كشفت الأيام القليلة الماضية النقاب عن تصاعد مؤشرات التطبيع مع الكيان الصهيوني بصورة ملحوظة في شتى المجالات، اقتصاديًا وسياسيًا ورياضيًا وحتى عسكريًا، بدءًا بما جاء على لسان رئيس اتحاد الجودو الإماراتي محمد الدرية، أمس الأحد، حين قدم اعتذاره ﻟﻨﻈﻴﺮه ”ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ” ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻋﺪﻡ ﺭﻓﻊ ﻋﻠﻢ “إسرائيل” ﺧﻼﻝ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺭﻳﺎﺿﻴﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺃﻗﻴﻤﺖ ﻣﺆﺧﺮًﺍ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ، بمشاركة لاعبين إسرائيليين، ﻭﺑﺤﺴﺐ صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻬﺪﺕ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ ﺑﺮﻓﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻞ، ﺧﻼﻝ ﻣﺒﺎﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻮﺩﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ.
مرورًا بما كشفته صحيفة “جيروزاليم بوست” أول أمس، بشأن إجراء عدد كبير من الشركات الإسرائيلية محادثات عديدة ومكثفة مع صندوق الاستثمار العام السعودي للمشاركة في مشروع مدينة نيوم (NEOM)، الذي أعلن ولي العهد السعودي تدشينه، والمقرر له أن يقام على أراضٍ من السعودية والأردن ومصر، باستثمارات إجمالية تقدر بـ500 مليار دولار.
هذا بخلاف الخطاب الشهير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام الأمم المتحدة سبتمبر الماضي والذي أكد من خلاله حرصه الشديد على “أمن المواطن الإسرائيلي” الذي ناشده بالوقوف خلف قيادته السياسية، وهو الخطاب الذي وصفه البعض بأنه قمة مراحل التطبيع العربي منذ كامب ديفيد، أعقبه لقاء جمعه ورئيس حكومة تل أبيب بنيامين نتنياهو، جسدت فيه الضحكات المتبادلة بينهما حجم ما وصلت إليه العلاقات المشتركة من حميمية.
وصولًا إلى مشاركة رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، في أعمال المؤتمر الدولي الذي استضافته العاصمة الأمريكية واشنطن، الأسبوع الماضي، لبحث سبل مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بسوريا والعراق، بمشاركة رؤساء أركان جيوش بعض الدول العربية على رأسها مصر والإمارات والسعودية والأردن، لتعيد هذه الأحداث المتلاحقة ملف التطبيع إلى الأضواء مجددًا.
الإرهاصات الأولى
ليس كما يعتقد البعض أن بداية التطبيع مع الكيان الصهيوني كانت في أعقاب توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” 1978، بل تعود الإرهاصات الحقيقية إلى عام 1948 حين وضعت دولة الاحتلال أولى أقدامها فوق أرض فلسطين، إلا أن ممارسات التطبيع حينها كانت في إطار السرية.
ثم جاءت كامب ديفيد لتنقل التطبيع من مرحلة الخفاء إلى العلن، تبعتها المملكة الأردنية الهاشمية هي الأخرى عام 1994 عبر اتفاقية “وادي عربة”، ورغم الرفض الشعبي حينها لمثل هذه الاتفاقيات التي اقتصرت في مراحلها الأولى على التعامل الرسمي فقط، غير أن ومع مرور الوقت بات الأمر مستساغًا لدى قطاعات عريضة من الجماهير العربية على المستويات كافة، بفضل المخططات التي بذلتها بعض العواصم العربية المهرولة إلى بناء شراكات مع تل أبيب.
وفي الـ10 سنوات الأخيرة تحديدًا وبفضل المستجدات الإقليمية والسياسية قفزت مسيرة التقارب العربي الإسرائيلي قفزات خطيرة، وشهدت نقلة نوعية وضعت بعض الكيانات العربية على خريطة التطبيع بصورة واضحة، وهو ما كُشف عنه فيما بعد من خلال التسريبات الصحفية تارة والإلكترونية تارة أخرى.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة على رأس قائمة الدول العربية – غير الموقعة اتفاقيات رسمية – التي أقامت نوافذ للتطبيع غير مسبوقة في التاريخ العربي كله، تخطت البُعد السياسي إلى آفاق اقتصادية وعسكرية وأمنية وصلت في بعض الأحيان إلى النيابة عن تل أبيب في القيام ببعض الجوانب الاستخباراتية ضد الجانب الفلسطيني، تليها السعودية التي تدرجت في علاقاتها مع الكيان الصهيوني عبر عدة مراحل، بدءًا بمرحلة الرفض الكامل ثم الاتصالات غير الرسمية المرفوضة مرورًا باللقاءات السرية وصولًا إلى الانتقال إلى المرحلة العلنية، لتصبح المملكة شريكًا أساسيًا في اتفاقية السلام الموقعة بين مصر ودولة الاحتلال، وذلك حين تفرض سيادتها فوق جزيرتي تيران وصنافير، التي تأتي في إطار المخطط الأمريكي الذي يسمى إعلاميًا بـ”صفقة القرن”.
