسبة 82% من الناتج الإجمالي المحلي ويفترض تقليصها إلى 60%، نزولاً عند توصيات صندوق النقد الدولي.
ومن العوامل المؤثّرة في ارتفاع حجم الدين الخارجي العمومي، أيضًا، تأثير سعر الصرف نتيجة ارتفاع قيمة العملات الأجنبية الرئيسية مقابل الدرهم المغربي، مما كلّف ميزانية الدولة أموالاً طائلة تدفع في إطار خدمة الدين، ويرى خبراء أن في حال استمرار المنحى التصاعدي للديون العمومية، فإن الدولة ستجد نفسها مجبرة على اعتماد سياسة التقشف التي يمكن أن تكون لها نتائج جد مكلفة على المملكة والمواطنين.
تداعيات كبيرة
إضافة إلى نتائجها السلبية على اقتصاد البلاد والقدرة المعيشية للمواطنين، ترهن الديون الخارجية المملكة للمؤسسات المالية الدولية، وتصبح الأولوية سداد ديونها الكبيرة، التي تتراكم يومًا بعد يوم نتيجة الفوائد المالية، بدل التركيز على التنمية والإصلاحات الداخلية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على حياة مواطنيها، ولا سيما أصحاب الدخل الضعيف، وعادة ما تجبر الصناديق المالية الدولية، الدول التي تقترض منها على القيام بإصلاحات لفك الاختناق الاقتصادي الذي تعانيه تلك الدول، بهدف ضمان استرداد ديونها أولاً، وثانيًا لإجبار تلك البلدان على الاندماج في نظام الاقتصاد الدولي القائم على تحرير التجارة.
البنك المركزي المغربي
من هذه الإصلاحات التي تطالب بها الصناديق المقرضة على رأسها صندوق النقد الدولي، تخفيض نفقات التسيير والاستثمار وخفض نفقات الدعم وخصخصة القطاعات العمومية وتحرير التجارة الخارجية والإصلاح الضريبي، وهو ما يرتدّ مباشرة بصفة سلبية على حياة المواطنين الاجتماعية، حيث تلتهب أسْـعَار المواد الاستهلاكية وتزداد البطالة وتتوسع الهوة أكثر بين الفقراء والأغنياء.