لم تكد جراح سكان بنغازي والمناطق المجاورة لها تندمل من فاجعة نبش القبور والتنكيل بالجثث التي أقدم على القيام بها قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر في مارس الماضي، حتى استفاقوا على فاجعة جديدة، في مدينة الأبيار شرق بنغازي، فمن يتحملّ مسؤولية ذلك؟
36 جثة مكبّلة الأيدي
مساء الخميس الماضي، عُثر على عشرات الجثث التي عُذب أصحابها قبل تصفيتهم رميًا بالرصاص، في مدينة الأبيار التي تبعد نحو 70 كيلومترًا شرق بنغازي، في واقعة تعتبر الأحدث في سلسلة وقائع مماثلة تمّ خلالها العثور على جثث بعضها يحمل علامات التعذيب والإصابة بطلقات نارية في هذه المنطقة التي تسيطر عليها قوات الكرامة التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر.
تعود أغلب الجثث لمقاتلين منتمين لمجلس شورى بنغازي أو لمؤيدين لهذا التنظيم
وأظهر فيديو تم تداوله على مواقع التواصل، تنكيلاً بالجثث “المكبلة الأيدي” من أحد الأشخاص داخل المستشفى، حيث حمل عصا وراح يخبط بها وجوه وأجساد الموتى، وأحصت السلطات شرق البلاد وجود 36 جثة لمواطنين ليبيين في طريق مصنع الأسمنت بين بلدة الأبيار ومدينة بنغازي في منطقة تقع تحت نفوذ قوات حفتر، مكبّلة الأيدي وعليها آثار طلقات رصاص في أنحاء متفرقة من الجسد.
ووفقًا لوسائل إعلام محلية، فقد تم التعرف على هويات بعض الجثث وتبيّن أنها تعود لمقاتلين منتمين لمجلس شورى بنغازي أو لمؤيدين لهذا التنظيم، قُبض عليهم في فترات مختلفة وأودعوا في سجون سريّة، ومن بين القتلى مصطفى محمد المغربي الذي أجرت قناة “الحدث” المقربة من حفتر لقاءً معه في مايو/أيار الماضي، ومفتاح محمد حمي شاب درس في لندن وقبض عليه في سبتمبر/ أيلول الماضي، في مطار بنينا عند قدومه لبنغازي، بتهمة معارضته لحراك حفتر على صفحات التواصل الاجتماعي.
وبين الضحايا أيضًا أحمد عمران السحاتي، أخ قائد كتيبة راف الله السحاتي، أبرز الكتائب التي ساهمت في إسقاط نظام القذافي عام 2011، وأعلنت قوات مقربة من حفتر القبض عليه منذ أشهر وإيداعه سجونها، بالإضافة إلى مفتاح البكوش الورفلي الذي قبض عليه قبل شهرين داخل أحد المساجد في أثناء تأديته للصلاة، بتهمة معارضته لحراك حفتر.
إعدامات ميدانية
أعادت هذه التصفية الجسدية الجماعية إلى الأذهان عمليات القتل الجماعي التي نُفذت ضد مدنيين ومقاتلين مصابين في مدينة بنغازي رميًا بالرصاص، من أبرزها التصفيات التي تقوم بها قوات حفتر ضدّ معارضيها من المدنيين والمقاتلين على حدّ سواء.
إعدامات جماعية سابقة في بنغازي
وفي يوليو الماضي، نشر مقطع فيديو على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أظهر محمود الورفلي آمر المحاور بالقوات الخاصة “الصاعقة” الموالية لحفتر، وهو يشرف على إعدام 20 محتجزًا، وظهر الورفلي وهو يعطي أوامر لجنود ملثمين تقدموا نحو محتجزين يرتدون ملابس برتقالية موحدة، تشبه ما كان يرتديه ضحايا تنظيم داعش في سرت، بينما كانت أيديهم مكبلة خلف ظهورهم وعيونهم معصوبة، وعندما يسمع الجنود أوامر الورفلي يتقدمون ويطلقون النار على رؤوس المحتجزين، ثم يمطرونهم بوابل من الرصاص للتأكد من موتهم.
تثير عمليات التصفية الجماعية التي تُنفذ بين الحين والآخر خارج القانون خاصة في الشرق الليبي الذي يسيطر عليه قوات حفتر، قلق الليبيين
وتتهم الجنائية الدولية محمود مصطفى بوسيف الورفلي قائد “قوات الصاعقة”، بتنفيذ إعدامات ميدانية لمدنيين ومقاتلين مصابين بين عامي 2016 و2017، وأفاد بيان الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرُا، أنها أصدرت مذكرة توقيف بحق محمود مصطفى بوسيف الورفلي، الذي يشتبه بأنه مسؤول عن عمليات قتل بمثابة جريمة حرب في إطار النزاع المسلح في ليبيا“.
وتثير عمليات التصفية الجماعية التي تُفذ بين الحين والآخر خارج القانون خاصة في الشرق الليبي الذي يسيطر عليه قوات حفتر، قلق الليبيين والمنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية الدولية بشأن استمرار هذه الجرائم وتزايد عمليات الانتقام، وخطر ذلك على السلم والتماسك الاجتماعي والمصالحة الوطنية ومساعي إقامة دولة قانون.
مسؤولية حفتر
رغم توجيهه تعليماته إلى المدعي العام العسكري، السبت الماضي، بفتح تحقيق في الواقعة بناءً على البلاغات التي وصلت إليه من الأجهزة الأمنية مرفقة بالتقارير حولها، لم يسلم اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الاتهامات الموجّهة ضدّه والتي تتهمه بتحمّل مسؤولية هذه الجريمة، خاصة أنه يسيطر على سجون المنطقة العلنية ومعتقلاتها السرية.
ويؤكّد معارضون لحفتر مسؤولية هذا الأخير عمّا وقع خاصة أن الجريمة حدثت في منطقة تحت تقع سيطرته، في غضون ذلك، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج في العاصمة الليبية طرابلس، فتح تحقيق عاجل بالتنسيق مع النيابة العامة للكشف عن ملابسات هذه الجريمة واعتقال مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، مؤكدًا أن “هذه الجريمة والجرائم كافة لن تمر دون عقاب رادع وقصاص مُستحق طال الزمان أم قصُر”.
اللواء المتقاعد خليفة حفتر
من جانبها استنكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بأشد العبارات، ما وصفتها بـ”الجريمة البشعة”، ودعت بعثة الأمم المتحدة، إلى إجراء تحقيق فوري لجلب الجناة للعدالة، فيما عبّرت السفارة الإيطالية في ليبيا عن صدمتها من صور الجثث التي وجدت في مدينة الأبيار، ووصفت السفارة هذه الواقعة بـ”الجريمة البشعة”، مطالبةً بعدم إفلات القائمين على هذه الجريمة من دون عقاب، كما طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بفتح تحقيق شفاف وتحديد المسؤولين عن الجريمة وإحالتهم إلى القضاء لنيل عقوباتهم.