ليس كما يعتقد البعض أن بداية التطبيع مع الكيان الصهيوني كانت في أعقاب توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” 1978، بل تعود الإرهاصات الحقيقية إلى عام 1948
التطبيع السياسي
كان الاعتراف المصري بقيام دولة الكيان الإسرائيلي عبر توقيع كامب ديفيد اللبنة الأولى لبناء مرحلة التطبيع التي تمددت فيها بعد لتشمل الأردن، ثم بعد ذلك انتقلت إلى بعض الدول العربية الأخرى لكن بصورة غير رسمية، كانت في البداية في إطار السرية قبل أن تظهر مؤخرًا إلى العلن.
فبعيدًا عن موقف القاهرة وعمان من التقارب مع تل أبيب بحكم اتفاقيتي السلام الموقعتين والتي تخول لكل منهما الارتقاء بمستوى العلاقات إلى أعلى مراحل الدبلوماسية، حيث تبادل فتح السفارات بينهما فضلًا عن ضرورة الالتزام ببنود الاتفاقيتين بمختلف قطاعاتها، يمكن الوقوف على أبرز المحطات في مسيرة قطار التطبيع السياسي للدول العربية الأخرى خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص للكشف عن مساعي الهرولة العربية نحو التقارب مع تل أبيب رغم ما يثار عبر وسائل الإعلام من ادعاءات العداء والكراهية.
إماراتيًا.. نشر موقع “ويكيليكس” وثيقة مؤرخة بـ24 من يناير 2007، كشفت تدفق وفود إسرائيلية وأمريكية يهودية على دولة الإمارات سرًّا، كما نقلت تصريحات منسوبة لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قال فيها لـ”شيمون بيريز” نصًا إن الإمارات لا تعتبر “إسرائيل” عدوًا، واليهود مرحب بهم في الإمارات، كما تعد أول عاصمة خليجية تستضيف ممثلية دبلوماسية للحكومة الإسرائيلية فوق أراضيها – الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا” – والتي تم تدشينها في 2015 لتشهد أول زيارة لمسؤول إسرائيلي لأبو ظبي، حيث توجه وزير البنية التحتية آنذاك عوزي لانداو للمشاركة في المؤتمر الدوري للوكالة في نفس العام.
كما كشفت صحيفة “هآرتس” عن لقاء جمع بين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، سرًا، بمدينة نيويورك الأمريكية في سبتمبر 2012 ، وأشارت مصادر للصحيفة أن اللقاء جرى في فندق “ريجنسي” بنيويورك، حيث كان مع ابن زايد سفير بلاده في واشنطن يوسف العتيبة، وتم إدخالهما إلى الفندق بشكل سري عن طريق مرآب سيارات تحت الأرض، ثم صعدا بالمصعد الخاص بالخدمات إلى الجناح الذي يقيم فيه نتنياهو.
وفي 2015 صوتت الإمارات بجانب مصر بالموافقة على عضوية “إسرائيل” في لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة، كما قال مدير برنامج سياسات الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون في مقال له أواخر 2016: “إذا نحينا اغتيال المبحوح جانبًا، فإن أوثق العلاقات الإسرائيلية في منطقة الخليج هي مع دولة الإمارات العربية المتحدة”.
وفي شهر مايو 2016 كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن ضلوع دولة الإمارات عن طريق محمد دحلان في تبني مشروع صهيوني يعمل على تهويد مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، عبر شراء منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم العقارية فيها ونقل ملكيتها إلى مستوطنين صهاينة بالتعاون مع شخصيات فلسطينية نافذة.
هذا بخلاف ما كشفته تسريبات البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، بشأن إقامته علاقات ودية وثيقة مع السفير الإسرائيلي في أمريكا رون ديرمر، وأنهما متوافقان تقريبًا في كل شيء، سوى فيما يتعلق بالفلسطينيين، فضلاً عن علاقاته القوية بمؤسسة “الدفاع عن الديمقراطية” المعروفة بولائها المطلق لـ”إسرائيل”، وبتوجهاتها اليمينية المتشددة إزاء الإسلام، وتتلقى تمويلًا من منظمة المؤتمر اليهودي العالمي.
