تستضيف العاصمة المصرية القاهرة اليوم الخميس 21 مارس/آذار 2024 اجتماعًا موسعًا يشارك فيه وزراء خارجية 5 دول عربية هي مصر والسعودية وقطر والأردن والإمارات، بجانب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، حيث يلتقون وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي يزور المنطقة حاليًّا لبحث سبل وقف الحرب في غزة.
يأتي هذا اللقاء ضمن جدول أعمال زيارة بلينكن للشرق الأوسط، التي بدأها الأربعاء 20 من الشهر الحاليّ إلى مدينة جدة السعودية حيث التقى كبار المسؤولين في المملكة وعلى رأسهم ولي العهد ووزير الخارجية، وتناقش معهم الوضع في غزة وتطورات المشهد في البحر الأحمر وخليج عدن.
كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أشارت في بيانها الأول بشأن جولة بلينكن، إلى أنها ستشمل السعودية ومصر فقط، لكنها عادت لتضيف “إسرائيل” كمحطة ثالثة، حيث من المقرر أن يزورها الجمعة 22 مارس/ آذار الحاليّ بعد مغادرته للقاهرة، مختتمًا بها تلك الجولة.
#عاجل | بلينكن: أكدت مجددا التزامنا بالسلام والأمن الدائمين في المنطقة#حرب_غزة pic.twitter.com/RS34U82sSx
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 21, 2024
تتزامن الزيارة مع استئناف المحادثات بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وحكومة الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة، بوساطة مصرية قطرية أمريكية، التي انطلقت الإثنين 18 مارس/آذار، من أجل إبرام اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وسط انخفاض مستوى التفاؤل في ظل التباين الشديد في وجهات النظر.
تعد جولة بلينكن هي السادسة لوزير الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمعدل زيارة كل شهر تقريبًا، دون أن تُسفر الزيارات الـ5 السابقة عن أي منجز فيما يتعلق بالأهداف المعلنة لها التي تتخذ من التهدئة ووقف الحرب عنوانها الظاهري، ليبقى السؤال: ماذا يريد بلينكن من وراء جولته السادسة رغم فشل ما سبقها في تحقيق أهدافها؟
مصلحة الاحتلال أولًا
بعيدًا عن الشعارات الرنانة التي اعتاد بلينكن ترديدها مع كل زيارة للمنطقة، فإن مصلحة الاحتلال هي الغلاف الرئيسي لحقيبته خلال جولاته الـ6، حيث كشف خلال زيارته للسعودية ولقائه ولي العهد عن تفاصيل مشروع القرار الأمريكي المقدم إلى مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة.
رغم استخدام واشنطن حق الفيتو لإجهاض مشروعات قرارات لوقف إطلاق النار في القطاع 3 مرات قبل ذلك، فإن هذه هي المرة الأولى التي تتقدم فيها بمشروع قرار لوقف الحرب، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات التي سرعان ما تلاشى الجدل حولها بعدما كشف بلينكن تفاصيل هذا المشروع المقدم.
قال بلينكن خلال تصريحات متلفزة له في السعودية إن مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار مرتبط بالإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حماس، لافتًا إلى أن المشروع سيبعث برسالة قوية وبمؤشر قوي على حد قوله.
حاول وزير الخارجية الأمريكية استمالة عواطف المجتمع الدولي من خلال التأكيد على الحفاظ على حياة المدنيين في القطاع من القصف الإسرائيلي، مضيفًا في تصريحاته: “بالطبع نقف الى جانب إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها.. لكن في الوقت عينه، من الضروري أن نركز على المدنيين الذين يتعرضون للأذى ويعانون بشكل مروع، ونجعل منهم أولوية لنا”.
يعلم بلينكن أن حماس تشترط وقفًا كاملًا لإطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع نظير الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لديها، وأنها ترفض فكرة اختصار الأزمة في الأسرى دون التطرق إلى لب المشكلة وهي الحرب التي لم تتوقف والتنكيل والقتل وحرب التجويع المستمرة بحق سكان القطاع، وهو ما يعني أحد أمرين أو كلاهما: إما إحراج حماس وإلقاء الكرة في ملعبها من خلال هذا الشرط، أو تبني الأجندة الإسرائيلية بحذافيرها، وعلى الأرجح يبدو أنه كلاهما.
كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد ذكرت في بيانها أن مناقشات بلينكن ستتركز حول التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، وضمان عدم قدرة حماس على الحكم أو استعادة قدراتها التسليحية مرة أخرى، كذلك بحث ضرورة إنهاء هجمات الحوثيين على السفن التجارية، واستعادة الاستقرار والأمن في البحر الأحمر وخليج عدن، بما يضمن أمن “إسرائيل” واستقرارها وتوسيع نفوذها الإقليمي.
اجتماع القاهرة.. الدوران في حلقة مفرغة
من المقرر أن تحتضن القاهرة الخميس، اجتماع بلينكن مع وزراء خارجية مصر سامح شكري، والسعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وقطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والأردن أيمن الصفدي، ووزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، بحضور أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وفق ما ذكر بيان الخارجية المصرية الذي لم يتطرق إلى جدول أعمال اللقاء.
التقى بلينكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتباحث معه المستجدات الخاصة بالمشهد داخل القطاع، ومن المقرر أن يعقد اجتماعًا ثنائيًا مع نظيره المصري قبل أن يشارك في الاجتماع الوزاري الموسع مع وزراء خارجية الدول الـ5 المشاركين وممثل السلطة الفلسطينية، وذلك لبحث مسألة عملية رفح وتطمينات واشنطن بشأن الأمن القومي المصري.
ومن المحتمل أن يطرح بلينكن خلال لقائه شكري مقترحًا أمريكيًا بشأن الوضع الأمني على الحدود بين سيناء وقطاع غزة، كأحد الخيارات البديلة المطروحة لعملية رفح، ويتضمن هذا المقترح بحسب مصادر مصرية مطلعة “مشروع أمني يتضمن بنى تحتية وإجراءات محددة على الشريط الحدودي، تضمن عدم بناء المقاومة في غزة ترسانتها العسكرية مجددًا وعدم تسريب السلاح إلى حماس عن طريق المعبر”.
مراسل #الحدث في #مصر تامر نصرت: #بلينكن يلتقي الآن الرئيس #السيسي ثم يدخل في اجتماع ثنائي مع نظيره سامح شكري قبل اجتماعه باللجنة السداسية العربية بشأن #غزة pic.twitter.com/rMZKcEvgLY
— ا لـحـدث (@AlHadath) March 21, 2024
يشكل معبر رفح هاجسًا أمنيًا كبيرًا لدى الاحتلال رغم رسائل الطمأنة المصرية المتكررة، لكن لا يزال الجانب الإسرائيلي يعتقد أن المعبر هو بوابة تسليح حماس وبقية فصائل المقاومة حتى مع غلق المعبر وتدمير الأنفاق وبناء سور خرساني حاجز بين القطاع والأراضي المصرية، وهو الهاجس الذي يمثل ضغطًا على القاهرة ويوقعها أسيرة فخاخ الابتزاز الإسرائيلي والأمريكي بين الحين والآخر.
من المتوقع أيضًا أن ينتهي اجتماع القاهرة كما انتهى اجتماع جدة وكما انتهت اجتماعات الزيارات الـ5 الماضية، دون التوصل إلى اتفاق أو إنجاز ملموس، اجتماعات يغلب عليها سياسة “اللف في الحلقات المفرغة” إذ تتحول إلى مكلمات لتبادل الشعارات الرنانة ورسائل التسكين الإعلامي والسياسي، فيما يمارس الاحتلال جرائمه على مدار الساعة دون أي اعتبار لمثل تلك الاجتماعات التي يعلم المحتل جيدًا أنها لن تسفر عن شيء.
ماذا يريد بلينكن؟
بات واضحًا أن مسألة إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار وبحث التهدئة مجرد شعارات يتشدق بها بلينكن مع كل جولة يقوم بها للشرق الأوسط من بداية الحرب في غزة، وأن هناك أهدافًا محددة يحاول الوزير تحقيقها تحت ستار الوساطة والجولات الدبلوماسية المكوكية التي لا تتوقف.