تعد أبو ظبي أول عاصمة خليجية تستضيف ممثليه دبلوماسية للحكومة الإسرائيلية فوق أراضيها – الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا” – والتي تم تدشينها في 2015
سعوديًا.. في تسريب لصحيفة “وول ستريت جورنال” أشارت إلى أن السعودية أوصلت لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع “إسرائيل” من دون شروط، وذلك قبل أيام من زيارته للرياض مايو الماضي، كما أنه لأول مرة في تاريخ البلدين تتوجه طائرة مباشرة من الرياض إلى تل أبيب وذلك حين حطت الطائرة الرئاسية للرئيس الأمريكي في مطار بن جوريون في تل أبيب قادمة مباشرة من الرياض عقب انتهاء زيارته في مايو الماضي.
وفي 2016 كشف الأمير الوليد بن طلال عن موقفه من الكيان الصهيوني بشكل واضح، حيث قال في تصريحات له “أفخر بأن أكون أول سفير سعودي لـ”إسرائيل” لأجل العمل مع تل أبيب”، كما يعد أحد أكبر المساهمين في شركة “ديزني” أكبر الشركات العالمية في مجال الترفيه والسينما والرسوم المتحركة، التي تبنت قبل عامين حملة للترويج من أجل جعل القدس عاصمة أبدية لـ”إسرائيل”، كما أن إنتاجها لا يخلو في معظمه من التعريض بالعرب والمسلمين وقيمهم أو الترويج لكل ما هو صهيوني، وكالعادة يسيطر اليهود على الشركة تمامًا.
وخلال الأيام الماضية تناقلت عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء عن قيام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بزيارة سرية إلى “إسرائيل” مشيرة إلى أن هناك اتجاهًا واضحًا لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات الجيدة بين تل أبيب وعدد من الدول العربية ومن بينها السعودية، منوهة إلى الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات السعودية السابق أنور عشقي لـ”إسرائيل” قبل نحو عام تقريبًا.
إذا نحينا اغتيال المبحوح جانبًا، فإن أوثق العلاقات الإسرائيلية في منطقة الخليج هي مع دولة الإمارات العربية المتحدة
أنور عشقي خلال زيارته لـ”إسرائيل” 2015
ليس سرًا أن هناك أصواتًا سعودية نادت في السابق بالتطبيع مع “دولة الاحتلال”، وثمة من ذهب إلى هناك، والبعض إلتقى صهاينة علناً، كما حصل أكثر من مرة مع الأمير تركي الفيصل، الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية، الذي قال في حوار له مع الجنرال الإسرائيلي يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، عن “الأمن والسلام في الشرق الأوسط” في مايو 2016: “أمنيتي الأكبر، وأتمنى أن يمكنني تحقيق ذلك غدًا، هي أن أذهب للصلاة في القدس”، وتابع” أملي أنه في حياة أبنائي وأحفادي نكون قد تجاوزنا هذه الخلافات، ونكون كما قلت سابقًا أشخاصًا توصلوا إلى السلام ويمكنهم العمل معًا من أجل وضع أفضل للإنسانية، لذلك، هذا هو الموقف اليوم، وسألتقي الجنرال مجددًا في مناسبات أخرى كما قلت سابقًا”.
لكن أن تبدأ دعوات التطبيع وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بظهير إعلامي كما حدث في الفترة الأخيرة، فهذا يعني أن هناك قرارًا سياسيًا من أعلى المستويات بتدشين مرحلة جديدة، وهذه بالطبع مرحلة محمد بن سلمان ولي العهد الجديد الذي يستعد لاستلام الحكم كأصغر ملك في تاريخ السعودية، وأول ملك من غير أبناء الملك عبد العزيز.
كشف الأمير الوليد بن طلال، عن موقفه من الكيان الصهيوني بشكل واضح، حيث قال في تصريحات له: “أفخر بأن أكون أول سفير سعودي لـ”إسرائيل”
البعض يرى أن رؤية ابن سلمان الجديدة تسعى إلى إخراج المملكة من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو يطمح إلى ثمن لذلك يتمثل في بناء تحالف مع إسرائيل لمحاربة إيران، ويحسب هذا الفريق فإن “إسرائيل” قابلة لأن تكون حليفًا استراتيجيًا.
تونسيًا.. يتصدر مشهد التطبيع في تونس شخصيات سياسية واقتصادية أكثر من الحكومات وهي السمة الغالبة على العلاقات التونسية الإسرائيلية، حيث زار عدد من الشخصيات السياسية التونسية دولة الكيان أكثر من مرة، كما سمحت تونس بزيارة وزير الخارجية الصهيوني السابق سلفيان شالوم للمشاركة في قمة مجتمع المعلومات بتونس عام 2005.
هذا بخلاف عدد من الشخصيات المحسوبة على تيار التطبيع على رأسها: حسين العباسي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل الحالي، حمة الهمامي رئيس حزب العمال الشيوعي، منذر ثابت سياسي، حافظ قايد السبسي نجل رئيس تونس، لزهر العكرمي ومحسن مرزوق القياديين بحزب “نداء تونس”.
مغربيًا.. تتميز المملكة المغربية بوجود جالية يهودية بها هي الأكبر بين الدول العربية، إذ تبلغ نحو 70 ألف مغربي من أصول يهودية بنسبة 02% من إجمالي سكان المغرب وفق إحصاء 2010، هذا بخلاف عشرات الساسة في “إسرائيل” أصولهم مغربية وأبرزهم: إيلي يشا، وزير صناعة إسرائيلي وزعيم حزب شاس اليهودي سابقًا، عمير بيرتز وزير دفاع إسرائيلي سابقًا، بالإضافة إلى وزيري الخارجية السابقين شلومو بن عامي وديفيد ليفي.
ارتفع حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” والدول العربية من 180 مليون دولار في 2004 إلى 513.6 مليون دولار عام 2010، ثم إلى 5 مليار دولار في 2014
هذا بجانب بعض العلاقات الهامشية التي تجمع دولة الكيان وبعض الدول الأخرى كالعراق والسودان فضلاً عن لبنان الذي يعيش ما يقرب من 3 آلاف من سكانه في شمال “إسرائيل”، كذلك ليبيا والتي يوجد ما يزيد على 40 ألف يهودي في دولة الاحتلال من أصول ليبية.
التطبيع الاقتصادي
أبرمت الدول العربية عشرات الاتفاقيات في مجال التعاون الاقتصادي مع “إسرائيل” في شتى المجالات، خاصة التجارة والطاقة، وهما أكثر النوافذ التي استطاعت تل أبيب من خلالهما إنعاش منظومتها الاقتصادية بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية منذ عام 2000 وحتى الآن على وجه الخصوص.
ومن أبرز الاتفاقيات الموقعة بين العرب ودولة الاحتلال تلك الموقعة مع الأردن والتي بموجبها تستورد الأخيرة الغاز الإسرائيلي من حقل “لفيتان البحري” لصالح شركة الكهرباء الأردنية، ونص الاتفاق على تزويد المملكة بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 10 مليارات دولار على مدار الـ15 عامًا المقبلة.
كما نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تقريرًا كشفت فيه عن حجم الصفقات التجارية مع مصر والتي تبلغ سنويًا مئة مليون دولار منذ عام 2004 بعد الصفقة الاقتصادية الكبيرة بينهما وبين الولايات المتحدة في إطار “كويز”، إضافة إلى اتفاقية تزويد القاهرة بالغاز الإسرائيلي.
هذا بخلاف التقارب مع دول الخليج، ففي 12 من أغسطس 2016 نشرت بعض المواقع خبرًا يفيد بهبوط طائرة شحن سعودية في مطار عمان قادمة من مطار بن جوريون في تل أبيب، في يوليو 2017، نشرت صحيفة “بلومبرج” تقريرًا يشير إلى تأكيد وزير الاتصالات الإسرائيلي وجود مفاوضات مع السعودية لتسيير رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى المملكة.
أن تبدأ دعوات التطبيع وإقامة علاقات طبيعية مع “إسرائيل” بظهير إعلامي كما حدث في الفترة الأخيرة، فهذا يعني أن هناك قرارًا سياسيًا من أعلى المستويات بتدشين مرحلة جديدة
بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين تل أبيب وأبو ظبي عن طريق شركة مستقبل الإمارات والتي تربطها علاقات قوية بشركة “حجازي وغوشة” في الأردن وهي شركة رائدة في مجال تصدير المواد الغذائية والمواشي ولها نفوذ قوي داخل الأردن، وبحسب “ميدل إيست آي” تستورد الشركتان، الإماراتية والأردنية، الماشية من أستراليا وأمريكا ثم تسليمها إلى “إسرائيل” عبر ميناء إيلات، حيث يتم نقل الحيوانات على الفور إلى مركز الحجر الصحي القريب في كيبوتس إيلوت، ومن ثم إلى شركة “صالح دباح وأبنائه”.
وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” والدول العربية من 180 مليون دولار في 2004 إلى 513.6 مليون دولار في عام 2010، ثم إلى 5 مليار دولار في 2014، وهناك توقعات بزيادة هذه النسبة خلال السنوات القادمة في ظل الانفتاح الواضح في العلاقات خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
مشاركة الإمارات في مناورات عسكرية مع “إسرائيل” برعاية أمريكية
وفي ديسمبر 2016 كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن مساهمة شركة “أبو ظبي مار” في تصنيع سفن حربية مُخصّصة لتسليح الجيش الإسرائيلي، مشيرةً إلى أن أبو ظبي تعمل بذلك في خدمة الجيش الإسرائيلي.
التطبيع الأمني
كان التعاون الأمني والعسكري حاضرًا بقوة في مسيرة تطبيع العلاقات بين الدول العربية ودولة الاحتلال، وهو ما يعكس طبيعة المرحلة القادمة، سواء فيما يتعلق بالتعاون الاستخباراتي أو المشاركة في مناورات وتدريبات عسكرية أو تبادل المعلومات الأمنية بين الطرفين.
اشتركت عدد من الدول العربية في مناورات عسكرية مع الجانب الإسرائيلي أبرزها في مارس 2017، حين شارك سلاح الجو الإماراتي إلى جانب نظيره الإسرائيلي في تمرين “إنيوخوس 2017″، الذي استضافة اليونان، وشارك فيه أيضًا طائرات أمريكية وإيطالية، ومن قبلها في أغسطس 2016 في مناورات “العلم الأحمر” التي جرت في ولاية نيفادا الأمريكية، هذا بالإضافة إلى التدريبات المشتركة التي شاركت فيها القوات الجوية المصرية والإسرائيلية في قبرص مؤخرًا حسبما صرح وزير الدفاع القبرصي بانوس كامانوس، أوائل أكتوبر الحاليّ.
كما نقل موقع “إنتليجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي، أن الشركة الإسرائيلية “إيه جي تي إنترناشونال” وقعت عقدًا بقيمة 800 مليون دولار لتزويد سلطة المنشآت والمرافق الحيوية في أبوظبي بـ”كاميرات المراقبة، وأسوار إلكترونية وأجهزة استشعار لمراقبة البنية التحتية وحقول النفط الاستراتيجية”، يذكر أن صاحب شركة “إيه جي تي إنترناشونال” هو كوخافي رجل الأعمال الإسرائيلي الأكثر نشاطًا في أبو ظبي.
وفي ديسمبر 2016 كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية النقابَ عن مساهمة شركة “أبو ظبي مار” الرائدة في أعمال الشحن بمنطقة الخليج العربي في تصنيع سفن حربية مُخصّصة لتسليح الجيش الإسرائيلي، مشيرةً إلى أن أبو ظبي تعمل بذلك في خدمة الجيش الإسرائيلي.
علاوة على ذلك فإن التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي بين العواصم العربية ارتفع بصورة كبيرة خلال العقد الأخير، لعل آخره التعاون الاستخباراتي بين تل أبيب والقاهرة في سيناء، وإن كان أبرز أشكال هذا التعاون كان في 2010 حين تم اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في أبو ظبي على يد الموساد الإسرائيلي، حيث أشارت بعض المصادر إلى تسريب أنباء عن وجوده داخل الإمارات عن طريق محمد دحلان المتورط في إبلاغ الجانب الإسرائيلي بتلك المعلومات، هذا فضلاً عن السماح لاسمين من المتورطين في قتله بالإقامة في الإمارات دون ملاحقتهما حسبما أشار تقرير صادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
وهكذا تواصل الدول العربية هرولتها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وما كان بالأمس سرًا بات اليوم معلنًا في إطار الحديث عن توسيع رقعة التقارب في العلاقات مع تل أبيب والمندرج تحت ما يسمى بـ”صفقة القرن” التي تستهدف ذوبان الدولة الصهيونية في المحيط العربي بصورة تضمن لها مستقبل آمن ومستقر، وتسعى من خلاله إلى تحقيق حلمها التاريخي في بسط الهيمنة على المنطقة من النيل للفرات.