أولها: حفظ ماء وجه الولايات المتحدة في مواجهة الاتهامات التي تتعرض لها، كونها شريكًا ضالعًا في حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال بحق أطفال ونساء غزة، من خلال المساعدات العسكرية والسياسية والاقتصادية غير المسبوقة التي تقدمها لحكومة نتنياهو منذ بداية الحرب.
كما تحاول إدارة بايدن إيهام المجتمع الدولي بأنها منخرطة في الأزمة وتبذل جهودًا حثيثة لوقف إطلاق النار وإنهاء تلك الحرب التي خلفت حتى الآن أكثر من 31 ألف ضحية، معظمهم من النساء والأطفال، بخلاف حرب التجويع العنصرية التي يتعرض لها أكثر من مليوني مواطن محاصرين في القطاع.
ثانيها: منح حكومة الاحتلال الوقت الكافي لتحقيق أهدافها المعلنة من وراء تلك الحرب، حيث تحاول واشنطن تسكين وتخدير القوى العربية الإقليمية وتحييدها عن ساحة المعركة عبر أوهام الخيار الدبلوماسي لحل الأزمة وبذل المزيد من الجهود السياسية لوقف الحرب.
لكن فيما يزور فيه بلينكن الشرق الأوسط 6 مرات والتصريحات الرنانة الصادرة عن نائبة الرئيس وأعضاء البرلمان والتظاهرات الحاشدة التي تملأ شوارع واشنطن ونيويورك، لم تتوقف جسور المساعدات العسكرية المقدمة لجيش الاحتلال، وتزويده بأحدث الأسلحة والذخائر والقاذفات التي تتساقط على رؤوس الاطفال والنساء والعجزة في القطاع الذي دُمرت بنيته التحتية وحُول إلى بيئة طاردة للحياة.
وأصبح جليًا لكل المتابعين أن ادعاء تباين وجهات النظر والخلاف بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو بشأن الحرب، ليس سوى “مسرحية هزلية” يحاول بها الرئيس الأمريكي تصدير صورة وردية إنسانية لإدارته، إذ إن الطرفين لديهما تطابق كامل في الأهداف والرؤى بشأن الحرب، وإن كان هناك خلاف فلن يتجاوز الخلاف على التكتيكات وليس الإستراتيجيات العامة.
الرئاسة المصرية: السيسي أكد لدى لقائه بلينكن ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/OyJlniza69
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 21, 2024
ثالثها: امتصاص غضب الجالية العربية قبيل الانتخابات، إذ يواجه بايدن موجة متصاعدة من الاحتقان لدى العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بسبب دعمه اللامحدود للاحتلال في حرب الإبادة التي يشنها ضد غزة، وهو ما اتضح جليًا خلال انتخابات الحزب الديمقراطي في ولايتي ميتشغان وجورجيا، فقد امتنع عدد كبير من العرب عن منحه أصواتهم مقارنة بالجولة الانتخابية السابقة.
مثلت تلك الانتخابات بروفة أولية لما قد يكون عليه المشهد في الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في مواجهة منافسه العنيد دونالد ترامب، الأمر الذي دفع بايدن إلى محاولة امتصاص حالة الغضب تلك واستمالة الصوت العربي بأوهام الضغط على الاحتلال وبذل الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب، وتقديم المساعدات الإغاثية لأهل القطاع، فالأمر دعائي انتخابي أكثر من إنساني أخلاقي كما يروج الديمقراطيون.
لا يتوقع أن تخرج جولة بلينكن الحاليّة بأي ثمار كما جولاته السابقة، مكتفية بشعارات حسن النوايا، والتقاط الصور والتصريحات الرنانة، وهي المخرجات التي تزيد “إسرائيل” صلفًا وتمنحها الضوء الأخضر للاستمرار في حربها الوحشية الإجرامية ضد قطاع غزة الذي يحارب على جبهتي الاحتلال والخذلان.